الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    لقاء بوزنيقة الأخير أثبت نجاحه.. الإرادة الليبية أقوى من كل العراقيل    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    التوافق المغربي الموريتاني ضربة مُعلمَين في مسار الشراكة الإقليمية    من الرباط... رئيس الوزراء الإسباني يدعو للاعتراف بفلسطين وإنهاء الاحتلال    مسؤولو الأممية الاشتراكية يدعون إلى التعاون لمكافحة التطرف وانعدام الأمن    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    ال"كاف" تتحدث عن مزايا استضافة المملكة المغربية لنهائيات كأس إفريقيا 2025    المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة بطنجة تقدم توصياتها    توقع لتساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1800 م وهبات رياح قوية    وفد شيلي يثمن طفرة التنمية بالداخلة    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    أوزين: الأمازيغية لغة 70 في المائة من المغاربة .. وعلمانية المملكة متفردة    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    ألمانيا تفتح التحقيق مع "مسلم سابق"    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    مدان ب 15 عاما.. فرنسا تبحث عن سجين هرب خلال موعد مع القنصلية المغربية    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025        توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات وهبات رياح قوية    أميركا تلغي مكافأة اعتقال الجولاني    الحوثيون يفضحون منظومة الدفاع الإسرائيلية ويقصفون تل أبيب    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع        "فيفا" يعلن حصول "نتفليكس" على حقوق بث كأس العالم 2027 و2031 للسيدات    مهرجان ابن جرير للسينما يكرم محمد الخياري        دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    كيوسك السبت | أول دواء جنيس مغربي من القنب الهندي لتعزيز السيادة الصحية    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    الطّريق إلى "تيزي نتاست"…جراح زلزال 8 شتنبر لم تندمل بعد (صور)    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مراكش تحتضن بطولة المغرب وكأس العرش للجمباز الفني    طنجة: انتقادات واسعة بعد قتل الكلاب ورميها في حاويات الأزبال    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    البنك الدولي يدعم المغرب ب250 مليون دولار لمواجهة تغير المناخ    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكلاب الضالة.. هل هي ضحية مجتمع أم ضحية المرض؟
نشر في تيزبريس يوم 18 - 10 - 2015

يسجل المغرب سنويا ما بين 22 و34 حالة وفاة بداء السعار، حسب تحليل بيولوحي، في حين تشير التقديرات إلى وجود أعداد أخرى من الإصابات والوفيات بسبب الداء نفسه، لكنها تظل غير مؤكدة أو غير مسجلة لدى المصالح الصحية المختصة، خاصة في المناطق النائية.
السعار.. المرض الذي أرق 3 قطاعات حكومية في المغرب
رسميا، تعلن وزارة الصحة عن أن 90 في المائة من الوفيات الآدمية بسبب داء "السعار"، أو "الجهل"، كما يصطلح عليه عموم المغاربة، نتيجة التعرض لعضات كلب ضال.
أما عدد الكلاب التي تموت سنويا بداء السعار، فيفوق 400 كلب، مؤكدة بالتحاليل المخبرية، أما العدد غير المؤكد بيولوجيا، فيظل غير معروف.
ما هي الأسباب الكامنة وراء مواصلة الداء في حصد عدد من الوفيات، جلهم من الأطفال، رغم اعتماد ثلاث استراتيجيات وطنية لمكافحة الداء والكلاب؟
ما هي الإكراهات التي يواجهها المغرب في تطبيق تجربة العديد من دول العالم، التي قطعت بشكل نهائي مع داء الكلب، رغم انتشار ظاهرة الكلاب؟ وما هي أسباب استمرار الكلاب الضالة في المغرب، وتزايد أعدادها رغم وجود استراتيجيات وطنية لمكافحة المرض وتقليص حجم الظاهرة، علما أن هناك تعاونا مشتركا من قبل ثلاثة قطاعات حكومية كبيرة، وهي الداخلية، والفلاحة، ووزارة الصحة.
"المغربية" أنجزت تحقيقا حول الموضوع، بحثا عن إجابات أسئلة ظلت معلقة، كما أجرت زيارات ميدانية في كل من برشيد ومنطقة النواصر وبوسكورة، أحد نماذج المناطق التي تسجل فيها حالات الإصابة بالسعار بسبب الكلاب الضالة.
التقت "المغربية" عددا من الأعوان والتقنيين في مصالح حفظ الصحة، حيث قدموا إجابات متنوعة، إلا أنها تصب في اتجاه واحد، هو المناداة بتوفير إرادة حقيقية لمعالجة نقط ضعف الاستراتيجيات الثلاث في أفق مقاومة الداء، وبالتالي تجنيد جميع الإمكانات الضرورية لوقف الوفاة بداء الكلب.
كلاب ضالة غير مملوكة
جميع استراتيجيات مقاومة داء السعار في المغرب تركز على مصطلح "الكلاب الضالة"، إذ تبين خلال جميع مراحل التحقيق أن تحديد مضمون هذا المصطلح يعد من بين الأسباب الأولى لعدم بلوغ جميع الاستراتيجيات الموضوعة لأهدافها المسطرة.
في كل مناسبة، رسمية وغير رسمية، يشار إلى أن الكلب الضال يتسبب في نقل فيروس السعار إلى الإنسان ووفاته.
لكن من هو هذا الكلب الضال؟ ما هي أوصافه ونعوته وهويته؟ في المغرب، يتعذر تحديد الكلب الضال، حتى يجري الحسم في أنه المسؤول عن حجم هذه الوفيات. هل الكلب الضال هو الذي لا صاحب له؟ أم هو الذي له صاحب، لكن لا يوفر له المأوى والمأكل والعناية والدفتر الصحي؟
وتبعا لهذه الصعوبة، فإن جميع التوصيات الصادرة عن الاجتماعات الرسمية، التي يلتف حولها مسؤولون من الفلاحة والداخلية والصحة، يتعذر ترجمتها على أرض الواقع لاحتواء الداء.
يعتبر الكلب الضال، في اصطلاح المسؤولين المتدخلين في استراتيجيات مكافحة داء السعار، هو الكلب الذي لا صاحب ولا مالك له، وبالتالي الذي لا مأوى له، ولا يخضع لأي رعاية صحية ولا يتوفر على دفتر صحي، استنادا إلى أن القانون المغربي الحالي يلزم كل مالك لكلب بمسك دفتر تلقيحاته، وتحمل مسؤولية أعماله المضرة بأفراد المجتمع.
خلال جميع مراحل التحقيق، تبينت صعوبة تحديد هوية الكلب الضال في مجتمعنا، على اعتبار أن العديد من المغاربة يستعينون بالكلاب لأغراضهم الشخصية، في القرى والجبال وحتى في الحواضر، دون أن يشعروا بإلزامية توفير المأوى والرعاية الصحية للكلاب التي تخدمهم.
وتبعا لذلك، يظل مفهوم الكلب الضال غير مستوف لجميع العناصر، فهل نعني به الكلب الذي لا يتوفر على صاحب أو مالك؟ علما أن العديد من الكلاب تعيش في أحياء وفي شوارع وأزقة بعينها، لا تغادرها، لدرجة نشوء الألفة والتعارف بين الجانبين، وهو ما يعرف ب"كلاب الأحياء".
أم أنه الكلب الذي له صاحب، ولكن لا يوفر له أدنى رعاية صحية؟ وهذا أيضا سائد ومنتشر في المغرب.
ومن الأمثلة على ذلك، اعتماد بعض الحراس الليليين على كلاب، دون وعي منهم بأنهم يحملون صفة مالكيها، وأنه من واجبهم مسك دفتر لحالتها الصحية، وإنما يعتقدون أن علاقتهم بهذا المخلوق، ليست مشروطة بتوفير مأوى قار أو رعاية غذائية أو صحية معينة للكلب، بالنظر إلى الظروف الاقتصادية والاجتماعية للحراس أنفسهم.
وهو الأمر الذي جاء على لسان بعض الحراس الليليين، الذين تحدثت إليهم "المغربية"، إذ ضحك عدد منهم من الاستفسار عن نوعية الأكل المقدم لكلابهم، وعن مواصفات مكان نومهم، وعن وتيرة الزيارات الطبية التي تخضع إليها كلابهم. الإجابات كانت تدور حول استحالة توفير كل هذه الأشياء، إذ كيف لهم تقديم كل هذه الخدمات لكلب يعتاد العيش في الهواء الطلق، حسب منظورهم.
تضمنت مجمل الشهادات شبه إجماع على أن الكلب مخلوق له قدرة على السعي الفردي وراء البحث عن رزقه نهارا، ليعود ليلا لينام في زاويته المعتادة، سواء تحت مظلة، أو داخل قفص، أو فوق فراش من الورق أو فوق الرصيف مباشرة.
وهذا الأمر ينطبق، أيضا، على الكلاب التي تحرس المنازل والإسطبلات في المناطق القروية، حيث لا يتوفر أصحابها على وعي بواجبهم تجاه هذه الكلاب مثل عرضها على الطبيب البيطري، ومراقبة صحتها وتلقيحها، لحمايتها من السعار، ووقاية باقي الحيوانات الأخرى، وحماية الإنسان من العدوى بأمراض منقولة، وعلى رأسها "الليشمانيوز" والسعار.
خلاصة، الكلب الضال، الذي لا صاحب له، تسلب منه الحياة بالقتل، والكلب غير الضال، الذي له صاحب، يلقح ويعفى من الرمي بالرصاص.
علاقة الإنسان بالكلب غير مفهومة
هذا الواقع يفرض طرح مجموعة من التساؤلات الأخرى، منها لماذا تقل أعداد الكلاب المعتنى بها في مجتمعنا، مقابل ارتفاع المهملة منها؟
لماذا يغيب على المواطن أهمية العناية بكلب، يستعين به في غرض من الأغراض؟
إن العلاقة التي تجمع الإنسان بالكلب، تعكس نوعية النظرة الموجهة إليه، إذ ينظر إليه على أنه كائن حي محكوم عليه بالبقاء في الشارع، مهملا، لا يحظى بأي عناية، وهو ما يخلق نوعا من التفاعل غير الإيجابي مع الكلاب التي تعيش معنا، في الأزقة والشوارع وهي في حالة صحية يرثى لها.
يوجد بينها المعطوبة والمجروحة ومكسرة الأطراف، نتيجة الاعتداء عليها، قصدا، أو بغير قصد، في حالات حوادث السير. ومع ذلك، ينظر إلى هذه الكلاب بعين المتفرج، دون المبادرة إلى عرضها على طبيب بيطري.
لماذا إذن تغيب ثقافة العناية بالكلاب في المجتمع المغربي؟ هل لها علاقة بالظروف الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، أم أن لذلك مبررات أخرى ثقافية وتوعوية؟
كشف التحقيق عن اختلاف النظرة إلى الكلاب مقارنة بباقي الحيوانات الأخرى، مثل الأحصنة، والأبقار والمواشي والدواجن وغيرها، إذ ينظر إليها على أنها حيوانات ذات أهمية اقتصادية، بينما ينظر إلى الكلاب على أنها غير منتجة، وغير ذات عائد مادي بالنسبة إلى الأسرة، وبالتالي لا تبذل الأسر الجهود المطلوبة لتوفير الغذاء للكلاب وتحمل كلفة رعايتها الصحية.
ويعود أصل هذه العلاقة إلى نوع الثقافة السائدة في المجتمع، التي لا تضعه في موضع احترام، إذ يجري التلفظ بكلمة "كلب" لذم إنسان في حالة خلاف معه، وبالتالي توجه إليه السباب بكلمة "القانع" أو"المجحوم"، وهو ما أكده ل"المغربية"، الدكتور عبد الوهاب جبوري، مسؤول مصلحة حفظ الصحة في إقليم برشيد.
فهل هذه النظرة المجتمعية تبرر عدم تجاوب المواطنين مع حملات تلقيح الكلاب؟
جميع مسؤولي وأعوان مصالح حفظ الصحة، الذين التقت بهم "المغربية"، يجمعون على ضعف مشاركة المواطنين في حملات تلقيح الكلاب، التي تنظمها مصالح القطاعات الثلاث المتعاونة في مجال مكافحة السعار.
خلال التحقيق، تبين أن للمواطنين ما يبرر سلوكهم، وتخلفهم عن مواعيد حملات تلقيح الكلاب، ومن أبرزها افتقارهم إلى وسائل القبض على الكلاب والتحكم فيها، إذ يتعذر عليهم جر كلب يصول ويجول في القرية أو الجبل، بين الحقول والمزارع.
يواجه المواطنون، أيضا، صعوبة قيادة الكلب إلى السوق أو إلى الطبيب البيطري، في ظل افتقارهم إلى وسائل القبض على هذه الحيوانات، ولا يتوفرون على أقفاص، كما لا يملكون قفازات واقية، ولا وسائل نقل، ولا على تدريب في تقنيات مطاردة الكلاب، حسب ما أكده مواطنون ل"المغربية".
إن ثقافة التعامل مع الكلب، كحيوان يستحق العناية والرعاية، لم تتبلور بعد، بالشكل المطلوب والكافي، بالنظر إلى شعور الإنسان المعني بالأمر بأنه هو نفسه في حاجة إلى رعاية أكبر من تلك التي لديه، بالموازاة مع مواجهته لتكاليف العيش وإكراهات الولوج إلى مجموعة من الخدمات، كما تحدث عن ذلك مواطنون من منطقة النواصر ل"المغربية".
من معطيات هذا الواقع، اتخذ المسؤولون قرار قتل الكلاب الضالة، لاحتمال حملها الفيروس المسؤول عن السعار، خلال حملات جمع الكلاب، والاحتفاظ بحق الكلاب المملوكة في التلقيح، يفيد الدكتور جبوري.
الكلاب.. ضحية السعار والعطالة والجوع والإصابات
يحمل الكلب أحسن الصفات، منها وفاؤه لصاحبه، وهو من الحيوانات غير الشرسة بمنشئها، وإنما بما تكتسبه من سلوكات عدوانية، من الظروف والبيئة التي توجد فيها، ولذلك فإنها تعتبر ضحية للوضع العام الذي توجد عليه، كما تحدث عن ذلك مواطنون جمعويون ومستشارون محليون في بلدية بوسكورة.
وتفيد هذه التصريحات أنه مهما كان الكلب في حالة هيجان أو جوع، فإنه لا يضر صاحبه، مهما ساءت أحواله، وبالتالي لا يعضه مهما كانت الظروف.
أما اعتداؤه على الغير فيأتي لشعوره بالخطر، سيما أن المعلومات البيطرية تفيد أن الكلب يميل بطبيعته إلى الخوف من البشر، وهو ما يبرر إقدامه على مهاجمة الإنسان، اعتقادا منه أنه في حالة خطر تستدعي منه الدفاع عن نفسه، عن طريق العض.
ومن البراهين على ذلك، أن الكلاب -عادة- ما تعيش على شكل مجموعات لتحافظ على كيانها، تتضامن في ما بينها، وتبعا لذلك، فإن ذكور الكلاب تحمي إناثها من أي اعتداء أو تهديد بحدوثه من قبل الإنسان، إذ يتحول الكلب إلى مهاجم، حسب ما تفيد به المعطيات الواردة عن سيكولوجية حيوان الكلاب، التي يجهلها الإنسان العادي.
الكلب الضال في المغرب، هو ضحية الإهمال، وضحية العطالة، لعدم استثمار قدراته في الحماية والحراسة، علما أن نباحه كان كافيا لضمان الحماية للأشخاص والممتلكات، وبالتالي فإنه لا يتحمل وزر وضعه ككلب ضال، حسب ما تحدث عنه مواطنون من منطقة بوسكورة، يحملون قناعات بضرورة رفع الوعي بالإحسان إلى الكلاب وعدم إهمالها.
ويستند هؤلاء في ذلك، إلى أن الكلب يرى نفسه عنصرا مفيدا للجماعة، ويخدمها، وبالتالي فإنه يكره عطالته، لأنه يشعر باستعداده الدائم لخدمة معيله.
إلى جانب ذلك، تواجه الكلاب الضالة سوء التغذية بل غيابها، وإصابتها بالأمراض والجروح نتيجة تعرضها لحوادث في الطرق أو لمخلفات العراك مع كلاب أخرى، والتعرض للإساءة من قبل بعض الأفراد في المجتمع.
في مجتمعنا توجد كلاب معرضة لكسور ولتشوهات وجروح، تتجول بين المواطنين دون أدنى شفقة لحالها. تموت في الشوارع، وترمى بجثتها في المطارح.
لا يتوفر المتخصصون لحمل هذه المخلوقات إلى فضاء خاص بها.
هي حيوانات لا تحظى برعاية قيد حياتها وبعد مماتها، إذ لا تتوفر على ضمان موتها الرحيم، كما لا تخصص لها مدافن خاصة.
لكن هذه الوضعية تستفسرنا عن الأسباب التي تساهم في تكاثر الكلاب في المغرب؟
الهجر يولد الكلاب الضالة
عند انتقال "المغربية" إلى منطقة بوسكورة، تبين أن العديد من الكلاب أضحت ضالة بعد أن هجرها أصحابها وأطلقوا سراحها وتخلوا عنها، فيما تعيش أخرى، بشكل منتظم، بجوار البيوت، إلا أنها تتمتع بحرية كبيرة في التجول والعودة متى شاءت ذلك.
الحديث عن الأسباب، جاء على لسان عدد من سكان المنطقة، الذين أكدوا أن المنطقة كانت تجمعا سكنيا ضخما للدور الصفيحية، حيث كان السكان يستعينون بالكلاب لحراسة ممتلكاتهم، وبعد ترحيلهم، في إطار إعادة إسكان دور الصفيح، تخلى السكان عن كلابهم، تحت الضرورة، فظلت بدون مأوى ودون معيل، فتضاعف عددها في المنطقة، في ظل غياب مآوي خاصة باحتضان الكلاب المتخلى عنها.
وتبعا لذلك، تحول سوق الثلاثاء الأسبوعي، في بوسكورة، إلى مكان حيث تتجمع هذه المخلوقات بحثا عن الأكل، وتتوافد للتغذية على بقايا الذبيحة، وهو ما يجعل من السوق نقطة استقطابها وجذب زيارتها غير المرغوب فيها، تأتي بحثا عن لقمة في مخلفات وقمامة السوق، ما يحول السوق بيئة مناسبة تستهوي الكلاب الضالة وترفع من قدرتها على التكاثر.
وبالموازاة مع عامل التخلي عن الكلاب، فإن الطبيعة القروية للمنطقة، تبرر تكاثر الكلاب فيها، حيث يوجد فضاء مفتوح مترامي الأطراف، تتوالد فيه الكلاب بكل حرية، لخصب مجالها الرعوي.
ويندرج ضمن أسباب تزايد الكلاب في المغرب، وبشكل عام، سرعة دورة ولادة أنثى الكلاب، التي تضع كل ثلاثة أشهر، ما بين كلب إلى 12 كلبا، في السنة، علما أن الكلاب تتكاثر في شهري مارس ونونبر.
إكراهات مقاومة داء السعار
أوكلت مهمة قتل الكلاب الضالة إلى الجماعات المحلية، بعد سحب هذه المهمة من وزارة الفلاحة، حسب ما هو منصوص في الاستراتيجية الثالثة والأخيرة لمكافحة داء السعار، علما أن هذه المهمة تبدو أنها لا تخلو من صعوبة في بلوغ الأهداف المتوخاة منها، وهو ما يمكن استنتاجه من النتائج المحصودة على أرض الواقع، إذ تستمر الكلاب الضالة في الوجود رغم الجهود المبذولة.
ووفقا لذلك، فإن مخطط المحاربة ينبني على تنظيم حملات لإلقاء القبض على الكلاب الضالة وإعدامها، أغلبها تأتي بعد التوصل بشكايات من المواطنين حول وجود كلاب ضارة، إما بسبب ما تشكله من إزعاج بسبب كثرة نباحها، سيما أنها تنشط في فترة الليل.
أو في حالة وجود مخاطر صحية، مثل ظهور جحافل المرض أو في حالة ظهور الأوبئة، فتتحرك الجهات الثلاث المتدخلة في محاربة داء السعار.
يتطلب هذا العمل في الميدان، توفر الأعوان المنفذين على أدوات خاصة، منها الاستعانة بماسك وارتداء قفازات ولباس خاص، إلا أن هذه الوسائل لا تكون متوفرة دائما، وبالتالي يكون الأعوان المنفذون في مواجهة خطر عضات الكلاب، وهو ما عاشه، واقعيا، بعض الأعوان، في غياب التأمين عن مثل هذه الأخطار، خصوصا أن أغلب هؤلاء المتدخلين هم من العمال الموسميين، وهو ما أكده مسؤولون من مركز حفظ الصحة في برشيد ل"المغربية".
كما كشف المتحدثون ل"المغربية" عن أن ملاحقة الكلاب تحتاج إلى التوفر على تدريب بدني خاص، علما أن التدريب النظري لا يكون كافيا على أرض الواقع، حسب ما تحدث عنه بعض الأعوان ل"المغربية".
وينضاف إلى ذلك أنه من الصعب جدا إلقاء القبض على الكلاب الضالة في الغابات وفي القرى، حيث تكون قدرة الكلاب على الهرب والمراوغة عالية جدا.
وأفاد أحد المواطنين في بوسكورة أن الكلاب المقيمة في الغابة تسببت في افتراس دجاجه وماشيته، في أكثر من مرة، بفعل جوعها وعدم توفرها على معيل وكفيل، ما يحولها إلى حيوانات شديدة الشراسة ليلا، وهو ما كان موضوع مجموعة من شكايات المواطنين.
ومن المعيقات، أيضا، ضعف المعدات ووسائل التنقل المتاحة للمنفذين للعمليات ميدانيا، إلى جانب قلة الأطباء والتقنيين، ما يعسر عملية إلقاء القبض على الكلاب في العالم القروي، سيما مع غياب نقطة تجمع واحدة للكلاب ليسهل إلقاء القبض عليها، يجب أن يكون مدربا على إلقاء القبض عليها.
ويظل الحل أمام الأعوان الترصد للكلاب في أماكن خلودها للراحة، في أوقات معينة، مثل أوقات ما بعد الأكل، إذ تختار الاسترخاء والتمدد أو النوم تحت ظل السيارات أو الأشجار، باستعمال طريقة المطاردة، أو نصب الفخاخ أو المصيدة.
بعد عملية القبض، توضع الكلاب تحت الحراسة، إلى حين مرور زمن معين، وهو ما يطرح مجموعة من الإكراهات على مكاتب حفظ الصحة، مثل طول مدة إقامة الكلاب في الأقفاص، دون أكل أو ماء أو أكل، لدرجة أن في أحد المرات أكل كلب كلبا آخر، حسب ما أكده أحد العاملين في أحد مراكز حفظ الصحة ل"المغربية".
بعد ذلك، تنقل جثت الكلاب إلى المطارح لدفنها، في غياب مدافن خاصة بالكلاب وباقي الحيوانات، وهو ما يستدعي تغيير هذه الطريقة لرفع مستوى الحذر من خطر انتشار داء السعار، الذي لا يتوقف حتى بعد وفاة الكلب، كلما جرى النبش في مكان الدفن من قبل حيوانات أخرى أو من قبل الإنسان، إذ يتسلل الفيروس إلى التربة والماء.
إعدام الكلاب الضالة
في وقت سابق كانت عملية قتل الكلاب الضالة تجري بواسطة تقديم وجبة أكل سامة، تتضمن مادة "الاستركنثين" المسممة، التي كانت توفرها المصالح البيطرية التابعة لوزارة الفلاحة، إلا أنه جرى التخلي عن هذه الطريقة، رحمة بالكلب الذي يتعرض لآلام كبيرة قبل أن يموت جراء السم، ثم خوفا من إيذاء المواطنين وباقي الماشية من تلك الوجبة المسمومة.
كما من مسببات التخلي عنها، عدم نجاعتها، بالنظر إلى أن الكلاب قد لا تتناول تلك الخلطات المسمومة، ناهيك عن أن كلفتها تساوي 100 درهم.
حاليا، تجري عملية مقاومة الكلاب بإعدامها رميا بالرصاص داخل المجالات القروية، بمساعدة جمعيات للقنص في بعض المناطق، مثل بوسكورة، وهذا الإجراء ممنوع في المجالات الحضرية، وتجري بتنسيق مع رجال الدرك والسلطة المحلية.
أما في المجال الحضري، يتولى العامل إصدار أمره بطريقة القتل التي يراها مناسبة لإعدام الكلاب الضالة، علما أن إطلاق الرصاص في المناطق الحضرية، يكون ممنوعا لتفادي أي حوادث.
الحلول المقترحة
مع تكرار الإخفاقات في بلوغ الأهداف المرجوة من استراتيجيات مكافحة الكلاب الضالة، يرى أحد مسؤولي قسم حفظ الصحة، أنه من الحلول الناجعة والفاعلة:
– تشغيل شركات خاصة، تتوفر على فرق متخصصة، في ظل وجود نقص في الموارد البشرية المدربة في المجال، ومحدودية الوسائل المتاحة لدى السلطات المحلية، بينما تتوفر الشركات على الكثير من الإمكانات المادية.
رفع وعي سكان القرى بضرورة التوجه لدى المصالح الصحية لأخذ جرعات اللقاحات، عند التعرض لعضة كلب، في أقرب الأوقات، عوضا عن التوجه إلى "المعاشات".
– وقف كثرة عقد الاجتماعات واللجن على مستوى العمالات والمجالس الجماعية ومصالح البيطرة والصحة، لاقتصاد الوقت والجهد، والتفكير في طرق أنجع.
– وضع رهن إشارة المواطنين التبليغ على الحيوانات الضالة التي تظهر عليها علامات المرض.
تثير عملية رمي الكلاب بالرصاص حفيظة عدد من المواطنين ومن حاملي فكر الرفق بالحيوان، وهو ما يرفع صوت الرافضين لعملية التخلص من الكلاب الضالة، بشكل لا يخلو من الرحمة والشفقة بهذا الحيوان.
ومن هؤلاء خالد سميع، جمعوي وحقوقي عضو رابطة حقوق الإنسان، من أبناء جماعة بوسكورة، الذي يرى أنه من غير الإنساني، إعدام الكلاب الضالة، بمبرر أنها كلاب مفترسة.
ويقول سميع "أنا ضد رمي الكلاب بالرصاص"، سيما أنها حيوانات خدومة، ترفض العطالة، وهي مخلوقات تستحق الرعاية والنظافة والحراسة".
ودعا سميع المنظمات الحكومية وغير الحكومية إلى اتخاذ التدابير لمراجعة هذه الطريقة في محاربة داء السعار في المغرب، سيما أن الكلاب أضحت لها وظائف أخرى ولها كفاءات متنوعة لم يستثمرها الإنسان بعد، ومنها أنها تساعد الأشخاص في وضعية فقدان البصر، وتشارك في المباريات العالمية.
ويعتبر إطلاق النار، وتعنيف الكلب الضال حد الموت أو تسميمه، ظلما كبيرا، جرى حظره في كثير من البلدان الأخرى، استنادا إلى أن الكلاب لا تولد شرسة، بل تكتسب هذا السلوك من وراء تدريبات قاسية ومن سوء المعاملة من قبل أصحابها، إذ يعتبر أن هذه الطريقة ظالمة وغير فعالة في الآن نفسه، وتسبب تعذيبا وموتا بطيئا للحيوان.
ومن الحلول التي يقترحها سميع، وضع قانون ينص على حماية حق الكلاب في العيش، في ظل غياب وعي وثقافة الرفق بالحيوانات.
وتسائل هذه الوضعية المسؤولين عن عدم معالجة هذه الوضعية عن طريق خصي الكلاب أو تعقيمها لوقف تناسلها؟ والجواب الذي توصلت إليه "المغربية"، هو ضعف الإمكانات المرصودة للقيام بهذه المهمة، بسبب الكلفة المرتفعة لهذه التقنية، ولصعوبات رمي الحقنة المخصية على الحيوانات الضالة.
عبد الرحمان بلمامون: عضة الكلب الضال تشكل 90 في المائة من الوفيات بالسعار

تشكل الإصابة بداء السعار أو ما يعرف بمرض "الجهل"، مشكلة صحية عمومية في المغرب، تتسبب في العديد من الوفيات، 90 في المائة منها تأتي نتيجة تعرض الإنسان لعضة كلب ضال، حامل للفيروس المسؤول عن المرض.
ويبلغ المعدل السنوي للإصابة بداء السعار لدى الإنسان في المغرب ب 22 حالة سنويا، 85 في المائة منها تحدث نتيجة التعرض لعضة كلب، مقابل 416 حالة سعار لدى الحيوان، علما أن هذه الأرقام تبقى دون عكس حقيقة ما هو واقع، إذ أن هذه الأرقام تعكس، فقط، الحالات المصرح بها لدى المؤسسات الصحية العمومية.
ويعد السعار من الأمراض المميتة، عندما تظهر أعراضه السريرية، إذ يكون مصير المصاب الموت، لتخطيه مرحلة مقاومة احتضان الفيروس بواسطة اللقاحات المكافحة.
في ما يلي يقدم الدكتور عبد الرحمان بلمامون، طبيب مسؤول بمديرية الأوبئة في وزارة الصحة، مجموعة من المعلومات حول الداء وكيف يمكن مقاومته، وأسباب تعثر استراتيجية مكافحة الداء في المغرب.
هل جميع مناطق المغرب معنية بداء السعار؟
يعني المرض جميع المدن المغربية، باستثناء الأقاليم الصحراوية، حيث تغيب الكلاب الضالة.
كما أن سكان العالم القروي أكثر تعرضا للإصابة بالسعار، حيث تتسبب الكلاب الضالة في 77 في المائة من الإصابات، 33 في المائة منها ناتجة عن عضة على مستوى اليد، و27 في المائة تكون على مستوى الرأس والعنق.
ما هي أسباب الوفيات المسجلة بداء السعار؟
جل الوفيات الناتجة عن الإصابة بالسعار في المغرب تحدث بسبب تأخر المصابين عن أخذ اللقاحات المضادة للداء، مباشرة بعد تعرضهم لعضة أو خدوش من حيوانات مسعورة، أو لرفض كثير منهم إتمام البرنامج البروتوكولي للقاحات، الذي يؤخذ على جرعات متفرقة يحدد موعدها الطبيب.
ما هي أسباب استمرار داء الكلًب "الجهل" في المغرب، رغم وجود استراتيجية وطنية لمكافحة الداء؟
مشكلة انتشار داء الكلب في المغرب مرتبطة بوجود الكلب، باعتباره خزان الفيروس المسؤول عن هذا الداء، ومثلنا في ذلك، مثل باقي الدول الإفريقية، فيما تختلف عنا باقي الدول من حيث نوع خزان الفيروس. وأعطي مثالا بأوروبا، حيث يعد الثعلب هو مصدر الداء، إلا أنهم قضوا على الداء من خلال تلقيح الثعالب باستعمال الطائرات. في المغرب، لا نتوفر على لقاح عبر الفم، كما أنه لم يجرب عندنا.
كيف ترون مكافحة داء الكلب في المغرب؟
يجب مقاومة الكلاب الضالة، على اعتبار أنها تأتي على رأس قائمة الحيوانات المتسببة في المرض في المغرب، تليها القطط والأحصنة والأبقار، ثم أنواع أخرى من الحيوانات.
تقصدون مقاومة الكلاب الضالة بإعدامها؟
ليس لدينا أي خيار آخر. فالكلاب الضالة، التي ليس لها راع ولا مالك، ولا تتوفر على دفتر صحي، تعتبر مصدر خطر، وتخلق العديد من المتاعب للإنسان، فهي تتسبب في العديد من الأمراض، مثل الليشمانيوز والسعار، وأمراض أخرى.
وبما أنه لا يمكن الوصول إلى الكلاب الضالة، يظل خيار إعدامها حلا وحيدا. وهذه التجربة نفذت في دول أخرى، مثل البرتغال، حيث تتكلف شركة خاصة بإعدام الكلاب الضالة بواسطة السلاح الناري، أما في المكسيك، فبادر رئيس بلدية على حث المواطنين على المساهمة في إعدام كلب ضال، مقابل الحصول على مكافأة مالية رمزية.
ألا تتخوفون من أن يكون لذلك تأثير على دورة الحياة البيولوجية في الطبيعة؟
ليس هناك أي تأثير على انقراض هذا الحيوان، لأن الكلاب هي من الحيوانات سريعة التكاثر، وبشكل كبير.
أين تكمن خطورة داء السعار؟
تكمن خطورة الداء في أنه لا علاج له، ولذلك وجب التقيد بتوصيات الوقاية من مضاعفات التعرض لعضة كلب أو حيوان آخر، مشكوك في حمله للفيروس.
أفسر ذلك، إذا ظهرت أعراض المرض على المصاب بعضة كلب أو حيوان آخر يحمل الفيروس، فإن الشخص يموت حتما.
كيف يمكن تفادي هذه النتيجة المؤلمة عند التعرض لعضة حيوان؟
عن طريق الوقاية، بواسطة التلقيح ضد السعار، من خلال المسارعة بالتوجه على وجه السرعة إلى المصالح الصحية المختصة، سواء في معهد باستور، بالدارالبيضاء، أو مصالح حفظ الصحة التابعة للجماعات المحلية في باقي المدن والأقاليم، لأخذ اللقاحات المقاومة للداء، مباشرة بعد التعرض لعضة كلب ضال أو أي حيوان آخر، دون انتظار ظهور أي أعراض مرضية.
من المثير للجدل أن ثلاث مصالح وزارية تتولى أمر مكافحة الداء، مع ذلك لم نبلغ النتائج المرجوة. هل السبب هو تداخل الاختصاصات؟
إن مكافحة الداء في المغرب مرتبطة بتدخل مصالح وزارتي الداخلية والفلاحة، ليأتي دور وزارة الصحة، لاحقا، لتوفير العلاجات الطبية.
يجب أن تكون هناك إرادة حقيقية للحسم في هذا الموضوع، خصوصا أن الداء يؤثر على سمعة البلاد، ويولد أمراضا قاتلة عند الإنسان.
تشير بعض التقديرات إلى أن عدد الكلاب الضالة في المغرب يقدر عددها بمليوني كلب، تنتشر في المدن كما في القرى، دون بلوغ أي نتيجة ملموسة في مقاومتها.
هذا يجعلنا نستنتج وجود مجموعة من الإكراهات. ما هي؟
من بين الإكراهات المطروحة في مكافحة داء السعار، محاربة الكلاب الضالة، باعتبارها كلابا غير محروسة، ولا تخضع لأي عناية صحية، وبالتالي تتحول إلى حيوانات تحمل الفيروسات والعديد من الأمراض التي تنتقل إلى الإنسان. ومن أبرز الإكراهات تعدد المتدخلين وتداخل الاختصاصات.
القتل الرحيم الحل الوحيد والمر للقضاء على الحيوانات الضالة
تأسست جمعية نجوى لضحايا الكلاب من رحم معاناة أسرة الطفلة التي تعرضت لعضة كلب بيتبول، ففقدت إثرها ساقها. في ما يلي تحاور "المغربية"، عزوز عوان، رئيس جمعية نجوى لضحايا الكلاب، إذ يؤكد أن عدد ضحايا عضات الكلاب الضالة يفوق 50 ألف ضحية سنويا، حسب الإحصاءات الرسمية.
وتبعا لذلك، يقول عزوز، لا يصح ترك الكلاب الضالة طليقة، تتسبب في الأذى للإنسان والحيوان، ما يفرض البحث عن طرق أخرى بديلة، وإن كانت تظهر أنها مستحيلة في مجتمعنا، مثل خيار إيوائها وتلقيحها وإطعامها وبناء المرافق المناسبة لها.
كيف تنظرون إلى واقع استمرار الكلاب الضالة في المغرب بالموازاة مع تسجيل حوادث ووفيات نتيجة عضاتها؟
تشكل الكلاب جزءا من الطبيعة إذ لا يمكن القضاء عليها بصفة نهائية، سيما أن للكلاب دورا في توازن النظام الإيكولوجي، رغم أن هذا الدور ما يزال غير واضح المعالم في الوقت الراهن، بالنسبة إلى العديد من الناس.
من المهم التذكير بالعلاقة التي كانت تربط الإنسان والكلب على مر العصور، أبرزها تلك العلاقة التكافلية، من حيث ضمان الكلب الأمن للإنسان من خلال حراسته وتنبيهه إلى أي خطر قد يحذق به، إلى جانب تحلي الكلب بخصلة الوفاء للإنسان مقابل العيش والإيواء. إذن، نشأت علاقات بين الإنسان والكلب، على مر التاريخ، ساد فيها التعايش والصداقة.
السؤال الذي يراودني، هل يمكن اليوم أن يتخلى الإنسان على حليفه الكلب، وعن التعهدات المعنوية التي جمعته به في وقت سابق، وهل علاقة الإنسان بالكلب علاقة نفعية بالدرجة الأولى فقط، ولم يعد للإنسان حاجة بهذا الكلب، اليوم؟
كم هم ضحايا عضات الكلاب الضالة؟
حسب إحصائيات وزارة الداخلية، يفوق عدد ضحايا عضات الكلاب الضالة 50 ألف ضحية سنويا، لكن هذا العدد يظل قليلا، بالنظر إلى الرقم الحقيقي المتوقع، الذي لا نتوفر على معطيات بخصوصه.
نجد أن من بين ضحايا عضات الكلاب الضالة، الأطفال والشباب، والشيوخ، منهم من توفي، وأحسنهم حالا من أصبح معاقا طول حياته. ولنتصور معاناة ذلك مدى الحياة.
كيف ترون مواجهة هذه المشكلة؟
تبين لنا أنه لا يصح ترك الكلاب الضالة طليقة، تتسبب في الأذى للإنسان والحيوان.
إن خيار إيوائها وتلقيحها وإطعامها وبناء المرافق المناسبة لها يظهر أنه مستحيلا، نظرا لأعدادها الكبيرة، سيما أن دولا لم تفلح في توفير جميع هذه الإمكانات، رغم أنها تفوقنا من حيث الإمكانيات المادية، والعلمية واللوجستيكية.
وبما أنه لا يمكن لنا إنقاذ كل الكلاب، فإنه يجب تلقيح جميع الكلاب والقطط التي يتكفل بتربيتها أشخاص ذاتيون، تطبيقا لفصول القانون 56-12، المتعلق بوقاية الأشخاص وحمايتهم من خطورة الكلاب، أو من قبل أشخاص معنويين، مثل جمعيات الرفق بالحيوانات، تبعا للقوانين الجاري بها العمل.
كما أن العمل يجب أن تؤديه فروع تابعة لوزارة الفلاحة، تكون متخصصة في دراسة سلوك الكلاب، وتطورها أو البحوث والدراسات العلمية المتعلقة بها.
ويبقى، للأسف الشديد، القتل الرحيم هو الحل الوحيد، الذي أعتبره الحل المر بالنسبة إلى الحيوانات الضالة.
هل تؤيدون أمر قتل الكلاب الضالة بالرصاص أو السم؟
في الماضي كانت عملية التخلص من الكلاب الضالة تجري باستعمال سم قوي يسمى "الستركنين" strychnine، ينتج عنه موت الكلاب بعد آلام شديدة ومؤلمة تطول 3 إلى 4 أيام.
اليوم، يطلب من المسؤولين تحسين اللحظات الأخيرة في حياة هذا الكائن الحي، بإعطائه "doléthal"، وهو مخدر قوي، يمكن من التخلص من الكلاب، دون أن تتعرض لألم كبير، علما أن تطور العلم يمكن أن يحسن من طرق الموت الرحيم للكلاب، مع احترام المعايير الدولية.
ما الجديد لدى جمعية نجوى في مجال نشاطها؟
إن جمعية نجوى لضحايا الكلابA.N.V.C ، تنوه بصدور النص القانوني رقم 56.12، المتعلق بوقاية الأشخاص وحمايتهم من أخطار الكلاب، الذي يسد فراغا قانونيا كبيرا، والذي جاء استجابة لنضالات ومطالب الجمعية.
ونعتبر هذا النص القانوني مكسبا للجمعية ولجميع المغاربة على السواء، خصوصا الأطفال منهم، إذ يمكن الضحايا من الدفاع عن أنفسهم أمام القضاء، كما يحد من اعتداءات الكلاب الخطيرة، إلا أن نجاعة هذا القانون رهينة بتوفير نصوص تنظيمية، سيما بالنسبة إلى الفصول 2 و3 و4.
ومن هنا نطالب بإصدار نصوص تنظيمية في أقرب الآجال مع وضع قائمة الكلاب الخطيرة، وأنواعها، وأسمائها، وتحديد مورفولوجيتها، وتأهيل المصالح المعنية، تكون تابعة لوزارة الداخلية، والفلاحة، مع تكوين مختصين في هذا المجال.
أشير إلى أن جمعية نجوى جمعت 15 ألف توقيع لحث المسؤولين على سن قانون يمنع تربية واستيراد الكلاب الخطيرة، وتهيئة مقترح قانون يتعلق بحيازة وتدريب كلاب الحراسة والدفاع، ومنع امتلاك كلاب الهجوم المفترسة. كما نظمت جمعية نجوى عدة لقاءات لتحسيس المواطنين بخطورة الكلاب، إلى جانب مشاركتها في عدة وقفات ومسيرات لمطالبة المسؤولين بسن قانون يمنع تربية واستيراد الكلاب الخطيرة.
تعرضت الطفلة نجوى عوان، في 27 يناير 2008، إذ كان عمرها تسع سنوات، لهجوم شرس من طرف كلب من فصيلة البيتبول، عندما كانت تلعب قرب بيتها بحي إسلان بالدارالبيضاء رفقة صديقاتها.
حملت نجوى على الفور إلى مصحة خاصة حيث أجريت لها عملية جراحية وصفت في حينها بالناجحة، لكن بعد مرور ثلاثة أشهر، ظهرت تعقيدات على مستوى الدورة الدموية، وبدأت الرجل اليسرى لنجوى تفقد حرارتها، واتضح أن العملية الجراحية التي أجريت لها، في 27 يناير2008، كانت غير موفقة.
في الثالث من يونيو 2008، أحيلت نجوى على مصلحة الشرايين بالمركز الإستشفائي الجامعي ابن سيناء في الرباط، حيث مكثت شهرا ونصف.
من بين العمليات التي خضعت لها نجوى في المستشفى، عملية استغرقت 17 ساعة متصلة، وحصل تخثر معمم للدم على مستوى الجسم كله، ما تطلب وضعها تحت مضاد للتخثر لساعات طويلة، ناهيك عن أنها كانت تخضع لجرعات من مادة "المورفين" للتخفيف من حدة الآلام التي كانت تنتابها.
استغرقت عملية إنقاذ الفخذ لوحده 12 ساعة، وحينها خيرت الأسرة بين أمرين أحلاهما مر، بتر ساق نجوى أو موتها.
عادت نجوى إلى بيت أهلها دون رجل، ففقدت كل أحلامها ببطولة الماراطون الذي حازت عليه في العديد من المرات.
حاليا تبلغ نجوى من العمر 15 سنة، تدرس في السنة أولى باكالوريا علوم رياضية، تمارس رياضة التنس، وقريبا يمكن أن نراها بطلة في المجال، كما قال والدها ل"المغربية"، إلى جانب أنها تقاوم بنجاح تبعات الحادث الذي تعرضت له، إذ تمارس هوايات فنية منها المسرح والعزف على القيثارة.
يذكر والدها أن الأسرة عانت مشاكل المتابعة القضائية لمالكي "البيتبول"، الذين أنكروا امتلاكهم له أمام المحاكم، رغم وجود شهود الإثبات، إذ حكمت المحكمة الابتدائية عليهم بالبراءة، وهو الحكم الذي ألغته محكمة الاستئناف في الدارالبيضاء فتمت إدانتهم.
وشكل الحادث الذي تعرضت له نجوى سببا في تأسيس جمعية نجوى لضحايا الكلاب، في 14 فبراير2010، التي هدفت إلى سن قانون يجرم تربية واستيراد الكلاب المصنفة دوليا بالخطيرة، ولمؤازرة ضحايا الاعتداء بالكلاب أو من طرف الكلاب.
ويأتي ذلك بعد أن كشفت الوقائع عن استعمال الكلاب في عمليات السطو على أملاك الغير، من قبل قطاع الطرق واللصوص وفي عمليات الاغتصاب، يؤكد والد نجوى ل"المغربية"، كما يستعملها مروجو المخدرات للاحتماء من رجال الأمن ولمصارعة الكلاب الدامية.
رغم المجهودات المبذولة لمحاربة داء السعار في المغرب، إلا أنها لم تحقق جميع الأهداف المرجوة منها، المتمثلة في المراقبة ثم القضاء على هذه الآفة.
وتتعدد الأسباب التي تتنوع إلى أسباب الطبيعة الإيكولوجية، ولها ارتباط بخاصية هذا الحيوان في حد ذاته، الذي يتوالد بشكل كبير، وبسبب طريقة تربية هذا الحيوان، في كل من المجال الحضري أو في العالم القروي.
فبالنسبة إلى السبب الطبيعي، يتميز الكلب بعدد ولاداته المرتفعة والمتكررة في السنة الواحدة، إذ تضع أنثى الكلاب مرتين في السنة، وفي كل مرة تضع ما بين 6 إلى 10 جراء.
وبالموازاة مع هذا المعطى الطبيعي، تهمل أنثى الكلاب في العالم القروي، ويجري التخلي عنها، وعن مواليدها الإناث، ويرمى بها في الأسواق، في مقابل الاحتفاظ بالذكور، اعتقادا من المواطن في القرية، أن ذكور الكلاب هي الأجدى والأكثر فعالية.
وتبعا لذلك، فإن أغلب الكلاب لا تحظى برعاية، وغير مملوكة، ولا يقدم لها الأكل، ولا الشرب، ولا تراعى احتياجاتها الصحية، رغم أن هذا الحيوان يسدي خدمات في حراسة البيت والماشية والممتلكات.
ويرى الدكتور عبد الله مدهون، طبيب بيطري، ومسؤول القسم البيطري بجهة الدارالبيضاء الكبرى، أنه لولا عملية محاربة الكلاب غير المملوكة لكانت العواقب وخيمة بسبب التكاثر الطبيعي لهذه الفئة من الحيوانات واحتمال نقلها لأمراض خطيرة على صحة الإنسان.
وفي ظل هذه المعطيات، يظل الكلب في حالة تنقل مستمر بين القرية والسوق أو المدينة، بحثا عن قوته اليومي، ليعود ليلا بالقرب من بيت "مالكه".
أسباب إخفاق استراتيجيات محاربة الكلاب
يعود فشل محاربة داء السعار في المغرب إلى عدة أسباب من بينها:
– ضعف الوعي لدى السكان بخطورة داء السعار ووسائل الوقاية منه.
– تضارب الاختصاصات بين المتدخلين في استراتيجيات المحاربة، إذ أن النصوص القانونية تعطي صلاحية القضاء على الكلاب الضالة للمجالس الحضرية والقروية، لكن هذه الأخيرة تواجه مشاكل في القيام بهذه المهمة.
– صعوبة تحديد مفهوم الكلب الضال، بالنظر إلى أن جل هذه الكلاب، خاصة في العالم القروي، ليس لها مالك بالمعنى الحقيقي الذي يستوجب الرعاية، إذ أن حوالي 90 في المائة من كلاب العالم القروي لا تحظى بالعناية الضرورية من أكل وتطبيب، بل في أغلب الأحيان لا تتغذى إلا على بقايا الوجبات.
– ضعف الإمكانيات المخصصة
– ضعف عدد مكاتب حفظ الصحة.
– عدم ضمان ديمومة عمل الأطباء المكلفين على مدار الساعة وأيام الأسبوع وأيام العطل.
– غياب صيغة عمل موحدة ما بين تدخلات وزارة الداخلية والفلاحة والصحة، الذين تجمعهم اتفاقية شراكة للتغلب على الداء.
دور وزارة الفلاحة في محاربة السعار
يتمثل دور وزارة الفلاحة في محاربة داء السعار في:
التوعية الصحية.
– القيام بالإجراءات الوقائية بتلقيح الكلاب ضد داء السعار، عبر حملات عامة ومجانية.
– المراقبة الصحية للحيوانات المشتبه في إصابتها.
– القيام بإجراءات الشرطة الصحية.
– المشاركة في وضع الاستراتيجيات المشتركة.
المقترحات
ومن بين الحلول المقترحة
– وضع استراتيجية مندمجة وشاملة للقضاء على هذه الآفة.
– وضع آلية للتنسيق بين القطاعات المشرفة.
– الرفع من مستوى الوعي لدى السكان.
– رصد الاعتمادات الكافية.
يتكلف معهد باستور بتلقيح جميع الأشخاص الذين تعرضوا لعضات كلب، المحالين من قبل مصالح حفظ الصحة التابعين له، حيث يتلقى المصاب جرعات من اللقاح، على مراحل يحددها الطبيب، ويجب احترامها وفق التواريخ المبينة في وصفة الطبيب.
وتبعا لذلك، لا يجب انتظار ظهور أعراض مرض السعار، بل المبادرة بأخذ اللقاح، مباشرة بعد التعرض لعملية الخدش أو العض.
محطات تاريخية لإنتاج لقاح داء الكلب عبر العالم
أفاد محمد كريم، تقني بيولوجي سابق في معهد باستور الدارالبيضاء، "المغربية"، أن المغرب مدعو إلى إنتاج اللقاحات المضادة لداء السعار، لفوائدها المتعددة، وعلى رأسها:
– توفير المنتوج رهن إشارة المواطنين بأثمنة مناسبة.
– المساهمة في تشغيل الأطر العلمية والتقنية والأعوان.
– توفير العملة الصعبة لصالح الخزينة العامة ومواجهة العجز المالي الخارجي.
– فتح مجال وأفق البحث العلمي.
– المساهمة في التنمية المستدامة ومقاومة التخلف.
من جهة أخرى، ذكر كريم بالمحطات التاريخية لابتكار لقاح المضاد لداء الكلب، وهي:
– في سنة 1885 تم اختراع وابتكار اللقاح المضاد لداء الكلب، على يد العالم الفرنسي البيولوجي لويس باستور.
– استعمال اللقاح أول مرة في العالم على الطفل "جوزيف" راعي غنم، كان يبلغ من العمر 12 سنة، تعرض لعضة كلب يحمل فيروس السعار، فجرى إنقاذ حياته.
– 1911: عين الدكتور "إيدوارغو بالتازار"، على رأس معهد باستور طنجة، ليشغل مهمة رئيسية، هي مقاومة داء الكلب.
– إلى حدود سنة 1986، سينتج معهد باستور المغرب اللقاح والمصل المضاد لداء الكلب، اعتمادا على الأطر والمستفيدين المغاربة، ما مكنه من تلبية مطالب المغرب، وامتلاك خبرة في ميدان إنتاج الأمصال واللقاحات لمواجهة الأوبئة والأمراض الفتاكة، مثل الطاعون، والجدري، والكوليرا، والسل، وداء الكلب، والتيفوئيد، وداء الطيطانوس، وتسسمات العقارب.
– سنة 2007، وجهت منظمة الصحة العالمية توصية إلى جميع الدول بخصوص أمريكا الجنوبية، وإفريقيا، وشرق آسيا بضرورة إنتاج المصل واللقاحات، مع إمكانية توفير الدعم النفسي والمادي.
– في سنة 1986، جرى توقيف إنتاج اللقاح المضاد لداء الكلب في معهد باستور في الدارالبيضاء، والتوجه لاستيراد اللقاح من الخارج، بقيمة 3 ملايير سنتيم سنويا، وجرى استعمال الجيل الثالث من اللقاح المصنوع انطلاقا من الخلايا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.