بعد رفض الجزائر فتح الحدود مع المغرب جنرالات الجزائر متخوفون من مطالبة المغرب بصحرائه الشرقية تعتبر إشكالية الحدود الشرقية بين المغرب والجزائر من القضايا التي ظلت قائمة منذ اندلاع مشكل الصحراء، إلا أنها، بالرغم من كل شيء، لا تمثل إلا الشجرة التي تخفي الغابة، وذلك باعتبار أن إشكالية تحديد وترسيم الحدود الشرقية، أراد من أراد وكره من كره، قضية لا يمكن أن يطالها التقادم مهما حَدَث. يقول الكثيرون، جميل أن يطالب المغرب بإعادة فتح الحدود البرية بين الجارين، لكن الأجمل من ذلك، هو: متى سيحرك القائمون على أمورنا مسألة المطالبة بالصحراء الشرقية التي كانت السلطات الفرنسينة قد سلمتها للجزائر وأقحمتها في ترابها؟ لقد سبق للمغرب أن طالب أكثر من مرة بإعادة فتح الحدود البرية بين المغرب والجزائر، إلا أن هذه الأخيرة مازالت لم تُوَلِّ الأمر نفس الأهمية التي يُوَلّيها لها القائمون على الأمور ببلادنا. وقد سبق لمراد مدلسي، وزير الخارجية الجزائري، وأن أكد أن بلاده لا ترفض إعادة فتح الحدود البرية المغلقة منذ أكثر من 14 سنة، وإنما تحاول قدر الإمكان بناء علاقات سلام مع مختلف جيرانها، اعتبارا لكون بلده لا يرغب في إلغاء اتحاد المغرب العربي أو عرقلته. في حين صرح اليزيد زرهوني، وزير الداخلية الجزائري قائلا: "إن أمر إعادة فتح الحدود بين الجزائر والمغرب، لا يشكل أولوية بالنسبة للجزائر، والمغاربة مطالبون بإظهار حسن نية في معالجة ملفات مهمة مشتركة بين البلدين قبل الوصول إلى موضوع الحدود"، وهو ما يعني بالأساس، تصفية قضية الحدود الشرقية بصفة نهائية. وبالرجوع إلى التاريخ، من السهل بمكان أن يستشف المرء أن سبب كل مشاكلنا تعود بالأساس إلى عدم الحسم في الوقت المناسب في قضية الحدود الشرقية والتفريط في موعد مع التاريخ لازلنا نؤدي عواقبه إلى حد الآن، وهذا أمر قد لا يختلف عليه إثنان بالمغرب. كيف كانت البداية؟ لقد لعبت فرنسا الاستعمارية لعبتها القذرة عندما اضطرت إلى الاعتراف باستقلال المغرب. سلمت فرنسا الاستعمارية جزءا من المغرب إلى الجزائريين سنة 1962 قبل انسحابها من الجزائر، وذلك رغم أن كل الوثائق التاريخية، التي كانت بحوزتها، والموجودة حاليا ضمن الأرشيف الفرنسي، تأكد بما لا يترك أدنى شك أن ملوك المغرب ظلوا يتحكمون في تلك المنطقة، المسلمة للجزائر، بدون منازع، وهذا منذ عهد السلطان الحسن الأول.كما أن "جورج سالفي" سبق وأن وضّح، في إحدى مقالاته بجريدة "لوموند" الفرنسية، أن مدينة كلومب بشار، إضافة إلى مدينة تندوف هما مدينتان مغربيتان تاريخيا، مؤكدا أنه إلى حدود سنة 1960، كانت أجور الجيش بتندوف تؤدى بالعملة المغربية. عندما اضطرت فرنسا الاستعمارية مغادرة الجزائر بفضل ثورة مليون شهيد الجزائرية المدعمة والمساندة من طرف المغرب، شعبا وحكومة وملكا، لم تسع إلى إرجاع الأراضي المغربية التي ألحقتها بالجزائر عندما كان الاستعماريون الفرنسينون يراهنون على "استدامة" احتلالهم للجزائر "الفرنسية" كجزء لا يتجزأ من التراب الفرنسي. ومنذ استقلال شعب الجزائر ظل الملك الراحل الحسن الثاني يحمل هما واحدا، لا ثاني له، وهو المتمثل في مشكلة الحدود المترتبة على ما أقدمت عليه فرنسا الاستعمارية المنهزمة. ويتعلق الأمر بالصحراء الشرقية، والمقصود بها الشريط الممتد جنوبالجزائر إلى حدود ليبيا والنيجر شرقا، وتشكل ما يضاهي ثلث مساحة المغرب. سبق في غضون شهر أبريل من عام 1957 أن استقبل الملك الراحل محمد الخامس وفدا يمثل سكان الصحراء الشرقية، ترأسه آنذاك محمد الطاهر شيخ الزاوية القندوسية، الذي كان مرفوقا بزعيم حزب الاستقلال، علال الفاسي، وبعد عرض القضية على الملك (المطالبة باسترجاع الصحراء الشرقية المغربية)، طلب منهم هذا الأخير أن لا يهتم سكان المنطقة بالأمر، وسوف يتولى هو بنفسه القضية، أي تحرير الصحراء الشرقية من قبضة الاستعمار الفرنسي آنذاك، إلا أنه توفى قبل أن يتحقق المراد. وبعد مرور 5 سنوات زار نفس الوفد الملك الراحل الحسن الثاني بمدينة فاس، وأكد لهم، هو كذلك حرصه على استرجاع الصحراء الشرقية إلى حظيرة الوطن. سكان الصحراء الشرقية يلجؤون إلى المحكمة الدولية منذ أن قامت السلطات الاستعمارية الفرنسية بضم الصحراء الشرقية إلى النفوذ الترابي للإدارة الجزائرية الفرنسية، ظهر استياء سكان المنطقة، ومباشرة بعد الإعلان عن استقلال الجزائر بادروا إلى إنشاء الهيأة الوطنية للمناطق الشرقية المغربية المغتصبة في منتصف ستينات القرن الماضي، وظلت منذئذ تطالب القائمين على الأمور بالمغرب تحمل مسؤولياتهم بهذا الخصوص، تحرير الصحراء الشرقية، وصاغ أعضاؤها عرائض وضعوها بين يدي السلطات العليا، كما كاتبوا الأمناء العامين للأمم المتحدة في الموضوع وكذلك رؤساء الجمهورية الفرنسية. ولازالت الهيأة الوطنية، بخصوص المناطق الشرقية المغربية المغتصبة، حتى الآن تلتمس من الدولة المغربية الدعم والمساندة وتعبئة واحتضان كل المطالبين بإرجاع الصحراء الشرقية لحظيرة المغرب. كما سبقت للهيأة أن طالبت بإحداث إذاعة وإشراك شخصيات من الصحراء الشرقية في هياكل الدولة وضم بعضهم إلى وفد المفاوضات الخاصة بالصحراء المغربية. إلا أنه لم يسبق لأية حكومة مغربية أن حركت ساكنا بهذا الخصوص، بما فيها حكومة عباس الفاسي، رئيس حزب الاستقلال، الذي ظل منفردا عن باقي الأحزاب السياسية باستمرار مطالبته باسترجاع الصحراء الشرقية إلى حظيرة الوطن. وقد سبق ل "بن بريك القندوسي"، رئيس الهيأة الوطنية للمناطق الشرقية المغربية المغتصبة، أن طرح الموضوع على أنظار محكمة العدل الدولية، إلا أنها رفضت الطلب استنادا إلى قانونها الداخلي. إذ أكد مدير القسم القانوني بمنظمة الأممالمتحدة، "سيرجي تراسينكو"، جوابا على طلب الهيأة الوطنية للمناطق الشرقية المغربية المغتصبة، أن الفصل 34 من ذلك القانون الداخلي ينص على أن الدول هي وحدها المخول لها رفع قضايا من هذا القبيل أمام محكمة العدل الدولية. لكن والحالة هذه، لماذا لم تضطلع الدولة بهذه المسؤولية وهي صاحبة هذا الحق؟ وهو السؤال الذي مازال ينتظر الجواب في عيون الكثيرين. الموقف الأصلي لأهالي تندوف لقد حسم أهالي تندوف موقفهم منذ ستينات القرن الماضي. جاء في إحدى التقارير التي أعدها الكولونيل الفرنسي، "شوفاليي شانتيي"، رئيس مركز استغلال المعلومات، سنة 1962، أنه بخصوص تندوف حسمت قبائل الرقيبات وتادجا موقفها على الإقرار بمغربيتهم، وبعد ذلك هاجمت الصحافة الجزائرية الملك الحسن الثاني منذ بداية أكتوبر من سنة 1962، وبدأت القوات الجزائرية تشن هجوما على الجنود المغاربة بالحدود، وبذلك انطلقت أول حرب بين الجارين (حرب الرمال) التي انتصر فيها المغرب في نهاية المطاف، لكن دون أن يسترجع تندوف، وتم طي الملف بإبرام اتفاقية الأخوة وحسن الجوار والتعاون يوم 15 يناير 1969، مع إبقاء الحالة على ماهي عليه. لم يرد المغرب إحراج الجزائر في فجر ستينات القرن الماضي بخصوص الحدود الشرقية، حيث فضل انتظار حصولها على استقلالها النهائي، لحل القضية، وفي هذا الصدد حصل اتفاق بين المغرب والحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، مفاده أن مقتضيات الاتفاق الفرنسي الجزائري بخصوص الحدود لن يكون ملزما بالنسبة للمغرب، وجاء في مذكرات الملك الحسن الثاني أن أحمد بن بلا طلب منه في مارس 1963 إرجاء التباحث بخصوص الحدود إلى حين بناء المؤسسات الجزائرية، ووعده بالشروع في نقاش قضية الحدود ابتداءا من شتنبر أو أكتوبر من نفس السنة (1963)، لكن بعد وصوله إلى سدة الحكم تنكر أحمد بن بلا لفحوى الاتفاق الذي أبرمه مع الملك، وقام بعد ذلك بطرد المغاربة المقيمين بالديار الجزائرية بطرق غير إنسانية تحط من الكرامة، حيث تم إبعاد الوالد عن ابنه والأم عن رضيعها. هزيمة في الميدان واستمرار اغتصاب أرض المنتصر انهزم جيش الجزائر في ميدان حرب الرمال لكن الجزائر ظلت مغتصبة للصحراء الشرقية. وهذه الحرب هي التي جعلت من المغرب والجزائر عدوين حتى الآن. كانت أول هذه الحرب مجرد كلام، لقد كان حديث الرئيس الجزائري، أحمد بن بلا، واضحا لا غبار عليه، غير أن حواره مع مبعوثي الملك الحسن الثاني جاء عقيما، وبدل أن يعتبر علاقات الود والمساندة والدعم والتضحيات من طرف الشعب المغربي لمناصرة الثورة الجزائرية، ذهب إلى القيام بمقارنة بين النظام السياسي المغربي ونظيره الجزائري، وبذلك كان لا مناص من نشوب حرب الرمال. استمرت المواجهات ثلاثة أيام، استرجع خلالها المغرب بقوة السلاح ما استولت عليه الجزائر بالعدوان، وتوغل الجيش المغربي بقيادة العقيد (الكولونيل) إدريس بن عمر إلى حدود ضواحي مدينة تندوف على بعد 26 كيلو متر منها فقط. أمر الملك الحسن الثاني بتوقيف التوغل وطالبهم بالتراجع، وهذا ما قبله الجيش المغربي على مضض، إذ لم يستسغ قاداته منطق التراجع بعد تحقيق الانتصار، إذ كان من الأولى في نظرهم البقاء حيث كانوا إلى حين تسوية مشكلة الحدود بصفة نهائية، إلا أن الملك الحسن الثاني ارتأى التراجع لعدم قطع الطريق على إقامة المغرب العربي الذي كان اختيارا استراتيجيا بالنسبة للمغرب آنذاك. وبذلك ظلت قضية الحدود عالقة إلى حد الآن، ولربما يعتبر هذا المشكل من العوامل التي منعت الجزائر، حتى الساعة، من تراجعها عن موقفها بخصوص الصحراء المغربية (الغربية) خوفا من قدوم المغرب على المطالبة بصحرائه الشرقية التي تم التفريط فيها سنة 1963 عندما كان الجيش المغربي على وشك ضمها، حيث كانت الفرصة متاحة له ما دامت الجزائر هي التي بدأت الحرب وأجبرت المغرب على الرد والدفاع، وبذلك تكون قد قدمت فرصة تاريخية للمغرب على طبق من ذهب، لكن الملك الحسن الثاني اختار التفريط في موعده مع التاريخ حسب المطالبين باسترجاع الصحراء الشرقية، وهو الموعد الذي لم يتكرر، وهكذا خسر صحراءه الشرقية حينما كانت صحراؤه الغربية مازالت تحت الاحتلال الإسباني آنذاك. إن حديث الرئيس أحمد بن بلا مع مبعوثي الحسن الثاني، يشبه الحديث الهاتفي الذي دار بين الملك والرئيس الجزائري الهواري بومدين سنة 1976 في أوج حرب الصحراء. فيوم 28 فبراير 1976، صباح حدوث مدبحة "أمغالا"، تسللت وحدات جزائرية إلى المنطقة وقضت على وحدة عسكرية مغربية باستخدام السلاح الأبيض وأسرت الباقي، وكان ذلك ردا على هزيمة عناصر جزائرية بنفس المكان (أمغالا)، حيث لم ينج منهم أحد. في زوال 28 فبراير اتصل الملك الحسن الثاني بالرئيس الجزائري هواري بومدين وقال له: "لماذا لا تعلن عليّ الحرب مباشرة، بدون لف ولا دوران ما دامت هذه هي رغبتك؟" فرد عليه الرئيس الجزائري " واحد في كل شبكة". آنذاك فهم الحسن الثاني أن بومدين لا يريد الحرب، وإنما رغب في الثأر لرجاله الذين لقوا حتفهم في معركة "أمغالا 1" الشهيرة، وقبل ختم الحديث الهاتفي قال الملك الحسن الثاني: "إذن ليكون التعادل"، هكذا انتهت المكالمة التي دامت 3 دقائق، تجنب خلالها قائدا البلدين الجارين الدخول في حرب لكن لم يتفقا في حلّ المشكل الذي عمر أكثر من 33 سنة حتى الآن. غير خاف أنه لم تتوقف مساندة المغرب للشعب الجزائري في كفاحه المرير من أجل الاستقلال ولم تنقطع الامدادات المغربية للثورة الجزائرية منذ انطلاقتها سنة 1954 إلى أن تمكنت الجزائر من انتزاع استقلالها سنة 1962، آنذاك كان لا يزال الإيمان بالوحدة المغاربية قويا وحيا. فالمغرب كان يقتطع من ميزانيته، المحدودة وقتئذ، لاقتناء السلاح ونقله إلى الثوار الجزائريين، وكانت المنطقة الشرقية بالمغرب خلفية آمنة لهم (الولاية الجزائرية الرابعة.) آنذاك كان المغاربة يعتقدون أن استقلال الجزائر سيكمل استقلال بلدهم المغرب ويُرسي قواعد الأمن والاطمئنان والاستقرار للانصراف إلى البناء والتنمية، غير أنه تبين عكس ذلك تماما. قشة قصمت ظهر البعير رغم مساعي الملك الحسن الثاني إلى الحوار والتفاوض لم يقدم الرئيس الجزائري أي حل للتفاهم، لقد تمادى في تعنته، إذ قال إن مشكلة الحدود مشكلة وهمية ويجب السكوت عنها في الوقت الحاضر لتجاوزها في المستقبل، وعلى النظام الملكي المغربي أن يواجه، مشاكله الداخلية وأن يعلم بأن النظام الجزائري حصين منيع لا يملك النظام الملكي المغربي النيل منه. إن هذا الكلام يبين بجلاء الحقد والعداء الدفينين للمغرب. لم يكد يمر إلا يوم واحد على صدور بلاغ الوفاق بعد لقاء وزيري خارجية المغرب والجزائر بمدينة وجدة، حتى قام الجيش الجزائري بهجوم مباغث على مركز "إيش" العسكري الواقع على مسافة خمسين (50) كيلومتر شمال شرق مدينة فكيك، وهنا لا يتعلق الأمر بمجرد حادثة عابرة، وإنما كان مخططا له، إذ قامت به قوات نظامية مجهزة بالأسلحة الثقيلة، كما أن الطيران الجزائري شارك بدوره في الهجوم على منطقة تيندرارة، علما أن منطقتي "إيش" وتيندرارة لم تكونا موضوع خلاف بين البلدين، حيث كانتا واقعتين داخل النفوذ الترابي المغربي إلى حين الإعلان عن الاستقلال ولم تكونتا ضمن الجزء الذي اقتطعته فرنسا من المغرب. إن ما قام به الجيش الجزائري ذلك اليوم، كان في واقع الأمر مجرد استعراض لعضلاته ومحاولة للرهبة والتخويف، إنه مجرد عدوان جزائري سافر، بكل ما تحمل كلمة عدوان من معنى. وكان أول ما قام به الملك الحسن الثاني، بعث برقية إلى الرئيس الجزائري أحمد بن بلا، مما جاء فيها: "[...] بوصفكم المسؤول الأول عن مصير الجزائر ومستقبل شعبها، لا يمكنكم أن لا تقدروا حجم العدوان المرتكب، وأن لا تحسبوا عواقبه. إن الاتجاه الذي يبدو أن الجزائر تسير في وجهته والذي تجلى في أعمال عدوانية على التراب المغربي لن يساعد بكل تأكيد على خلق جو ملائم للبحث عن حل لمشاكلنا عن طريق التفاوض والحوار المباشر، لذا أناشد مرة أخرى المسؤولين الجزائريين أن يترفعوا عن الاعتبارات العاطفية، ويتحكموا في انفعالاتهم، وأن يأخذوا بعين الاعتبار أن الأجيال الحاضرة والمقبلة محكوم عليها، ليس فقط بالارتباط بعلاقة يطبعها السلم، ولكن أيضا بالارتباط بعلاقات التعاون الأخوي لتشييد مستقبلنا المشترك. ذلك أن قرننا (القرن العشرين) يقوم على علاقات المجاملة، ويلتزم بمقتضيات الأوقاف والمواثيق الدولية التي تفرض على جميع الدول المحترمة أن تستبعد اللجوء إلى العنف. نقول هذا ونضيف أن المغرب على استعداد لمواجهة جميع الاحتمالات وجميع الأوضاع بجميع الوسائل الملائمة". لم يعبأ الرئيس أحمد بن بلا بكتاب الملك واستمر في تجاهله، وبالرغم من ذلك، بعث الحسن الثاني وفدا إلى الجزائر ضم أحمد بلا فريج وعبد الهادي بوطالب اللذان لاحظا أن الرئيس الجزائري لم يكن مستعدا لأي نوع من الحوار. وبعد ذلك أرسل الملك عبد الهادي بوطالب رفقة مدير ديوانه الكومندار محمد المذبوح إلى الجزائر لتوضيح خطورة الموقف. ظل الملك الحسن الثاني دبلوماسيا في محاولة إقناع الرئيس أحمد بن بلا، إذ حاول أن يبلغه أنه لا يتصور، ولو لحظة واحدة، أن يكون قد أعطى الأمر بمهاجمة المغرب، ويعتقد أن العدوان هو من تدبير عناصر تقع خارج دائرة مراقبة الحكومة الجزائرية، وأن أحمد بن بلا وضع أمام الأمر الواقع. وخلال مختلف اللقاءات مع الرئيس الجزائري، ظل مبعوثو الملك يشيرون بوضوح إلى مطالبة المغرب وتشبثه بترابه المدمج من طرف فرنسا الاستعمارية في التراب الجزائري وبالمطالبة بإرجاعه طبقا للحجج والبراهين المؤيدة له، عن طريق التفاوض لا المواجهة والحرب. كانت أول زيارة ملكية للجزائر يوم 13 مارس 1963، وكان الملك الحسن الثاني آنذاك يحمل همّ مشكلة الحدود المغربية الجزائرية. وكل الدلائل تبين مغربية أراضي الصحراء الشرقية التي ألحقتها فرنسا الاستعمارية بالجزائر "الفرنسية"، ومنها اعتراف فرنسا وحكومة الجزائر المؤقتة بمغربية تلك الأراضي بدون جدال. إذ حمل الملك معه نص الاتفاقية التي أمضاها الرئيس عباس فرحات مع الملك يوم 6 يوليوز 1961، والتي نصت على أن الجزائر تعترف بأن مشكلة الحدود قائمة نظرا لفرضها من طرف فرنسا بشكل متعسف، كما أشارت إلى تعهد الحكومة الجزائرية المستقلة بإجراء مفاوضات مع المغرب لتسوية المشكل، معلنة أن ما أبرم من وفاق بين الجزائروفرنسا، في هذا المضمار لا يمكن استخدامه كحجة على المغرب. ومن المعلوم أن فرنسا قبل اضطرارها لمغادرة الجزائر عرضت على المغرب الدخول في مفاوضات بخصوص الحدود الشرقية أثناء حرب التحرير الجزائرية، إلا أن الملك محمد الخامس رفض المفاوضات المباشرة مع فرنسا باعتبارها خيانة للثورة الجزائرية وطعنا لها من الخلف.