والمؤكد أن مستقبلهم الدراسي سينتهي إلى الضياع ما لم تكن العدالة «بردا وسلاما» عليهم، والواضح أنهم سيحتاجون لعلاج نفسي فور خروجهم من محنتهم باعتبارهم قاصرين وأبناء عائلات محترمة ونبيلة، ويمكنكم الاطلاع على الأحوال النفسية لأفراد هذه العائلات، والذين لا يتوقفون عن المطالبة بالإفراج عن أبنائهم، شأنهم شأن التلميذات والتلاميذ بكافة المؤسسات التعليمية، ومختلف الشرائح الاجتماعية، ومكونات المجتمع المدني والتربوي، هؤلاء كلهم ينتظرون عودة المعتقلين إلى أحضان أمهاتهم ودفاترهم ومقاعدهم الدراسية، ويحق للكثيرين أن يحزنوا بشدة أمام الإبقاء على اعتقال التلاميذ خلف زنازنهم يوم عيد المولد النبوي الشريف. السيدان الوزيران، إن أي جهة من الجهات لم تشرح للمتسائلين عما يبرر «الاتهامات المنفوخة» التي وجهت للتلاميذ، وفي الوقت ذاته هناك الكثير من الغموض مازال يلف القضية من أساسها، ومن حق المتتبعين التساؤل عن دور إدارة المؤسسة؟ وكيف تمت متابعة البعض من المعتقلين ب» بتهمة عدم التبليغ» والجميع يعلم بأن الإدارة المذكورة علمت ب»لعبة التفجيرات» منذ «التجربة الأولى»، وعند حدوث «التجربة الأخيرة» تكون هذه الإدارة قد اختارت الهروب إلى الأمام بخلفية التملص من المسؤولية، وحسب مصادر إعلامية فإن قاضي التحقيق باستئنافية مكناس قد استدعى مدير المؤسسة من أجل الاستماع إليه، علما أن ثانوية أبي القاسم الزياني تعتبر من المعالم التربوية والتاريخية على مستوى الإقليم والجهة، وكان علينا جميعا أن نبحث في الأسباب وليس في النتائج، أي في الدوافع التي حملت التلاميذ المتهمين إلى التفكير في «الزجاجة المتفجرة»، وما إذا كان المتهم الحقيقي هو السير اللاطبيعي لنظام التربية والتكوين والسياسة التعليمية الفاشلة. وحين أفشى المعتقلون بأن قيامهم بفعلتهم جاء بمثابة احتجاج على سلوكيات أستاذ مادة المحاسبة، والذي تقدموا ضده بعدة شكايات لدى الإدارة دون جدوى، وربما استدعاه قاضي التحقيق للاستماع إليه هو الآخر، فاسمحوا لنا، السيدان الوزيران، أن نكشف أمامكم ما كشف عنه بعض الحقوقيين بمدينتي، هؤلاء الذين توصلوا إلى أن كل ما جرى هو «أن التلاميذ يعانون من الأستاذ المعني بالأمر، والذي يرفض إعطاءهم الشروحات الكافية أثناء الدرس، ويحيلهم على الدروس الإضافية التي أصبح مهووسا بها إلى درجة ابتزاز الآباء بل وشتمهم، وكل من امتنع أو رفع صوته إلا وكانت عقوبته امتحانات تعجيزية وفروض مرتجلة ونقط متدنية، وكم من مرة لجؤوا فيها للإدارة بلا نتيجة، الأمر الذي زاد من تعنت الرجل وحمل التلاميذ على التعبير بأية وسيلة عن موقفهم الرافض لسلوكياته، فمن الضجيج إلى التشويش إلى الغياب قبل الوصول إلى « لعبة التفجير» التي لم تتجاوب معها المؤسسة ليعود التلاميذ إلى تكرار الفعل»، وهذه المرة وقعوا في ما لم يعلموا بعواقبه ومتاهاته، حين وجدوا أنفسهم أمام تحقيقات الأمن وظلمات الزنازن وردهات المحاكم المدنية والعسكرية، وكان من الأفضل تنبيههم وتحذيرهم تربويا من مساوئ هذا الفعل، مع أخذ بعين الاعتبار أن لا شيء يؤثر في الشباب أكثر من ثقافة التسامح والتضامن، والوعي بمخاطر الكراهية والحقد، ولعل اعتقال تلامذتنا في «قضية مفخخة» سينجب منهم لا محالة خطرا على مستقبل الاعتدال والأمل والمواطنة والأخلاق، وقد يربك إيمانهم بقيم الحوار والحداثة والديمقراطية، ومنذ 16 ماي السوداء يستذكر الجميع مشاركة تلاميذ ثانوية أبي القاسم الزياني في كل التظاهرات الاحتجاجية والوقفات المنددة بالإرهاب والعنف. ولا حاجة لتذكيركم، السيدان الوزيران، بأسماء التلاميذ المعتقلين وهم: منير موكيل، عمر بلخياط، وليد أعسكري، عمرو غالب، يوسف أوعالي، حدو الصالحي، مصطفى حمدون، عبدالإله أوسحابي، محمد بوري، ثم نورالدين بنكجان المحال على المحكمة العسكرية، كل أبائهم يلتمسون منكم، كآباء وأعضاء في الحكومة، التدخل في سبيل الإفراج عن أبنائهم الذين لم يكن فعلهم غير نتاج تصرف طائش لا يحمل أية شبهات، واليقين أن تدخلكم سيكون له الأثر القوي في نفوس أباء وأمهات وأبناء منطقتنا الأصيلة، ولن يعني تحقيق هذا التدخل إلا استجابة للنداءات الملكية المتعلقة بالشباب من منطلق أهمية الاستثمار في العنصر البشري المتمثل أساسا في الشباب باعتباره المحرك الرئيسي للتنمية المنشودة، وكذا من الإيمان الملموس بضرورة تأهيل المواطن الصالح والمحصن ضد كل التحديات وأشكال التطرف وإيديولوجيات القوى الظلامية. وأمام تفاعل القضية، رفع أكثر من 1000 تلميذة وتلميذ من ثانوية أبي القاسم الزياني بخنيفرة عريضة استعطافية للملك محمد السادس يلتمسون فيها من جلالته التدخل للإفراج عن زملائهم المعتقلين، وموازاة مع ذلك وجه 100 أستاذ وأستاذة، من ذات المؤسسة، «رسالة مفتوحة لوزير العدل» يطالبون منه فيها التدخل العاجل لإنقاذ مصير «تلامذتنا المتهمين في قضية اتخذت أبعادا خطيرة»، وإعطاء هذه القضية بعدا إنسانيا يراعي سن المتابعين وظروفهم الدراسية والأسرية. هؤلاء هم تلامذتنا الذين «ضَحْكوا وُهَجْروهْ ليهُمْ»، كما يقول المثل الشعبي، ولم يكن فعلهم إلا شكلا من «لْعبْ الدْراري»، وملتمسنا هو فقط من أجل الشفقة والعفو، ولكم واسع النظر.