“أكره كورونا، أكرهه لأنه حرمني من أصدقائي ومن التنزه، نحن اليوم سجناء في البيت بسببه، لا نستطيع الخروج واللعب ولا يمكننا زيارة جدي وجدتي، سئمت منه لأنه جلب المدرسة إلى البيت وجعلني أدرس كل يوم دون أن ألتقي بزملائي في المدرسة… أدرس من غرفتي.. التي كرهتها هي الأخرى.. ألوانها باتت قديمة لعبت بكل ما بها من ألعاب .. أحتاج إلى أغراض جديدة وغرفة جديدة…” هكذا تتحدث رؤية ذات السبع سنوات عن الظروف الاستثنائية التي يعيشها العالم، وهكذا تصف الأجواء من زاويتها الصغيرة، تتذمر لأنها وجدت نفسها بين ليلة وضحاها محبوسة في البيت، وتضمر رعبا شديدا من أن تصاب بالعدوى أو أن يصاب أحد من أسرتها .. يشتد هلعها متى فكرت في أصدقائها وعائلتها، ويتضاعف خوفها متى سمعت عن تزايد عدد الإصابات والوفيات..، والداها يشكوان من حركتها الزائدة وصوتها المرتفع وعدوانيتها التي لم يحسبان يوما أن تكنها صغيرتهما لهما وللعالم … ولا تفهم هي الأخرى ماذا ألم بنفسيتها وكيف صارت تكره الغد المجهول وتهابه… كل ما تدركه أن الكورونا شبح ضخم يتواجد خارج المنزل ويجوب الشوارع مستعدا لالتهام كل من وطأت قدماه الأرض خارجا. في ظل الظروف العصيبة والتغييرات التي ترخي بظلالها على كل مناحي الحياة، يعيش الجانب الاجتماعي والأسري نزيفا حادا ! حيث تجد الأسرة نفسها أمام وضع جديد لم تعشه من قبل، إذ فرض عليها أن تجالس بعضها البعض لمدة طويلة دون اتصال فعلي وفيزيائي مع العالم الخارجي، مما يجعلها تمر من اصطدامات من شأنها أن تعلم في دواخلها، هذه التحولات التي تطرأ على نفسية الكبار، تتضاعف لدى الأطفال وتتضخم، إذ اعتبر الأخصائيون النفسيون الظروف الراهنة بمثابة اختبار حقيقي لدى الأباء، يواجهونه أمام أبناءهم ويتجسد في القدرة على التكييف والتأقلم مع الأوضاع الجديدة وكذا الاشتغال على نفسية أطفالهم دون أن تتأثر سلبا. فالضغوط التي فرضها الحجر الصحي على العالم، وعلى جميع المستويات، لم تستثن الأطفال والمراهقين، ولم ترحم نفوسهم الصغيرة، إذ يعتبرون الحلقة الأضعف نفسياً أمام الحياة الجديدة، بعجزهم عن فهم ما يجرى وعن تجاوزه دون خسائر داخلية مدمرة… ولهذا الغرض لجأ عدة أطباء نفسيين ومختصيين في السلامة النفسية للأطفال، فضلا عن الهيئات العالمية والمؤسسات وغيرهم من ذوي الاختصاص، في تقديم الطرق والآليات التي من خلالها يستطيع الأباء والأمهات التعامل مع أطفالهم معاملة سوية ومراعاة مشاعرهم في الفترة الراهنة، حيث وجهت منظمة الأممالمتحدة للأمومة والطفولة -اليونيسف- الأسر إلى نهج أسلوب الحوار داخل البيت ومحاولة التقرب ما أمكن من أبناءهم، فضلا عن تبسيط الأمور لهم ودعمهم للتعبير عن مشاعرهم وطمأنتهم بالوضع الحالي، وكانت منصفة جدا حين أوصتهم بالمحافظة على الهدوء والتعامل بشكل طبيعي أمام صغار البيت دون المبالغة في الإفصاح عن مشاعر التذمر والقنوط والأسى… فصدقا إن لم يخرجنا التواصل الجيد والحوار السليم من هذه الأزمة، لا شيء بإمكانه فعل ذلك، هي العجلة الوحيدة التي بيدها ضخ الروح في الحياة الجديدة، والسلام النفسي. أدرك جيدا، أن التعامل مع الطفل في ظروف عصيبة كهذه ليس بالأمر الهين، إذ تتجه سلوكاته نحو العداء أو الإنطواء.. وكلا التصرفين لا ينمان إلا عن ردود فعل غير مباشرة للتوتر الذي يقبع فيه العالم.. وحده التواصل كفيل بأن يفضي بالعلاقات الأسرية نحو السلامة، هذا الأخير لا يمكنه أن يتحقق والأباء يرمون أبناءهم؛ أطفالا كانوا أو مراهقين أمام الألعاب الإلكترونية؛ تلك التي تعد من أخطر ابتلاءات الجيل الحالي، فوَهْم الفوز ونشوته والسفر بينهما مردوده المعرفي والنفسي يقدر بالفراغ ولا يساهم إلا في رفع منسوب التوتر لديهم… ناهيك عن الملل الذي يمكنه أن تسربه التلفاز لحياة البشر… لأعود وأقول أن الأباء اليوم هم أمام امتحان كبير، مفتاح السعادة بيدهم، والسلام النفسي كذلك، ولا أحد غيرهم بامكانه إدارة التعلم عن بعد والأنشطة المسلية داخل البيت وإخراج من به من أفراد من جو الكآبة والتذمر وزرع الجمال بقلب المحن.