وصف عدد من التلاميذ والتلميذات بمدينة وجدة مرحلة المراهقة بالحرجة والخطرة، وقدم كل منهم في تصريحات لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» رأيه الخاص عن هذه المرحلة الطبيعية من عمر الإنسان للانتقال من الطفولة إلى الشباب، فالمراهقة بالنسبة إلى البعض فرصة للانفتاح على المجتمع والنهل من إيجابياته، وبالنسبة للبعض الآخر الانفتاح على المجتمع بكل تجلياته الإيجابية والسلبية، «وكل واحد وزهرو» إما أن يحقق فيها المراهق ذاته ويوفق دراسيا، وإما أن يصادف مشاكل تؤثر على تحصيله الدراسي ومستقبله بصفة عامة، سيما وأن المراهقة، الآن، أصبحت تعتمد الموضة في ارتداء الملابس والإكسسوارات، وتقليد الممثلات وفنانات الفيديو كليب في قصات الشعر والماكياج وحتى في بعض الحركات، إضافة إلى الاستماتة من أجل الحصول على آخر موديلات الهواتف النقالة وركوب الدراجات النارية من النوع الكبير (بركمان)، وإقامة الحفلات الراقصة والاستماع لموسيقى الراب والهيب هوب... والأغاني العاطفية، هذا إضافة إلى تجريب بعض العادات السيئة كالتدخين ومعاقرة الخمر والمخدرات والعلاقات الجنسية، وما يواكبها من تمرد على الأسرة والتهديد بمغادرة المنزل وإهمال الدروس في حال عدم تفهم رغباتهم والاستجابة لمتطلباتهم.. وفي هذا الإطار، تقول الأستاذة «ربيعة مغيوس» إنها لامست من خلال تعاملها مع المراهقين، في أول مبادرة مركز استماع للتلاميذ بإعدادية الجاحظ بوجدة، «معاناة هؤلاء من مشاكل عديدة نفسية وجسدية وإحساسهم الدائم بعدم تفهم الآخر لمعاناتهم ومشاكلهم بسبب حرمانهم من حرية التعبير داخل مجتمع الكبار، إضافة إلى أن عدم التواصل بينهم وبين الأساتذة والنصائح اللامنتهية والانتقادات لشخصيتهم تجعل منهم أشخاصا عدائيين في بعض الأحيان، كما يزيد الفقر والهشاشة والمشاكل العائلية من معاناتهم، ويدفعهم انعدام فضاءات التسلية وعدم خلق أندية تساعدهم على تفجير طاقاتهم والتعبير عن مكنوناتهم، إضافة إلى كثرة الواجبات المدرسية، إلى اللجوء لوسائل أخرى للهروب ونسيان الواقع الذي يعتبرونه مرا..». ويرى بعض الآباء والأمهات في التعامل بجدية وقسوة مع المراهق الوسيلة الأفضل لحمايته من المخاطر واعتماد أساليب تربوية عنيفة في بعض الأحيان للسيطرة على تصرفاته وتمرده على العادات الأسرية، بينما اعتبرت أسر أخرى المعاملة المعتدلة مع الإبن المراهق وتزويده بكل ما هو أساسي في تعلمه والاستجابة لمطالبه في حدود ماهو ممكن ومعقول، وتشجيعه على البوح بمكنوناته وطرح مشاكله أمام أسرته ومناقشتها، الوسيلة الأنجع للتخفيف من قلقه وضمان تفتحه على أسرته ومصارحتهم بدل تمرده وثورته ضد معاملته كطفل، خاصة ونحن في زمن العولمة وما أصبحت تلعبه من دور في تصرفات المراهقين (ذكورا وإناثا)، إذ أضحت هذه المرحلة العمرية تعتمد على التكنولوجيا الرقمية من خلال الشبكة العنكبوتية وإنشاء المنتديات وسبر أغوار المواقع الإلكترونية المختلفة ومتابعة الفضائيات.. وعن مراهقة اليوم، تقول فاطمة الزهراء (21 سنة، طالبة): «مراهقتي لم يكن فيها شيء غريب سوى الإعجاب الذي كنت أكنه لبعض زملاء القسم تارة لهذا وتارة لذاك حسب مقاييس الوسامة، في حين عايشت بعض صديقاتي وقد دخلن عالم تجريب إقامة علاقات حميمية خارج المؤسسة (الإعدادية)، وأذكر أن البعض منهن جربن السيجارة وبعض التدخلات الجسدية البسيطة مع الشباب بالإضافة إلى الاهتمام الزائد بالجسد وارتداء الملابس الضيقة والقصيرة. والأمر هنا متعلق باهتمامات كل شخص وحياته العائلية، فأنا كنت أخاف أن أفعل شيئا يغضب والدي كما أخاف أن يراني شخص ما أمشي مع ولد ويخبر أهلي، وعندها أتعرض للعقاب وأفقد احترامي أمام أعز الناس إلى قلبي. هكذا فهمت المراهقة وهكذا مررت منها دون مخاطر، بل أكسبتني هذه المرحلة ثقة زائدة في نفسي ودفعتني إلى الاهتمام أكثر بدروسي وبالفعل حققت أفضل النتائج..». وعن مراهقة الأمس يقول عبد الرحيم طويل (28 سنة، القطاع الخاص): «لم نكن نسمع في السابق عن هذه المرحلة، لكن كثرة الحديث عنها والاهتمام بها أدى إلى الانتباه لها، فالآباء لم يكن لهم أية دراية بهذا الموضوع، فكانت تربيتهم لنا تعتمد على ما توارثوه عن آبائهم وأجدادهم، فإذا أحسنت لايقول لك أحسنت وإذا أخطأت تتعرض للعقاب. أما اليوم، فأصبحت تتدخل فيها البرامج التلفزيونية المتعلقة بالأسرة والجرائد التي تخصص صفحات للمرأة والطفل. وكثرة الحديث عن المراهقة أدى إلى استغلالها من طرف المراهقين أنفسهم حيث يرتكبون حماقات ولايتعرضون إلى أي عقاب من طرف أوليائهم بدعوى أن المراهقة تأثر في تصرفاتهم، لذا وجب عدم إعطائها أهمية كبرى حتى لانصل إلى المثل القائل «إذا زاد الشيء عن حده انقلب إلى ضده»، كذا وجب أخذ الحيطة والحذر. أما يحيى بن الطاهر (44 سنة، متزوج، صحفي) فلم يعد يذكر من فترة مراهقته بداية ثمانينات القرن الماضي «إلا ما كان يدور في أحاديثنا ونحن زملاء في إعدادية باستور في وجدة حول حمولتها القدحية، حينها، كان أي كلام عن المراهقة يوحي بالسخرية واختلاق النكتة، كنا خطأ نحاول القفز عن حقيقة الطبيعة الإنسانية في وسط تعليمي كان ذكوريا إلا من أربع أو خمس زميلات كن معنا في القسم الدراسي ما يوحي بأننا كنا في وسط مغلق على الذكورة. وأعتقد، أن حال اليوم أحسن من حال الأمس، في قدرة الشباب المراهق الآن على البوح بمكنوناته إلى درجة الجرأة المغالية، وفقط لو تكتسب بعضا من جدية مراهقي الأمس لأصبح الأمر طبيعيا جدا وخلاقا». ومن جهتها، ترى فاطمة بوبكري (صحفية وفاعلة جمعوية) أن «الملاحظة العامة التي تلتف حولها الأغلبية الساحقة هي السخط الكبير وعدم الرضا عن هذا الجيل المراهق المتمرد على كل الأعراف التي سارت عليها الأجيال السابقة ولاسيما العربية الإسلامية بحكم الخصوصيات المشتركة، فإن كان المختصون في المجال استعصى عليهم فهم هاته الظاهرة المتعلقة بفترة المراهقة لدى جيل اليوم، فما بالك بالناس العاديين محدودي المعرفة والاطلاع خاصة الآباء، إجمالا ودون الخوض في الأسباب، لأنها كثيرة ومتنوعة، تبقى مشكلة الجيل المراهق اليوم هو التمرد على كل شيء والسبب في اعتقادي أنه لا يعرف ماذا يريد بل أضحى متطلبا جدا، بينما جيل المراهقة بالأمس كان يعاني في صمت ولايشهر معاناته بالشكل الذي هو عليه الآن، بل يكتفي بالكتمان، الشيء الذي ولد الكبت وظهور العديد من العقد والمشاكل الصحية، إنما وبكل موضوعية مراهقة الأمس تبقى أقل وقعا مقارنة مع مثيلتها اليوم لأنه على الأقل أمدتنا بأسماء مثقفة وفاعلة هي اليوم وازنة ولها الكلمة في معظم المجالات والتخصصات في الحياة العامة، لكن هذا لايمنعنا من القول بوجود استثناءات لمن رحم ربي في الجيل الجديد وأخرى سلبية في القديم والله أعلم». ويتذكر ميلود بوعمامة (معد ومقدم برنامج بإذاعة وجدة الجهوية) أجمل ذكرياته من خلال أول علاقة عاطفية بريئة جمعته بابنة الجيران، ويحمد الله أن مراهقته مرت على خير بالرغم من خوضه لبعض التجارب السيئة كالتدخين، وبالرغم من عدم الوصول إلى بعض الضروريات قبل الكماليات في سن «كنا نحتاج لأن نلبس ونعيش بنوع من الرفاهية الذاتية كالذهاب إلى البحر أو إلى المخيمات المنظمة من طرف الدولة، فكنا نقتصر على الوديان المجاورة (وادي بوشطاط، ووادي سيدي يحيى) والمسبح البلدي في فترة الصيف، هذا كله في إطار موافقة الوالدين والاحترام والخوف أحيانا من تسلطهم وعقابهم الذي ينضاف لعقاب المعلمين».