«كان من المقبول لو تم التعامل مع تلاميذ ثانوية أبي القاسم الزياني بخنيفرة بالهاجس التربوي عوض الهاجس الأمني، باعتبارهم مراهقين وليست لديهم أية نية إجرامية أو إرهابية»، إنها واحدة من العبارات التي ترددت بقوة بين المراقبين والمتتبعين لملف التلاميذ العشرة الذين تم اعتقالهم على خلفية ما سمي ب «تفجيرات الثانوية»، والملاحظ أن مسطرة القانون قد حالت دون وعي مسؤولينا- وآبائنا أيضا- بمفهوم المراهقة التي هي من الفترات الحرجة جدا بين الطفولة والنضوج، ومن أخطر المراحل العمرية في حياة الإنسان جسمانيا وعقليا ونفسيا واجتماعيا ودينيا وخلقيا وجنسيا، ولو أنها تختلف من فرد إلى آخر، وكل مراهق له مشاكل خاصة واضطرابات واصطدامات مع الواقع غايتها إثبات الذات وتحقيق الاستقلالية والتخلص من الطفولة المعتمدة على الكبار، والحرية بعيدا عن سلطة الأب وقيود المجتمع، وفي هذه الفترة ما يستدعي من الآباء الإلمام بدورهم اللازم لأجل التعامل مع أبنائهم المراهقين بالحوار والإرشاد والتوجيه لخوض إشكالات سنهم، وبالتالي ملامسة ما يشعرون به أو ما يدفعهم إلى الحيرة والتردد والحلم بالعالم الوهمي، وما إذا كان ينتابهم رفض الانصياع لأفكار وقيم وقوانين الأسرة للقيام بما يحلو لهم من تصرفات وآراء. والمؤكد أن المراهق لايستطيع -على العموم- التحكم في مشاعره العاطفية ونزواته الجامحة، وبتعبير «سبوك»، الخبير التربوي المعروف، فإن العيب الذي لم نتحرر منه هو أننا جميعا ننظر إلى المراهقة على أنها فترة مرضية بينما هي مرحلة طبيعية مر بها كل واحد منا، وهناك الكثير من الدراسات والبحوث التي أجريت حول مشكلات المراهقة ومعاناة الشباب. والملاحظ أن تأثر بعض التلاميذ المعتقلين بالإنترنت قد جاء أيضا من بين الأحاديث التي وردت في تفاصيل ملفهم، الأمر الذي لن يعود بالجميع إلا لمناقشة تأثير «الشبكة العنكبوتية» على حياة وعادات مراهقينا كلما تحولت من وسيلة إيجابية إلى سلبية خارج المراقبة، خصوصا أمام انتشار مواقع لاأخلاقية وأخرى مكرسة للشعوذة والدجل، إلى مواقع لنقل معلومات حول صنع المفرقعات، حيث قيل إن أحد التلاميذ العشرة «دخل» في واحد من هذه المواقع وحملته براءته و«فضوله» إلى تجريب ما يعرضه، وليس غريبا أن يتأثر الشباب بمثل هذه المنزلقات في مرحلة عمرية حساسة ومجتمع مغربي يسوده العزوف واليأس والانحراف، بالأحرى لو نوقش تأثير أفلام العنف على سلوكيات المراهق، وكيف أن هذا النوع من الأفلام أصبح من الظواهر الخطيرة على حياة مجتمعنا، أو كيف تحول معظم أبطال هذه الأفلام إلى مثل عليا لدى شبابنا. وبخصوص «تلاميذ خنيفرة»، فقد استقبلت المدينة أربعة آخرين منهم كانوا معتقلين على خلفية ما سمي ب «تفجيرات ثانوية أبي القاسم الزياني»، ليصل عدد المفرج عنهم إلى تسعة تلاميذ، قبل الإفراج عن عاشرهم الذي سبقت إحالته على المحكمة العسكرية. ومن الواضح أن تطورات ملف التلاميذ العشرة المعتقلين لاتزال مثار انشغال ونقاش الرأي العام المحلي والوطني، ذلك عندما أقدم بعض التلاميذ في طيش مراهق على شراء مادة حارقة من دكان لبيع مواد الصباغة، وتم تغليفها بورق الألمنيوم قبل وضعها بقنينات وفرقعتها بباب المؤسسة وداخل قاعة للدروس، وإثرها لم يكن في حسبان أحد أن الفعل سيأخذ منحى رهيبا وبعدا وطنيا، ويستدعي من السلطات الأمنية والاستخباراتية بمختلف أشكالها التدخل والتحري في كل الاتجاهات، وأن تتسع دائرة التحقيقات لتشمل أكثر من ستين تلميذا تقرر بعدها متابعة 10 تلاميذ تمت إحالتهم على استئنافية مكناس، بملف عدد 34/2009 أحداث، حيث تم الزج بتسعة منهم بسجن سيدي سعيد بمكناس في ظلمات مشتركة مع معتقلي الحق العام، وأعمارهم تقل عن 18 سنة، في حين أحيل عاشرهم على المحكمة العسكرية بالرباط، لبلوغه سن الرشد. وقد أفادت شهادة عائلية أن قاضي التحقيق بهذه المحكمة كان قد أخضع هذا التلميذ للاستنطاق طوال أزيد من سبع ساعات، وظل معتقلا خلف أسوار سجن الزاكي بسلا في ظروف صحية وضغوط نفسية مزرية إلى حين النطق بتبرئته ليستعيد حريته التي أوشكت على الضياع. وكانت غرفة التحقيق الثانية باستئنافية مكناس قد أفرجت عن خمسة معتقلين بعد أسابيع طويلة من الاعتقال، وكم نظرت هذه الغرفة في ملف التلاميذ المعنيين بالأمر، واستمعت للشهود وللمتابعين، وإلى حين تم الإعلان عن تأخير القضية إلى «أجل غير مسمى» مع إحالتها على النيابة العامة للبت في ما إذا سيتقرر في شأنها إنهاء البحث أو مواصلته، قبل أن تقود عاطفة القضاء إلى الإفراج عن كل المعتقلين، وبخصوص التلميذ العاشر، والمحال على المحكمة العسكرية، فقد اكتفت مصادر عائلية بما يفيد أن قاضي التحقيق كان قد واصل استماعه إليه، وتم إرجاء النظر في ملفه أكثر من مرة قبل «الحكم» عليه بالبراءة ليعود إلى مقعده بين زملائه الذين احتفلوا بعودته. ومن بين الذين تم الاستماع إليهم في القضية، مدرس مادة المحاسبة الذي سبق أن أشار له التلاميذ بأصابع الاتهام بوصفه مصدر غضبهم، والسبب وراء قيامهم بالرد الفعلي الذي لم يكن متوقعا أن يقود بهم إلى غياهب السجون بتهمة «تكوين عصابة إجرامية ومحاولة تخريب مؤسسة عمومية بوضع شحنة متفرقعة»، بينما ظلوا متمسكين بعدم علاقتهم بأية نية إجرامية أو تخريبية، ولا بأي شكل من التهم الخطيرة التي ألصقت بهم، كما أن القاعة التي ألقوا بها «الزجاجة المتفجرة» كانت خالية من التلاميذ، وبشكل عفوي كان أحدهم قد أجاب المحققين بأنهم قاموا بفعلتهم لغاية تأجيل فرض دراسي، مما زاد من تأكيد براءتهم جميعا باعتبارهم مجرد مراهقين حملتهم نيتهم الفضولية، ومحاولة إظهار قدراتهم العلمية، إلى تفعيل نصوص فيزيائية و«تجريب» ما تعرضه مواقع الكترونية من طرق ل «صناعة المفرقعات». وبالمقابل، أجمعت كل الشهادات على أن التلاميذ المعتقلين يعتبرون من التلاميذ النجباء، ويتابعون دراستهم بالسنة الأولى باكالوريا (شعبة علوم الاقتصاد والتدبير) بجدية ومثابرة، ومن هنا لن يقبل أحد بأن يُلَطخ «سجلهم العدلي» ب «سوابق دخيلة» قد تبقى نقطة سوداء على جبين مستقبلهم. وفي الوقت الذي كان الرأي العام المحلي والوطني يأمل في أن يتم وقف مقاضاة التلاميذ المتهمين لتمكينهم من متابعة دراستهم واجتياز امتحاناتهم التجريبية في شروط نفسية وصحية طبيعية، أعرب الكثيرون عن قلقهم إزاء قرار مواصلة متابعتهم قضائيا. وكم ازداد تخوف المتتبعين وأولياء التلاميذ شدة من أن يؤدي الاعتقال الطويل إلى عرقلة المسيرة الدراسية للمعنيين بالأمر، أو إلى دفعهم باتجاه الحقد على المحيط والمجتمع. ولم يفت العديد من الفعاليات السياسية والنقابية والجمعوية والتربوية الإعراب عن تضامنها مع التلاميذ المعتقلين. وبينما استنكرت أخرى أسلوب الاعتقالات التي تنم، في رأيها، على «العقلية الأمنية المعتادة بدل الاعتماد على الأساليب التربوية داخل المؤسسة»، كان أكثر من 1100 تلميذة وتلميذ من ثانوية أبي القاسم الزياني بخنيفرة قد رفعوا عريضة استعطافية لجلالة الملك محمد السادس يلتمسون منه فيها التدخل للإفراج عن زملائهم المعتقلين، وموازاة مع ذلك وجه 100 أستاذ وأستاذة «رسالة مفتوحة لوزير العدل» يطالبون منه فيها التدخل العاجل لإنقاذ مصير «تلامذتنا المتهمين في قضية اتخذت أبعادا خطيرة»، وإعطاء هذه القضية بعدا إنسانيا يراعي سن المتابعين وظروفهم الدراسية والأسرية. وفي نفس السياق، حمل «نداء تضامنيا»، تم إطلاقه على شبكة الإنترنت، توقيعات فاعلين من مختلف التنظيمات والهيئات والمشارب على أساس أن التلاميذ المعنيين بالأمر ليسوا إرهابيين ولايشكلون أي تهديد للأمن العام، مع الأخذ بعين الاعتبار أن لا شيء يؤثر في الشباب أكثر من ثقافة التسامح والتضامن، والوعي بمخاطر الكراهية والحقد. ولعل اعتقال تلامذتنا في «قضية مفخخة» سيربك إيمانهم بقيم الاعتدال والحوار والحداثة والديمقراطية. ومنذ 16 ماي السوداء يستذكر الجميع مشاركة تلاميذ ثانوية أبي القاسم الزياني في كل التظاهرات الاحتجاجية والوقفات المنددة بالإرهاب والعنف وإيديولوجيات التطرف. وقد تم التوجه بأكثر من نداء إنساني في سبيل التدخل للإفراج عن التلاميذ المعتقلين، باعتبارهم قاصرين في عمر الزهور، ولا ذنب لهم سوى أنهم وقعوا في «شغب مدرسي» غير مقبول طبعا، ولكن لم يكن يتطلب غير عقوبة تربوية في إطار مجلس تأديب أو تدبير، من حيث أن فعلهم الصبياني لم يؤد إلى أي أضرار مادية أو بدنية، كما ليست لهم أية صلة بجهات مشبوهة أو ارتباطات إيديولوجية، ولا حتى ميولات سياسوية أو إسلاموية، ولعلهم شاركوا زملاءهم الوقفة الاحتجاجية التي نظمت أمام النيابة الإقليمية لوزارة التربية الوطنية للمطالبة بسد الخصاص الحاصل في عدد الأساتذة بالثانوية وإصلاح البنى التحتية وتوفير التجهيزات الضرورية، مما يدل على رغبتهم في الدراسة والنجاح والمردودية. ويوم اعتقالهم، كان بعضهم يشارك في حملة بيئية داخل الثانوية، إضافة إلى أن التلميذ المحال على المحكمة العسكرية منخرط ب «نادي التربية على حقوق الإنسان» التابع للمؤسسة. ومنذ يوم الاعتقال المشؤوم، ظلت وساوس أباء وأمهات التلاميذ المعتقلين تكبر أمام التهويل الإعلامي، وما يروج من أخبار تخويفية وأحاديث ترهيبية كثيرة كان طبيعيا أن تصيبهم بحالات مختلفة من الهلع اليومي والانهيار النفسي، ويكفي أن أحد الآباء وقع له حادثة سير وهو في طريق عودته من الرباط حيث كان يتابع ملف ابنه، وكل ما يجب قوله هو أن التلاميذ المعتقلين لم يكن فعلهم إلا نتاج «عمل صبياني» في غاية البساطة والبراءة. والمؤكد أن مستقبلهم الدراسي كاد ينتهي إلى الضياع ما لم تكن العدالة «بردا وسلاما» عليهم، ويمكن لمن يهمهم الأمر الاطلاع على الأحوال النفسية لأفراد هذه العائلات، كما أن مختلف الشرائح الاجتماعية، ومكونات المجتمع المدني والتربوي، ظلت تنتظر عودة المعتقلين إلى أحضان أمهاتهم ودفاترهم ومقاعدهم الدراسية. وإن أي جهة من الجهات لم تشرح للمتسائلين عما يبرر «الاتهامات المنفوخة» التي وجهت للتلاميذ، وفي الوقت ذاته يبقى من حق المتتبعين التساؤل عن دور إدارة المؤسسة؟ وكيف تمت متابعة البعض من المعتقلين ب «بتهمة عدم التبليغ» والجميع يعلم أن الإدارة المذكورة علمت ب «لعبة التفجيرات» منذ «التجربة الأولى»، وعند حدوث «التجربة الأخيرة» تكون هذه الإدارة قد اختارت الهروب إلى الأمام بخلفية التملص من المسؤولية. وحسب مصادر إعلامية، فإن قاضي التحقيق باستئنافية مكناس قد استدعى مدير المؤسسة من أجل الاستماع إليه، وكان علينا جميعا أن نبحث في الأسباب وليس في النتائج، وما إذا كان المتهم الحقيقي هو السير اللاطبيعي لنظام التربية والتكوين والسياسة التعليمية الفاشلة. وعلى الصعيد ذاته ،لم يتوقف المعتقلون عما يفيد أن قيامهم بفعلتهم جاء بمثابة احتجاج على سلوكيات أستاذ مادة المحاسبة، وقد تقدموا ضده بعدة شكايات لدى الإدارة دون جدوى، وقالوا إنهم عانوا منه لامتناعه المزاجي عن إعطائهم الشروحات الكافية أثناء الدرس، ومعاقبتهم بالامتحانات التعجيزية والفروض المرتجلة والنقط المتدنية، الأمر الذي حملهم على التعبير بأية وسيلة عن رد فعلهم، من التشويش والتغيب، إلى الانتقال نحو «لعبة التفجير» أمام باب المؤسسة، ورغم ذلك لم تتحرك إدارة المؤسسة ليعودوا إلى تكرار الفعل، غير أن جرتهم لم تسلم هذه المرة بجهلهم العواقب والمتاهات، وقبل أيام قليلة من استدعائه للمثول أمام قاضي التحقيق، حاول المدرس المعني بالأمر نفي أن يكون فعل التلاميذ جاء بسبب تعامله السيء مع بعضهم، وبينما اعترف بأنهم حصلوا على معدلات هامة في الفروض، وصف الاتهامات الموجهة إليه ب «المغالطات» التي تستهدفه. ولا حاجة للتذكير بأن فعل التلاميذ المعتقلين لم يكن غير نتاج تصرف طائش لايحمل أية شبهات، فقط أنهم من الذين «ضَحْكوا وُهَجْروهْ ليهُمْ»، وفعلهم لم يكن إلا شكلا من «لْعبْ الدْراري»، كما يقول المثل الشعبي، وبما أن البكالوريا تنتظرهم في السنة المقبلة، فقد كان من المفروض تمكينهم من اجتياز امتحاناتهم في شروط آمنة، والواضح أنهم سيحتاجون لدعم نفسي على خلفية المحنة التي وجدوا فيها أنفسهم باعتبارهم قاصرين وأبناء عائلات نبيلة لم تكن تعتقد أن أولادها سيدفع بهم القدر يوما إلى «الحبس» لمجرد قيامهم بعملية تطبعها المراهقة. والمؤكد أن حالة هؤلاء الأبناء لم تكن تحتاج إلا ل «سعة» صدر عوض «ضيق» زنزانة.