كمغاربة، قد يصعب علينا استيعاب أو قبول أن يتواجد أحد منا على الطرف الآخر مما يحدث في غزة أو أن تكون هناك رؤى وأراء تدعم الطرح الإسرائيلي، حتى لا نقول المجازر الإسرائيلية. لذلك فقد بدا، قبل أشهر، مقال الأستاذ أحمد الشرعي " كلنا إسرائيليون" كرصاصة أطلقها مغربي على صدر طفل فلسطيني بريء. الأمر الذي أطلق موجة استنكار وغضب وانزعاج ضد ما كتبه الشرعي تعبيرا عن رفضهم العاطفي أن يدافع صحفي مغربي عن إسرائيل وأيضا رفضا لعبارة "كلنا" التي تضمنها عنوان المقال، معتبرين أنها محاولة توهيم للرأي العام الدولي بكون المغارية جميعا يصطفون خلف إسرائيل ضد ما حدث بالسابع من أكتوبر. على أي لا نعتقد أن أحمد الشرعي بتلك السطحية ليضع المغاربة جميعا على الجانب المؤيد للطرح الإسرائيلي لأنه على يقين تام بأن المغاربة يؤمنون بالقضية الفلسطينية كإيمانهم بقضاياهم الوطنية الكبرى. لذلك ف"كلنا" تلك هي مجرد تعظيم لأنا أحمد الشرعي أو أنها تعبير عن فئة أيديولوجية بخلفية فكرية معينة، وهي الفئة التي تهمنا هنا. المتتبعون للشأن الثقافي والسياسي في المغرب يعلمون جيدا أن الصراع والجدال الخطابي الذي ظهر بعد مقال السيد أحمد الشرعي هو مجرد استمرار لصراع قديم كان يتخذ من قضايا أخرى حلبة لتبادل اللكمات الفكرية والأيديولوجية، وهو كان أمرا مقبولا بل ومرغوبا لأنه يساهم في إغناء المشهد الثقافي والاعلامي المغربي ليمتد هذه الصراع أحيانا ليكون مؤثرا في تحديد الأرضيات الخاصة ببعض القوانين خاصة تلك المتعلقة بالأسرة والمجتمع في شموليته. هذا الجدال القديم المتجدد ليس جدالا تقليديا بين التقدميين والإسلاميين ولا بين الحداثيين والمحافظين بقدر ما هو جدال يتجاوز هذه التصنيف الكلاسيكي التقليدي الذي ظهر في فترة تاريخية معينة والتي سعت من خلاله السلطة، حينها، إلى تحقيق التوازن بين الإسلاميين واليساريين حتى ينشغلوا ببعضهم بدل انشغالهم بمعارضة السلطة. قلت هذا الجدال القديم المتجدد يتجاوز هذا التصنيف ليتخذ شكلا مغايرا اليوم فنجد طرفيه، مثلا، ينتميان معا للمعسكر التقدمي، ويؤمنان معا بالأرضية المؤسسة لتوجههما لكنهما يختلفان جدا في رؤيتهم وطريقة معالجتهم لبعض القضايا الكبرى والصغرى. نقصد القول أن التوجه الأيديولوجي لأحمد الشرعي وامبراطوريته الإعلامية لا يمكن أن ننظر له كتوجه شاذ ومنحرف عن الحس الإنساني السليم إذا ما كان توجها مؤسسا على قناعات ومبادئ ربما ليس لنا أن نفهمها نحن المتواجدين على الجانب الآخر من هذه القناعات. لكننا سننظر إليها كتوجه شاذ إذا ما تبين أنه توجه وظيفي مرتبط بأجندة ما. ومادام هذا الأمر بعيد التأكد منه فنحن ملزمين بأن ننظر للسيد أحمد الشرعي كخصم إيديولوجي له قناعاته ومسلماته التي ينطلق منها ليكتب موقفه. وأحمد الشرعي هو نموذج مصغر لخصومنا الايديولوجيين عموما إذا لا يصح أن ننظر إليهم كمجرمين أو نساويهم بقتلة الأطفال هنا بغزة العزيزة فقط لأنهم كتبوا أو عبروا عن رؤى مختلفة جدا عن ما يؤمن به كل "إنسان" سوي مهما كانت ديانته. أما عن الأيديولوجيا فهي ليست موقفا ثابتا ولا هي رؤية جامدة بقدر ما هي رؤية متفاعلة تتأثر بالمتغيرات الظرفية لذلك قد يلتقي أصحابها عند نقطة ما ويختلفون عند نقطة أخرى، أي أن الأيديولوجيا فعل تطوري متكيف مع الوقائع التاريخية والسياسية أما أن تكون ثابتة فهذا يعني أنها مجرد فعل خطابي لا يجرؤ على التفاعل مع الواقع لافتقاره للآليات اللازمة التي تساعده على التموقع وسط قضايا الناس.