لب مئات الضيوف دعوة آل الوديع لحضور الحفل التأبيني الذي نظمته أسرة الراحلة المناضلة والحقوقية أسية الوديع ، مساء أول أمس الخميس بالمسرح الوطني محمد الخامس بالرباط، حيث عرف حضور العديد من وجوه المغرب السياسي والحزبي والنقابي والنضالي والجمعوي والاعلامي، ومن كل الأجيال والحساسيات، وجمهور غفير من أصدقاء وصديقات المرحومة والعديد من المعتقلين السابقين الذين حرصت الراحلة على اعادة ادماجهم في الحياة العامة بعد تجربة السجن، الذين جاؤوا وفاء لروحها واستحضارا لخصال احدى كبار السيدات اللواتي ساهمن في صناعة المنعطفات التاريخية لبلادنا. حفل التأبين، كان بحق حفلا للوفاء يشهد على مكانة الفقيدة حضره ادريس لشكر الكاتب الأول للاتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية ، ومستشارة جلالة الملك زليخة نصري، ورئيس الحكومة عبد الآله بنكيران وممثلي العديد من الأحزاب السياسية والنقابية ورجال النضال الوطني والمقاومة، ورجال العدالة من رفاق الفقيدة،إلى جانب القوى المدنية والجمعوية. وتميزت هذه الأمسية التي نظمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء ، بالرسالة التي وجهها جلالة الملك ، التي أعرب فيها عما يكنه للفقيدة المبرورة من تقدير لشخصها ولعطائها المتميز في خدمة القضايا الإنسانية النبيلة. كما أكد جلالة الملك في هذه الرسالة التي تلتها المستشارة زليخة نصري، أن الراحلة كانت «رمزا مضيئا من رموز المرأة المغربية التي نذرت حياتها للمشاركة المواطنة في بناء المجتمع المغربي الذي نتوخاه، ونسهر على تحقيقه، مجتمع التضامن والكرامة وحقوق الإنسان، فأوفت بما عاهدت عليه ضميرها الإنساني، دفاعا عن الفئات الهشة، وخاصة نزلاء المؤسسات السجنية وإعادة الإدماج، وسعيا في سبيل إسعادهم، وعملا دؤوبا لانتشالهم من مسالك الجنوح». من جهته ، أكد الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان محمد الصبار في كلمة بالمناسبة، أن الفقيدة شكلت «نموذجا نادرا في النزاهة والحرص على القيم والأعراف المهنية»، مبرزا إسهامها الخاص كعضوة في المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، في التجربة المغربية المتميزة في مجال العدالة الانتقالية. بدوره، نوه رئيس محكمة النقض مصطفى فارس، باسم أسرة العدل، بالخصال الإنسانية والمهنية للفقيدة، مؤكدا في كلمة تليت بالنيابة عنه، أنها خاضت معركة نصرة قيم الإنسانية العليا وسجل اسمها في ديوان المدافعين عن المظلومين والمستضعفين. ومن جانبها، استحضرت رئيسة المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري أمينة المريني ذكرياتها مع الراحلة التي كانت «قريبة من السجناء مدافعة عن حقوق الأحداث»، مؤكدة أن آسية الإنسانة والحقوقية والمناضلة «ستظل دائمة الحضور رغم الغياب». وتميز هذا الحفل التأبيني ، بشهادات حية ومؤثرة في حق «ماما آسية» تعاقب على تقديمها نجل الراحلة يوسف الشهبي والنقيب الشهبي الذي قرأ كلمة في حق الزوجة السابقة التي تعرف عليها أيام النضال داخل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، في رحاب كلية الحقوق, «كانت ربة بيت.. ربة بيتي أنا، كانت أما.. أم أطفالي أنا، كانت قاضية فكنت محاميا أمامها، كانت محامية و كنت نقيبها..». وأجمعت الشهادتان على أن الفقيدة كانت «أما استثنائية بجميع المقاييس»، و«مناهضة للظلم وكل أشكال الحكرة»، و«محبوبة من طرف الجميع». كما استحضرا جهود الراحلة التي كانت «تعمل في صمت ولا تنتظر شكرا من أحد» في الدفاع عن الأحداث وتأسيس جمعية أصدقاء مراكز الإصلاح وحماية الطفولة. وفي شهادة أحد النزلاء السابقين الذين استفادوا من عطاءاتها، حسن ركبان، الذي دخل الإصلاحية وولج المعتقل سنة 1999 وعمره 15 سنة و يجر وراءه حكما مدته 15 سنة، حكى كيف ساعدته «ماما آسية» وانتشلته من مرحلة «لوسخ ولحبوب» الى مرحلة الزواج وتكوين الأسرة. تكلم بلسان دارج غير معقود و أخبر الجميع أن الراحلة ساعدته بمالها الخاص وسمت مولوده اسم «الوديع»، وهي على فراش الموت. كما اهتزت مشاعر الحاضرين لشهادة مساعدة البيت التي اشتغلت مدة 32 سنة في دار آسية، وحكت للجمهور كيف بكت بنت الوديع الأسفي عندما سمعت مساعدتها في البيت ترد على مكالمة هاتفية وتقول لهاتفها «أنا الخدامة ديال الأستاذة آسية» . غير أن أقوى لحظات التأبين كان شريط فيديو مأخوذ من إحدى برامج القناة الثانية، أطلت فيه آسية الوديع حيث قالت من ضمن غير قليل من الكلام المؤثر: «من الأنانية أن يعيش الإنسان لنفسه فقط». كما تخللت هذه الأمسية العديد من الفقرات الفنية، التي أدارها عتيق بنشيكر، شارك فيها كل من : الحاج يونس على عوده ، وأمير علي بكمانه ، بالإضافة الى أغنية من فن الراب، تمت إذاعتها داخل قاعة التأبين، لنزيل سابق بالإصلاحية ، كان موجودا في القاعة، لكنه لم يبتغ الكشف عن هويته، فنابت عنه معزوفته . ثريا ابنة خالد الوديع (أخ الراحلة) عزفت معزوفة بالبيانو إكراما لرحيل عمتها، بالاضافة الى أغنية أهدتها ايطو حفيدة الراحلة لروحها. كما تم انجاز لوحة كبيرة على خشبة المسرح للراحلة، قام بانجازها أحد الفنانين الشباب ، الذي استمر اعدادها طيلة فقرات الحفل التأبيني. وتم خلال هذه الأمسية ، توزيع كتاب أصدر بالمناسبة بعنوان «ماما آسية.. الوطن والبسطاء» من 130 صفحة، يضم صورا فوتوغرافية للمرحومة وشهادات في حقها بأقلام عدد من المسؤولين والحقوقيين والصحفيين والجمعوين وأفراد عائلة الفقيدة.