تشكل المكتبة العالمية لوكالة بيت مال القدس الشريف، التي يوجد مقرها بالرباط، آلية من آليات عمل الوكالة لحفظ وصيانة هوية وذاكرة القدس والمقدسيين التاريخية والثقافية والحضارية، ونقشها في الوجدان العربي باعتبارها جزءا لا يتجزأ من كيان الأمة العربية والإسلامية. فإنشاء هذه المكتبة هو في حد ذاته مشروع لحماية القدس الشريف، زهرة المدائن العربية، تاريخا وحضارة وهوية، حيث الحفاظ على التراث العلمي والثقافي والفكري أضحى أداة أساسية لمواجهة كل المحاولات الرامية إلى طمس المعالم الحضارية والثقافية والعمرانية لإحدى أعظم المقدسات الإسلامية. وفي هذا السياق، أكد المدير العام لوكالة بيت مال القدس الشريف، السيد عبد الكبير العلوي المدغري أن "مدينة القدس ليست صورة جامدة لواقعه الأليم ولكنها رمز لحضارة حية وثقافة ذات إشعاع ونضال عبر العصور والأجيال من أجل الحق والكرامة". وأضاف السيد العلوي المدغري، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن "الكتب والوثائق والخرائط اهتمت بهذه المسيرة عبر العصور والأجيال وسجلت الوقائع والأحداث بشكل لا تستطيع إسرائيل أو غيرها أن تطمسه". فإلى جانب عملها الميداني الدؤوب في خدمة القدس والمقدسيين، تنفيذا للتعليمات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس رئيس لجنة القدس، الذي أعطي دفعة قوية للوكالة بفضل إشراف جلالته المباشر على عملها وبفعل دعمه المادي المستمر لأنشطة وكالة بيت مال القدس لفائدة مدينة القدس وسكانها على المستويات الصحية والثقافية والرياضية والاجتماعية والسكن، حرصت هذه المؤسسة على نهج استراتيجية واضحة المعالم تقوم على حفظ الذاكرة المقدسية وطابعها الثقافي العربي والإسلامي. من هذا المنظور، ووعيا من وكالة بيت مال القدس الشريف بخطورة غياب مكتبة متخصصة للقدس الشريف وحرصا منها على الوقوف بقوة في وجه المشاريع الاسرائيلية الرامية إلى تهويد القدس وسعيا منها لتوفير قاعدة مرجعية لمعلومات حول بيت المقدس أحدثت هذه المكتبة لتكون منارة شامخة ومعلمة من معالم الصمود في وجه عاديات الزمن. ولتحقيق هذه الغاية حددت الوكالة أهدافا استراتيجية تقوم عليها هذه المكتبة من توفير قاعدة علمية شاملة وقوية للمعلومات الصحيحة حول القدس الشريف وتقديمها للباحثين باستخدام كافة الوسائل المتقدمة بنقل المعلومات والمعارف، والمساهمة في صيانة التراث العالمي الفكري والثقافي والعلمي للقدس الشريف وتحقيقه وتكشيفه وفهرسته وتيسير نشره بمختلف الوسائل الحديثة وأدوات الاتصال المعرفي الحديثة المتطورة. هذا إلى جانب تقديم الخدمات المكتبية والمعلوماتية المختلفة للمجتمع العالمي وخاصة منه المجتمع الأكاديمي وفق طرق علمية موثوقة وأدوات اتصال سريعة وتقديم أفضل التسهيلات والوسائل المساعدة للمطالعة والدراسة والبحث العلمي. وتتوزع مصادر هذه المكتبة، التي ستضم حوالي ثلاثة آلاف كتاب باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية، بين علوم التاريخ والأديان والأوقاف والمقدسات وبين علم الخرائط واللوحات والجغرافيا والمجلات والجرائد والدوريات والقواميس والمعاجم والموسوعات. إن هذا التراث الغني- يؤكد السيد العلوي المدغري-والذي يمتد إلى عصرنا الحاضر، هو ما تحاول المكتبة العالمية لوكالة بيت مال القدس الشريف أن تجمعه بين رفوفها وتحافظ عليه وتقدمه للباحثين والقراء. ولتوفير كل ما يلزم للمكتبة وتزويدها بأمهات المصادر والمراجع تعمل وكالة بيت مال القدس الشريف على منهجية حديثة تقوم على رصد كل ما ينشر حول القدس الشريف واقتناء نسخ منه وفهرسته وتكشيفه، إلى جانب اقتناء الكتب والمراجع والدوريات والوسائط الإعلامية وقواعد البيانات المعرفية وتبادل الخبرات والتعاون مع كبرى المكتبات والمراكز المتخصصة في هذا الشأن. ووعيا من الوكالة بأهمية تكنولوجيا المعلومات في إنشاء وتطوير المكتبات ستعمل على اقتناء برنامج معلوماتي متطور لإدارة المكتبة العالمية للقدس الشريف وتعزيزها بأجهزة حواسيب متقدمة لاستيعاب قواعد البيانات وإنشاء شبكة تواصل مع أجهزة المعلوميات الداخلية وخدمات الانترنت. كما ستعمل المكتبة اقتناء أجهزة سكانير متطورة وسريعة للتصوير الالكتروني للوثائق والمستندات مع اقتناء أجهزة بث الصورة وتحويلها إلى وسائط متعددة لتنويع الخدمات وتوسيع دائرة التعريف والعرض. إن وكالة بيت مال القدس الشريف تعمل جاهدة - يقول مديرها العام - على وضع اللمسات الأخيرة لهذا الصرح الثقافي، فمنذ أن أعطى صاحب الجلالة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس الانطلاقة لهذه المكتبة في فاتح مارس 2007 والوكالة تسهر على إخراج هذا المشروع البناء إلى حيز الوجود. وأكد السيد عبد الكبير العلوي المدغري أن هذا المشروع قطع مراحل مهمة وسيتم افتتاحه قريبا بأول اجتماع للهيئة العلمية للمكتبة.