بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على أداء سلبي    أسعار اللحوم في المغرب.. انخفاض بنحو 30 درهما والناظور خارج التغطية    وكالة بيت مال القدس تشرع في توزيع المساعدات الغذائية على مؤسسات الرعاية الاجتماعية بالقدس    حادث سير مروع يتسبب في وفاة شخصين بعد اصطدام شاحنتين    إطلاق برنامج طلبات عروض مشاريع دعم الجمعيات والهيئات الثقافية والنقابات الفنية والمهرجانات برسم سنة 2025    بنك المغرب يحذر من أخبار مضللة ويعلن عن اتخاذ إجراءات قانونية    انتخاب المغرب نائبا لرئيس مجلس الوزارء الأفارقة المكلفين بالماء بشمال إفريقيا    أمن فاس يوقف 6 أشخاص متورطون في الخطف والإحتجاز    استئنافية مراكش ترفع عقوبة رئيس تنسيقية زلزال الحوز    مجلس جهة الشمال يصادق على مشروع لإعادة استعمال المياه العادمة لسقي المساحات الخضراء بالحسيمة    مقاييس الأمطار بالمغرب في 24 ساعة    الضفة «الجائزة الكبرى» لنتنياهو    التفوق الأمريكي وفرضية التخلي على الأوروبيين .. هل المغرب محقا في تفضيله الحليف الأمريكي؟    دونالد ترامب يأمر بتجميد المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا    الوكالة القضائية للمملكة تعلن استصدار 360 حكما ضد المحتلين للمساكن الوظيفية    "مرحبا يا رمضان" أنشودة دينية لحفيظ الدوزي    مسلسل معاوية التاريخي يترنح بين المنع والانتقاد خلال العرض الرمضاني    ألباريس: العلاقات الجيدة بين المغرب وترامب لن تؤثر على وضعية سبتة ومليلية    الركراكي يوجه دعوة إلى لاعب دينامو زغرب سامي مايي للانضمام إلى منتخب المغرب قبيل مباراتي النيجر وتنزانيا    أسعار الأكباش تنخفض 50%.. الكسابة يحذرون من انهيار القطاع في جهة الشرق    القناة الثانية (2M) تتصدر نسب المشاهدة في أول أيام رمضان    مصادر: اغتيال مسؤول كبير بحزب الله    وكالة بيت مال القدس تشرع في توزيع المساعدات الغذائية بالقدس الشريف    توقعات أحوال الطقس اليوم الثلاثاء    الاتحاد العربي للجولف يطلق سلسلة بطولات تتضمن نظام تصنيف رسمي ومستقل    بنك المغرب يحذر من محتوى احتيالي    المغاربة المقيمون بالخارج.. تحويلات تفوق 9,45 مليار درهم خلال يناير    مبادرة تشريعية تهدف إلى تعزيز حقوق المستهلك وتمكينه من حق التراجع عن الشراء    الصين تكشف عن إجراءات مضادة ردا على الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة على منتجاتها    جمع عام استثنائي لنادي مولودية وجدة في 20 مارس    فنربخشه يقرر تفعيل خيار شراء سفيان أمرابط    ‬ما ‬دلالة ‬رئاسة ‬المغرب ‬لمجلس ‬الأمن ‬والسلم ‬في ‬الاتحاد ‬الأفريقي ‬للمرة ‬الرابعة ‬؟    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    تصعيد نقابي في قطاع الصحة بجهة الداخلة وادي الذهب.. وقفة احتجاجية واعتصام إنذاري ومطالب بصرف التعويضات    الصين: افتتاح الدورتين، الحدث السياسي الأبرز في السنة    فينيسيوس: "مستقبلي رهن إشارة ريال مدريد.. وأحلم بالكرة الذهبية"    الزلزولي يعود إلى تدريبات ريال بيتيس    الإفراط في تناول السكر والملح يزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان    دوري أبطال أوروبا .. برنامج ذهاب ثمن النهاية والقنوات الناقلة    بتعليمات ملكية.. ولي العهد الأمير مولاي الحسن والأميرة للا خديجة يشرفان على انطلاق عملية "رمضان" لفائدة مليون أسرة مغربية    فرنسا تفرض إجراءات غير مسبوقة لتعقب وترحيل المئات من الجزائريين    بطولة إسبانيا.. تأجيل مباراة فياريال وإسبانيول بسبب الأحوال الجوية    الفيدرالية المغربية لتسويق التمور تنفي استيراد منتجات من إسرائيل    مباحثات بين ولد الرشيد ووزير خارجية ألبانيا للارتقاء بالتعاون الاقتصادي والسياسي    سينما.. فيلم "أنا ما زلت هنا" يمنح البرازيل أول جائزة أوسكار    القنوات الوطنية تهيمن على وقت الذروة خلال اليوم الأول من رمضان    عمرو خالد: هذه أضلاع "المثلث الذهبي" لسعة الأرزاق ورحابة الآفاق    3 مغاربة في جائزة الشيخ زايد للكتاب    المغرب يستمر في حملة التلقيح ضد الحصبة لرفع نسبة التغطية إلى 90%‬    أحمد زينون    كرنفال حكومي مستفز    وزارة الصحة تكشف حصيلة وفيات وإصابات بوحمرون بجهة طنجة    حوار مع صديقي الغاضب.. 2/1    فيروس كورونا جديد في الخفافيش يثير القلق العالمي..    بريسول ينبه لشروط الصيام الصحيح ويستعرض أنشطة المجلس في رمضان    هذا هو موضوع خطبة الجمعة    الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين يستغرب فرض ثلاث وكالات للأسفار بأداء مناسك الحج    المياه الراكدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سباق التسلّح المغاربي.. لماذا وإلى أين؟
نشر في هسبريس يوم 22 - 04 - 2008

على رغم انتهاء الحرب الباردة على الصعيد الدولي، لا زالت أجواء مشحُونة تُسيطر على المغرب العربي، الذي تعيش بُلدانه حالة مُزمِنة من القطيعة والصِّراع، لا تتجسَّد في المناورات السياسية في أروقة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية وحسب، وإنما تُلقي بظلال كثيفة أيضا على علاقاتها مع كِبار تجّار الأسلحة في العالم. ""
يمكن القول، أن التّحالفات القديمة المَوروثة من الحرب الباردة، ما زالت تقود سِباق التسلح لدى بُلدان المنطقة. فالجيش الجزائري، الذي تعوّدت قياداته وكوادِره على الأسلحة الروسية، جدّد العهد مع الحليف السابق وأبرم صفقات ضخمة ومُنوعة مع موسكو.
وكانت العلاقات بين الجانبين وثيقة إلى درجة أن الرئيس الجزائري الرّاحل هواري بومدين توجّه على جناح السّرعة إلى موسكو في أعقاب ثغرة "الديفرسوار" Deversoir، خلال حرب أكتوبر / رمضان 1973، وطلب من زعيم الحزب الشيوعي آنذاك ليونيد بريجنيف بيعه نوعِية مُحدّدة من الدّبابات الروسية التي تساعِد مواصفاتها على ضرب طوق على القوات الإسرائيلية، التي انتقلت إلى الضفّة الغربية لقناة السويس، مُبدِيا استعداده لدفع ثمن الصفقة فورا.
أكبر صفقة سلاح مع روسيا؟
وليس من قَبيل الصُّدف أن رفيق بومدين ووزير خارجيته عبد العزيز بوتفليقة، الذي توجّه إلى موسكو في زيارة رسمية العام الماضي، ردّا على زيارة بوتين للجزائر، هو الذي أبرم أكبر صفقة سلاح توصّلت لها روسيا مع بَلد أجنبي منذ انهيار الإتحاد السوفييتي السابق في بداية التسعينات.
كما أن المغرب عزّز اعتمادَه العسكري على حُلفائه التقليديين، وهم الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا وأبرم معهم صفقات ضخمة، ما أدّى إلى غضب في الجزائر عكَسه قرار حكومة جبهة البوليساريو في المنفى (المدعومة من الجزائر)، تطوير قُدرات قواتها المسلّحة والتلويح باستئناف العمليات العسكرية ضدّ الجيش المغربي في الصحراء.
أما ليبيا، فعقدت بدَورها صفقات لافِتة مع موسكو في العام الماضي، ما شكّل علامة إضافية على العودة الروسية القوِية إلى أسواق السِّلاح المغاربية. واستفاد الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي من ثِمار الطّفرة النفطية وتحسّن علاقاته مع الدول الكُبرى، بعد رفع العقوبات الدولية عن ليبيا، لكي يُجدّد تِرسانته المؤلّفة أساسا من أسلحة روسية الصّنع، ويُحافظ على مسافة مهمّة من التفوّق العسكري على الجيران.
ويندرج تأمين هذا التفوّق في إطار السّعي، لفرض هَيبة في القارّة الإفريقية، وخاصة في شمالها وحول منطقة الساحل والصحراء، التي يعتبرها القذافي المجال الحيوي لنفوذه الإقليمي.
استراتيجيات متقابلة
لكن الخبراء العسكريين يؤكِّدون أن صفقات التسلح لا يمكن أن تُقرّر وتُبرم في وقت سريع، وهي لا يمكن أن تأتي ردّا على صفقة يعقِدها الجار أو الغريم، وإنما تندرِج في إطار الإستراتيجية العامة للدولة.
فكل دولة تضبِط المنظومة الشاملة للأمن القومي في ضوء تحديد من يهدِّدها ومِن أين يُمكن أن يأتي الخطر (بحرا أم برّا أم جوّا؟)، وكذلك مدى دائرة النفوذ التي ترسمها تلك الدولة لنفسها (والدائرة مرتبطة عادة بالمصالح الاقتصادية).
كما تتحدّد الإستراتيجيات في ضوء الموارد الوطنية للبلاد ومصادر الدّعم الخارجي الثابتة (غير المشكوك في تحصيلها عند الاقتضاء)، ومن ثمّ تُوضع الإستراتيجية العامة للدِّفاع الوطني، التي تشمل كل الأسلاك المسلحة من جيش وشرطة ودرك وحرس حدود... وعلى أساسها تُصاغ الإستراتيجية العسكرية التي تخُص الجيش (أو الجيوش بحسب البلدان)، ومنها تتفرع الخطّة الإستراتيجية، وهي العقيدة العسكرية التي تمكِّن من وضع الخطط العملياتية الملائمة.
وفي مقدمة تلك الخُطط، المنهج القِتالي (الذي يعتمِد على المدرّعات، بالنسبة لبعض البلدان، والخافرات البحرية بالنسبة لبلدان أخرى، بحسب مصدر الخطر)، والفروع الرئيسية للدفاع، وهي في مصر على سبيل المثال، أربعة : الدفاع الجوي والبحري والطيران والجيوش الميدانية، وليس التقسيم الثلاثي التقليدي (البرّ والبحر والجوّ).
ورأى خبراء تحدثوا لسويس أنفو، أن هندسة بِناء القوات، هي العُنصر المُحدّد في صفقات السِّلاح، فإذا ما كان الجيش مؤلّفا من أربع فِرق مدرّعة وستّ فِرق مُشاة، سيكون تسليحه مُختلفا عن جيش آخر مؤلّف من فِرقة ميكانيكية وفِرقتين مدرّعتين وثلاث فِرق مشاة، وعليه، فإن التّجهيزات مُرتبطة بنَوع التشكيلات، إذ تفرض هذه الأخيرة الحاجة إلى أصناف محدّدة من الأسلحة، وتلك الحاجات يُمكن سدّها، إما بواسطة التّصنيع المحلِّي (الذي يعتمِد على توافر الخِبرات والمواد الأولية، وكذلك على حدٍّ أدنى من التّعاون الخارجي) أو بواسطة الهِبات أو الصفقات، والهبة عادة، لا تتضمّن الأجيال المتطوّرة من الأسلحة، فضلا عن أن الواهِب ينتظر في مقابل ذلك ثمنا سياسيا وحتى عسكريا (تسهيلات أو قواعد)، ويُمكِن اقتناء السِّلاح أيضا في إطار صفقات مُيسّرة.
وعزا خبير، فضَّل عدم الكشف عن هويته، اعتماد بُلدان غير نفطية، مثل المغرب وموريتانيا وتونس، على الصَّفقات الميَسَّرة، لكونها غير قادِرة على دفع الثمن فورا، لكن ذلك يجعلها مضطَرّة للمحافظة على منظوماتها التسليحية القديمة، مما يشكل قَيدا على حركتها.
كما أن البلدان الصِّناعية لا تبيع آخر جِيل من سِلاحها في حالة الصّفقات الميسَّرة، لأنها تفضِّل الإبقاء عليه لقواتها وقوّات حلفائها وللقادرين على دفع الثمن المطلوب.
وأكِّد الخبير، أن الكثير من الصَّفقات يُشكِّل فخًّا للمُشتري، لأن سِعر الطائرة أو الدبَّابة قد لا يبْدو باهِظا، لكن أسعار قِطع الغِيار وكُلفة التَّكوين والصيانة تُضاعِفان الثمن، فبعض الرّادارات التي تُجهّز بها أصناف من الطائرات، يكون سِعرها أحيانا أعلى من الطائرة نفسها.
تنويع مصادر السلاح
وفي هذا الإطار، يمكن قراءة التطوّرات الأخيرة على صعيد صفقات السِّلاح المغاربية، إذ أن ارتفاع إيرادات النّفط والغاز أتاح للجزائر وليبيا تنويع مصادِر التسليح، فيما ظلّت البلدان الأخرى رهينة منظوماتها التقليدية.
فقد كشف جان تادوني، مسؤول البحرية الفرنسية في البحر المتوسط بالنيابة أن الجزائر "عبَّرت بقوة عن رغبتها في الحصول على تجهيزات عسكرية خاصة بالمراقبة الأمنية في إقليمها البحري"، وأوضح تادوني في التصريحات التي أدلى بها في مطلع فبراير الماضي في الجزائر، حيث أشرف على تدريبات مشتركة بين قوات البلدين البحرية في عرض السواحل الجزائرية، أن الأسلحة والأجهزة التي طلبتها الجزائر "ستكون مخصّصة أساسا لمُكافحة الهجرة غير الشرعية ومطاردة المهربين"، كما نقل عنه.
أما ليبيا، فأبرمت عقودا عسكرية مع باريس بمناسبة زيارة العقيد القذافي لفرنسا قُدرت ب 4.5 مليار دولار في إطار مذكِّرة حول التعاون في مجال التسلّح. وتضمّنت قائمة المُشتريات 14 طائرة من نوع «رافال» و35 مروحية من طراز "تيغر" و6 طرادات سريعة وسفينتين عسكريتين وبطاريات صواريخ و150 آلية مصفحة.
وأعطت الحكومة الفرنسية، التي تأمل الحصول على حصّة لا تقل عن 20% من الصَّفقات العسكرية الليبية، مُوافقتها على بيع تلك الطائرات لليبيا في إطار الصفقة التي تُعتبر الأكبر التي حصدتها المجموعات الفرنسية منذ ثلاثين عاما، كذلك، أبرمت مجموعة "إيدس" EADS)) للتَّصنيع الحربي صفقة مع ليبيا لتجهيزها بنِظام رادار لمراقبة الحدود والمواقع النّفطية، واختار الليبيون نظام الدفاع الجوي المعروف ب "أستر" (Aster).
ولم تقتصر خطّة التّحديث العسكرية الليبية على القوّات الجوية، وإنما شملت الدّفاعات البحرية أيضا، إذ وقَّع الليبيون بالأحرف الأولى في يوليو 2007 على صفقة مع شركتي "تيليس" (Thales) و"المنشآت الميكانيكية" في مقاطعة نورماندي (شمال فرنسا)، لبناء ستّ خافرات سواحِل مجهّزة بالصّورايخ الفرنسية - الإيطالية "أوتومات" بقيمة 400 مليون يورو.
غير أنها لا تزال بمثابة عُقود قيد الانجاز، إذ لم تصِل المذكّرة المُبرمة أثناء زيارة القذافي إلى مرحلة التّوقيع على عقد نهائي، لكن الثابت، أن ليبيا التي كانت في قطيعة مع البلدان الغربية واعتمدت كليا على السلاح الرّوسي طيلة أكثر من رُبع قرن، تعود الآن لتنويع مصادِر التسلح، وخاصة لضمان إحياء منظومتها القديمة من الأسلحة الفرنسية، وفي مقدِّمتها 30 طائرة حربية من طراز ميراج أف 1 اشترتها منها قبل فَرض الحظر على تصدير الأسلحة إليها في القرن الماضي، وتتميَّز تلك الفئة من الطائرات الفرنسية بكونها مجهَّزة بصواريخ جو جو من طراز "ماجيك".
وأوضح خبير تحدث لسويس أنفو، أن اختيار هذه الأسلحة يمُر عبر مرحلتين رئيسيتين، أولاهما فنية يُجري خلالها خُبراء الدراسة، التي تمكن من التأكد مما إذا كان السلاح فعّالا أم لا ومُستجيبا لحاجات البلد الدفاعية أم غير مستجيب. أما الثانية، فسياسية ويُحسم فيها القَرار من الناحية السياسية.
فهل تلك الأسلحة التي اشترتها ليبيا دِفاعية أم هجومية؟ أجاب الخبير بأن تحديد نوعية السلاح مرتبِط أشد الارتباط بمجال استخدامه، فالمدافع التي لا يتجاوز مداها 30 كيلومترا تكون دِفاعية داخل أراضي موريتانيا المُترامية الأطراف، لكنها تصبح هجومية حين تُنصب في الضفّة الغربية وتُصوب نحو الأردن أو في الجولان و تُصوّب نحو دمشق، كما أن الطائرات الصهاريج، تشكِّل سلاحا هُجوميا في البلدان صغيرة المساحة، لكنها ضرورية لنقل الإمدادات داخل بلد مترامي الأطراف مثل الجزائر أو السعودية أو السودان.
وبالنسبة لليبيا، لا يمكن فصْل الأسلحة التي اقتنتها عن رغبتها في تحقيق نوع من التّوازن مع القِوى الدولية الكبرى المؤثرة في القارة الإفريقية، وسعيها لفرض هيْبتها على الجيران والدول الإفريقية عموما، خاصة وهي تظهَر في مظهر الرّاعي للإتحاد الأفريقي.
ومع سعيها لتنويع مصادِر الأسلحة، ظلّت ليبيا مضطرّة في الوقت نفسه، للمحافظة على مصدر التزويد التقليدي (الروسي)، لأن ذلك يوفر لها الكثير من النَّفقات بالنظر لأن المنظومات الروسية معروفة لديها، إذ تدرّبت عليها قُواتها وتتوافَر عندها قِطع غيِارها التي حصلت عليها في صفقات سابقة، وهو ما يُحقِّق المبدأ الذي يُسميه الخبراء "تجانس المنظومات".
طفرة نفطية
هذه التّركة هي التي حملت الجزائريين أيضا على العودة أخيرا إلى الأسواق الروسية، بعدما كانوا مشغولين بالصِّراع مع المجموعات المسلّحة طيلة تسعينات القرن الماضي. فقد استفادت كل من الجزائر وليبيا من الطّفرة النفطية لتجديد ترسانتيْهما والمحافظة على مسافة مهمّة من التفوق العسكري على الجيران. ونتيجة لذلك، أبصر عام 2007 عودة روسية قوية إلى أسواق السلاح المغاربية، وشكّل هذا الهاجِس أحد الأهداف الرئيسية للزيارة التي أدّاها الرئيس الروسي المُنتهية ولايته فلاديمير بوتين إلى الجزائر في مارس 2006، والتي ردّ عليها نظيره الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بزيارة إلى موسكو في العام الماضي.
وخلال هاتيْن الزيارتين، استكملت الحكومتان المفاوضات على صفقة ضخمة، شملت شراء 300 دبّابة من طراز 90 أم بي تي أس، التي تتفوّق على دبّابة "ميركافا" الإسرائيلية، و84 طائرة مُطارِدة من طرازَي سوخوي وميغ. وتسلّمت الجزائر خلال العام الماضي 180 دبّابة من الدبّابات التي صمّمتها شركة "روزوبورن إكسبور" الحكومية.
وكانت صحيفة "لوجون أنديباندان" الجزائرية، كشفت النِّقاب عن قيمة الصفقة التي بلغت 1 مليار دولار، والتي قالت إنها شِلت 300 دبّابة من ذلك الطراز ستتسلمها الجزائر قبل سنة 2011.
وجرّب الجيش الجزائري هذه الدبّابة قبل التوقيع على الصّفقة، التي تشمل أيضا تدريب العسكريين الجزائريين على قِيادتها. وفي السياق نفسه، باشرت روسيا تزويد الجزائر ب 28 مُطاردة من نوع "سوخوي 30 أم ك" من تصميم شركة "إيركوت" و40 مطاردة من نوع ميغ 29 و16 مطادرة خاصة بالتّدريب من نوع ياك 130.
وشملت الصَّفقة الضخمة، والتي بلغت قيمتها 5.7 مليار دولار، ثمانية صواريخ أرض جو من طراز تونغوسكي، وتجديد 250 دبّابة جزائرية من طراز تي 27 وعددا غير معلوم من الصواريخ المضادّة للدبّابات من طِراز ميتيس وكورنت، بالإضافة للقيام بأعمال صِيانة للسُّفن الحربية الجزائرية روسية الصنع.
ومعلوم أن زيارة بوتين كانت مناسبة لمقايَضة الدّيون الجزائرية تُجاه موسكو والمُقدَرة ب 4.7 مليارات دولار، بصفقة الدبّابات والطائرات، إذ قبِل الروس شطْب الدُّيون المتخلِّدة بذمّة الجزائر، مقابل إبرام صفقة الأسلحة.
ومع تكريس تلك الصفقة، التي قدّرت مصادِر أخرى قيمتها ب 7 مليارات دولار، قفزت الجزائر إلى المرتبة الأولى بين زبائِن الأسلحة الرّوسية على الصعيد العالمي، قبل الهند والصين.
غير أن وسائل إعلام روسية تداولت في الأسابيع الأخيرة معلومات عن تعثّر اقتناء طائرات "سوخوي"، مشيرة إلى أن الجزائر توقّفت في أواخر العام الماضي عن دفع المستحقّات، والأرجُح، أن الأمر يتعلّق باكتشاف خُبراء جزائريين خلَلا في طائرات "الميغ" الجديدة الروسية، قد يكون أثَّر في البِداية في صفقة "سوخوي"، قبل الوصول إلى تسوية للخلاف.
وبحسب موقع "كل شيء عن الجزائر"، الذي أورد الخبر في مطلع الشهر الجاري، نفت وزارة الدفاع الجزائرية توقّف تسلُّم طائرات "سوخوي"، مؤكِّدة أن التّسليم سيتِمّ في الآجال، موضِّحة أنه يشمَل 56 طائرة من ذلك الطِّراز بعد الاتفاق على استبدال الطائرات ال 28 من طِراز "ميغ" بمثيلاتها من طِراز "سوخوي".
وفعلا، تمّ تصوير طائرات من الطراز الأخير وهي تحلِّق مؤخرا في ولاية خنشلة، في إطار عرض تجريبي. وتُعتبر طائرة "الميغ" مطاردة، بينما "سوخوي" هي طائرة دعم ويُمكن أن يسمح مداها بالتّدمير في أعماق أبعد ممّا تصل له "الميغ".
وتجدُر الإشارة إلى أن الموقع الجزائري نفى ما تداولته وسائل إعلام روسية من أن الجزائر باشرت مفاوضات مع فرنسا لاقتناء طائرات من طراز "رافال".
أسلحة فرنسية وأمريكية للمغرب
في المقابل، توجّه المغرب إلى المزوّدين التقليديين (فرنسا والولايات المتحدة)، لتطوير قواته العسكرية، وإن كان من غير الدّقيق ربْط صفَقاته بالصَّفقة الجزائرية – الروسية، لأن طبْخ هذه الأمور يستغرِق وقتا طويلا من الدّراسة والتخطيط. وكشفت صحيفة "الصباح" المغربية في أواخر شهر يناير الماضي، أن الكونغرس الأمريكي وافق على تسليم المغرب 24 مُقاتلة من طِراز "أف 16"، أي من الجيل الجديد سنة 2011، والملاحظ، أن هذا التاريخ هو الذي تستكمِل فيه روسيا تسليم صفقة "سوخوي" للجزائر، وقدّرت الصحيفة قيمة الطائرة الواحدة ب 40 مليون دولار، وسيتلقّى قادة طائرات "أف 5" المغربية تكوينا في الولايات المتحدة، يمكِّنهم من قيادة الجيل الجديد من تلك الطائرات.
وصرح وليم ماك هنري، رئيس قُطب تصنيع "أف 16" في مجموعة "لوكهيد مارتن" ل "الصباح" لدى مشاركته في المعرض الدولي لصناعات وخدمات الطيران في مراكش في أواخر يناير الماضي، أن المغرب أبرم في مطلع العام الجاري صفقة مع "لوكهيد مارتن" لشراء رادارات أرضية لفائدة الجيش المغربي، وأكّد أنها "من أحدث أجهزة الرّصد والمُراقبة في العالم"، وقال "إن اقتناء الرّادارات الجديدة سيُمكِّن من "تطوير قُدرات المغرب الدفاعية".
وإلى جانب هاتين الصّفقتين المهمّتين مع أمريكا، حافظ المغرب على المصدر التقليدي الآخر للأسلحة، وهو فرنسا، إذ أظهر التقرير الأخير لوزارة الدِّفاع الفرنسية، الذي تم تقديمه للبرلمان عن صفقات السلاح، أن المغرب تصدّر زبائن فرنسا في القارة الإفريقية خلال السنوات العشر الأخيرة بصفقات بلغت قيمتها الإجمالية 690 مليون يورو، مقابل 245 مليون يورو فقط للجزائر في الفترة نفسها، كذلك احتل المغرب المرتبة الأولى بين زبائن فرنسا في العام الماضي بصفقات بلغت 363 مليون يورو بالنسبة للأسلحة و16 مليون يورو بالنسبة للعتاد الحربي.
وتوقَّع محلِّلون عسكريون أن يُحافظ المغرب على حجم مُتقارب من العقود مع فرنسا لدى الإعلان عن الصّفقات المُبرمة في السنة الجارية.
وعلى رغم أن صفقات السِّلاح غير مرتبِطة باعتبارات ظرفية، مثلما يؤكد الخبراء، فإن إقدام أحد البلدين المغاربيين الرئيسيين، الجزائر والمغرب، على إبرام صفقة ضخمة يشحذ سِباق التسلّح في المنطقة ويحمل البلد الآخر على التخطيط لتطوير قُدراته الحربية، محافظة على الموازين العسكرية الإقليمية في ظِل انهيار الثقة بين الجيران.
ومع استمرار إرجاء القمة المغاربية وتعذّر حلّ عُقدة النزاع على الصحراء، سيبقى سِباق التسلح أحد العناوين البارزة للعلاقات المغاربية – المغاربية، مع استتباعاته المعروفة، سواء على خُطط التنمية أو على التَّكامُل الإقليمي المؤجّل دوما


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.