تعيش مدن المغرب على وقع جدل كبير حول الكلاب التي تجوب الشوارع، وسط تصاعد المخاوف لدى البعض، ودعوات متزايدة لحمايتها من قبل آخرين. لكن في خضم هذا النقاش، يبرز سؤال جوهري: هل الكلاب فعلاً هي المشكلة؟ أم أنها نتيجة مباشرة لثغرات في تدبير الشأن المحلي؟ علي إزدين، رئيس الجمعية المغربية لحماية الحيوانات، لا يتردد في الجواب: "الكلاب ليست خطرا، بل ضحايا لسوء الإدارة والإهمال". ويذهب أبعد من ذلك، معتبرا أن وصفها ب"الضالة" يحمل حكما قاسيا لا يعكس الواقع، ويدعو بدلا من ذلك إلى اعتماد مفهوم أكثر إنصافا: "إدارة كلاب الشوارع". ويشير إزدين إلى أن غياب إحصاءات رسمية حول أعداد هذه الكلاب يعكس بدوره نقصا في الرؤية والتخطيط، مشددًا على أن الظاهرة لا تنفصل عن التحولات الديمغرافية الحاصلة، وازدياد أعداد السكان، إضافة إلى تفشي سلوكيات التخلي عن الحيوانات، سواء من طرف أصحابها أو من خلال تركها في أوراش البناء بعد انتهاء الأشغال. وفيما تلجأ بعض الجماعات إلى حلول مثل القتل أو التسميم، لا يتردد رئيس الجمعية في وصفها ب"غير الفعالة" بل و"الخطيرة"، موضحا أن القضاء على عدد من الكلاب لا يمنع التكاثر السريع، إذ يمكن لكلبة واحدة أن تنجب ما يفوق 67 ألف كلب خلال ست سنوات فقط. رغم محدودية الموارد، تقوم الجمعية بمبادرات ميدانية تشمل حملات تعقيم وتلقيح، إلى جانب توعية السكان بأهمية احترام الكلاب وعدم إيذائها. ويؤكد إزدين أن هذه المقاربة الإنسانية والوقائية تمثل البديل الحقيقي، بعيدًا عن العنف والمقاربة الأمنية العقيمة. أما بخصوص داء السعار، الذي يُستخدم أحيانا كمبرر لقتل الكلاب، فيشدد على أن الأرقام لا تبرر حالة الهلع إذ لا تتجاوز الوفيات السنوية في المغرب عتبة 50 حالة، وهي نسبة ضئيلة مقارنة بضحايا حوادث السير على سبيل المثال. ويختم ازدين بقوله، الكلاب ليست عدو الإنسان بل ضحية إهماله. والحل لا يكمن في الرصاص أو السمّ، بل في سياسات عمومية واضحة قائمة على التعقيم، التتبع، والتربية المسؤولة. يذكر أن الحكومة المغربيةأطلقت عام 2019 برنامجا وطنيا لمحاربة ظاهرة الكلاب الشاردة، يرتكز على تعقيمها وتلقيحها وإرجاعها إلى الشارع (TNR)، مع إنشاء مراكز إيواء وتحديد هويتها. لكن على أرض الواقع، لا تزال بعض الجماعات تعتمد على القتل والتسميم، وسط غياب الإحصاءات الدقيقة وضعف التمويل المحلي ونقص التوعية. جمعيات الرفق بالحيوان تنتقد هذه الممارسات، وتدعو إلى تفعيل البرنامج فعليا، وتوفير الموارد وتكوين فرق ميدانية واعتماد حلول مستدامة معتبرة أن الكلاب ضحايا للإهمال وليست مصدر خطر وأن المقاربة الوقائية والإنسانية هي السبيل الأنسب لمعالجة الظاهرة.