تنطلق المناورات العسكرية الأمريكية المغربية المشتركة تحت اسم "الأسد الإفريقي" يوم 28 أبريل الجاري على أن تدوم شهراً ونيف. وتهدف هذه المناورات إلى تعزيز التنسيق والتعاون بين قوات البلدين والتفاهم المشترك على التقنيات العسكرية والإجراءات المتبعة من طرف كل بلد على حدة. وتهم مناطق رأس درعة (طانطان) ونواحي مدينتي القنيطرة شمالا وتارودانت. كما أنها تعنى بجملة من أشكال التكوين العسكري من قيادة وتداريب خاصة على استعمال الأسلحة وعمليات حفظ السلام والتزويد بالوقود جواً والتدريب على التحليق بعلو منخفض. ويشارك في هذه المناورات 850 جندياً أمريكياً قدموا إلى طانطان من قواعد من أوروبا وأمريكا علماً أن المناورات المماثلة السابقة التي جرت ف يغضون شهر مايو 2009 شارك فيها 1400 جندي مغربي وأمريكي. مناورات ضخمة إن مناورات "الأسد الإفريقي 2010"، مناورات ضخمة وواسعة بين المغرب والولايات المتحدةالأمريكية، وتأتي لتأكد الرهان الاستراتيجي على بلادنا أمنياً وعسكرياً في منطقة غرب إفريقيا. تصادف هذه المناورات المحاولات الدؤوبة للجزائر الالتفاف على الدور المحوري الذي أضحى المغرب يلعبه في العلاقة مع الحلف الأطلسي والمؤسسة العسكرية الإفريقية (أفريكوم). وذلك من خلال سعي قصر المرادية إلى إقصاء المملكة المغربية من التنسيق الجديد بين عدد من دول غرب إفريقيا للتصدي للإرهاب والتطرف بالصحراء الكبرى ودول الساحل ومحاربته. ومن المعلوم أن المناورات العسكرية المغربية الأمريكية المشتركة تجري بانتظام منذ سنة 2005 تحت عنوان "الأسد الإفريقي" (أفريكان ليون)، إلا أن المناورات السابقة ظلت أقصر زمنياً وأقل ضخامة من مناورات هذه السنة. وقد عمد الرئيس السابق، جورش بوش، أن منحت المغرب صفة "الحليف الاستراتيجي" خارج حلف شمال الأطلسي كما قرّرت واشنطن مؤخراً رفع قيمة المساعدات العسكرية للمغرب بثلاثة أضعاف مقارنة مع السنة الماضية، إذ من المتوقع أن تبلغ قيمتها 9 ملايين نقابل 3.6 ملايين دولار المسلمة لبلادنا في العام الفارط. وهذا بناء على طلب تقدم به الكونغرس خلال مناقشة مشروع الميزانية الفدرالية لسنة 2011. تأتي هذه المناورات بعد الصفعات التي منيت بها الجزائر على يد الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون. لقد كشف تقريره الأخير، الأوّل في الأدبيات الأممية، دعم الجزائر لجبهة البوليساريو، عندما كتب يقول:إن جبهة البوليساريو بدعم من الجزائر، تصرّ على استفتاء متعدد الخيارات". كما كشف التقرير لأوّل مرة أيضا، مسؤولية الجزائر بخصوص استمرار الأوضاع المزرية لساكنة مخيمات تندوف لكونها متواجدة على أرضها وقيادة البوليساريو تحظى بدعمها العسكري والدبلوماسي. وهذا إن دل على شيء، فإنه يدل، بواضح العبارة، على ارتباط الإدارة السياسية لدى البوليساريو بالموقف الجزائري. والصفعة الأخرى التي وجهها التقرير الأممي لقصر المرادية تمكن في عدم الإشارة، ولو مرّة واحدة، إلى تنظيم الاستفتاء بالأقاليم الجنوبية. وذلك باعتبار أن الجميع امتنع الآن بأن تنظيمه صار من سابع المستحيلات. واكتملت الصفعة القاضية بالتأكد أن بعثة "المينورسو" لا علاقة لها بقضية حقوق الإنسان التي شكلت فرس الرهان (التوكار) التي راهنت عليه ولعبت ورقته الجزائر عبر صنيعتها، البوليساريو، وذلك رغم الأموال الطائلة، المقتطعة من مال الشعب الجزائري دون استشارته في الأمر، والتي صرفها قصر المرادية لبلوغ هذا الهدف هباءً. السياسة العدائية للجزائر وكانت هذه مناسبة أخرى تأكدت فيها بالملموس، السياسة العدائية الجزائرية للمغرب، عندما رفضت الجزائر للمغرب، عندما رفضت الجزائر طلب كل من موريتانيا ومالي والنيجر، الأعضاء في لجنة الأركان العملياتية المشتركة الرامية لضمّ بلادنا إلى هذه الهيأة التي ترغب في الاضطلاع بمحاربة الإرهاب والتهريب والهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة بالمنطقة. ولم يعد يخفى على أحد الآن أن سياسة قصر المرادية مؤسسة في عدد من جوانبها على العداء البيّن الذي يكنّه حكام الجزائر للمغاربة ونظامهم السياسي. فعلاوة على كل ما يرتبط بملف الصحراء الذي كشف مدى هذا الحقد والعداء، ظلت سياسة الجزائر في تعاملها مع أوروبا مسكونة بهذا الحقد والعداء الدفينين حتى النخاع. كما تأكد هذا الحقد الدفين لما أصدر قصور المرادية أمره المطاع الرامي إلى ضرورة بعرقلة المفاوضات، فما كان على البوليساريو إلا أن تلوح بالتهديد بالانسحاب منها، سيما – حسب المتتبعين للشأن المغاربي- وأن الجزائر وجدت نفسها مكشوفة الوجه أكثر من أي وقت مضى، بعد صدور تقرير بان كي مون الأخير. كما سبق وأن اتضح الأمر بجلاء منذ أن قدم المغرب مقترح الحكم الذاتي، إذ منذئذ انتهت المفاوضات في عيون فصر المرادية وصنيعته البوليساريو. وهذا ليس بجديد، إذ سبق وأن دفعت الجزائر البوليساريو إلى التلويح بإعادة حمل السلاح رغم أنها كانت تعلم، علم اليقين، أن أي جهة لن تحمل تلويحها هذا على محمل الجد، وهذا ما كان. وفي واقع الأمر، الأمر سيان، هددت البوليساريو أم لم تهدد، مادامت لا تملك "صلاحية التقرير في أمرها تجعلها سيدة نفسها في الاختيار لأن كلمة الفصل تعود لمن صنعتها، الجزائر. محمد الغماري خبير في الشؤون العسكرية ل "الصحراء الأسبوعية" هل تورطت الجزائر "ورطة القرن؟" لم تر الجزائر بعين الرضا المناورات المغربية الأمريكية الجارية حالياً رغم ادعاء انخراطها في الحرب ضد الإرهاب. كما عملت على إقصاء المغرب من دائرة التنسيق العسكري والمخابراتي للتصدي للإرهاب والترهيب والجريمة المنظمة، وذلك رغم أن لبلادنا دور فعّال في هذا المجال، ومطالبة مجموعة من الدولة بانضمام بلادنا لدائرة التنسيق لتسليط بعض الأضواء على هذه الإشكالية وغيرها واستقراء آفاق الوضع على صعيد المنطقة من الزاوية العسكرية والجيوإستراتيجية، أجرينا حوار مع محمد الغماري، خبير في الشؤون العسكرية وكانت الحصيلة التالية: - في أي إطار وجب وضع "الأسد الإفريقي" الجارية حاليا؟ أضن أن هذه المناورات أتت في وقت ترى فيه أمريكا أن الوضع لم يبق مثلما كان عليه منذ أن شرعت إسرائيل في تجاوز الحدود، خصوصا حينما وصلت إلى قرار طرد الفلسطينيين وتهويد القدس بطريقة مباشرة وتبيّن بجلاء للقادة العرب أن واشنطن هي دائماً مع إسرائيل رغم كل المساعدات التي قدموها لأمريكا ف يوقت الأزمة. والولايات المتحدةالأمريكية تريد اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أن تعرف من هم الذين معها إلى آخر المطاف، والمغرب اليوم معها لذا قررت اللجوء إلى تنظيم هذه المناورات الواسعة. ولو جاءت هذه المناورات في غير هذه الظرفية لكان من غير المقبول أن يشارك فيها المغرب لكونه مسؤولا عن القدس، إذ كان سيحتج ويشترط على أمريكا تغيير موقفها. فالآن، تعتبر بلادنا حليفها الأكبر في المنطقة، ملتزماً بدون تردد على المساهمة في الإرهاب. -لماذا لا ترى الجزائر بعين الرضا لهذه المناورات رغم أنها منخرطة في الحرب ضد الإرهاب؟ عندما يكون بلدان، وأحدهما يحظى بعلاقات وثيقة مع دول عظمى والآخر لا يحضى بنفس الدرجة من القرب، من الطبيعي جداً أن تبرز حزازات. علما أن الجزائر، رغم أنها تعلن الحرب ضد الإرهاب، إلا أنها لا تفهمه كما تُعرّفه أمريكا للجزائر مفهوم آخر للإرهاب الذي هو، في عيون أمريكا وأوروبا يتضمن عاملا عربيا – إسلاميا، في حين تعريف الجزائر – مثل دول عربية أخرى كسوريا وغيرها – ينحى إلى اعتبار أن الإرهاب يحدث حينما يتم اللجوء إلى العنف والقوّة والسلاح ظلماً وعدوانا مهما كانت الجهة التي تستعمله. -لكن لماذا أقصت الجزائر بلادنا من دائرة التنسيق العسكري والمخابراتي للتصدي للإرهاب والتهريب والجريمة المنظمة، وذلك رغم أن له دور فعّال في هذا المجال؟ لأنها ترى في المغرب أنه يحتل دائما الموقع الذي ترغب في الفوز به على صعيد العلاقات مع الغرب، ولأنها ترى بلادنا هي الأقرب إلى الغرب كما أنه لا يجب أن ننسى قضية الصحراء، التي لا شك أنها تلقي بظلالها الكثيفة على العلاقات بين البلدين الجارين في مختلف المجالات وعلى جميع الأصعدة، بفعل انعكاساتها وتداعياتها. ويبدو أن القائمين على الأمور بالجزائر يتخوفون كثيراً من محاولة المغرب تطبيق مفهوم الإرهاب على البوليساريو، سيما في حالة مساندة أمريكا له بهذا الخصوص. لذا لا مندوحة عن الاحتياط الكبير في اعتبارات قصر المرادية الذي يضرب ألف حساب لمثل هذه القضايا. -ولماذا أمريكا وأوروبا تراهنان على المغرب بالضبط لضمان الاستقرار بالمنطقة، وهذا أمر أضحى لا يخامر المرء بخصوصه أدنى شك؟ فعلا أوروبا وأمريكا مقتنعتان أن النظام المغربي نظام معتدل جدّاً، وهو الأقرب إلى الغرب، كما أنه يتوفر أيضا على إمكانيات عسكرية تمكّنه من امتلاك فعالية فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب. هذا علاوة على أرادته الإصلاحية التي تتناسب عموماً مع ما يرغب فيه الغرب. فهذا الأخير مطمئن من ناحية المغرب لسببين رئيسيين، أوّلهما الإرادة السياسية، وثانيهما توفر الإمكانية للمساهمة بجدية وفعالية للتصدي للإرهاب والتهريب والهجرة السرية والجريمة المنظمة المعتبرة آفات عالمية حالياً. -ألا تعتبرون أن عداء الجزائر للمغرب من العوامل التي من شأنها أن لا تسمح بالاستقرار الدائم للمنطقة كما يتوخاه المنتظم الدولي؟ في الواقع هناك غموض كثيف جداً يلف الموقف الجزائري بفعل حضور مشكل الصحراء. فقيادة البوليساريو توجد بالتراب الجزائري على خلفية استمرار القائمين على الأمور بالجزائر في الاختباء وراء أطروحة ضرورة السماح للصحراويين للتعبير عن رأيهم، علما أن الخلافات بين النظامين قائمة منذ القدم ولم يقو جنرالات الجزائر على نسيانها إلى حد الآن، رغم أنه أمر متجاوز على المستوى المواطنين. ففي نظري لا يجب أن نظل مطوقين بإشكالية الصحراء، لأنه إذا لم يتم الشروع في بناء المغرب العربي (المغرب الكبير حسب تسمية آخرين)، بكيفية أو بأخرى، لا يمكن أن يتجاوز هذا الوضع.من المستبعد جداً أن تحضر شروط التصالح الحقيقي بين المغرب والجزائر إلا ببدئ جديا، في تأسيس المغرب العربي بأي شكل من الأشكال، ولو خطوة خطوة. -تحدثتم عن غموض الموقف الجزائري، لكن تبيّن الآن بجلاء أن المتحكم في القرار بخصوص ملف الصحراء، في آخر المطاف، ليست البوليساريو، وإنما الجزائر، ومادام الأمر كذلك، أليس من الأفضل والأجدى المطالبة بالتفاوض المباشر مع الجزائر لحسم هذا المشكل؟ نعم، لا مناص من المفاوضات المباشرة مع الجزائر، ولكن البوليساريو أضحت تشكل خطورة على الجزائر نفسها، لأنها لو أرادت أن تتخلص منها، فإنها ستشوهها استنادا على شعاراتها التي ما فتئت تلوح بها منذ عقود. فهناك الآن مسؤولون بالجزائر، بما فيهم ضباط سامين في الجيش، يتخوفون من البوليساريو ولهم رغبة أكيدة للتخلص منها البارحة قبل اليوم، إلاّ أنه لأسباب سياسية وبسيكولوجية، لا تجرؤ القيادة على اتخاذ هذا القرار خوفاً على سمعتها وعلى دم وجهها أمام العالم والمنتظم الدولي. -إذن، هذا يبيّن بجلاء تورط الجزائر "ورطة القرن" في هذه القضية، أليس كذلك؟ بطبيعة الحال. -لكن هل فعلا ترغب الجزائر في استقرار دائم بالمنطقة؟ من الأكيد أنها في حاجة، أكثر من غيرها، إلى استقرار دائم في المنطقة، وقيادتها تدرك، حق الإدراك، أن الاستقرار ضروري للتنمية والتطور والسير في النمو، إلا أن الاستقرار ضروري للتنمية والتطور والسير في النمو، إلا أنه يتبيّن لها الآن أن هذا الاستقرار لن يكون إلا بتضحية كبرى من جانبها في حين أن تكون التضحية من طرف الآخرين فقط، إنها تريد تنازلات من مكوّنات المغرب العربي. -والحالة هاته هل يمكن تصور حدوث ارتماء بعض عناصر البوليساريو في أحضان الإرهابيين أو شبكات الترهيب والجريمة المنظمة؟ من الممكن جداً، إنهم أناس قادرون على فعل أي شيء والقيام بأي حماقة في ظل سيادة الغموض. إنهم يتوفرون على نوع من القوة داخل الجزائر ولهم نقط لا تراقبها الجزائر ولا المغرب، كما تمكنوا من نسج علاقات مع دول افريقية مجاورة قريبة، ووقاحتهم أضحت معروفة لدى الجميع. -من الزاوية العسكرية والجيواستراتيجية كيف ترون مسار تطور الوضع بالمنطقة؟ في الواقع لهذا التطور مساوئ في جانبين على الأقل: أوّلا هناك نفقات عسكرية مهمة من طرف جميع دول المنطقة، هذا مضرّ جذاً باقتصاد مختلف هذه البلدان، وثانيا، كلما تراكمت الأسلحة تصبح المواجهة حاضرة، وهذا مقلق لأننا ننتظر الصلح والإفراج وليس المزيد من المواجهة. كما أن لبيع الأسلحة من طرف الدول العظمى يد واضحة في تكريس هذا الواقع على الصعيد المنطقة، إذ يعطيها نفوذ وتصبح قادرة على أن تحرك النزاع متى شاءت.