لا حديث للجالية المغربية بإيطاليا، في هذه الأيام إلا عن خبر قيام فتاة مغربية برفع دعوى قضائية ضد والديها، تتهمهما فيها بالتضييق عليها لرفضها الهوية المغربية العربية وتشبثها بالثقافة الغربية. أهمية وقيمة الخبر لا تنحصر فقط في غرابته بل كذلك في عكسه واقعا جديدا يعيشه مغاربة إيطاليا ومعهم أفراد الجاليات المسلمة الأخرى من الجيل الأول مع أبنائهم المزدادين بهذا البلد الأوربي، فقد أصبحوا غير قادرين على التأثير عليهم لتلقينهم ثقافة البلد الأم ليفرض عليهم المجتمع الإيطالي وقوانينه نمطا تربويا غربيا يصعب معه تنشئة جيل ثان بحمولة ثقافية عربية إسلامية. آباء في قفص الاتهام رفعت شابة مغربية تبلغ من العمر عشرين سنة لدى السلطات الإيطالية بمدينة ريدجو إيميليا في الأسبوع الماضي دعوى قضائية ضد والديها، بعد أن اتهمتهما بالتضييق عليها وضربها لكونها تتمتع بهوية وثقافة غربيتين. الشابة المغربية، المزدادة بإيطاليا والحاصلة على جنسيتها، كانت قد تقدمت قبل أيام بشكوى لدى الأجهزة الأمنية بمدينتها ريدجو إيميليا، في محاولة منها فرض الأمر الواقع على والديها اللذين كانا يطالبانها بالعودة إلى البيت وترك البيت الذي كانت تقيم فيه مع صديقة إيطالية من قريناتها. واتهمت الفتاة المغربية والديها بالضغط عليها لمنعها من ممارسة حرياتها داخل المجتمع الإيطالي وبمعارضتهما للأفكار والقيم الأوربية والغربية، مؤكدة أنهما كانا يضربانها ويوجهان إليها وابلا من الشتائم بسبب هويتها الغربية واندماجها داخل المجتمع الإيطالي. ولم تكتف الشابة مغربية الأصل بتقديم الشكوى لدى الأجهزة الأمنية بل تعدتها إلى رفع دعوى قضائية ضدهما بمحكمة المدينة التي ستنظر، عما قريب، في القضية وستضع مغربيين من الجيل الأول في قفص الاتهام، فقط لكونهما فشلا في إيصال الرسالة إلى ابنتهما التي أصبحت لا تعترف إلا بالغرب وبالثقافة الإيطالية، متجاهلة ثقافة وهوية الوالدين التي اعتبرتها متخلفة ولا يمكنها أن تستجيب لمتطلبات الحياة العصرية. وحسب عدد من وسائل الإعلام الإيطالية اليمينية التي استغلت الخبر لتبرز أن الجالية الإسلامية تضيق على أبنائها ولا ترغب في اندماجهم داخل المجتمع الإيطالي، فإن الفتاة مغربية الأصل كانت تعاني ولسنوات مما وصفته وسائل الإعلام نفسها بتسلط الأبوين المغربيين عليها لتنفجر في سن العشرين، مستنجدة بالقانون والقضاء الإيطاليين، مبرزة أن والديها رفضا إقامتها مع صديقة إيطالية في بيت لوحدهما، ورفضا بالتالي أن تخرج إلى العمل وأن ترتدي زيا غربيا يظهر مفاتنها. وأكدت بعض الجرائد المحلية بجهة إيميليا رومانيا أن الأبوين المغربيين كانا يرغمان ابنتهما، بالقوة وبالضرب والشتم، على إطاعتهما وعلى التخلي عن الهوية والثقافة الغربية التي تشبعت بها، مبرزة أنهما (الأبوين) يرفضان الاندماج لكونهما قادمين من ثقافة إسلامية وعربية. الجالية العربية الإسلامية، خصوصا المغربية منها، لم تجد إلا لغة الاستنكار وخيبة الأمل في تصرف الفتاة المغربية في حق والديها والتنديد باستغلال الإعلام واليمين الإيطالي للخبر، مؤكدة أن ذلك يبرز، من جهة، فشل الجيل الأول في تربية أبنائه ومنحه تفاصيل عن الثقافة العربية الإسلامية، ويبرز، من جهة أخرى، أن المجتمع الإيطالي وسياسييه ومثقفيه يرفضون شيئا اسمه الاندماج ولا يعترفون بالثقافات الأخرى التي جاءت بها الجاليات المهاجرة إلى المجتمع الإيطالي. مثل هذا الصراع بين الجيلين الأول والثاني للمهاجرين بإيطاليا، خصوصا المسلمين منهم، تكرر مرات ومرات بعدد من مدن الشمال الإيطالي، مثل مدينة روفيغو التي قام فيها مهاجر مغربي بقتل ابنته بعد أن ضربها بعصا على رأسها، لأنها رفضت الانصياع لأوامره وقررت الرحيل عن البيت صحبة صديقها الإيطالي الذي كانت تنوي العيش معه في بيت واحد. الأب حاول جاهدا إقناع ابنته، بكل الإمكانيات المتاحة له، بالعدول عن ذلك، ليجن جنونه في الأخير ويجلب عصا ويبدأ في ضربها بدون وعي على رأسها إلى أن حولها إلى جثة هامدة غارقة في الدماء قبل أن يسلم نفسه لرجال الكاربينيري. بمدينة بادوفا بشمال شرق إيطاليا، وقف مهاجر مغربي آخر في قفص الاتهام بمحكمة المدينة بعد أن اشتكته ابنته لدى رجال الكاربينيري واتهمته بضربها ومنعها من ممارسة حرياتها داخل المجتمع الإيطالي. المحكمة، وعقابا منها للمهاجر المغربي، قررت تسليم القاصر المغربية إلى مؤسسة تربوية مسيحية للتكفل بتربيتها. ودائما بشمال إيطاليا وبمدينة بريشيا، أقدم مهاجر باكستاني صحبة أخيه على قتل ابنته وتقطيع جثتها قبل دفنها في حديقة البيت، وذلك لاتخاذها قرارا بالزواج من إيطالي كانت تربطها به علاقة غرامية. الأب الذي ألقي عليه القبض صحبة أخيه، عم الضحية، لم يكن نادما على فعلته، وأكد أن بادرته كانت صائبة ومنعت من جلب العار إلى أسرته وعائلته. وبمدينة فيانزا، حوكم مهاجر مغربي لضربه ابنته البالغة من العمر 11 سنة والتي كانت غير قادرة على حفظ القرآن وعلى فهم التعاليم الإسلامية. وحسب مغاربة من سكان مدينة فيانزا، فإن تصرف الأب كان عاديا مع ابنته، لكن تقديم شكوى ضده من لدن بعض الإيطاليين ومن لدن خال الطفلة وتدخل الإعلام في القضية ضخما من حجمها ليحاكم الأب بسرعة ويحرم من ابنته. ضريبة الهجرة يجد عدد كبير من أفراد الجالية الإسلامية المقيمين بإيطاليا مشاكل كبيرة في تربية أبنائهم المولودين بهذا البلد الأوربي، فمنهم من يحاول جاهدا توفير كل الظروف لتلقين أبنائه ثقافة البلد الأصلي والتعاليم الإسلامية، ومنهم من يرى أن إرسال الأبناء لقضاء العطل الصيفية كل سنة بالبلد الأصلي كفيل بمنحهم مناعة ضد شوائب الثقافة الغربية، ومنهم من يعتبر أن الظروف هي التي تتحكم في تربية الأبناء، لكن الكل يجمع على أن هناك عراقيل وموانع تحول دون إيصال رسالة الجيل الأول إلى الجيل الثاني. «أنا أحاول بكل ما أوتيت من قوة تربية أبنائي على الطريقة المغربية والإسلامية، فأنا وزوجتي نتحدث معهم بالبيت بالدارجة المغربية وأبعثهم لتعلم اللغة العربية بالمسجد ونقوم بكل ما في وسعنا لفهم مشاكلهم والاقتراب أكثر منهم حتى لا يصبحوا مادة خاما في يد آلة التعليم والمجتمع الإيطاليين»، كان حميد يتحدث عن تربية أبنائه معبرا في الوقت نفسه عن تخوف دفين على مستقبلهم بإيطاليا. وأضاف: «أنا أعرف جيدا أن المدرسة والمجتمع والإعلام الإيطالي أقوى بكثير من السويعات التي أمنحها أنا وزوجتي لأبنائي، لكنني لن أفقد الأمل وسأوصل تربية أبنائي وكما أريد». محمد.م، 38 سنة، مقيم بتورينو، يرى أن الرضوخ للأمر الواقع في تربية الأبناء هو الأصح، مبرزا أن الهجرة إلى ديار غير إسلامية لها ثمن وضريبة غالية تكون دائما على حساب الهوية والدين. وقال: «كيف يمكن تربية الأبناء على الطريقة الإسلامية وتلقينهم تفاصيل عن هوية البلد الأصلي، في ظل انبهارهم بالغرب وثقافته والحرية التي يعيشون في ظلها، فهم عند عودتهم إلى البلد الأصلي في ايام العطل يكتشفون، بشكل سريع، أن نموذجنا التربوي والاجتماعي فاشل وأننا لا نتمتع بحريات شخصية كبيرة، لهذا فمن حقهم اتباع النموذج الواضح أمامهم والذي يعيشون فيه بشكل يومي». رأي آخر كان لهشام المتزوج من إيطالية، الذي فضل أن يربي أبناءه على الطريقة الإيطالية، مؤكدا أنها أفضل من الطريقة المغربية وقال: «هل لدينا نحن المغاربة نموذج تربوي؟... لا أظن ذلك، فنحن مجتمع يعيش تناقضات حادة وخطيرة، فنحن أصبحنا لا غربيين ولا مسلمين ولا حتى مغاربة في بعض الأحيان، فعندما أعود إلى المغرب ألامس هذا التناقض الحاد لدى عدد من أبناء وطني، خصوصا شبابه الذي أصبح تائها يبحث عن هوية، فهو تارة في المساجد وتارة أخرى بالملاهي الليلية، يصدق مرة ويكذب ألف مرة، يستمع إلى القرآن ويشاهد أفلام خليعة... هذا ناهيك عن تباهي البعض بالحديث باللغة الفرنسية وآخرين بالإنجليزية والإسبانية... في الحقيقة، أفضل ألف مرة تربية أبنائي بمجتمع غربي على تربيتهم في المغرب أو مجتمع عربي يعتقد أنه إسلامي مائة في المائة، وذلك حتى لا يصابوا بانفصام في الشخصية». أفكار هشام لم تكن هي نفسها التي عبر عنها المواطن المصري جمال، 34 سنة، الذي أوضح أن الغرب وإعلامه وسياسييه يخشون من صحوة إسلامية تنطلق من مجتمعاتهم، مؤكدا أنهم اتخذوا تدابير صارمة تمنع الجاليات الإسلامية المقيمة بالغرب، وبإيطاليا بشكل خاص، من تربية أبنائها على الطريقة الإسلامية المحافظة وقال: «بإيطاليا يحارب السياسيون اليمينيون إنشاء مدارس خاصة لتعليم أبناء المسلمين تعاليم ديننا الحنيف ويتخذون إجراءات تسير عكس هذا الاتجاه، مثل إغلاقهم مدرسة فيا كورانتا بمدينة ميلانو وعرقلة فتح أبوابها رغم أن هناك مدارس أمريكية وفرنسية وإسبانية خاصة تفتح أبوابها في وجه العموم بدون مشاكل، لهذا يجب توحيد صف مسلمي إيطاليا للمطالبة بالترخيص للجالية الإسلامية بفتح مدارس لتعليم اللغة العربية وأصول ديننا الحنيف... فرغم أن هناك محاولات مصرية ومغربية لإرسال مدرسين إلى إيطاليا لتلقين أبنائنا اللغة العربية فإنها تبقى غير جادة لأن الهدف منها يبقى إعلاميا وليس ربط الجالية بثقافتها ودينها». حيرة الجيل الثاني «أنا لا تعجبني ثقافتهم ولا دينهم، فهم أناس متخلفون ولا يعرفون شيئا اسمه حضارة» كانت هذه كلمات في حق المغاربة والعرب والمسلمين صادرة عن شابة من أصول مغربية، تدعى نورا أميلي، تعمل بإحدى البرامج التلفزية الاستعراضية الإيطالية «لابوبا إي إلسيكيوني» (الجملية والغبي) كفتاة شبه عارية لإثارة المشاهد الإيطالي. كانت تفتخر بكونها من أم إيطالية وبكونها تنتمي إلى إيطاليا كبلد للحرية مكنها من الوصول إلى مجد ارتداء ملابس شفافة لإظهار مفاتنها أمام عدسات كاميرات قنوات ميديا سات وعرض جسمها العاري على عدسات المصورين الفوتوغرافيين، معتبرة ذلك فنا راقيا لا تفهمه المجتمعات المتخلفة. رأي نورا كان يتكرر لدى عدد من أبناء الجيل الثاني من مغاربة إيطاليا، الذين أصبح عدد كبير منهم لا تربطه بالثقافة المغربية أو العربية الإسلامية إلا الاسم وعلاقاته الأسرية والعائلية، فغالبيتهم في بعض الأحيان يحاولون جاهدين إخفاء أصولهم بشتى الطرق حتى لا يتم وصفهم أو تلقيبهم باسم «ماروكينو» الذي يحرجهم بشكل كبير ويحسسهم بأنهم مواطنون إيطاليون من الدرجة الثانية. لكن هذا لا يمنع من القول بأن هناك نسبة مهمة من أبناء الجيل الثاني أخذت مبادرة التشبث بثقافة وهوية الآباء كردة فعل منهم على رفض المجتمع الإيطالي لعملية اندماجهم داخله وعلى تحسيسهم من قبل بعض العنصريين الإيطاليين بأنهم مهما فعلوا سيظلون أجانب أو مواطنين إيطاليين من الدرجة الثانية. بمدينة تريفيزو بشمال شرق إيطاليا أنشأ عدد من أبناء الجالية المزدادين بإيطاليا جمعية أطلقوا عليها اسم الجيل الثاني، وذلك للدفاع عن حقوق آبائهم وحقوق الجيل الأول من المهاجرين في التعبير عن وجودهم داخل المجتمع الإيطالي، فكانت أول بادرة اتخذتها الجمعية هي المطالبة بمكان لتمكين مسلمي المدينة من تأدية شعائرهم الدينية، لكن رفض البلدية لهذا المطلب عجل بخروجهم إلى الشوارع للتظاهر من أجل المطالبة بهذا الحق، حاملين أعلاما إيطالية ليؤكدوا للجميع أنهم إيطاليون بهوية إسلامية وثقافة مغربية عربية.