منذ أكثر من سبع سنوات ومنطقة المغرب العربي تعيش سباقا نحو التسلح، إذ ظل كل من المغرب والجزائر يعملان على تجديد ترسانتهما العسكرية وتخصيص ميزانيات ضخمة للدفاع. وقد وجدت بلادنا نفسها مضطرة لتخصيص ميزانية إضافية لضمان درجة مقبولة من التوازن مع الجارة الجزائر الغنية بالنفط والغاز. "" لقد خصص المغرب برسم سنة 2009، أكثر من 10 ملايير درهم لاقتناء الأسلحة، في حين اعتمدت الجزائر ما يناهز 5 أضعاف هذا المبلغ لميزانية دفاعها والتي فاقت 50 مليار درهم.
إن عين المغرب على الجزائر وعين هذه الأخيرة على المغرب بخصوص ما يرتبط بالقوات المسلحة والسلاح والعتاد ومجهودات التمكن من التكنولوجيات الحربية الجديدة. فالجزائر تعلم بدقائق الأمور المرتبطة بأسلحة المغرب وجنوده، وكذلك الأمر بالنسبة للمغرب بخصوص الجيش الجزائري.
إلا أن موضوع اقتناء الأسلحة مازال يلفه الغموض اعتبارا للسرية المضروبة عليه من طرف البلدين معا.
إن الجزائر تعمل منذ سنوات على تجديد أسلحتها وتقوية كفاءات جنودها عموما، بينما ارتأى المغرب تحديث عتاده الجوي والبري سعيا وراء الحفاظ على التوازن، مما فرض عليه تخصيص ميزانيات مهمة للدفاع منذ سنوات. لكن ما هي الجدوى الإستراتيجية من سباق التسلح هذا؟ وهل تبرره مكافحة الإرهاب، بالوكالة من طرف العم السام، من أجل كل هذا الإنفاق العسكري؟ وكيف يمكن لدول تعترف إحصائياتها الرسمية أن نسبة الفقر فيها لا تقل عن 30 بالمائة، مبددة بذلك أموالا بالغة في اقتناء أسلحة قد لا تستعملها؟
حسب تقرير أمريكي، احتلت الجزائر مرتبة متقدمة مقارنة مع المغرب في لائحة عشرين دولة الأكثر إنفاقا على التسلح سنويا، اعتمادا على النسبة المأوية من الناتج العام الداخلي الخام المخصص لاقتناء الأسلحة وشراء المعدات العسكرية. علما أن المغرب احتل الرتبة 20 حسب التقرير المذكور سنة 2006 وخصص حينئذ 3.7 بالمائة من ناتجه الداخلي الخام للتسلح، وقد أكد عبد الرحمان السباعي، المكلف بإدارة الدفاع الوطني، أن المغرب خصص 4.6 بالمائة من ناتجه الداخلي الخام للدفاع برسم ميزانية 2009، أي ما يمثل 10 بالمائة من ميزانية التسيير والاستثمار.
وحسب تقرير الوكالة الأمريكية للصناعات الدفاعية للسنة الجارية (2008)، أضحت بلادنا ضمن خمس دول عربية الأكثر اقتناءا للسلاح والعتاد العسكري، وظل المغرب يتصدر قائمة زبائن فرنسا في القارة الإفريقية بخصوص تجارة السلاح على امتداد السنوات العشر الأخيرة. وذلك بصفقات بلغت قيمتها 7678 مليون درهم. كما استأثرت أربعة بلدان مغاربية (المغرب، الجزائر، ليبيا وتونس) بثلث تجارة السلاح في القارة السمراء.
وحسب الخبراء العسكريين، خلافا للجزائر التي تتوفر على أموال مهمة يخصص جزء كبير منها للتسلح، يعتمد المغرب على الصفقات المُيسرة في اقتناء أسلحته ومعداته العسكرية، وهذه الطريقة لا تمكّنه من اقتناء آخر جيل من السلاح، الشيء الذي من شأنه خلق اختلال في التوازن بين البلدين من جهة، واضطرار المغرب من جهة أخرى لتخصيص المزيد من الأموال للدفاع على حساب قطاعات أخرى، وبذلك ستظل انطلاقته التنموية مرهونة، لمدة قد تطول، بانعكاسات السباق نحو التسلح. هذا في وقت عرفت فيه عائدات النفط والغاز ارتفاعا غير مسبوق ساهم في تخصيص أموال باهظة لتطوير كفاءات وسلاح الجيش الجزائري والاهتمام أكثر بصفقات السلاح حتى في السوق السوداء.
ميزانيات الدفاع
لم يتم الاقتصار بالموافقة على ميزانية الدفاع برسم سنة 2009 بعد الأخذ بعين الاعتبار الارتفاعات المقترحة من طرف الجنرالات، إذ تم تعديلها من 26.8 إلى 34.70 مليار درهم، وجاء في ا لبند 38 من مشروع قانون المالية أن الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بإدارة الدفاع الوطني، مفوض له خلال سنة 2009 التصرف مقدما في المبالغ المخصصة برسم سنة 2010 للحساب المالي المدعو "اقتناء وإصلاح معدات القوات المسلحة الملكية" والبالغ غلافه 63 مليار و 959 مليون درهم. أما الغلاف المالي لميزانية الدفاع برسم سنة 2009، فيناهز 34.7 مليار درهم خصصت منها 10.2 مليار درهم لاقتناء الأسلحة وإصلاح المعدات (أي ما نسبته 27.27 بالمائة)، و 15 مليار درهم لنفقات الموظفين والأعوان العسكريين (43.22 بالمائة) و 5 ملايير درهم للنفقات المختلفة (14.40 بالمائة). علما أن كتلة الأجور العسكرية تعتبر ثاني أكبر كتلة بالمغرب بعد كتلة أجور العاملين بوزارة التربية الوطنية.
ومقارنة مع ميزانية سنة 2008، لم تعرف ميزانية سنة 2009 سوى ارتفاعا طفيفا لم تتجاوز نسبته 0.27 بالمائة، علما أن ميزانية سنة 2009 أولت اهتماما خاصا لتطوير وحدات القوات الجوية (اقتناء طائرات ومعدات ورادارات أرضية وجوية). كما أن قيادة القوات المسلحة عملت على رفع رواتب وتعويضات كبار ضباطها في يناير 2008 مما زاد في إثقال كاهل الميزانية العامة نظرا لكون تلك الأجور "طيطانيكية"، بل تعد من أضخم الأجور المطبقة ببلادنا.
أما ميزانية الدفاع الجزائرية برسم سنة 2009، فقد فاقت 55 مليار درهم بعد أن كانت سنة 2008 لا تتجاوز 23 مليار درهم (6.5 مليار دولار سنة 2009 و 2.5 مليار دولار سنة 2008).
إن ميزانيتي الجيش والأمن الجزائريين تمثلان معا 15 بالمائة من الميزانية العامة للدولة، المقدرة سنة 2009 ب 80 مليار دولار.
وحسب المحللين الجزائريين، لأول مرة تفوق ميزانية الدفاع ميزانيات قطاعات استراتيجية كالتعليم، وذلك لتحديث السلاح والتجهيزات العسكرية وتحويل الجيش الجزائري إلى جيش احترافي استعدادا لمرحلة ما بعد الإرهاب. ويعزو الخبراء تصاعد ميزانية الدفاع الجزائرية إلى إحداث وحدات جديدة للصناعات الحربية لتلبية حاجيات الجيش الجزائري اعتمادا على الذات، سيما فيما يخص العتاد والأسلحة والذخيرة ونقل التكنولوجيا الحربية، وكذلك لدعم وحدة لصناعة الأسلحة الخفيفة الكائنة بمدينة "باتنة" ومصنع لإنتاج ذخائر الرشاشات والقذائف الحربية.
لقد استفادت الجزائر من تنامي مداخيلها النفطية والغازية التي جاوزت 100 مليار دولار (أكثر من 750 مليار درهم) لمضاعفة ميزانية دفاعها سعيا وراء تطوير كفاءات جيشها والفوز بأكبر صفقات التسلح في منطقة المغرب العربي، ولو باللجوء إلى السوق السوداء.
وفي هذا الصدد قال أحد الملاحظين : "عندما تصاب الجزائر بالتخمة من عائدات النفط والغاز، فأول شيء تفكر فيه هو التسلح، وهذا ما يساهم في انتفاخ أرصدة حكامها وجنرالاتها عوض التفكير في "تحسين ظروف عيش الشعب الجزائري الذي مازال يعاني من الفقر والأمية".
ويرى جملة من الخبراء العسكريين أن الصراع الفرنسي الأمريكي ساهم بشكل كبير في احتداد سباق التسلح بين المغرب والجزائر، لاسيما وأنه ترجم على أرض الواقع بنوع من التنافس حول تزويد المنطقة بأسلحة عبر صفقات ضخمة أسالت لعاب القائمين على الصناعات العسكرية، وزاد من حدة هذا التنافس اختلاط الحسابات الأمنية والسياسية والاستراتيجية والاقتصادية، وبذلك تم تحويل أموال ضخمة إلى الغرب عوض تخصيصها لتنمية البلدين.
هل يعقل..؟
فعل يعقل أن يأتي تسابق الجارتين، نحو المزيد من التسلح، في ظرف يتحد فيه البلدان بخصوص الانهيار الاجتماعي وفشل الخطط الاقتصادية في تأمين التنمية الاجتماعية وتحسين القدرة الشرائية للمواطن؟
ذ. مكاوي عبد الرحمان/ أستاذ العلاقات الدولية وخبير في الشؤون العسكرية والأمنية الهرولة نحو التسلح هدفها أن كل بلد يحاول إركاع الآخر
يعرف ميزان توازن القوة في المغرب العربي نوعا من الاختلال في الآونة الأخيرة، بسبب الميزانيات الضخمة التي رصدتها الجزائر لوزارة الدفاع هذه السنة. فمبلغ 7.5 مليار دولار خصص لشراء أحدث الأسلحة، الروسية والصينية والكورية الجنوبية وحتى البرازيلية وتحديث وحدات الجيش وأسطوله الحربي وأسلحته ونظام استعلاماته، إضافة إلى انطلاقتها في التصنيع الحربي دون أن ننسى مشاريعها النووية. فعكس الرؤساء الآخرين، قام بوتفليقة بتنويع مصادر الأسلحة ومدارس التكوين (فرنسا، اسبانيا، ايطاليا، الولاياتالمتحدةالأمريكية، بريطانيا وكوريا الجنوبية) التي كانت في السابق حكرا على روسيا ودول أوربا الشرقية. فلقد نجحت الجزائر نسبيا في مسلسل انتقال الجيش الجزائري من جيش وطني شعبي (جيش أساسه حرب العصابات) إلى جيش مهني ومحترف، إلا أنها تبقى متخلفة في ميادين العمليات والقيادة والسيطرة والانتشار السريع ( نظام ثقيل)، والسؤال المطروح لماذا هذا السباق نحو التسلح؟ فمنازلة الإرهاب ومنظمة القاعدة لا يحتاجان الى كل هذه المشتريات من الأسلحة، التفسير الوحيد هو البترولار والرشاوى والامتيازات التي تنخر المؤسسة العسكرية الجزائرية المسؤولة عن إبرام الصفقات الكبرى، مما يفسر هذا التسابق نحو التسلح وشراء في بعض الأحيان الخردة بدعوى الخطر الخارجي (قصة صفقات طائرات "الميغ" 29 المقتناة من روسيا). أما المغرب رغم حدود الإمكانات، فقد استطاع هو الآخر أن يدشن علميات التحديث سواء من حيث العتاد الحربي أو من حيث تكوين ضباطه وجنوده، فميزانية الدفاع ترتفع كل سنة باطراد، حيث اقتنى مؤخرا العديد من طائرات الفانتوم الأمريكية الحديثة، ومنظومة صواريخ متطورة، بالإضافة إلى شراء زوارق حربية سريعة وشبكة اتصال الكترونية متقدمة وأبرم صفقة طائرات "ف 16"، وهذا ما يفسر الزيادة المهولة في ميزانية الدفاع لسنة 2009. إن الجيش المغربي يعتمد على المهنية والكفاءة والمردودية، وهي معايير سجلها حلف الشمال الأطلسي كنقط تفوق عند المغاربة بالمقارنة مع الجيش الجزائري الذي لازال ضعيفا من حيث الاستراتيجية والتكتيك والمنهجية العسكرية الحديثة.