إهانات وشتائم، ضرب مبرح، اعتداءات جنسية، اغتصاب وقتل أشكال لنوع خاص من العنف قد تتعرض أم أو أب، إبنة أو ابن بات يجهد صداه داخل المجتمع، بشكل يجعلنا نطرح أكثر من سؤال حول هذا النوع من الجرائم التي قد يذهب ضحيتها بعض الأصول والفروع. ومهما كانت طبيعة الجريمة ضد أحد الأصول أو أحد الفروع، أو ضد شخص بعيد عن المحيط العائلي، لا بد من أن تخلف آثارا سلبية، وتحدث شرخا أو خللا في المنظومة الاجتماعية، وتحدث اضطرابا على السير العادي للحياة الاجتماعية والنفسية لمن كانوا ضحية هذا الفعل. هل هناك أسباب خاصة يمكن أن تقف وراء مثل هذه الجرائم؟ وهل هناك أسباب حاصة تقف ورا ءها ؟ هذه الأسلة وغيرها سنجاول الإجابة عنها من خلال الحوار التالي وعلى ضوء القضيتين التي نعرضهما كنموذج. أخي قتل والدتي أنا فتاة أبلغ من العمر 20 سنة، مستواي الدراسي السنة الثانية من التعليم الثانوي، لا عمل لي ولا معيل لي، الأمر الوحيد الذي أجيده هو التسكع طوال الوقت بين الدروب والشوراع، بحثا عن صديق يمنحني ثمن وجبة غداء أو أن يؤمن لي حاجتي من السجائر ... لم أختر أن ألج عالم الفوضى بإرادتي، بقدرما ما كتب علي هذا الأمر بهد أن فقدت والدتي في حادث بشعر ومقرف. تفاصيل هذا الحادث هي كالتالي: لي أخ يبلغ من العمر اليوم حوالي 33 سنة، لم أعرف لم يوما عملا قار، بل كل ما أعرفه عنه، أنه أمضى سنوات طوال من حياته متسكعا بالشوارع، يقتات مما يسرقه ويتعاطى لكل أنواع المخدرات " الحشيش، القرقوبي..." وعندما لم يمكن يجد ما يسرقه كان يطلب من والدتي أن تؤمن له كل حاجياته رغم إنها لم كانت تبدل جهدا كبيرا لتدبير أمور البيت، فقد كان والدتي المرحومة تعمل خادمة متنقلة بين البيوت في يوم من الأيام، لم تتمكن والدتي من تدبير مبلغ مالي طلبه منها أخي، وهذا الأمر أدخله في حالة هستيرية لا توصف، إذ كسر كل أثاث البيت، ولم يكنف بذلك بل أخذ يضرب والدتي بطريقة وحشية، كانت هذه المرة الأولى التي أرى فيها أخي في مثل هذه الحالة، لكنها لم تكن الأخيرة فقذ تكررت معه أكثر من مرة وفي كل مرة كانت والدتي تتعرض إلى أبشع الاهانات من طرفه بل كان يضربها، والمصيبة أنها لم تكن تأخد ضده الإجراءات المناسبة لأجل لرذعه، بل كانت تجتهد في كل مرة في تلبية طلباته. اجتهادها في تلبية طلباته، لم تحميها من جبروته إلى أن جاء اليوم الملعون الذي بلغت فيه هستيرية أخي أقصى درجتها، وأخذ في ممارسة ساديته على والدتي بطريقة وحشية، إذ لم يكتفي هذه المرة بضربها، بل طعنها عدة طعنتها بالسكين الذي دأب على استعماله للسرقة إلى أن فارقت الحياة. وأخي إدانته المحكمة ب 25 سنة سجنا، أما أنا فتحولت إلى جسد بلا روح، أمضي الوقت كله بين يدي من يعطف علي ويمنحني القدرة على نسيان كل تفاصيل حياتي البئيسة.أمال / الدار الببيضاء علي الشعباني : أستاذ باحث في علم الاجتماع جرائم الأصول أو الفروع تترك آثارا نفسية كبيرة ليس هناك تعريف خاص لجرائم الأصول والفروع في علم الاجتماع، ذلك لأن الجريمة لها تعريف واحد يتمثل في كل فعل أو اعتداء ، سواء تعلق الأمر الضرب والجرح والقتل أو الاغتصاب أو ممارسة العنف المادي أو المعنوي من طرف شخص أو عدة أشخاص ضد شخص أو أشخاص آخرين. هذا الفعل أو هذا الاعتداء يجرمه ويعاقب عليه القانون. وقد حددت القوانين الجنائية في كل المجتمعات الأفعال التي تدخل تحت طائلة الجريمة. والفعل الإجرامي قد يكون موجها ضد أشخاص من عامة الناس، كما يمكن أن يكون موجها ضد الأصول (الآباء والأجداد) والفروع ( الأبناء والأحفاد). والجريمة، سواء كانت ضد أحد الأصول أو أحد الفروع، أو ضد شخص بعيد عن المحيط العائلي، لا بد من أن تخلف آثارا سلبية ، وتحدث شرخا أو خللا في المنظومة الاجتماعية، وتحدث اضطرابا على السير العادي للحياة الاجتماعية لمن كانوا ضحية هذا الفعل. هذه الآثار قد لا تكون فقط على الصعيد الاجتماعي، بل على المستوى النفسي أيضا، لكل من سيلحقه ضرر جراء هذا الفعل. وهذه الأضرار قد تكون مادية أو معنوية أو اجتماعية. فكم من جرائم القتل مثلا، كانت سببا في تغيير وجهات الحياة العادية لأهل الضحية، وخاصة الأطفال الصغار. وكم من أسرة تشتت شملها نتيجة ارتكاب فعل إجرامي. أما عندما تكون هذه الجريمة ضد الأصول فذلك هول ما بعده هول وكارثة بكل المقاييس، قد تصيب العائلة المتضررة. فالمجتمع لا يستطيع تقبل مثل هذه الأفعال، ومن هنا جاء نبذها ورفضها اجتماعيا، والتشدد في عقوبتها في كل القوانين الجنائية عبر العالم، وفي كل التشريعات السماوية. ففي الوقت الذي يرفض فيه الإسلام مثلا مجرد قول " أف" للوالدين، لا يمكن أن يتساهل إطلاقا مع من يتجاوز هذا المستوى. فعقوق الوالدين مرفوض في الإسلام فبالأحرى الاعتداء عليهما بالضرب أو غيره. بصفة عامة، تتجه المحاولات السوسيولوجية التي تناولت الجريمة بالتحليل والدراسة، بالنظر إلى ظروف المجرم المعيشية والسكنية والعائلية وحتى البيئية، التي لا شك أنها تمارس ضغطا عليه. وهذا مما يجعل عادة من الجريمة جزءا من النظام الاجتماعي العام، بالنظر إلى بعض الدوافع الاجتماعية المحركة للفعل الإجرامي. فالجريمة من وجهة نظر علم الاجتماع، هي نتاج المجتمع والبيئة والمحيط الذي يلعب دورا مؤثرا في الشخص قبل وقوعه في الفعل الإجرامي.فعلى سيبل المثال، لا الحصر، نجد أن العائلة التي يسودها التوتر الشديد والعصبية الزائدة وانعدام التوافق الأسري، أو التفكك الأسري لسبب من الأسباب، كل ذلك يدفع إلى خلق أجواء تساعد الأفراد الذين يعيشون تحت هذه الظروف، إلى ارتكاب ما يخالف القانون والمجتمع، من سلوكات عنيفة وأفعال شريرة وارتكاب جرائم فظيعة.هذه الأجواء غير السليمة داخل المحيط العائلي والاجتماعي، الذي يعيش في ظله الفرد، هي التي تدفعه في الغالب، إلى ارتكاب الجريمة ضد أصوله أو فروعه أو ضد أي فرد آخر. قد تكون تلك هي مبرراته، ولكنها في الحقيقة ظروف مساعدة على اقتراف الجريمة، ومخالفة القوانين والعادات والتقاليد والأخلاق السائدة.كما تتوجه الدراسات السوسيولوجية للجريمة أيضا، إلى محولة رسم خريطة للإجرام في المجتمع، بالتركيز على الوسط الذي يكثر فيه الإجرام: في الوسط القروي أم في الوسط الحضري؟ في الأحياء الراقية للمدن أم بالأحياء الشعبية والهامشية، أم بأحياء الصفيح والسكن غير اللائق؟ من هي الشرائح الاجتماعية التي تفرز أكبر عدد من المجرمين والمنحرفين؟ ما هي نسبة المجرمين من الأطفال ومن الشباب ومن الكهول من الذكور ومن الإناث، من الأغنياء ومن الفقراء ومن المتمدرسين ومن غير المتمدرسين؟ كما تهتم هذه الدراسات بتحديد أصناف الجرائم: أي نوع من الجرائم الأكثر تكرارا في المجتمع وبين الأصول والفروع؟ هل جرائم العنف من ضرب وجرح وقتل، أم السرقة والاختلاس، أم جرائم الاغتصاب وهتك العرض؟ كل هذا يشكل مواضيع تثير الكثير من الاهتمام بين المشتغلين بعلم الاجتماع والجريمة في المجتمع المغربي والعالم.ولا يمكن أن يصدر فعل إجرامي عن شخص بدون سبب.إلا أنه ليس هناك سبب واحد، بل أسباب متعددة وأحيانا تكون هذه الأسباب متداخلة فيما بينها. ومن هذه الأسباب ما يلي:- الأسباب الاجتماعية: وقد أشرنا إلى بعضها في الفقرة السابقة، فالفرد أو الجماعة لا يعيشون في وسط منعزل، بل لا تستقيم الحياة إلا في وسط اجتماعي، قد يكون ضيقا كالأسرة، أو أكثر اتساعا كالحي أو القرية أو المدينة. وقد تكون لهذه الأوساط إكراهاتها وتحدياتها، قد لا يستطيع كل الناس التكيف والاندماج معها، أو قد تكون هناك ظروف نفسية أو اجتماعية أو غيرها لا تساعده على التكيف والاندماج، وبذلك قد يقع في المحظور اجتماعيا وقانونيا ودينيا وأخلاقيا، فيسقط في الجريمة. فالمجتمع، أي مجتمع، قد يساعد الإنسان على الاندماج والتكيف وملاءمة قيمه وتشريعاته وقد لا يساعد على ذلك. وهذه الحالة الأخيرة هي أقرب الطرق إلى الفعل الإجرامي. - الأسباب النفسية: دأب علماء النفس عادة إلى إرجاع السلوك الإجرامي لدى الأفراد، إلى حالة القلق النفسي والشعور بالعجز وتفاقم الإحساس بالكراهية والعدوان، وإلى الشعور بالاغتراب النفسي وانفصام الشخصية والحرمان من الدفء العاطفي، وعدم إشباع حاجياته العاطفية من الشعور بالحب والحنان والقبول. وهذه مجتمعة عوامل نفسية ذات أهمية قصوى تنشأ مع الفرد وتخلق لديه مجموعة من العقد النفسية تضخم لديه الرغبة في الانتقام والعدوان، دون تمييز بين من سيكون ضحية هذا الانتقام أو العدوان، سواء كانت الضحية من الأصول والفروع أو من ضحايا آخرين خارجين عن دائرة القرابة والنسب.- الأسباب الاقتصادية: هذه أيضا قد تكون وراء العديد من الأفعال والسلوكات الإجرامية. والعوامل الاقتصادية هي التي تكون وراء تفشي الفقر والعوز والحاجة بين كثير من شرائح وفئات المجتمع. وكلما توسعت هذه الشريحة الاجتماعية، كلما تضخمت غرائز وأحاسيس الانتقام عند بعض أعضاء هذه الشرائح. فالفقر والحاجة هما العاملان اللذان يدفعان قسرا الكثير من الناس إلى الهجرة نحو المدن، سعيا وراء وجود ظروف معيشية أحسن، وهما العاملان اللذان يجعلان الكثير من الأسر غير قادرين على تمدرس أبنائهم، وبالتالي جعل هؤلاء الأطفال عرضة للتشرد والانحراف.وتخلف المجتمع وعدم قدرته على بناء اقتصاد قوي يدفع الكثير من الطاقات والكفاءات إلى التعرض للبطالة. وكلما طالت مدتها كلما نما الإحساس بالإحباط والفشل وخيبة الأمل لدى الشخص العاطل. وإذا ما توازت هذه العوامل مع التفاوت الطبقي واتساع الفوارق الاجتماعية بين سكان المجتمع فستنضج مشاعر الإحساس بالظلم ويتولد الحقد والكراهية بين كثير من أفراد الطبقات والفئات الاجتماعية التي تعتبر نفسها ضحية هذه الفوارق الاجتماعية وضحايا إفلاس السياسة الاقتصادية في المجتمع.كما أن تراجع بعض مقومات المجتمع وأركانه من عادات وتقاليد وأعراف، مما قد يفقد المجتمع حصانته الثقافية والأخلاقية، وتهلهل قيمه وضوابطه. هذا بدون أن نغفل عما تقوم به وسائل الإعلام، خاصة منها المرئية، من أدوار مهددة للثقافة الوطنية وقيمه الدينية والأخلاقية. وما تبثه القنوات التلفزيونية من أفلام الرعب مثلا ، يكون كافيا بأن تصبح الجريمة سلوكا عاديا يسهل اقترافها ضد أي كان. محسن بن يشو : اختصاصي في الأمراض النفسية والعصبية والعقلية مرتكبي جرائم الأصول والفروع يعانون باضطرابات نفسية هناك مجموعة من الاضطرابات التي قد تصاحب حياة مرتكبي جرائم الأصول " الأبناء" أو الفروع " الآباء". فهؤلاء يتأثرون بالجانب السلبي للحياة الأسرية الميلئة بالصراعات والمشاكل الأبوية ومن بين هذه الاضطرابات نجد: الاكتئاب حالة مرضية منتشرة على نطاق واسع، وهو درجات خفيف ومتوسط وشديد. لكن مهما كانت درجته ومن الضروري أن نهتم بالعلاج في بداية المشكل كي لا يحدث تطور سلبي. ولكن للأسف ما نلاحظه أن عددا من الذين يعانون من الأعراض الاكتئابية يتعودون على التعايش مع المرض النفسي مهما كانت طبيعته لكن الحقيقة، إن المرض النفسي يجب أن يعالج وخاصة الاكتئاب لأن عواقبه كثيرة أخطرها الانتحار وسيطرة الأفكار السوداوية على الفرد المريض. كما أن عواقبه لا تمس الشخص المريض، فقط بل تمتد إلى محيطه فمريض الاكتئاب يتحول إلى إنسان يزعج الآخرين بتصرفاته وطباعه غير المفهومة ويصعب التعامل معها. - العصبية وحدة الطباع: يريد أن يحقق مطالبه بالقوة، ويكون متوترا بشكل يسبب إزعاجا كبيرا للمحيطين به. - تجدر الإشارة إلى أن كثيرا من الدراسات العلمية تشير إلى وجود علاقة قوية بين وظيفة الهرمونات الجنسية والتفاعل العاطفي بمعنى أن المستويات الهرمونية المرتفعة خلال هذه المرحلة تؤدي إلى تفاعلات مزاجية كبيرة على شكل غضب وإثارة وحدة طبع عند الذكور، وغضب واكتئاب عند الإناث. - الخجل والانطواء : فالتدليل الزائد والقسوة الزائدة يؤديان إلى شعور المراهق بالاعتماد على الآخرين في حل مشكلاته، لكن طبيعة المرحلة تتطلب منه أن يستقل عن الأسرة ويعتمد على نفسه.- تعطيل قدرات المراهق وطاقاته الإبداعية.- فقد القدرة على الانخراط في أنشطة المجتمع بصورة طبيعية.- عدم القدرة على التعامل مع التوترات والضغوط النفسية والاجتماعية. - ضعف القدرة على التركيز.- الإدمان على المخدرات والخمر.- الميل إلى العزلة بصورة مرضية.- الانقطاع عن الدراسة.