هل التربية الجنسية هي الحل.. لإيجاد الطريق الآمن لأطفالنا من المعتدين جنسيا .. ليتحدثوا عن الجنس مع الأطفال في سن 12 سنة ،وليفتحوا الحوار مع أبنائهم حول هذا الموضوع ،لتحصينهم وتوعيتهم بمخاطر العلاقات الجنسية المبكرة وأيضا بما يقع من جرائم اغتصاب،وانتشار للأمراض المتنقلة جنسيا بين اليافعين والشباب هكذا بادرني البروفسورشفيق الشرايبي خلال حديثي معه عن الإجهاض السري وأيضا استغلال الأطفال جنسيا، ليتحول الحديث الى التربية الجنسية التي بات ادخالها في المقررات المدرسية يزداد يوما عن يوم ليس في المغرب فقط بل حتى في الغرب، إضافة إلى توجه الكثير من الأطباء خاصة أطباء أمراض النساء والتوليد إلى نصح الأهل وأولياء الأمور بفتح الحوار مع أطفالهم ، سواء البنات أو الذكور،قبل و في سن المراهقة بالتحديد، والإجابة عن أسئلتهم وعدم تركهم لزملاء الدراسة أو لمن هم في سنهم ..أو للقنوات والمواقع الإباحية، وذلك أمام ارتفاع نسب الحمل بين المراهقات، وكذا التوجه إلى الإجهاض السري وارتفاع أرقام الأطفال المهملين، إضافة إلى كون الشباب يحتلون صدارة المرضى المصابين بالأمراض الجنسية المتنقلة في المغرب وعلى رأسها داء فقدان المناعة المكتسبة.. ; والأفظع من كل هذا تسجيل ارتفاع صادم في أرقام الاستغلال الجنسي الموجه ضد الأطفال.. هذا الواقع يجعلنا نطرح السؤال لماذا نستمر في حماية هذا السلوك الذي تربينا عليه والمبني على الأمر بالصمت وتحاشي الحديث عن كل ما هو جنسي.. والقمع حين تشير إلى إحساس ما أو رغبة ما أو حتى ألم ما في محيط تلك الجغرافيا المحرمة سواء كنت طفلا ذكرا أو أنثى..وكان الأعضاء التناسلية شر يجب إخفاؤه وعدم الحديث عنه ، ونحن النساء العربيات ندرك أكثر من كل نساء العالم ما كان يمثله وربما مازال إنجاب البنت..فهم يخشون أن تأتيهم بالعار وكذا ضياع الاسم و الإرث ونقل الثروة إلى أسرة أخرى، إضافة إلى كونها موضوعا للجنس. الآن بات الإعلام الى جانب بعض مؤسسات المجتمع المدني يسقط المزيد من الطابوهات ويكشف عن جرائم اغتصاب الأطفال في المغرب والتي صرح مسؤول طبي لم يرد الكشف عن اسمه أن أزيد من 90%من هذه الجرائم يكون وراءها فرد من عائلة الطفل المغتصب أو الطفلة المغتصبة أي زنى المحارم، وهو ما بات يفرض علينا أن نربي أبناءنا تربية جنسية صحيحة، نعلمهم من خلالها كيفية حماية أنفسهم من التعرض للاعتداءات الجنسية، وأيضا جعلهم يدركون أن كل من أراد ملامسة أو الاقتراب من أعضائهم التناسلية هو معتدي يجب الكشف عن هويته وفضحه .. . إننا ندرك أن هذا الجيل ليس هو جيلنا وان أطفالنا فتحوا عيونهم على الفضائيات العالمية و الانترنيت والعاب الفيديو، وأنهم أكثر ذكاء وقدرة على استعمال التكنولوجيا، ومع كل هذا نصر على إبقاء الأسوار والأستار السميكة تفصلنا عن الاقتراب أكثر من ذواتنا ومن أحبتنا وفتح عيونهم على كل ما يمكن أن يحميهم، وان نعلمهم كيف يحبون الحياة وان يحبوا انسفهم، حتى لا يسقطوا فيما نخشاه.. والسؤال هو كيف لام أن تمتنع عن الحديث مع ابنتها عن مخاطر الجنس وعن الجهاز التناسلي للمرأة ومم يتكون وكيف يشتغل، وكيف يحدث الحمل ومتى ، وفي أي سن يمكن أن يكون الزواج والحمل وتحدثها عن الأولويات في الحياة ونفس الشيء مع الطفل الذكر الذي لم تعد ذكورته تحميه من الاعتداءات الجنسية التي بات مرتكبوها يتربصون بالصغار إناثا وذكورا في كل مكان بدءا من البيت إلى روضة الأطفال إلى المستشفى والمدرسة وحانوت البقالة ..؟ لقد علمنا ما بات يجري من جرائم وما يتفاقم من ظواهر مشينة.. ان الحصانة تبقى هي تعليم الطفل كيف يحمي نفسه ويكف عنه شر كل معتدي... وأول الطريق تخلص الأهل من الخوف من الحديث عن الجنس مع أطفالهم، وفتح الحوار معهم وجعلهم يدركون دور تلك الأعضاء في جسدهم ، وأيضا ماذا يجري في العالم الخارجي ..مع أننا نتفهم خوف الأهل الذي يتحول إلى رهاب حين يصادفون حالة مثل حالة»فاطمة» امرأة طفلة في سن 14 سنة تتسول برضيع تقول أنها لم تستطع التخلي عنه، ليكون مصيرهما معا هو الشارع ، ليبقى السؤال أليست فاطمة وآلاف من الأمهات العازبات حالات اجتماعية استعجالية يجب إنقاذها من الشارع ؟.. هل لو أتيحت فرصة الإجهاض الآمن لفاطمة وهي حامل في الأسابيع الأولى هل يكون هذا حالها هي ورضيعها ؟ هل لو أتيحت فرصة الإجهاض في مستشفى عمومي لام عازبة أنجبت أخيرا توأما ثلاثيا ذكرين وأنثى بأحد مستشفيات الولادة بالرباط ،وتخلت عنهم ثلاثتهم في محضر رسمي أمام وكيل الملك، هل تختار أن تغادر تاركة وراءها رضعا كل ما يتمنونه في الحياة وفي عمرهم ذاك هو حضنها.. أم تختار الإجهاض في بداية حملها، و تستمر في حياتها وتنجب حين تجد الرجل القادر على تحمل المسؤولية بدل مرارة العيش والتفكير بشكل يومي أنها تخلت عن ثلاثة رضع إخوة لا تدري عنهم شيئا .. ولمناقشة موضوع التربية الجنسية ودورها في حماية أطفالنا وأسرنا من الاعتداءات الجنسية وأيضا من الأمراض المتنقلة جنسيا والحد من ظاهرة الأمهات العازبات، والأطفال المهملين.. التقينا متخصصين وباحثين في كل من أمراض النساء والتوليد و في علم الاجتماع، و علم النفس، إضافة إلى رأي استاذ للتربية الاسلامية.. البروفسور شفيق الشرايبي رئيس الجمعية الوطنية لمحاربة الإجهاض السري في المغرب ورئيس مصلحة الأمراض النسائية والتوليد بمستشفى الليمون بالرباط ل «العلم» : على الأهل أن يتحدثوا مع أطفالهم بدءا من سن 12 سنة عن مخاطر العلاقات الجنسية المبكرة وعن أن أي علاقة يمكن أن ينتج عنها حمل،لذا بات ضروريا تجاوز هذه الطابوهات واعتبار الحديث عن الجنس داخل الأسرة من المحرمات، وأشار إلى أن العديد من الحالات التي ولجت المستشفى للولادة او في حالة صحية مزرية نتيجة إجهاض سري عن طريق العشابين او في البيوت أو أي مكان خارج المجال الصحي ، هن مراهقات ومنهن من تعرضت للاغتصاب ولم تستطع أن تبوح بما تعرضت له لأسرتها لتكتشف بعد شهرين أو ثلاثة أنها حامل، وهنا تبدأ المضاعفات الاجتماعية يقول الشرايبي بحيث أنها في الغالب تترك بيت العائلة ، آو يتم طردها أو إخضاعها لأي نوع من أنواع الإجهاض السري ، أو إبقاء الحمل للتخلص من الرضيع مباشرة بعد الولادة سواء في المستشفى أو في الشوارع، إضافة إلى اكتظاظ مؤسسات الأطفال المتخلى عنهم..وأيضا الأطفال مجهولي المصير.. وأشار إلى أن إنشاء جمعية لمحاربة الإجهاض السري في المغرب تطلب الكثير من العناء رغم أن الهدف إنساني واجتماعي بالدرجة الأولى .. وأضاف الشرايبي أن الحقوقيين أكثر تشددا في هذا الموضوع من رجال الدين الذين يتجهون نحو إتباع طريق العلم الذي يخدم مصلحة الفرد وبالتالي المجتمع، بدل التشدد في قوانين وضعت من أيام الاستعمار..وركز على ضرورة خلق جو من الثقة داخل الأسرة بفتح الحوار بين الوالدين والأطفال ذكورا وإناثا لان الهدف هو مصلحة الأسرة في الأول والأخير، حتى إن حدث مكروه ما تستطيع هذه البنت التي تعرضت للاغتصاب أو حتى التغرير القدرة على التحدث مع أمها او والدها أو مع اخيها ، وبالتالي إيجاد الحل للمشكلة طبيا وقانونيا، وذلك بالتوجه الى أي مستشفى عمومي وعرض الحالة على الطبيب المتخصص، بدل التوجه الى العيادات السرية وممارسي الشعوذة، حتى لا يضيع مستقبل هذه البنت لان الحمل في سن المراهقة يعني الانقطاع عن التعليم يعني الطرد من الأسرة ويعني أشياء سلبية كثيرة، لذلك يتساءل الشرايبي لماذا لا نناقش هذا الموضوع في وسائل الإعلام ، لماذا لا تتغير القوانين في إطار تتفق حوله كل الجهات المعنية..والكل بات يعرف أن آلة الإجهاض السري تشتغل بشكل يومي وتراكم المزيد من الضحايا.. التربية الجنسية من منظور إسلامي عبد الله الخميسي للعلم للحديث عن التربية الجنسية ودورها في تغيير بعض الظواهر السلبية في المجتمع، كان لابد من الحديث مع تربويين وأساتذة لهم علاقة مباشرة بالفئة العمرية المقصودة بهذا الموضوع ، فكان ولوجنا لعدد من المدارس حيث تحدثنا إلى تلاميذ وأساتذة في مجموعة من التخصصات التي تقترب من موضوعنا بمن فيهم أساتذة العلوم الطبيعية وأيضا التربية الإسلامية ولأننا مجتمع محافظ يبقى الجانب الديني أساسيا في كل القضايا وحتى كل التفاصيل،ومن داخل مؤسسة تعليمية عمومية كان هذا الحديث مع عبد الله الخميسي أستاذ مادة التربية الإسلامية فكان هذا التصريح: إن عدم وضوح المقصود بالتربية الجنسية جعل تصورات ومواقف الناس تختلف تجاه هذا النمط من التربية، بين مؤيد ومعارض. ذلك أن التعريف الشائع غالبا ما يحصر التربية الجنسية في تصرفات تروم تزويد المتعلمين بمعارف وممارسات تبيح الجنس وترفع القيود عنه. قد يكون الأمر صحيحا في بعض التجارب الدولية، ولكنه على العموم ليس كذلك في تصورنا الإسلامي. فالتربية الجنسية مقبولة شرعا طالما أنها تلتزم بتعاليم وتوجيهات الإسلام. تعزز مفاهيم الزواج والعفة وضبط العلاقات الجنسية وتجنب الآثار السلبية للممارسات الجنسية المشبوهة التي تشيد في الغالب خارج مؤسسة الزواج. هنا يبرز الزواج كفيصل ودعامة لبناء الأسرة وتأسيس المجتمع المنشود. إذا كان الإسلام قد حرم كل أشكال العلاقات الجنسية التي تنشأ خارج مؤسسة الزواج واعتبرها من الزنا، لقوله تعالي (« لا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيل» سورة الإسراء، الآية 32)، فإنه بالمقابل أباح العلاقات الجنسية في إطار هذه المؤسسة التي لا تهدف فقط التناسل بل المتعة واللذة أيضا ( « نساؤكم حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُم وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ. » سورة البقرة، الآية 223) .والشاهد قوله تعالى: «وقدموا لأنفسكم» وهذا إنما يكون بالقبلة ونحوها. إن تحصيل الإشباع الغريزي للزوجين معا أمر مطلوب في العلاقة الجنسية. لهذا حث الإسلام على مقدمات الجماع (المداعبات، الكلمات، اللمسات، النظرات، الكلمات، الابتسامات...) والأحاديث في هذا الباب كثيرة يضيق المجال لسردها. هذه الممارسات من شأنها تحقيق الانجذاب الجنسي تجاه الآخر، وخلق الإثارة المقبولة التي تنشط الممارسة الجنسية شرعا، ويكفي أن نستدل هنا بالحديث الآتي للدلالة على حجية ما قلناه، حيث يقول الرسول الله صلى الله عليه وسلم (عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لا يقعن أحدكم على امرأته كما تقع البهيمة، وليكن بينهما رسول، قيل: ما الرسول يا رسول الله؟ قال: القبلة والكلام.»). كما أن الإسلام جعل جميع أعضاء الجسد مباحة للزوجين معا باستثناء دبر الزوجة لما فيه من الأذى والمهانة للمرأة. باختصار، تعتبر مؤسسة الزواج الأساس الفعال للعلاقات والممارسات الجنسية المقبولة من الناحية الشرعية. ومن توفرت فيه القدرة والاستطاعة من الشباب وجب عليه التزوج، امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم (« يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء.» ) لكن السؤال المطروح، ما بال العديد من الشباب اليوم الذين لا تتوفر لديهم، مع الأسف الشديد، القدرة والاستطاعة، لتأسيس أسرة تسمح لهم بإشباع رغباتهم الجنسية الملحة؟ (مع العلم أن الأسرة ليس أداة للإشباع الجنسي فقط). هذه الفئة من الشباب يحتاجون إلى تربية توجههم. ونحن في ثقافتنا الإسلامية لا نجد حرجا في نعتها بالجنسية (تربية جنسية)، طالما أنها تلتزم بتعاليم الإسلام، وبالتي فهي مقبولة ومطلوبة. سأكتفي فقط بالإشارة إلى مبادئ عامة تؤسس لهذا النمط من التربية: 1- تحويل الرغبة الجنسية من الإشباع الجنسي المباشر إلى إشباع آخر غير مباشر يتمثل في العبادة (الصوم كنموذج). وقس على ذلك في أمور أخرى مفيدة كالرياضة والدراسة والفن... أمور من شأنها التقليص من حدة الدوافع والحوافز الغريزية الشهوانية. خاصة وأنه ثبت في الدراسات النفسية فعالية تحويل الرغبات الجنسية إلى ممارسات إبداعية إيجابية. 2- ضبط الاختلاط بين الجنسين داخل الأسرة بين الإخوة والأخوات (« وفرقوا بينهم في المضاجع»)، ومراقبته في المدارس... ليس بالزجر ولكن بالحكمة والموعظة الحسنة وبالتفقد والمتابعة، من أجل ضمان شروط الحشمة والعفة والوقار... للحد من كل أشكال الإغراء والإثارة وأسباب التهييج، وما يسبب ذلك من آفات وعواقب وخيمة لا تخفى على الآباء والمربين... 3- تدبير حوار هادف مع المعنيين في المدارس والأسر حول مواضيع تهم الذكورة والأنوثة والحمل والولادة والتكاثر والحيض... خاصة وأن القرآن الكريم أشار إلى ذلك في أكثر من موقع، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يحاور أصحابه في شأن هذه الأمور، والفقه الإسلامي يتناول صراحة ووضوح هذه القضايا... وهذا ما يجعلنا لا نقبل أي مبرر يمنع التحدث مع الأبناء في مثل هذه المواضيع المرتبط بالجنس. 4- فتح نقاش باستعمال أسلوب تواصلي هادف وهادئ، وحوار مسؤول وبناء حول أسباب ونتائج العلاقات الجنسية المشبوهة التي قد تؤدي إلى حالات ترفضها جميع الأسر أينما وجدت، وكيفما كان مستواها الاجتماعي، كالأمراض والانحرافات الجنسية والآفات الاجتماعية... هذه باختصار شديد أهم المبادئ التي يجب أن تتأسس عليها كل تربية جنسية تراعي القيم والمنطلقات الإسلامية، وعندما ندعو إلى تأصيل العلاقات والممارسات الجنسية وفق المبادئ الدينية الإسلامية في إطار ما يسمى بالتربية الجنسية، فلأن هذه التربية لكي تكون فعالة يجب أن تتأسس على قيم أخلاقية كقواعد للتمييز بين الخير والشر، والإسلام دين أخلاقي. ذلك أن رسالة الرسول محمد عليه السلام جاءت لتتمم مكارم الأخلاق. ما يبيحه الإسلام يشكل خيرا للإنسانية في مختلف تجلياته المرتبطة بموضوعنا (كالزواج، والعفة، والحشمة، وحفظ الصحة والعقل، والإخلاص للزوجية، وتحصين الأسرة والمجتمع، والاحترام المتبادل بين الزوجية على أساس حسن المعاشرة والمودة والرفق في التعامل، والتعويض بالإبداع والمعرفة والعطاء...). وما يحرمه الإسلام فهو يمثل الشر في مختلف تمظهراته (كالأمراض، والانحرافات الجنسية، والجرائم الناتجة عن الجنس، والبغاء، والإنجاب خارج الزواج، وضياع النسب، والعنف والاغتصاب، والفواحش ، وضعف الإرادة والاستلاب...). مجمل القول، إن الهاجس الذي يحكم التربية الجنسية من وجهة نظر إسلامية، هو الحفاظ على الإنسان والمجتمع، وتجنب الضرر للفرد والجماعة. لهذا فأبناؤنا يحتاجون إلى تربية وتوجيه سليمين من الآباء والمربين عموما في مختلف مؤسسات المجتمع (الأسرة والمدرسة والجمعيات ووسائل الاتصال...). فهؤلاء الأبناء مسؤولية جسيمة ملقاة على عاتقنا تقتضي منا الوعي واليقظة من أجل تقويم سلوكاتهم وتصحيح أفكارهم وتوجيه اهتماماتهم لما فيه خير لهم ولوطنهم وللأمة الإسلامية قاطبة. ذ . خالد العبيوي باحث في علم الاجتماع ل «العلم»: التربية الجنسية من شأنها ضبط الاختلاط بين الجنسين في الفضاء العمومي، فضاء المدارس ومؤسسات التكوين والخدمات...، لضمان علاقات إنسانية سوية تفضي إلى الاحترام المتبادل، بعيدا عن تجليات العنف المادي والرمزي الماسة بالكرامة كانت الأسرة في المغرب ولا تزال تشكل آلية من آليات التنشئة الاجتماعية، تنهض بوظائف تربوية، سواء بشكل اعتباطي أو مخطط له. رغم التحولات الاجتماعية الراهنة التي قلصت من مكانة وأدوار الأسرة لصالح آليات جديدة منافسة، تتمثل أساسا في المدرسة ووسائل الاتصال والمؤسسات التربوية الأخرى داخل المجتمع... تبعا لذلك، من العبث القول باستقالة الأسرة عن تربية أبنائها. وبما أن هذه المؤسسة تشكل تنظيما اجتماعيا شموليا، فمن اللازم أن ينهض هذا التنظيم بوظائف تتأطر داخل مجالات متعددة ومتنوعة من النماذج التربوية، كالتربية الأخلاقية والدينية والعاطفية والصحية... لكن عندما يتعلق الأمر بالحديث عن التربية الجنسية، فإننا نجد هذه الأخيرة تحاط بكثير من الكتمان والتجاهل. وتكمن جدة وفرادة هذا الصنف من التربيات، في كونه يظل محفوفا بالغرابة والمحظورات. إن مسألة «الجنس» في أوساط العائلات المغربية موضوع مزعج. رغم أن القضية أصبحت اليوم ملحة، تشكل مطلبا نفسيا واجتماعيا يفرض نفسه على الأفراد والجماعات والمجتمع عموما، مما يقتضي التدخل العقلاني والتعامل الهادف. خاصة في مجتمع يعيش تحولات يتضاعف فيه الاستهلاك للمنتوج الجنسي على نطاق واسع، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، مادي أو رمزي، بوعي أو بدونه... لكن الأمر يصبح مقلقا عندما يتعلق الشأن بمجتمع يعيش أزمة أخلاق وتربية. إن عدم اكتراث الأسرة بأهمية التربية الجنسية دليل على عجزها عن النهوض بأبسط وظائف هذه التربية لفائدة أبنائها، رغم أن التفكير في الجنس أو نسج العلاقات الجنسية يبدأ في سن مبكرة لدى الشباب، في فترات المراهقة المبكرة (أحيانا في سن 12 سنة). هذا الواقع يفرض نفسه علينا قهرا، وليس لدينا الاختيار بين قبوله أو رفضه، ما دام الأمر حسم بقوة الغريزة وإكراه المجتمع. ماهو مفهوم التربية الجنسيةوكيف يتقبله المجتمع المغربي؟ إن تحديد مفهوم «التربية الجنسية» يطرح إشكالا في أوساطنا الاجتماعية، ذلك أن الاعتقاد الشائع يحصر هذا النمط من التربية في «تعلم الجنس والحث على ممارسته». هذا التعريف اختزالي وتبسيطي وتحريفي في نفس الآن، يسود في التمثل الاجتماعي المشترك. إلا أن دلالة التربية الجنسية أبعد ما تكون محددة في التعريف سالف الذكر، إذ أنها تشير إلى أبعاد فسيولوجية وصحية وعلائقية... تساير، إلى حد بعيد، الآداب الجنسية المقبولة اجتماعيا (أخلاقيا وتربويا). على المستوى الفسيولوجي يقتضي الأمر توعية الأبناء بمكانة وأهمية الجسد، والتعامل معه كنظام يتشكل من أعضاء، يحدد مناطق محرمة فيه وأخرى مباحة لا تسبب إحراجا. إن هذا الشكل من التنشئة الجسدية من شأنه إعطاء قيمة للجسد (أعضاء الذكورة والأنوثة)، بمعنى تزويد المستهدفين (الأبناء) بمعارف وأنماط سلوكية تنظم العلاقة مع الجسد في أفق التعامل الإيجابي والبناء مع هذا المعطى الطبيعي، بعيدا عن السلوكات التحقيرية للجسد أو المظاهر المضخمة له كالنرجسية (عشق الجسد) والإيروتيكية (الشبقية) أو الاستعراضية (استعراض مناطق حساسة من الجسد). تبعا لذلك يصبح الجسد عنصرا يحدد هوية الشخص، مما يستلزم من كل فرد التعامل مع جسده بنوع من العلاقة السوية المتوازنة، في إطار تحقيق متطلبات الجسد والاستجابة لمستلزمات الواقع الاجتماعي. هنا تقدم التربية الجنسية المتمثلة في التنشئة الجسدية خدمات على مستوى إعطاء قيمة لهذا الجسد بتشكيل تمثلات إيجابية نحوه، وتنظيم العلاقة معه، وموضعته في فضاءات تليق به، تفاديا لمظاهر غير مقبولة، نفسيا أو اجتماعيا، تتجلى في الحط من الجسد أو إلحاق الضرر به، أو إهماله، أو الاتجار به، أو على العكس من ذلك تضخيمه عبر العناية الزائدة به. إن الجسد ليس غاية في حد ذاته، بل هو وسيلة لتحقيق غايات أخرى، نتوخى أن تكون نبيلة عند أبنائنا عبر التربية الجنسية المتوخاة. على المستوى الصحي فإن التربية الجنسية من شأنها تشكيل وعي تلقائي، يجنب أبناءها خطورة الدافع الجنسي الذي يرمي إلى إشباع الحاجات والرغبات الشهوانية الملحة بغية تحصيل المتعة والنشوة. في اتجاه توجيه اللذة والرغبة الجامحتين نحو ممارسات مقبولة اجتماعيا، عبر آليات التعويض أو التسامي، حيث تحويل الرغبة الجنسية وتعويضها والتسامي بها في أشكال من الممارسات البناءة (الإبداع، الدراسة، الرياضة، التدين كيف يمكننا الحديث عن الجنس من الجانب الوقائي والصحي من خلال الحديث عن التربية الجنسية داخل الأسرة المغربية؟ هذا ما نتحدث عنه إذ أن التوعية الوقائية والعلاجية للتربية الجنسية، والتوجه نحو آليات التسامي بالرغبة الجنسية سيدفع لا محالة إلى نشاطات هادفة. بدلا من التفكير في الإشباع الغريزي المباشر للحاجات الجنسية. وهذا مع الأسف هو السلوك السائد عند أبنائنا، مما يحولهم إلى كائنات شهوانية تلهث وراء استهلاك المنتوج الجنسي عبر مشاهدة البرامج الإباحية في بعض القنوات الفضائية، أو المواقع الإلكترونية المعدة لهذا الغرض، أو عبر الاتصالات الجنسية المباشرة والمشبوهة، هذه الأخيرة قد تنجم عنها آثار لا يقبلها المجتمع، ويتصدى لها بقوة القانون والأخلاق، وأحيانا تسبب أمراضا قابلا للانتقال الجنسي، أو ممارسة علاقات جنسية شاذة، مصحوبة بحالات من التوتر والانفعال. إن الوضع يحتاج فعلا إلى تربية جنسية تركز على آليات التسامي بالرغبة نحو ممارسات تعويضية تفجر طاقات الشباب الخلاقة في مجالات تعود عليهم بالنفع وتجنبهم العواقب الوخيمة لهيمنة الشهوة. إن التربية الجنسية المتوخاة تهدف تحويل الشاب من كائن بيولوجي شهواني شبقي إلى شخص اجتماعي يعي بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، تجعله موضوع احترام وتقدير. خاصة وأن اللذة سلسلة لامتناهية، ومطلب ملح لا يتوقف، تجعل الشاب والشابة يلهثان وراء ارتوائها، دون تحقيق الإشباع المنشود. المستوى العلائقي اضافة الى المحاور التي تحدثنا عنها يأتي في الأخير المستوى العلائقي الذي يتحدد في أشكال التعامل بين أبنائنا وبناتنا، فإن التربية الجنسية من شأنها ضبط الاختلاط بين الجنسين في الفضاء العمومي، فضاء المدارس ومؤسسات التكوين والخدمات...، لضمان علاقات إنسانية سوية تفضي إلى الاحترام المتبادل، بعيدا عن تجليات العنف المادي والرمزي الماسة بالكرامة. إن اللقاءات بين الذكور والإناث ليست بالضرورة بريئة، ولكن عندما تعمل التربية الجنسية على ضبط تلك العلاقات وتوزيع الأدوار وتحديد المهام وفق أهداف متوخاة في إطار علاقات الزمالة أو الصداقة أو المصالح المشتركة، فإن هذه الصلات تكون بالتالي سوية ومتوازنة، تفصح عن مشاعر الاحترام والتقدير، وعن مظاهر التعاون والتآخي... وإن كانت تخفي أحاسيس دفينة من الرغبة في الآخر، أحاسيس لا يمكن تجاهلها، فهي طبيعية غريزية، لكن المجتمع السوي يعمل على إخفائها، يتحين لحظة ظهورها في أنماط من العلاقات المقبولة اجتماعيا. هنا بالذات يعمل الجميع على تثمين مؤسسة الزواج، تجنبا لمظاهر علائقية ينبذها المجتمع، ويحكم عليها باللاشرعية ، كالتحرش والاستغلال الجنسي بمختلف أشكاله والدعارة والجرائم الناتجة عن الجنس والمخدرات والكحول والعنوسة والإنجاب خارج الزواج والإجهاض وظاهرة الأمهات العازبات وآثار ذلك كله على الأفراد والمجتمع والقيم والسلوكات... إن كثيرا من الظواهر غير الصحية أصبحت، مع الأسف الشديد، متفشية في مجتمعنا، وتقتضي بالتالي التدخل الفوري من طرف المعنيين بالأمر، ليس بالردع المباشر، ولكن بالتوعية والتربية التي تركز على القيم الإيجابية الدينية والأخلاقية، والانخراط في العمل الإبداعي المنتج. بناء على ما سلف، يجب على المربين في الأسرة والمدرسة ومختلف مؤسسات المجتمع، أن يفكروا جديا ومليا في التخطيط لتربية جنسية، تأخذ على عاتقها مهمة توفير شروط وإمكانيات تنفيذ منهاج حديث لهذه التربية، بعيدا عن كل أشكال من الممارسات البيداغوجية التي تحوم حولها شعارات للاستهلاك المناسباتي، التي تعمل فقط على تنميق وطلاء واجهة واقعنا وثقافتنا بخطابات جذابة ومثيرة، تستعمل للتمويه، محاولة لإبراز الوهم بأننا نعيش أوضاعا صحية، وبالتالي لا داع للتخوف. وبصفتنا كمربين نعلن ضرورة رفع درجة الحذر والحيطة، خوفا على أبنائنا فلذات أكبادنا من سياسة الإهمال والتجاهل والضياع والانحراف... ونحن هنا لا نوجه اللوم لأحد، على اعتبار أن كل شخص منا مسؤول من موقعه الذي يحتله. وإن كانت المسؤولية الأولى ملقاة على عاتق الجهات الرسمية في البلد، صاحبة القرار، لقدرتها على وضع برامج جادة تقطع الطريق على كل الأشكال اللاتربوية واللاأخلاقية الملتصقة بالمسألة الجنسية في المجتمع. نحن في أمس الحاجة إلى إرادة سياسية تضع اختيارات وتوجهات أساسية، قصد تفعيلها في مختلف المؤسسات التربوية المعنية بدءا بالأسرة، ثم المدرسة والمسجد وأماكن الاتصال والتواصل المختلفة... د . الحسين باعدي باحث في علم النفس ل «العلم»: التربية الجنسية أضحت أساسية بالنسبة للطفل والمراهق لبناء اتجاهات سليمة لديهم نحو الجنس ضمن شروط المجتمع الذي يعيشون فيه للحديث عن التربية الجنسية كان ضروريا المرور على المتخصص النفسي فكان هذا الحوار مع الدكتور الحسين باعدي الذي طرحنا علية مجموعة من الأسئلة تناولت الأسرة المغربية والتربية الجنسية، وكذا أهمية هذه التربية في بناء شخصية الطفل والمراهق وأيضا التربية الجنسية والمدرسة إضافة الى الظواهر الانحرافية وإمكانية معالجتها من خلال ادماج التربية الجنسية في المناهج المدرسية وأسئلة أخرى تتعلق بالإنسان والجنس ، وكيف يمكن تناول هذا الموضوع مع المراهق او الطفل بغية توجيهه نحو الفهم الصحيح للجنس والجسد وأيضا حمايته من الاستغلال الجنسي او الدخول في علاقات جنسية مبكرة بكل ما تعنيه من مخاطر صحية واجتماعية فكان هذا الحوار يحتل الجنس موقعا متميزا في حياة الإنسان وعالم مشاعره، وإذا نظرنا إليه من حيث هو وسيلة طبيعية من أجل التكاثر، فإنه لا يمكن الاستغناء عنه من أجل بقاء واستمرارية البشرية والحفاظ على النوع، ويعد الانتماء لجنس معين، سواء كان ذكرا أو أنثى، جزءا أساسيا من الهوية الجنسية لكل فرد، وهذا الانتماء يتحكم في شكل وبنية جسدنا ويؤثر على نمونا الجسدي وعلى الأدوار الاجتماعية التي نؤديها ويؤثر على حياتنا النفسية الإنفعالية، بل على علاقاتنا مع الغير. وعندما لا يكون الإنسان قادرا على أن يكون فاعلا جنسيا أو على الاستجابة أو غير قادر التصرف حسب معايير الجنسية السائدة في مجتمعه أو لا يتقبل جنسه، فإن ذلك يمكن أن يكون سببا لمعاناة نفسية مؤلمة قد تسبب له أزمات نفسية أو انحرافات جنسية مرضية. التربية الجنسية للأطفال والمراهقين: ولعل القول بوجود ميل فطري لدى الأطفال لاكتشاف أجسادهم فكرة ليست جديدة تماما لدى الكثير من الآباء، لكن الجديد ما يؤكده علماء النفس من أن إحساس الطفل بجسده وأعضائه التناسلية يبدأ في مرحلة مبكرة جدا لا تتجاوز الشهر الثامن عشر من ولادته، وكيف نتعامل مع الأطفال، وكيف نتعامل مع المراهقين والشباب، وكيف نوصل هذه المعلومات إليهم، فهي جزء من صحة الإنسان العامة، وجزء أساسي من حياته. ويرتبط تحقيق ذلك بشرط محدد مثل توفر إيصال المعلومات الأساسية حول الوجوه البيولوجية والنفسية وحول النمو الجنسي والتكاثر الإنساني وتنوع السلوك الجنسي واضطراب الوظائف والأمراض الجنسية. والسعي نحو تنظيم وضبط العلاقات الجنسية وما يرتبط بها من تأثيرات على باقي العلاقات الاجتماعية.. فكيف يتعامل الأبوان في هذه المرحلة مع أبنائهم في نطاق التربية الجنسية فيما يخص مسائل التنظيف والاستحمام والمداعبة، سواء بالنسبة للبنت أم الولد وماذا عن ترك هذا الأمر للخادمات ليقمن به بدل الأم؟ مرحلة الطفولة: يبدأ الطفل بإدراك مواضع جسمه ويشاهد الاختلاف بين الذكور والإناث في عمر مبكر 3-5 سنوات في هذا العمر يلاحظ الطفل الذكر أن أعضاءه التناسلية تختلف عن أخته أو غيرها من الأطفال ومن هنا البداية. فالتربية الجنسية للطفل تبدأ من عمر ثلاث سنوات تقريباً، تعريف الطفل بأعضائه الجنسية، وكيفية الاعتناء بها ونظافتها، تعريفه بارتباط الجنس بالإنجاب. إذ يجب تثقيف الطفل طبعا بأسلوب بسيط واضح، ونجيب الطفل إجابة واضحة. ليس من الضروري أن تكون تفصيلية جدًّا، ولكن يجب أن يلقى إجابة عن كل سؤال. إن التهرب من أسئلة الطفل أو انتهار الطفل حينما يسأل سؤالاً من هذا القبيل، يحدث أثرًا سيئًا في نفسية الطفل فيما بعد. الأسئلة المعتادة من الأطفال: من أين جئت؟ كيف ولدت؟ لماذا يتزوج الرجل المرأة؟ وكيف أيضًا؟، ويقتضي الأمر مراقبة الطفل من بعيد للبرامج التلفزية التي يشاهدها ولا ينبغي السماح له بمشاهدة الأفلام الإباحية في مرحلة الطفولة لما تسببه له من اضطرابات نفسية، نتيجة عدم استعابه وإدراكه لحيثيات السلوك الجنسي لدى الراشدين. وأيضا هنا يبدأ برنامج حمايته وتحذيره مثلا، عدم السماح له باللعب بأعضائه التناسلية، أو عدم ترك الطفل لوحده بين أيدي الغرباء: خدم، جيران، أصدقاء... ويتطلب الأمر أن نشرح له أن الاختلاف بينه وبين أخته طبيعي ونفسر سببه، تحذيره من أي شخص قد يطلب منه خلع ملابسه. كما ينبغي تقديم فيسيولوجية الجهاز التناسلي والتغيرات الفيسيولوجية وشرح الدورة الشهرية للفتيات. في هذا العمر (حيث في المناهج الحالية هناك شرح لهذا في المرحلة الإعدادية الثانوية)?، ثم كذلك نشرح له كيف يحصل الحمل. وأن الاتصال المباشر خطر وممنوع وقد يسبب الحمل. هكذا بكل وضوح وصراحة حتى لا نفاجأ بحالة حمل عند طفلة في سن11. نقدم أيضا الإجابات الواضحة والصريحة على أي تساؤل يأتي من طفل أو طفلة حول هذه المواضيع، لأنه إن لم يحصل على الإجابة النافعة سوف يسأل أقرانه، أو من هو أكبر منه سنا ولا نضمن ماذا سيحصل. دون أن ننسى أيضا الإشارة إلى الأمراض التي تصيب جسم الإنسان. إذ ينبغي أن تلحق بلمحة واضحة ومختصرة حول أسبابها ونتائجها في هذا العمر، وتوضيح أنواع الأمراض المنتقلة بالجنس، وكيفية انتقالها وتحذيرهم منها. ولابد من لفت النظر كذلك أنه في مرحلة الطفولة تلعب الأسرة دورا أساسيا في تحديد الهوية الجنسية للطفل. إنها تحدد الجنس الذي يشعر الطفل بالانتماء إليه. فالطفل الذي يربى تربية جنسية على أنه ذكر سوف يعتبر نفسه ذكرا ويتصرف طبقا لذلك (الدور الجنسي)، حتى لو كان هذا الطفل أنثى» من الناحية البيولوجية، وفي بعض الأحيان قد يولد الطفل وهو يحمل الأعضاء الجنسية لكلا الجنسين(خنثى). وتؤثر قناعة الوالدين حول أن هذا الطفل ذكر أو أنثى والأسلوب الذي يربيان فيه طفلهما على الهوية الجنسية فيما بعد3. ولعل لامبالاة الوالدين في الأسرة بالتربية الجنسية للطفل خاصة تجاه السلوك الجنسي المغاير، تجاه سلوك البنت الذي يسلكه الفتى أو العكس، أو تشجيع الوالدين لهذا السلوك يمكن أن يؤدي إلى اضطراب الهوية الجنسية. مثال ذلك في مجتمعنا عندما يتمنى أحد الوالدين أن تولد له بنت، ولكنه يحصل على ولد، فيلبسه لباس الإناث ويحدثه باستمرار عن مدى جماله...، لذلك فقد يسهم الآباء بشكل شعوري أو لا شعوري في اضطرابات جنسية لأبنائهم نتيجة غياب الوعي بأسس التربية الجنسية. فحري بالآباء قبل ولوج عالم الأبوة أن يتلقوا تكوينا في مجال التربية الأسرية والجنسية والنفسية، لأن الأبوة ليست فقط سيرورة بيولوجية. مرحلة المراهقة: إن الحديث عن التربية الجنسية، يفتحنا بالضرورة على مجال التحليل النفسي، والذي ميز فيه «سيجموند فرويد» في كتابه « محاضرات تمهيدية في التحليل النفسي»، بين الجنسية والتناسل. فالسلوك الجنسي يبدأ مع الإنسان منذ ولادته عبر مختلف أنواع السلوك، مثل المص، القبل،..، في حين أن التناسل يتميز بالقدرة على الإنجاب. ومن أهم أغراض التربية الجنسية للمراهق ضبط الغريزة الجنسية وتنظيمها، ثم إخضاعها لإرادة الفرد التي تتماهى مع قيم وثقافة المجتمع. ولعل عملية تهذيب الغريزة الجنسية يبدأ في سن مبكرة، إذ ينبغي التدخل في الحياة الجنسية للأطفال قبل البلوغ. يبدو النمو الجنسي من منظور علم النفس كتطور في النضج يحصل من خلال تعاقب فترات ليصل إلى هدفه بعد أن يكون قد مر بمرحلة التجربة والخطأ، ومن الطبيعي أن تقود هذه المراحل الفرد نحو الحب الناضج، ومن أهم مراحل النمو الجنسي كما حددها علماء النفس ما يلي: - الاستمناء (masturbation) : إن هذه العملية أو السلوك شائع بين المراهقين، لذلك يمكن اعتبارها نشاطا جنسيا خاصا بهذه المرحلة، لكن هذا الإشباع الجنسي الذاتي يبدأ في الواقع قبل المراهقة، وهو مصدر شعور قوي باللذة، إلا أن الاستمناء لا يأخذ الطابع الجنسي إلا عند البلوغ. فإن الرغبات الجسدية الداخلية تفرض صورا ذهنية في طبيعة جنسية تدفع المراهق نحو ممارسة الاستمناء الذي يصبح فعلا جنسيا أوليا. وتمثل أحيانا هذه الاستهامات صورا لفتيات أو شباب حيث يسمح المراهق للخيال بإبداع الصور الأكثر شذوذا وغرابة. - الجنسية المثلية (Homosexualité): أكد الباحثون في التحليل النفسي أن لدى كل فرد إمكانية وجود مظهرين جنسيين، ولكن أعضاء جنس واحد هي التي تنمو طبيعيا، بينما معالم الجنس الآخر تختفي. والشحنات العاطفية الجنسية التي تظهر أثناء المراهقة تكون أولا غير واضحة في أهدافها. لكن بعد فترة من النمو تتوجه نحو الجنسية الغيرية، فتثبت عندئذ الهوية الجنسية، أي ذكر أو أنثى. وإن نشأت هذه العلاقة بين المراهقين فهي تقتصر على استكشافات أو مداعبات متبادلة شبقية، وهذه الممارسات تشكل التواء للمراهق وهي تعبير عن خوف وعن شعور بالدونية وخجل أمام الجنس الأخر. ويمكن الإشارة كذلك إلى أن الجنسية المثلية التي يمر بها المراهق تختلف كثيرا عن الجنسية المثلية لدى الراشد الشاذ، فهي مرحلة انتقالية لدى المراهق تسبق مرحلة الجنسية الغيرية. - معاشرة نساء (بائعات الهوى): مرحلة يلتجئ فيها المراهق إلى أماكن بيع الهوى، بالإضافة إلى البحث عن موضوع الجنس بدون حب أو مشاعر. هذه المعاشرة تفصل بين الجنس والحب، فلا توجد هنا علاقة بين شخصين وإنما بين جسدين، وهي غالبا ما تكون لعلاقة الأولى الجسدية مع آخر بعيد خارجي، ويعتبر هذا السلوك التواء غير مفيد ولكنها أحيانا محاولة لإيجاد حل. - الارتباط أو المساكنة: مرحلة الارتباط بعلاقة جنسية مع محبوب خارج الزواج، هذه العلاقات ليست خفية إنما معروفة وشخصية، لها صفة الديمومة الزمنية، وإن كانت فترتها محدودة، تحمل معنى الانتساب إلى آخر جسديا ونفسيا. - مرحلة الحب: هي مرحلة أخيرة يكون فيها التزام ثابت ودائم، والذي يهدف إلى الكمال قبل التفكير في الإنجاب. هكذا يمكن القول أن هناك مراحل في النمو الجنسي، لكن ليس من الضروري أن يقطع الفرد كل هذه المراحل ليكون طبيعيا. إن التربية الجنسية للمراهق لا تقتصر على تقديم معلومات لها علاقة بجسده، إذ لها غاية أسمى من ذلك وهي التهيؤ للحب أي الإعداد للحياة ولنمو الكائن، إنها ترتبط بمنحه الأسس الصحية والسليمة لتكوين أسرة منسجمة. نلاحظ في المنظومة التعليمية اليوم، نقص في البرامج والمواد التي تهتم بموضوع التربية الجنسية عند الأطفال إلا إذا استثنينا بعض الإحالات في مادة البيولوجيا أو التربية الأسرية في التعليم الإعدادي، فالمدرسة ببرامجها تستطيع أن تساعد في ترسيخ وعي ومعرفة علمية بالجنس لدى المراهق، عن طريق المواد الدراسية والأندية الصحية، خاصة وأن البلوغ يدفع بالتلاميذ إلى البحث عن المعلومات المتعلقة بهذا الجانب من مختلف المصادر. وإذا كان المجتمع مازال منقسما حيال مسألة إدخال التربية الجنسية إلى المناهج الدراسية، فإن بعض الأسر تبرر انسحابها من هذه المهمة بالخجل في التعاطي مع هذا الموضوع تاركة للأيام والتجارب القيام بتعليم أطفالها رغم ما قد يتعرض له الطفل من ابتزاز. لذلك أصبح من الضروري التفكير الفعلي في تدريس التربية الجنسية بمناهج ومضامين علمية تتوخى تعلم المعارف العلمية المرتبطة بموضوع الجنس. هكذا يفترض أن يبدأ التعليم أو التثقيف الجنسي من الأسرة، لأن الطفل يثق في أسرته. في هذا المجال، ويمكن له أن ينفتح في الحديث معها أكثر مما ينفتح مع الآخرين. ثم يلي ذلك الجانب العلمي، وينبغي أن يعرف الطفل الجانب الغريزي في الشهوة الجنسية، لأنه ينبغي ألا يكتم عنه جانب من جوانبها حتى لا يضل ويتيه عن حقيقة جسمه وأبعاده النفسية. كما يبدو لي بأنه من الضروري أن نجعل الكتاب العلمي المتخصص في الجنس والزواج من ضمن الاستراتجيات الثقافية، وأن يكون حافزا لترسيخ المعارف العلمية والقيم حول الموضوع حتى يكون ذلك وقاية من استفزاز ما توفره آلاف من محطات الفضاء ومواقع الانترنت. فالكتاب العلمي والذي يوفر تربية جنسية صحيحة يحقق الوعي الشامل ويحقق أهداف تربوية تكون بمثابة حائط صلب أمام ما تتعاطاه هذه القنوات والمواقع من أنواع ومعلومات وأوضاع جنسية شاذة لا تتناسب مع قيم وثقافة حضارتنا. تجدر الإشارة من جهة أخرى إن الكثير من المشاكل التي تواجه أبناءنا ليست ناتجة عن عدم دراية أو نقص بالثقافة الجنسية، بل هي ناتجة عن عدم توافق العادات والقيم التي تنظم وتضبط العلاقات الجنسية المعتمدة والمنتشرة، مع الظروف والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الموجودة لدينا في المجتمع. فنحن بحاجة إلى تعديل أو تطوير تعاملنا مع العلاقات الجنسية، ليلائم الأوضاع والظروف الاجتماعية والاقتصادية التي حصلت، والتي لم يعد يناسبها ما هو معمول به. فظروف ووضعيات المراهقين والمراهقات الآن لا تناسب بشكل كبير عادات وتقاليد الزواج المتبع، والذي هو السبيل الوحيد المتاح لتحقيق الرغبات الجنسية بشكل مشروع وأخلاقي. فهناك صعوبات كثيرة تعترضهم وتصعب تحقيق هذا الزواج. وهذا له الكثير من الآثار السلبية النفسية والصحية ويؤدي إلى تفاقم المشاكل الاجتماعية والنفسية لدى الشباب