انتهت عشرية وانبثقت أخرى. فهل مسخ الوقتُ الوقتَ، خلال العشرية المنتهية، حتى صار الواحد من عشيرتنا يهز أردافه وبطنه وسط عتمة الأحلام المؤجلة إلى ما لانهاية؟ هل استحال إنشاد:»منتصب القامة أمشي/ مرفوع الهامة أمشي...»، مجرد ذريعة للاستقالة من العالم؟ ضيعنا كل الفواكه المحرمة والمحظورة، نبض القلب وشغب زمن الوهم. لم نعد في حاجة إلى التنقيب عن جحر نلجأ إلى طمأنينته فرارا بجلدنا من العسس المطاردين لكل من ترفرف راية الوطن في أعماق أعماقه. الصياح في الأماكن العمومية والفضاءات الخاصة: «شيد قصورك على المزارع/ من كدنا وعمل إيدينا/ والخمارات جنب المصانع/ والسجن مطرح الجنينة/ واطلق كلابك في الشوارع/ واقفل زنازنك علينا...»، لم يعد تأشيرة عبور لبطولة الاختطاف. صرنا نكتفي باحتساء المرارات الإضافية للدزينة التي كنا نتجرعها في ليالي الكوميساريات المقرفة، لقد غيرنا المكان، رحلنا إلى حضرة حوريات افتراضيات ثملات حتى النخاع الشوكي، اللواتي لا يكسو أجسادهن المعروضة لصهد الدخان سوى ما قل ودل. غدت المرارة عكازا للطريق، ومن الأفق غابت كأس الأمل المعتقة. انساب الوقت متراخيا. رأينا، مثلما يرى أشباه النائمين، ساعة رملية لزجة مثبتة على الجدار الخلفي، فوق نسخة وضيعة من لوحة سالفادور دالي. لمحنا عيونا متعفنة ملؤها الصدأ متناثرة فوق الكونتوار. سمعنا قصائد مفتعَلة في رمشة عين داخل المرحاض، تكسوها بقايا قيء لم تعالجها معطرات الجو. اكتشفنا ربطات عنق بألوان غير متناسقة، وهي تضمد نتوءات اللذة التائهة بين سراديب الزحمة المزينة بالخوازيق. لم نعد ندخن»فافوريت» للمساهمة في اقتصاد البلاد، بل السجائر الشقراء المهربة. ها الضحية والجلاد يرفعان الكأس على شرف «نهاية التاريخ». قد نعالج، في العشرية الوليدة، شغبنا المتلاشي بسمفونيات مغرقة في تربتنا المتعددة: الدعباجي والحمونية. شوبان وموزار. الغيوان وفيروز. مارسيل خليفة واخْليّْفة. جاك بريل وليو فيري. الحياني والأناشيد الكاثدرائية. الزوهرة البيضاوية والملحون. سنصمت إذن مع مطلع العشرية، لنتأمل أسرار القشعريرة الوجودية التي تنخرنا. ولن نبكي الزمن المنفلت ابتداء من هذه اللحظة. كما لن نعير اهتماما ما لتفاهات التافهين.