نظرات المخرجين وحساسياتهم المتنوعة التي عكست تطور النتاج السينمائي الوثائقي العربي على نحو ملفت في السنوات الاخيرة. وتمثل هذه الافلام عينة تشهد على التطور الكبير الذي طرأ على الفئة الوثائقية في العالم العربي بعد ان كان الفيلم الوثائقي متراجعا لان المخرجين العاملين في هذا المجال حتى نهاية الثمانينات كانوا محدودي العدد. غير ان التطور السريع لهذا النوع مكن الافلام العربية من الالتحاق بركب الوثائقي العالمي والظهور على الساحة الدولية والفوز بالجوائز فضلا عن تميز عدد منها في مهرجانات عربية وحصولها على جوائز مالية. ولا يخفى ان الفيلم الوثائقي عانى في انتاجه الكثير من الصعوبات ونما في ظل غياب رسمي شبه تام وحقق انجازاته بمساعدات اوروبية واحيانا بجهود فردية وفي غياب المنتج الحقيقي. وتناولت الافلام المقدمة ضمن الكارافان شتى المواضيع لكنها ركزت على مسائل الحروب والهوية والذاكرة وصراع الاجيال او حوارها وصولا الى التأملات الوجودية في اوضاع الفرد والجماعة او حتى حكاية القصص العادية اليومية. وبدت هذه الافلام التي تعكس الواقع العربي مسكونة بشتى الصور التي التقطت قساوة المجتمعات وتعلقها بالعادات والتقاليد وتمزقها بين قيم الماضي وموجبات الحداثة داخل الوطن العربي او في بلدان المهجر. وتنظم في اطار الكارافان بعد ظهر السبت طاولة مستديرة يديرها الصحافي توفيق حاكم بمشاركة هالة جلال المسؤولة عن الكارافان في مصر اضافة الى السينمائيين سمير عبدالله وميار الرومي وميس دروزة وهشام بن عمار وناديا الفاني وابراهيم فريطاح وآخرين. واعلنت المسؤولة عن الانشطة السينمائية في معهد العالم العربي ماجدة واصف ان هذه الدورة من الكارافان هي آخر نشاط للاتحاد الاوروبي في فرنسا من خلال برنامجه "ميد 2" الذي انطلق العام 2006 للتقريب بين شعوب جنوب المتوسط وشماله وتدعيم التعددية الثقافية. وافتتح فيلم مغربي التظاهرة التي انطلقت في 17 شتنبر وتستمر لغاية الاحد. وتناولت ليلى كيلاني في "اماكننا الممنوعة" السجن السياسي في المغرب من خلال عمل "لجنة العدل والمصالحة" التي انشاها الملك محمد السادس للبحث في الانتهاكات التي ارتكبت في سنوات الرصاص في المغرب وفي محاولتها كشف سر معتقل ظل مخبأ لفترة طويلة. وقدم هذا الفيلم ضمن الكارافان في عرض اول كما هي حال عدد كبير من الاشرطة كفيلم "خذني الى ارضي" للمخرجة الاردنية لميس دروزة التي تزور جدتها وخالتها في دمشق وتدور بين النساء الثلاث احاديث مقلقة وحنونة عن الارض والعودة والاقرباء الذين بقوا في فلسطين وتكتب لهم الجدة دون كلل رسائل لا تجد من يجيب عليها. وفي عرض اول ايضا قدم فيلم "اللوح" لابراهيم فريطاح من المغرب وكذلك فيلم كل من سهام مراد والودي واتيو "الجزائر اللقطة الاولى" الذي يصور انتعاشة السينما الجزائرية وحياة الفنانين في ظل اوضاع اليوم. ويقدم الكارافان من تونس شريط "شفت النجوم في القايلة" لهشام بن عمار وسبق لهذا الفيلم الذي يتناول عالم الملاكمة في تونس بين الامس واليوم ويستعيد ارشيفا وذاكرة مهمة ان لاقى نجاحا كبيرا في اوساط الجمهور التونسي لدى عرضه اكثر من مرة. ومن تونس ايضا اختار المهرجان عرض فيلم ناديا الفاني "اولاد لينين" الذي تتسلق فيه ذاكرة ابيها وماضي الشيوعيين في تونس وتبين على مدى اكثر من ساعة ونصف الساعة التزام الجيل الاقدم في وقت لم تعد تعرف فيه الاجيال الجديدة معنى كلمة التزام. الشريط التونسي الثالث لكمال العريضي وعنوانه "غرس الله" ويتناول من خلال قصة ريفية وقائع يختلط فيها تمزق الانسان المعاصر بين الاعتقادات الخرافية والحياة المعاصرة وتختلط الوقائع بالحكايات. بثينة كنعان خوري اختارت هي ايضا ان تسلط الضوء على العادات والتقاليد في "مغارة ماريا" حيث ترصد الظلم اللاحق بالشابات اللواتي يحوم الشك حول عذريتهن. اما الفلسطيني نصري حجاج فقدم "ظل الغياب" وهو شريط شاعري حول غربة ومنفى الفلسطيني في الحياة وفي الموت. وكان هذان الفيلمان حصلا على مكافأة في مهرجان دبي السينمائي الاخير. والى هذين الشريطين يعرض شريط الفلسطينية ناهد عواد "على بعد خمس دقائق من منزلي". اما الشريطان الوثائقيان المصريان فيطرح كلاهما على طريقته ومن خلال قصة مختلفة مسألة الهوية التي تناولتها ناديا كامل في "سلطة بلدي" وتناولها حسن غوري في "صنع في مصر". وتعكس الافلام الجزائرية بداية عودة اليقظة لهذه السينما ويقدم الكارافان من الوثائقي الجزائري شريط مريم حميدات "ذاكرة 8 مايو 1945". وفي حين قدم السوري ميار الرومي قصص سائقي التاكسي اليومية العادية في دمشق اليوم ظل الوثائقي اللبناني او الذي الذي يتناول لبنان غارقا في صورة الحرب الاخيرة التي ظهرت في اعمال مي المصري (33 يوما) وحسن زبيب (الفوضى الخلاقة) وسمير عبدالله (بعد الحرب دائما الحرب). ومن المقرر ان يختتم فيلم "خيام 2000 و2007" للثنائي جوانا حجي توما وخليل جريج الكارافان مساء الاحد ويعود الفيلم لتصوير معتقل الخيام الذي دمر كليا في حرب العام 2006 وكان المخرجان صوراه بعد الانسحاب الاسرائيلي من لبنان. ويستعد المخرجان لخروج شريطهما "بدي شوف" الشهر المقبل في بيروت وستكون الممثلة الفرنسية كاترين دونوف حاضرة في بيروت بالمناسبة بعد مشاركتها في الفيلم الذي قدم في تظاهرة "نظرة خاصة" في مهرجان كان السينمائي 2008.