آسية الوديع تعود إلى مسقط رأسها آسفي في ذكراها الأربعينية .. • محمد دهنون لم تكن لحظة عادية .. تلك التي اجتمع فيها الأحبة و الأصفياء لتأبين امرأة استثنائية كان قلبها خزانا للحب في أعمق صوره، و النضال في أبهى تجلياته . خميس ليس ككل الخميسات في آسفي .. المناضلون و الحقوقيون و سلالة الوديع الآسفي تقاطروا على المدينة منذ الصباح الباكر ، لإحياء الذكرى التأبينية لماما آسية في مسقط رأسها .. هكذا "تواطأت" تلك اللحظة الإنسانية مع جمعية أصدقاء مراكز الإصلاح و حماية الطفولة لتركيب مسار مميز لتلك السيدة التي غافلتها المنون في غفلة من الجميع . الحفل التأبيني الذي احتضنه الفضاء الجميل لنادي كهرماء استطاع أن يجمع وجوها و نخبا و أطرا متعددة .. من مختلف مناطق المغرب .. سياسيون، حقوقيون ، فنانون، إعلاميون و رجال دولة .. ديدن الجميع إحياء أربعينية و قول ما يجب قوله في حق راحلة لاقت من الاهتمام و الامتنان في مماتها .. أكثر من حياتها ..!؟ منصة الكلام تحولت إلى مكان للبوح و الدموع ، ساهم الميكروفون في فضح مكنوناتها . والي الجهة و عامل الإقليم الأستاذ عبد الله بنذهيبة كان أول البادئين .. تخلص الرجل من جبة الرسميين و قيود المسؤولية .. و انطلق في كلمة بسيطة مرصوفة يعدد مناقب الراحلة ، مفردا و مفرجا عن العديد من اللحظات التي جمعته بآسية الوديع و كيف كانت هاته المرأة أيقونة زمنها ، بل تحدث عن تلك الثنائية التي تجمعت في إسمها ، عن عمقها الإنساني الذي خبره بقربها، خاتما كلامه بالتذكير على أن آسفي كانت تاريخيا حاضرة في كل المحطات، و أنجبت رجالات أعطوا الشيء الكثير لبلدهم .. و ما تزال البطن ولادة . جميلة السيوري التي تلت كلمة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، لم يسعفها لسانها و اندلقت الكلمات متحشرجة .. قالت كل شيء و وجدت في غير ما مرة صعوبة في إكمال شهادتها ، فآسية عندما يتذكرها المرء و يتحدث عنها و عما كانت تفعله .. تعترضه صعوبات جمة .. فالعاطفة تكون سيدة اللحظة، جميلة التفتت إلى الحضور و نبست إليه .. من الصعب إيجاد امرأة في حجم و مستوى آسية ، لقد رحلت في لحظة مازالت المؤسسة السجنية و الحقل الحقوقي في حاجة إلى إنسانة مثلها . من أقوى الشهادات التي جعلت آل الوديع يكفكفون دموعهم ، أسماء، صلاح ، عزيز، يوسف .. شهادة جمال الجزولي موظف بإدارة السجون ، و الذي عاشر الراحلة لسنوات عن قرب ، بأسلوب أنيق و صوت مجلجل و كلمات مختارة بعناية تمتح من صدق اللحظة ، سافر بالحضور في تضاريس علاقة حميمية .. و لم يكد ينهي بوحه حتى وجد نفسه بين ذراعي صلاح الوديع و انخراط في بكاء و عناق طويل .. في الحقيقة .. التقدميون و أهل اليسار .. هم أفضل من يفهمون و يعبرون عن العمق الإنساني بلا مساحيق و بكل الأريحية النفسية الممكنة. مصطفى سجين سابق كان قدره هو آسية الوديع ، حكى عن حياته التي كانت أجندة مفتوحة على الانحراف و الاعتقال، تحدث عن لقائه الأول ب "ماما" ،و كيف تغيرت نظرته و أفكاره .. متخلصا من ماض أسود و مستعيدا لإنسانية و استقامة فقدها تحت قهر الوقت و قلة العقل .. كانت عفويته و تلقائيته في سرد مقتطفات لاقته مع أم روحية لم تلده بطنها ، لقد جعل القاعة تحبس أنفاسها تأثرا و تماهيا مع صدقية كلمات لشاب كان قاموسه مفتوحا على "ثقافة" الإجرام وحده فقط .... و هكذا .. توالت الشهادات.. رئيس المحكمة الابتدائية بآسفي الأستاذ عبد اللطيف عبيد ، مديرة أكاديمية الرباط التيجانية فرتات ، النائب السابق للتعليم بآسفي و مراكش حميد اعبيدة ، ربيعة التي عاشرت الفقيدة ببيتها لمدة 32 سنة ، رفيقة الراحلة في سلك القضاء الأستاذ فاطمة أوكادوم ، صديقتها زهور رشاد ، سلوى الحجام رئيسة جمعية أصدقاء مراكز الإصلاح فرع آسفي ، و مسك الختام بوح جميل و طويل بصوت في بعض حباله قوة و مخارج من صوت الراحل الشاعر محمد الوديع الآسفي الأب .. لقد كانت أسماء الوديع و هي تتحدث عن أختها زمن النضال و الاعتقال و السجون و الاضطهاد و سيدة الطرب أم كلثوم و دواوين أبا الطيب المتنبي و النواسيات و درويش و هلم شعرا عربيا قحا .. أسماء ببلاغة تحفظ لها لوحدها .. أبنت أختها و لقحت كلامها بحميميات و تفاصيل عاشتها مع آسية و الكلام طويل طويل ... الحفل التأبيني أدار فقراته الزميل منير الشرقي بقلب مفتوح .. و الذي اختتم على إيقاع موسيقى ثراتية و أمداح تليق باللحظة .