في الوقت الذي كانت تجري فيه الاستعدادات لتنظيم المهرجان الدولي للفيلم في طبعته التاسعة الماضية ، تفاجئ المهتمون بالشأن السينمائي بمدينة مراكش بإغلاق سينما الريف الكائنة بالوحدة الثانية بالحي المحمدي ( الداوديات) أبوابها أمام زبائنها دون سابق إشعار، حيث دفعت حالة الإغلاق هذه إلى وضع العديد من الأسئلة ودواعيها، فهل الأمر يتعلق بمجرد إجراء إصلاحات داخلية ؟ أم أن نشوب الصراع بين الورثة المالكين للقاعة هو من عجل بهذا القرار الذي تزامن مع احتضان مدينة مراكش للمهرجان العالمي للفيلم؟ أم أن خصاصا ماديا عجلت بأصحاب سينما ( الريف) إغلاقها، كما هو الحال للقاعات سينمائية أخرى بالمدينة الحمراء؟ وقبل الخوض في الأسباب الحقيقية التي أدت إلى إغلاق سينما ( الريف ) ، لابأس أن نسترجع معا أرقام دراسة سابقة قامت بها شركة ( ميديا سكان) بتكليف من المركز السينمائي المغربي بكلفة بلغت 150 مليون سنتيم، حول إمكانية تسويق قاعات متعددة المرافق ، وهي الدراسة التي كشفت بالأرقام تراجع عدد القاعات السينمائية، والتي أرجعها التقرير لعدة أسباب ، حيث قرنت نتائج الدراسة تراجع القاعات السينمائية بالخطير، حيث كشفت أن عددها بلغ سنة 1980 في 250 قاعة بالمغرب بمعدل 45 مليون وافد، وتراجع سنة 2004 بعد إغلاق 4 قاعات وفي سنة 2005 شهدت إغلاق 15 قاعة وفي سنة 2007 تم إغلاق 26 قاعة بمعدل 3 ملايين وافد، وفي سنة 2009 أصبح المغرب يتوفر على أقل من 70 قاعة سينمائية. من هنا يمكن وصف حالة القاعات السينمائية بالمزرية، تراجع بين في عدد القاعات وفي عدد الوافدين، وهذا كله له مرجع منطقي وأسباب سيوسيوثقافية لوافدي ورواد هذه القاعات السينمائية، والسينما ( الريف ) لا تخرج عن هذا النطاق،فروادها هم فئة اجتماعية بسيطة ، حيث تحولت إلى ما يشبه ( الوكر) ، وهي النقطة التي تطرق لها التقرير المذكور، الذي أبرز إلى عدة مؤشرات أساسية ، من بينها المكون المجتمعي، إذ إن القاعات تشهد سلوكات لا تليق بالفن السابع. بالإضافة أن سينما ( الريف) أصبحت تحتضن رواد ( يشترون الظلام) لممارسة كل أنواع المبيقات وشرب المخدرات، مقابل 15 درهما طيلة 6 ساعات. انطلاقا من هذه الصورة القاتمة، بدأت سينما الريف تفقد بريقها وتاريخها، فتقلصت معها المداخيل المالية، وتحولت قاعتها من شاشة خاصة بالأفلام السينمائية، إلى شاشة لنقل مباريات كرة القدم خاصة البطولة الإسبانية وعصبة الأبطال الأوربية، من أجل استقطاب رواد آخرين يوفرون مصاريف القاعة، وهذا ينطبق حتى على سينما مبروكة والمسيرة ، التي إلتجئت إداراتها على برمجة مباريات كرة القدم من أجل خلق توازن مالي. من جهة أخرى، يبقى موضوع صراع الورثة، مطروحا بقوة ، مادام أن قاعة سينما (الريف) لم تعد تجني أموالا لأصحابها وللعاملين بها، مع العلم أن وجودها الجغرافي في موقع استراتيجي ، سينجح أي مشروع تجاري بهذا الموقع، وأن مدخول شهر من مداخيل تجارة معينة بهذا الموقع يوازي مدخول سنة من إرادات العروض السينمائية بهذه القاعة. وهو حق مشروع للورثة، إذا كان المركز السينمائي المغربي لا يواكب حل المشاكل المالية التي تتخبط فيها القاعات السينمائية، إلى جانب مندوبية وزارة الثقافة والمجلس الجماعي للمدينة.