«ما أكبر موضوع المراهقة وما أصغر حلول هذا الموضوع»، بهذا التعليق خاطبنا أحد الباحثين في مجال الطفولة والمراهقة. المؤكد أن المراهقة تبقى في كل الأزمنة والأمكنة من أخطر المراحل التي يمر منها الإنسان إلى سن الرشد والنضج، ولو أن المراهق يرفض اتهامه بعدم النضج. وأقسى ما في هذه المرحلة هو تطورها فسيولوجيا وعقليا واجتماعيا وانفعاليا ودينيا وخلقيا وجسميا، وتختلف من فرد إلى آخر، ومن بيئة لأخرى، وكلما ازداد المراهق انغماسا في أمواج واقعه ازدادت صراعاته الداخلية والخارجية المتعددة. والملاحظ أن لا أحد من شبابنا يقبل بأن يعتبر شخصا «مراهقا» طالما هذه التسمية في رأيه عبارة عن مصطلح قدحي، تماما كما حال بعض الآباء الذين تصيبهم المراهقة في المشيب ولا يقبلون أن توصف حالتهم ب «المراهقة المتأخرة»، وقد استيقظ فيهم الكبت فجأة. وكلما يمر بعض المراهقين بمرحلة عاصفة، يمر آخرون في المقابل بمرحلة هادئة إلى حين نبات «ضرس العقل»، كما يسميها وسطنا الشعبي، ونقف بين الفينة والأخرى على حالات من الخلاف بين الأسر ومراهقيها على خلفية طبيعة الأصدقاء مثلا، وطريقة صرف النقود والتأخر في العودة إلى البيت وطريقة إبراز المفاتن والجسد، واختيار الملبس وقص الشعر ونوعية الموسيقى، وأسلوب العلاقة العاطفية والجنسية. ومن حقنا عدم التعليق على عبارات الشتم التي يطلقها المراهقون في حق الوطن على صعيد الشارع اليومي. ولعل الكثيرين سجلوا اختفاء/إلغاء مقررات هامة من البرنامج التعليمي الابتدائي، ومنها أساسا «التربية الخلقية» و«التربية الوطنية» التي ظلت من المواد الضرورية، وكم كانت عصا المعلم في انتظار أي تلميذ لم «يحفظ» الدرس. والملاحظ أن غالبية فئاتنا المجتمعية غير مدركة جيدا لمفهوم المراهقة التي هي من الفترات الحرجة جدا بين الطفولة والنضوج. وفي هذه الفترة ما يستدعي من الآباء الإلمام بدورهم اللازم لغاية التعامل مع أبنائهم المراهقين بالحوار والإرشاد والتوجيه لخوض إشكالات سنهم، وبالتالي ملامسة ما يشعرون به أو ما قد يدفعهم إلى الحيرة والتردد والحلم بالعالم الوهمي، وما إذا كان ينتابهم رفض الانصياع لأفكار وقيم وقوانين الأسرة للقيام بما يحلو لهم من تصرفات وآراء، وتراهم يثورون في كثير من الأحيان لأتفه الأسباب. والمؤكد أن المراهق لا يستطيع على العموم التحكم في مشاعره العاطفية ونزواته الجامحة، وبتعبير «سبوك»، الخبير التربوي المعروف، فإن العيب الذي لم نتحرر منه هو أننا جميعا ننظر إلى المراهقة على أنها فترة مرضية بينما هي مرحلة طبيعية مر بها كل واحد منا. والمؤسف أن العديد من أبنائنا لا يعيشون سن المراهقة كما ينبغي، ذلك لعدة عوامل نذكر منها أساسا القساوة الأسرية، أو المبالغة في المحاسبة، الزواج المبكر، الفهم الخاطئ للدين، تحمل المسؤولية في سن الصبا، إلى غير ذلك من الأسباب التي قد لا تقل عن الإفراط في التحذير مثل: «حذار من سياقة الدراجة في الطريق»، «حذار من السباحة فقد تغرق»، «حذار من اللعب مع الأولاد»، «حذار من المشي في الشمس»، «حذار من الزكام»، إلى غير ذلك من النصائح التي لن تنجب إلا أبناء يسودهم الخوف والشك والكذب والانطواء. ويشار إلى أن غالبية المراهقين يعانون من مشكلات قاسية يواجهونها وقت رغبتهم في عبور دائرة ما يسمى ب «فجوة الأجيال» التي تفصل بين عقليتهم وعقلية آبائهم، وفي أول صدام للمراهق مع المحيط يكون هناك تردد واغتراب وعناد ومزاجية متقلبة وعواطف شديدة الحساسية وصراعات نفسية لنيل المتطلبات والظفر بالحرية التي يتمتع بها الراشد، حسب رأيه، ويكون كذلك تمرد على الآباء من أجل أن يكفوا عن معاملة أبنائهم المراهقين كأطفال صغار. ومن هنا يمكن أن ترتفع نسبة الانزلاقات والانحرافات. وبطبيعة الحال، تبرز الكثير من التغيرات على حالة المراهق النفسية والجسمانية واكتشافه الحياة الجنسية، وكل هذه الأشياء يصعب مرورها في حياة المراهق دون أن تعرضه لاضطرابات واهتزازات، ولمحاولات يسعى من خلالها إلى التخلص من سلطة الأب وقيود الأسرة بحثا عن استقلال ذاتي. وهذه الأفكار الطارئة لابد أن تكون من صلب الخلافات التي تطرأ بين المراهق وأسرته، وأي خطأ في التعامل مع هذه الأشياء تضع المراهق في متاهات السوء والانحراف. ولعل العديد من المراهقين تكون قد أنتجتهم ممارسات تربوية خاطئة دمرت طاقاتهم في مرحلة الطفولة ودفعت بهم إلى الطريق الخطأ. ومن الواضح، إذن، أن المراهق من الجيل السهل على الهضم بالنسبة إلى الأفلام السينمائية التي لا يخفى على أي أحد دورها في السيطرة على حواس ووجدان هذا المراهق. ونسبة عالية من المراهقين تأثروا بالكثير من الأفلام، وسبق لمنظمة اليونسكو أن لخصت نتائج أبحاثها حول أثر مثل هذه الوسائل على الشباب المراهق ومدى مساهمتها في تكوين أجيال من المعقدين نفسيا والمرضى بالاضطراب الأخلاقي، وفي انتشار جرائم العنف والاغتصاب والمخدرات والسلوكيات الفاسدة، وكيف أن المراهق يبحث عن عوالم خارج سلطة التقاليد والأسرة والعادات والقيم المجتمعية والدينية. ولا شك أن معظم المراهقين اليوم يندفعون للأفكار الجديدة والثقافة الأجنبية والتقليعات الحديثة وأنماط الحياة المستوردة من الخارج، بما فيها الموسيقى والموضة، وكل تحذيرات الناصحين في هذا الشأن ما هي في رأي المراهق إلا أساليب من الرجعية والتخلف والخرف. وكل حديث حول السينما والإعلام والتلفزيون يفضي إلى الحديث عن موضوع أثر الإنترنت على سلوك المراهق، وكيف أن هذه الوسيلة باتت تنتقل من وسيلة للتعلم والمعرفة إلى معول لهدم المستوى الدراسي والأخلاقي، سيما في استخدام المواقع المتطرفة والبورنوغرافية، إضافة إلى استخدام الدردشة الالكترونية (شاط)، التي باتت ظاهرة واسعة بين الشباب والشابات خارج رقابة البيت. ويمكن لأي واحد من رواد مقاهي/محلات الإنترنت أن يسجل بأم عينيه وأذنيه مدى اتساع الظاهرة من خلال عبارات الغزل والجنس المستعملة مع الطرف المستعمل ل «الشاط» بصورة تجعل من شخصية المراهق ذلك الباحث عما يشبع به رغباته، حيث يرفض الانصياع لأفكار وقوانين الأهل، والإصرار على فعل ما يحلو له، وربما يلجأ إلى تجريب الكثير من الأمور الممنوعة أو غير المقبولة لدى الأسرة مثل التدخين والحشيش والاستمناء ورسائل الغرام والسهر خارج البيت ومصادقة «رفاق السوء» وارتداء الألبسة الغريبة وتسريحة الشعر بالطرق المستوردة. وبقدر ما ترتفع نسبة تعلق المراهقين بالأفلام السينمائية والإنترنت نجد أن نسبة القراءة في انخفاض مستمر. وتؤكد ذلك إحصائية مخزية نشرتها اليونسكو وأشارت فيها إلى أن معدل القراءة في العالم العربي لم يتجاوز ست دقائق في السنة للفرد، أضف إلى ذلك المستوى التعليمي والمعرفي الذي يزداد تقهقرا، سنة بعد أخرى، بين شبابنا المراهق. وبينما تردد مصطلح التطرف والأصولية في عالمنا لم يسلم العديد من مراهقينا من لعنة هذا «الخطر السائل» بفعل ثورة العلم والاتصال ووطأة الأخبار اليومية بالصورة والصوت، مقابل اتساع رقعة الفقر والعطالة والتهميش والإقصاء الاجتماعي والإهمال التربوي الذي يساهم بقوة في الدفع بالبعض من شبابنا إلى الوقوع في «كمين» تجار التطرف الذين يعملون على استقطاب هذا الشباب لتنفيذ مآرب تكفيرية. ولعل هذا الموضوع من أبرز المشكلات التي تنجب جيلا من الشباب المتطرف الذي يسهل تذويب شخصيته وعقله في ««الخطابات الظلامية»، وتكسير ثقته في نفسه ومجتمعه، وحينها يلجأ هذا الشباب إلى التعبير عن النفس بممارسات قد تعصف بالقوانين والأعراف والديانات وبالمصالح العامة للأفراد والمجتمع وبأرواح الأبرياء أيضا. وتكمن خطورة التعصب كلما رأى مراهقنا الشاب في العنف حلا ضروريا لمشكلاته ولحالته الباحثة عن الذات وكلما عجز المتحكمون في مراكز القرار في تبني قضايا الشباب وتمرير قيم التعايش والتسامح والتوافق، علما أن هذا الشباب له الدور الكبير في مواجهة كل نداء للتطرف. وفي كل صيف لا بد أن مراهقي فئاتنا المحرومة يحلمون أكثر فأكثر بالهجرة إلى الضفة الأخرى، ذلك أمام الصور الكاذبة التي يرسمها لهم بعض أفراد جاليتنا العائدة إلى أرض الوطن إلى درجة أن مراهقينا أخذوا يتصورون أن أوربا بسماء تمطر ذهبا وسيارات. والمؤكد أن الغالبية العظمى من مراهقينا ترى في الهجرة السرية حلا لكل المشاكل المالية والإدارية والنفسية، ومن هنا يتصيدهم تجار الموت والتهجير، وربما أنهم يصلون إلى الضفة الأخرى أو يقعون لقمة سائغة في بطون أسماك البحر. أمام كل ما سبق قوله يبقى من مسؤولية الآباء الوعي التام بمشاكل أبنائهم والوصول بهؤلاء الأبناء إلى بر الأمان الأخلاقي والنفسي والتربوي، بشرط أن يكون لهؤلاء الآباء الدور الأساسي في طريقة التعامل مع مرحلة المراهقة لأبنائهم، وأن يعملوا باستمرار على احتواء أبنائهم حتى لا يخجلوا من المصارحة، وعلى مدهم أيضا بالحنان والمفاهيم الصحيحة، وأن يتم استثمار طاقاتهم المادية والروحية في بناء شخصيتهم، بالأحرى إذا تعلق الأمر ببنت، حيث يكون من الواجب منحها الفرصة التامة للتعبير عما بداخلها تفاديا لأي منزلقات محتملة، ومن أدوار الأم التحدث مع ابنتها المراهقة في كل شيء، بما في ذلك التحدث حول العلاقة بين الجنسين من باب الحيلولة دون لجوء الفتاة إلى «المغامرة» عبر البحث عن هذه الأمور بين الزميلات والشبكات العنكبوتية وروايات «عبير» فتتكون لها عقد نفسية مرضية أو تسقط في الانحراف والحلم بأشياء لن تحقق، مع الإشارة إلى أن الفضائيات باتت تدخل بيوتنا بمسلسلات رومانسية تساهم في وضع أي فتاة على كف خيالات وردية، وغالبية المهتمين تحدثوا ما فيه الكفاية عن تداعيات المسلسلات التركية التي لن تقل عن مسلسل «نور» و«ميرنا وخليل» و«تمضي الأيام»، وكيف نجحت مثل هذه المسلسلات في انقلابات نفسية وعائلية خطيرة.