يحسم الدكتور علي بن تميم في مقدمة هذا الكتاب الإجابة على التساؤل المشروع لأي قارئ عن عدالة الاختيار والتفضيل بين مئات المبدعات العربيات، عندما يقتصر متن الكتاب على "مائة مبدعة ومبدعة" بقوله إن الاختيارات الواردة في هذا الكتاب لا تدعي أفضلية لها على غيرها، ولا تقلل من أهمية مبدعات أخريات أو تشكك في قيمة إبداعهن، لكنها تأمل أن تكون حافزا لباحثين آخرين كي يقدموا اجتهادات ومختارات جديدة، تنظر من زوايا أخرى للمشهد الإبداعي النسائي. وعلى أهمية وموضوعية هذا التمهيد إلا أن التساؤل لن يخفت في صدر قارئ هذا الكتاب من دول المغرب العربي، عما إذا كانت تلك الدول لم تنجب من المبدعات ليكنَّ بقدر كاف في متن هذا المجلد التاريخي الفخم الذي يمتد على أكثر من 500 صفحة من القطع الكبير! لكن مثل هذا السؤال المشروع سينتاب أيضا القارئ الإماراتي نفسه والكتاب صادر عن مركز أبوظبي للغة العربية، ماذا عن ظبية خميس وهي روائية وشاعرة إماراتية أصدرت أكثر من عشرين كتابا! ألا يجدر أن تكون لها مساحة في هذا المتن؟ وإذا كان عليّ كعراقي فشعرت بألم القراءة عندما انتهيت من المتن دون أن أمر على سيدة زحل لطفية الدليمي أو سحر سردية ابتسام عبدالله وميسلون هادي! مهما يكن من أمر نحن أمام وثيقة تاريخية باهرة عن تأنيث ضمير اللغة وفق تعبير الدكتور عبدالله الغذامي في مستهل الكتاب. نكتشف أنه لو تسنى للمرأة الخليجية أن تسرد ولعها بالكتابة لكان لتاريخ هذه المنطقة الكثير مما يقوله! كما حصل مع سالمة بنت سعيد التي يمكن أن نضعها أول كاتبة خليجية تركت مذكراتها في نهاية القرن الثامن عشر. فهذه المرأة العُمانية المولودة في زنجبار عندما كانت تُحكم من قبل والدها سلطان عُمان وزنجبار سعيد البوسعيدي تركت لنا في كتابها "مذكرات أميرة عربية" سردا باهرا تدافع فيه عن الحياة في الشرق في عام 1886، بينما نجد أن خيرية السقاف هي أول امرأة سعودية تنشر مجموعة قصصية بعنوان "أن تبحر نحو الأبعاد"، كان ذلك عام 1982، وتلك لعمري مفارقة مريرة في كتابة المرأة الخليجية تتسع إلى ما يقرب من قرن كامل! فكيف لنا أن نسدها؟ ماذا لو استمرت المتوالية السردية للكاتبات العربيات منذ أن شرعت الأميرة سالمة بنت سعيد في كتابة مذكراتها وهي في سن الثلاثين؟ سنكتشف أيضا في هذا الكتاب أن مركز ثقل كتابة المرأة العربية كان في دمشقوبيروت وإلى حد ما القدس، وليس كما يريد مؤرخو الثقافة السائدة حصره قسرا في القاهرة. فمع مريانا مراش المولودة في حلب عام 1848 التي أسست صالونها الأدبي وتركت لنا مجموعة من الكتب التي وثقت تاريخ سوريا ونشرت القصائد والمقالات النقدية عن انحطاط المجتمع وانتقاد أحوال المرأة العربية، ثم زينب فواز المولودة في لبنان 1850 التي لقبت ب"درة الشرق" وتركت لنا رواية "حسن العواقب" وفريدة عطية المولودة في طرابلسلبنان 1867 بروايتها "بهجة المخدرات في فوائد علم البنات" ثم لبيبة هاشم المولودة في جبل لبنان 1880 وروايتها "قلب رجل" حتى الروائية اللبنانية عفيفة كرم المولودة عام 1883 وروايتها "بديعة وفؤاد"، وعنبرة سلام الخالدي المولودة في بيروت 1897، والتي التي تركت إرثا أدبيا تدعو به العرب للانفتاح على ثقافات الحضارات الأخرى، ثم السورية ماري عجمي المولودة عام 1888، والفلسطينية أسمى طوبي المولودة في الناصرة 1905، حيال كل هؤلاء الكاتبات من بلاد الشام توجد أيضا مي زيادة المصرية المولودة عام 1886 من أب لبناني وأم فلسطينية. ينتهي هذا المجلد بأصغر كاتبتين في متنه السورية شهلا العجيلي والعمانية جوخة الحارثي، ليفتح أفقا أوسع على مدونة المرأة العربية.