قديماً كانت العائلة أقوى ضمان ضد الانحراف والأمراض النفسية التي تصيب أولادنا في العصر الحديث نتيجة ثورة التكنولوجيا وعصر العولمة الذي اختلطت فيه الأمور وانقلبت إلى حد السكين، فجزت الأصول وأبقت الفروع تعصف بها رياح الاغتراب عن الأهل، رغم أنهم في بيت واحد وأحياناً يتقاسمون غرفة واحدة. الآن طبيعة الحياة اختلفت، زحام ومسئوليات وأحلام تتدافع في العقول تبغي سبيلاً للمنال ومعها لا وقت إلا للاجتهاد والانغماس بين رحى العمل والطموح، وفي خضم ذلك المعترك يحول البيت إلى جزر بعضها تنأى عن بعض وأخرى تتجاور مكاناً لكنها تتباعد روحاً، ويبقى شمل العائلة تائهاً يبغي سبيلاً للاجتماع بعد فراق مديد أثمرته تفاصيل الحياة العصرية ويطول الانتظار حتى تأتي مناسبة فيجتمعوا لسويعات فقط وفي المآتم لأيام ثلاثة ومن ثمَّ ينفض الجميع ويزيد الفراق ويتغلغل الانعزال. لها أون لاين يتحدث عن لمة العائلة والمحافظين عليها والمقصرين في هذه العادة الاجتماعية واقتصارهم فقط على مناسبات بعضها حزينة وأخرى سعيدة، ونبصر أحوال الناس بين مجتهد في استعادة تفاصيل تلك اللمة أو اللحمة العائلية وبين مستسلم لضياعها بسبب تفاصيل الحياة التي لا تترك مجالاً إلا للعمل والكد من أجل الرزق ومستقبل الأولاد. موعد ثابت منى فتاة في الثلاثينيات من عمرها، تنتمي لعائلتها وتعيش على ذكريات الأجداد والآباء، تعشق اللمة وأجواء الترابط الأسري لكنها لا تجدها دائماً شاخصة أمام بصرها أحياناً تغيبها تفاصيل الحياة الدقيقة، العمل والانشغال بالأعباء المنزلية وهموم الحياة التي لا تنتهي، لكنها تجتهد في إحيائها على الأقل مرة في الأسبوع، وطريقتها في ذلك التخطيط المسبق، تقول :في نهاية كل أسبوع أخطط لاجتماع أشقائي المتزوجين وزوجاتهم وأبنائهم في بيت والدتي، ولا يقتصر هذا الاجتماع على تقديم أصناف محببة لهم من الطعام بل يتضمنه ألعاب للأطفال نشاركهم فيها مثل المسابقات الترفيهية سواء في القرآن الكريم أو في المناهج الدراسية والمعلومات العامة، بدلاً من اللعب العشوائي الذي غالباً يترك آثاراً سلبية نتيجة الصدامات بين الأطفال، وتشير إلى أن ذلك الاجتماع يقوي العلاقات بين الأشقاء ويدعم علاقات الأطفال ببعضهم فيشبوا على ذات الخطى ويبقى الترابط بينهم مهما باعدت بينهم مشاغل الدنيا وهمومها، وتضيف: أنها أحياناً تنجح في تحقيق هذا الاجتماع الذي تغمره مشاعر الود والتراحم وأحياناً يتعذر عليها ذلك في ظل انشغال أحد الأشقاء واعتذاره عن الحضور بسبب العمل، مؤكدة أن سعادتها الكبيرة حين ينجح اللقاء ويتكرر أسبوعاً تلو أسبوع بلا انقطاع. في المناسبات فقط أم أحمد، تحدثت عن تفاصيل لمة العيلة بنبرة تمازجت بين الألم والشوق لإعادتها تماماً كذكريات الزمن الجميل، تقول:أن اجتماع العيلة بعد أن رحل الأجداد والآباء اقتصر على المناسبات فقط الحزينة والسعيدة ولسويعات فقط ومن ثمَّ ينفض الجميع إلى أعماله وأشغاله ويندس بين همومه وأوجاعه التي تثقل كاهله، مشيرة إلى أن أكثر اجتماعات عائلتها تكون في شهر رمضان والأعياد فيتبادلون الزيارات ويجتمعون على مائدة الإفطار وأحياناً يستمر بهم حال الوئام لاستكمال حلقة سمر حتى السحور وتكون ذلك مرة أو مرتين في الشهر، وليس كما كان في زمن والديها وأجدادها فلا يمر يوم دون الاجتماع في كنف الجدة يستمعون إلى أحاديثها يأخذون العبرة والعظة لتعينهم على تسوية أمورهم ومشاكلهم في إطار ودي بعيداً عن المشاحنات التي تنهي العلاقات الإنسانية وتوصد أبواب القلوب، وتعلل أسباب ذلك أن الحياة العصرية ومتطلباتها الكثيرة تقضي على أوقات الفراغ وإن وجدت فيستعيض عن لمة العيلة بالانغماس بين أيقونات الشات وصفحات المواقع الإلكترونية على الانترنت أو حتى بين شاشات الفضائية التي تحكي حكايات أكثر إثارة من حكايات الجدة ذات الرتم الهادئ. حنين أما الحاجة فاطمة فتحن إلى لمة العيلة التي باتت تفتقدها إلا قليلاً جداً وبإصرار منها في مناسبات محددة لا تشعر بطعمها إلا بلمة الأبناء والبنات والأحفاد، تقارن الحاجة فاطمة بين زمن والدها ولمة العيلة في ظلال كرم التين خاصة في أيام الصيف وزمن أولادها الذين لا يجتمعون إلا بقرار منها وزياراتهم منفردة لأنهم لا يطيقون الضجيج المتواصل باجتماع الصغار جميعهم في بيت واحد، تقول: في زمن والدي كنا نجتمع كل يوم في حلقات سمر وكل أسبوع نجتمع على مائدة طعام نطهوها بمذاق الحب والود، كان والدي يجمعنا ويحكي لنا القصص، وإن انتهت القصص أفصح لسانه بأبيات الشعر التي كان يرسلها لشقيقي في الغربة يعبر له عن حنينه وشوقه، وتضيف كانت اللمة أحلى في الصيف حيث نخرج جميعنا لنقطف كروم التين وهناك لا فرق بين أحد الكل يقطف ويأكل الثمر حتى أصحاب الكرم كنا يوم نطهو نحن الطعام ونأكل جميعنا منه، وفي اليوم التالي يطهو صاحب الكرم وهكذا كانت الحياة بسيطة مفعمة بالود والحب، أما الآن فنرجو من أبنائنا الاجتماع، البعض منشغل بالعمل وجمع الرزق، والبعض الآخر رأى في التكنولوجيا الحديثة التلفزيون والانترنت مبتغاه فانعزل عن الأهل ولمة العيلة في جزيرة بعيداً عنهم، وفريق ثالث لا يطيق الضجة واجتماع أعداد كبيرة من الأطفال في وقت واحد يلعبون ويضحكون ويثيرون الشغب أحياناً. الآباء عماد التواصل وبرأي مرح فإن لمة العيلة لا تحلو إلا باجتماع الآباء مع الأبناء والأمهات على مائدة الطعام وفي مختلف أرجاء المنزل وفي كل تفاصيل حياتهم في زيارة الأقارب والأصدقاء، أيضاً ومع هذا الترابط يسود الاحترام والتعاون والترابط وتحقق تلك العلاقة بين الآباء والأبناء التوازن النفسي لكليهما، وتشير الفتاة إلى أن الأسرة المتحابة يقوم فيها كل فرد بدوره ويكملوا بعضهم البعض ويؤدوا وظائفهم في إطار من الرحمة والحنان والعطف والبر ببعضهم البعض والإحسان والتعاون أيضاً الأمر الذي يجعلهم أكثر التصاقاً، ولا تفرق بينهم مشاكل ولا تباعدهم هموم عن الشعور ببعضهم، فتكون الهموم واحدة والآلام أيضاً واحدة يستعينوا عليها بالمحبة والمودة، وتتابع أن تفاصيل الود والترابط بين أفراد الأسرة الواحدة تنتقل إلى العائلة إذا ما تم تبادل الزيارات في إطار صلة الرحم. فوائد نفسية ومادية الداعية د. عمرو خالد في مقابلة نشرت على صفحات الإنترنت عن أهمية العائلة واحتضانها لأفرادها في بوتقة الحب والسعادة والأمل أكد على أن العائلة تحقق للإنسان أربعة احتياجات نفسية، أولاها الحماية من مصائب المستقبل، بالإضافة إلى العزوة، والانتماء، والأمان بشتى أنواعه الأماني النفسي والاجتماعي والعاطفي أيضاً، فترويها بحبها وحنانها فلا يبحث عن منفذ يفرغ فيه مشاعره المكبوتة بل يفرغها بعلاقته مع أشقائه وأهله، وأضاف أن لمة العيلة لها الكثير من الفوائد فعلى سبيل المثال لا الحصر قد تجد الفتيات في العائلة واللاتي مشى من أمامهنّ قطار العمر والزواج معاً شريكاً لحياتهن، فربما لو ظلت العائلات على ذات نهج الآباء والأجداد في الاجتماع لدى رب العائلة الكبيرة لتعارف الجميع في حدود العادات والتقاليد الاجتماعية وربما توافقت قلوب واجتمعت على الخير تستكمل مشوار حياة يبدأ على سنة الله ورسوله.