إن من تقوده الأقدار لإحدى محاكم الاستئناف (21) بالمغرب ليتابع إحدى جلسات غرفة من غرف الجنايات الابتدائية بها، المنعقدة على طول أيام الاسبوع، لابد له وأن تدور في رأسه بعض الاسئلة بخصوص ليس فقط كثرة الملفات المدرجة في كل جلسة والتي قد تفوق في معدلها اليومي أربعين ملفا وتصل في بعض الجلسات الى حوالي 65 ملفا جنائيا، ولكن كذلك بشأن نوعية الجرائم المرتكبة، وخطورتها، وشخصية بعض الجانحين، ومسار المسطرة والمحاكمة، كما يرى بعض رجالات القانون الحقوق، ونتائج الحكم على المدان والضحية والمجتمع، ليخلص لتحميل المسؤولية في واقع الجريمة اليوم وغدا للدولة التي لا تأخذ بعين الاعتبار آراء وملاحظات وتوصيات واقتراحات المخلصين من أبناء وبنات هذا الوطن، في هذا الميدان كما في غيره. واقع الجريمة اليوم معقد ،خاصة ما يمس منه الطفولة طفل اليوم، رجل الغد التي تتعرض باستمرار لاعتداءات جنسية كشفت لنا السينما العالمية عن مصير الضحايا. وحتى نشرككم معنا في هذه الوقفة التأملية بخصوص هذا الموضوع، ارتأينا أن نذكركم من خلال متابعتنا للملفات الجنائية منذ مارس 1985 حتى اليوم ببعض الملاحظات ونقدم لكم آراء رجال مارسوا القضاء (الجالس والواقف) بمحاكم الاستئناف، وبالغرف الجنائية ومحامين دافعوا عن متهمين أو ضحايا أمام الجنايات. تجدر الاشارة في البداية الى أنه خلال سنوات السبعينات لم تكن بعاصمة الشاوية محكمة للاستئناف وكان قليلا جدا ما تعقد جلسة للبت في ملف جنائي واحد يتعلق أساسا بإضرام النار في أرض مزروعة بالشعير أو القمح، أو بجريمة قتل بين بعض الجيران في نفس الدوار، أو بجريمة قتل من أجل السرقة. اليوم تعقد بمحكمة الاستئناف بسطات جلستان: واحدة لغرفة الجنايات الابتدائية بحوالي 45 ملفا، وأخرى لغرفة الجنايات الاستئنافية بنفس العدد وأقل بقليل. بباقي المدن الكبرى تُعقد جلسات يومية لغرف الجنايات بالإضافة لجلسة خاصة بجنايات الأطفال الجانحين. هذا ما يدفعنا الى السؤال عن أسباب كثرة الملفات الجنائية الخاصة بالاعتداءات الجنسية على الاطفال من الجنسين لنسجل الأجوبة التالية: 1 محام «... أعتقد أن الاسباب كثيرة ومتداخلة... منها ما يعود للأسرة، وللمجتمع، والسياسة التربوية والاعلامية (التلفزة البرابول والانترنيت) والجنائية، ومنها ما يعود للفرد....». 2 ممثل النياب العامة: «... من خلال تجربتي بغرفة الجنايات يمكن القول بأن العامل النفسي هو الدافع الاساسي الى الاعتداء الجنسي على الصغار من الجنسين ودون تمييز.... إن الجاني كثيرا ما يريد إخفاء ضعف ما قد يظهر أمام بالغ، لذلك فإنه يفجر مكبوتاته على الصغار مستغلا خوفهم... في الغالب يكون مريضا نفسانيا... هناك من يدفعه الخمر والمخدرات للاعتداء على قاصر... وهناك الجاني بالصدفة ويجب معاملة كل واحد حسب خطورته...». 3 القاضي الجنائي: «... أنت تعرف بحكم تواجدك اليومي معنا ان لهذا النوع من الجريمة، مثل غيره أسباب ودوافع مرتبطة بتربية الجاني أكثر من ثقافته ووضعه الاجتماعي، ذلك أن المعتدين على الاطفال بالخصوص لا يمكن القول إنهم ينتمون الى شريحة اجتماعية واحدة، بل على العكس يوجد من بينهم الجاهل والمتعلم الحاصل على شهادات جامعية، كلهم يخضعون لضغوطات في صغرهم قد تبرز في شكل اعتداء جنسي على الغير وخاصة على الصغار... بل الخطير في الامر ان بعضهم قد يتخطى كل الحدود العقلية ويمارس الجنس على أقرب المقربين إليه، بل وعلى المحرمين.... لقد مرت أمانا في غرف الجنايات قضايا لا يمكن أن يصدق العقل البشري أنها قد تقع في مجتمع مسلم منها الاعتداء على الأصول أو على الفروع: الأم والبنت والاخت ....». 1 محام: «.... أعتقد أنه رغم ما عرفه قانون المسطرة الجنائية من مراجعة مؤخرا فإن ذلك لم يتم في أفق تشديد العقوبة على الجاني المرتكب لجريمة هتك عرض أو اغتصاب قاصر يقل عمرها عن 18 سنة.... يمكنك الرجوع للفصول 487/486/485 و488 من القانون الجنائي لتجد ان العقوبة ليست قاسية مما يدفع بعض الجناة الى حالة العود... إن واجب الدولة ان تحمي مواطنيها الصالحين، والاطفال صالحون الى أن يثبت العكس... على الدولة تشديد العقوبة ضد كل أعداء الاطفال بدون أدنى استثناء...». 2 ممثل النيابة العامة: «.... لا أعتقد أن تشديد العقوبة سيحل المشكل بالنسبة للمجرمين المرضى نفسانيا وهم الاغلبية في نظري، اللهم إلا إذا كان الحل هو الاعدام بدل وضعهم في زنازن وإخضاعهم للعلاج النفسي الطويل الأمد... إننا نواجه عدة مشاكل عندما نستقبل مشتبها فيه بهتك عرض أو اغتصاب قاصر، خاصة واننا نكون أمام محضر منجز بدقة من طرف ضابط الشرطة القضائية محترف، لكنه قد لا يكون موضوعيا لكونه بشر... إننا نعيد الاستماع للأطراف، بل وقد نحيل الملف على قاض التحقيق إذا انتابتنا أدنى شكوك... إن سلطة المتابعة ليست سهلة... إننا ملزمون بتطبيق القانون، والنص واضح بالنسبة لهذه الجريمة، إننا نفكر أكثر لمصلحة الضحية الصغير أكثر مما نخمم للمشتبه فيه... إننا لا نقرر المتابعة إلا بعد الدراسة والاستشارة بين أعضاء النيابة العامة... إن هدفنا ليس هو «التغراق» كما يظن البعض خطأ ولكن حماية المجتمع...». 3 القاضي الجنائي: «... إن المواطنين، وخاصة آباء وأولياء الضحايا بصفة عامة والضحايا الاطفال بصفة خاصة يجهلون القانون رغم أنكم تنشرونه باستمرار مما يجعلهم يؤاخذوننا بخصوص الاحكام التي نصدرها ضد بعض الجناة... إننا مقيدون في إصدار أحكامنا بنصوص آمرة في القانون الجنائي تتعلق ب: تفريد العقاب (162/141). الأعذار القانونية (145/143). ظروف التخفيف (151/146). ظروف التشديد (153/152). حالة العود (160/154). اجتماع أسباب التخفيف والتشديد (161 و162) ونتمنى أن تعملوا على نشرها وإعادة نشرها مرارا عندما تتطرقون لنقل مجريات بعض المحاكمات حتى تساهموا في رفع الجهل القانوني الذي يعاني منه السواد الأعظم من الناس بمن فيهم المتعلمون...». داخل محكمة الاستئناف القطب الجنحي بالدار البيضاء وعلى هامش سريان جلستين لغرفتي الجنايات الابتدائية والاستئنافية أخذنا رأي أب متهم بهتك عرض قاصر، وأم القاصر فكان جوابهما كالتالي: أب المتهم «... القضية غير تصفية حساب بين لعيالات... كانت مرتي تخاصمات مع جارتها وتكرفسات عليها قدام الجيران... اليوم راها بغات تدخل ليا ولدي للحبس...». أم الطفلة: «.... هاد الناس ما قدهومش يضربونا حرشوا حتي اولادهم علينا... راهم باغين احكموا في الزنقة كلها... أنا صبرت لكن بنتي لا .خاصهم يترباو...». وأختم برأي مواطن بعد صدور الأحكام: «... أنا ماعجبونيش هاد الاحكام، واش التكرفيس على دري أو بنت عمرها ست سنوات إيحكموا على مولاه بأربع سنوات... ماشي معقول. خاصم الاعدام....». العقوبات المقررة في القانون الجنائي -الفصل 448 يعاقب بالحبس من سنتين الى خمس سنوات من هتك دون عنف أو حاول هتك عرض هتك قاصر تقل سنه عن ثمان عشرة (18) سنة أو عاجز أو معاق أو شخص معروف بضعف قواه العقلية سواء كان ذكرا أو أنثى..«. - الفصل 485: يعاقب بالسجن من 5 الى 10 سنوات من هتك أو حاول هتك عرض أي شخص ذكرا كان أو أنثى، مع استعمال العنف. غير أنه إذا كان المجني عليه طفلا تقل سنه عن 18 سنة أو كان عاجزا أو معاقا أو معروف بضعف قواه العقلية فإن الجاني يعاقب بالسجن من 10 الى 20 سنة». الفصل 486: الاغتصاب هو مواقعة رجل لامرأة بدون رضاها، ويعاقب عليه بالسجن من 5 الى 10 سنوات. غير أنه إذا كان سن المجني عليها تقل عن 18 سنة أو كانت عاجزة أو معاقة أو معروفة بضعف قواها العقلية أو حاملا، فإن الجاني يعاقب بالسجن من 10 الى 20 سنة«. - الفصلان 487 و488 يعاقبان على الاعتداءات الجنسية على الاطفال من طرف: أصول الضحية أو ممن لهم سلطة عليها أو وصيا عليها أو خادما بالأجرة عندها أو عند أحد الاشخاص السالف ذكرهم أو كان موظفا دينيا أو رئيسا دينيا، وكذلك أي شخص استعان في اعتدائه بشخص أو بعدة أشخاص، فإن العقوبة قد تصل ما بين 5 و30 سنة حسب كل حال مفصلة في هذين الفصلين.