في سياق استعدادهما للتجاوب مع قرار استئناف مفاوضات الحل السياسي السلمي والدائم والشامل للنزاع المفتعل حول الصحراء، في جولتها الثانية خلال الأسابيع القادمة، قررت الشقيقة الجزائر وصنيعتها الوهمية تبليغ رسالتين محددتين إلى كل من المجتمع الدولي والمنتظم الأممي. الرسالة الأولى تزامنت مع حدث رياضي دولي هو مناسبة مرور سباق رالي باريسدكار بالتراب الإقليمي لدول الجوار المغربي، ومضمون هذه الرسالة الموجهة للمجتمع الدولي، هو أن المشاركين الدوليين في هذا السباق الرياضي مهددون في حياتهم وأمنهم بسبب عدم إشراك عصابة إرهابية في ترتيبات تأمين المرور عبر الحدود المغربية الموريتانية، وبالضبط من معبر الكركارات الذي سبق للمنتظم الأممي أن نبه فلول ومليشيات هذه العصابة التي تنطلق وتتسلل من التراب الجزائري في اتجاهها، لاستعراض عضلاتها فيها، إلى الانسحاب الفوري منها باعتبارها مناطق عازلة مشمولة باتفاق وقف إطلاق النار، التي يمنع فيها أي نشاط عسكري أو تغيير لوضعها. وصلت هذه الرسالة التهديدية إلى منظمي السباق وإلى المتسابقين، ورغم قلق المجتمع الدولي من هذه الاستعراضات الإرهابية لعضلات العصابة الانفصالية، إلا أن تقديرات المنظمين ومعهم الدول الراعية للسلام والأمن، ولعلمها المسبق بتكرار العصابة لسيناريو التهديد الدائم لهذا الرالي في دوراته السابقة، أبت إلا أن تواصل رحلة العبور من منطقة الكركارات التي اجتازتها بأمان في نهاية الأسبوع الماضي، وفي تحد قوي للتهديدات والتحذيرات الوهمية والمنتفخة لميليشيات العصابة ولمحركيها من وراء الستار. مضمون الرسالة وصل إلى المجتمع الدولي، لكن على غير ما يقصده أصحابها من ترهيب وتثبيط واستفزاز وإثارة، وهو أن الأصل في هذه المناطق هو الاستقرار والأمن الجوهريين، وأن الاستفزاز والتوتر عابرين تُلَوِّح بهما الجزائر وصنيعتها لتحقيق مكاسب وهمية في اتجاه الضغط النفسي على المجتمع الدولي لمقاطعة أي نشاط سلمي رياضي أو ثقافي أو اقتصادي أو إنساني بصفة عامة في هذه المعابر والمناطق العازلة. والحال أن المجتمع الدولي عن طريق مجلس الأمن هو من يوجه الرسائل تلو الرسائل إلى هذه العصابة المستفزة للكف عن الأنشطة العدوانية والمسلحة في المناطق التي عزلهم عنها، وهي تتخيل أنها مناطق “محررة” يجوز لها أن تمارس فيها سيادة وهمية. ولتأكيد المجتمع الدولي عزلة هذه العصابة والامتناع عن إضفاء أية شرعية ما على تواجدها بهذه المناطق العازلة، أعطى الضوء الأخضر للرالي الرياضي الدولي للعبور بهذه المناطق بترتيبات مع دولتي الجوار المغرب وموريتانيا، من غير التفات إلى تهديدات وهمية يعلم مختلقوها أنه ليس تحتها أي عمل، وأنها موجهة لجهتين: الجهة الأولى: مخيمات المحتجزين بتيندوف للاستئساد على ساكنتها، ولتأكيد القوة والسيطرة والهيمنة وامتلاك القرار والشرعية، وتسويق خطاب الضغط، ودعوى الدفاع عن قضية، وإظهار الاستبسال في المواجهة والقتال، وادعاء نجاح مخططات استفزاز الخصم المغربي، وإحراجه أمام المجتمع الدولي. وقد انتهى هذا التخطيط إلى إحراج العصابة الانفصالية وقيادتها أمام سكان المخيمات الذين يقودون إلى غاية هذه اللحظة حركة احتجاجية عارمة ومتواصلة ضد جلاديهم، والذين يدركون أن هذا التحرك لم يكن إلا قفزة في الهواء، وفقاعة داستها عجلات الرالي في اتجاه خط رحلتها المرسوم رغم أنف الاستئساد والاستبلاد الانفصالي. الجهة الثانية: المجتمع الدولي، لإثارة انتباهه إلى أطروحة الانفصال، والضغط عليه لإبداء التعاطف والاعتراف بشرعية العصابة الانفصالية، ومخاطبتها في أمر المرور والعبور بالمناطق العازلة باعتبارها مناطق محررة تحت سيادة هذه العصابة التي تدعي أنها كيان ترابي قائم له مؤسسات وإدارات، يفترض على أي نشاط يتم في هذه المناطق أن ينال رضاها وترخيصها وتأمينها. وقد انتهى هذا التخطيط كذلك إلى عكس ما توقعته العصابة الانفصالية منه، بأن مر عليه المجتمع الدولي مرور الكرام، بمرور الرالي الدولي من معبر الكركارات بدون استئذان أو اعتراف بأي سيادة ترابية للعصابة الانفصالية عليه. أما الرسالة الثانية، فوجهها الطرفان الجزائري والانفصالي، إلى المنتظم الأممي ومجلس الأمن خاصة، الذي يرعى مباحثات الحل السياسي ومسلسل بناء الثقة بين أطراف النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، للوصول إلى حل سلمي سياسي دائم وشامل ونهائي. وذلك عن طريق قيام العصابة الانفصالية على مقربة من الجولة الجديدة للمباحثات، باقتحام جديد للمناطق العازلة ونقل عتادها العسكري والإمدادات الجزائرية من الأسلحة والدبابات إليها، وإجرائها لمناورات بالذخيرة الحية، بهدف التشويش على مباحثات الحل السياسي، من خلال عسكرة خطاب المفاوضات وشحنه بمزيد من التوتر ولغة الحروب القريبة إلى المنطق الجزائري والانفصالي في ممارسة الإقناع والضغط. والحال أن هذه اللغة وهذا المنطق يتعارضان تماما مع الرغبة المعبر عنها في دعوى انخراط هذين الطرفين بالجدية اللازمة في مفاوضات الحل السلمي السياسي، وفي التزامهما بعدم تغيير وضع الشريط العازل أو ممارسة أي نشاط عسكري أو نقل معدات إليه، كما توصي بذلك تقارير مجلس الأمن الدولي، وعلى رأسها التقرير الأخير الذي حذر فيه من العودة إلى المساس بوضع المناطق العازلة، وعبر فيه عن رغبته التامة في خفض التوتر بهذه المناطق إلى أقصى درجة. إن الكُراتِ الحارقة التي تقذفها منجنيقات العصابة الانفصالية، هي الآن في مرمى المنتظم الأممي وفي ملعبه، وليس تغاضي المغرب عنها إلا تعبير منه عن أقصى درجات ضبط النفس وخفض التوتر، التي يوصي بها هذا المنتظم لإنجاح مسلسل بناء الثقة، وتوفير مناخ سليم وصحي وجدي لاستئناف مباحثات السلام، واحترام الاتفاقات والمعاهدات ذات الصلة. وإذ يضع المغرب المنتظم الأممي أمام مسؤولياته، ليس في التعبير فقط عن قلق هذا المنتظم وتحذيراته، بل في زجر المخالفات والاعتداءات الإرهابية لمليشيات العصابة الانفصالية، والحفاظ على الوضع القائم إلى غاية الانتهاء إلى حل دائم وشامل للنزاع المفتعل تحت إشراف هذا المنتظم، فإنه لن يقف مكتوف الأيادي أمام أي عدوان مباشر يستهدف المساس بوحدته الترابية وأمنه واستقراره، بكل الوسائل التي تكفلها المواثيق الدولية في حماية الأوطان والمواطنين من الأعمال الإرهابية المسلحة. كما أنه آن الأوان للراعي الدولي والأممي للمفاوضات أن يضع في حسبانه وملاحظاته ما يسجل دائما من تكرار العصابة الانفصالية للاستفزاز المسلح والتهديدات الإرهابية كلما لاح في الأفق بادرة حل سلمي تفاوضي، أو دعوة للجلوس إلى طاولة المباحثات والمفاوضات، وهي الاستفزازات التي يتأكد للجميع أنها، وخلافا لتصريحات الجزائر وعصابتها، هي تمارين تحضيرية لنسف جلسات التفاوض وتلغيمها، وها هي الرسالة قد وصلت إلى من يهمه الأمر في انتظار الرد الرادع عليها.