تعتبر الحياة الانسانية، النواة الأساسية التي تحيط بها مجموعة من المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية يعبر عنها في قالب خدماتي عهدت مهمة القيام بها الى المرافق العامة. ان المتأمل في واقع الخدمات الانسانية على المستوى العالمي، لتستوقفه مجموعة من المحطات التي مرت بها هاته الأخيرة والتي نجدها تربط في كنهها بين الماضي، الحاضر والمستقبل من جهةوبين تحديات العولمة المفرطة المرتبطة بالتطور التكنلوجي الذي أغدى العالم كقرية صغيرة من جهة أخرى، الشيء الذي يفسر لنا بأن الحياة الانسانية تتأثر في جوهرها بمجموعة من المتغيرات منها ما هو داخلي كالتزايد الديمغرافي وماهو خارجي كالقضايا المرتبطة بالاستيراد والتصدير وغيره. لقد سعت مجموعة من الدول التي تعد اليوم من بين الدول المتقدمة كالولايات المتحدةالأمريكية والاتحاد الأوربي الى نهج مجموعة من الاستراتيجيات الخدماتية المهتمة بخدمة احتياجات الانسان بمختلف تجلياتها ،تم التعبير عنها من خلال سياسات تنموية كللتبإنشاء أقطاب قطاعية متعددة الاختصاص تم مدها بمختلف الموارد المالية ،البشرية واللوجستية ،الكفيلة بضمان قيامها بالمهام الموكلة اليها واخراجها في قالب انساني يضع نصب عينيه الاستجابة لاحتياجات المواطنين بشكل يوازن بين الخدمات وجودتها، كل هذا نجده قد انعكس ايجابا على مستوى معيشة الفرد والجماعة من جهة وتقدم مستوى تفكيرها من جهة أخرى، الأمر الذي ساهم في ميلاد منظومتين دوليتين تختلفان في مستوييهما الاقتصادي والاجتماعي، مما ترتب عنه بروز دول الشمال المتقدمة ودول الجنوب النامية أو السائرة في طريق النمو. لقد حرص المغرب ومنذ حصوله على الاستقلال ،على ارساء دعائم دولة المؤسسات التي عهد اليها ومنذ ميلاد أول دستور للمملكة لسنة 1962 وكذا تعاقب الحكومات بمهمة تقديم خدمات مرفقية تتعلق بالمعيش اليومي للمواطن كالتعليم الصحة التشغيل والسكن، الأمر الذي تطلب انشاء مجموعة من المؤسسات المرفقية التي عهد اليها بمهمة الاستجابة لاحتياجات المواطن، ومن هذا المنطلق تم التدشين لانطلاق مجموعة من الأوراش التنموية الكبرى والتي لا يمكن لأحد أن يجادل في نتائجها الايجابية ان على مستوى معيشة الفرد أو الجماعة ،غير أنه ومع التطور الذي طرأ على الحياة الانسانية المرتبطة بطبيعة الحال بالمنظومة الدولية، أصبحت مجموعة من القطاعات الخدماتية تعاني من مجموعة من المشاكل التي حدت من جودة وفعالية خدماتها، والتي نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر : _ استمرار العمل بالنظرة المرفقة الأحادية في التعاطي مع الخدمات المرفقية ; _ ضعف في الموارد البشرية المالية واللوجستية المرفقية ; _ اعتماد مناهج استراتيجية لا تستجيب البتة لتطلعات مواطني عصر العولمة من جهة بل ولا تخضع لعمليات التقييم في أغلب الأحيان ان لم نقل كلها من جهة أخرى،الأمر الذي انعكس سلبا على مستوى جودة الخدمات المرفقية المرجو تقديمها ; _ طغيان أسلوب الشخصنة المرفقية داخل مجموعة من المرافق الخدماتية التي مازال يديرها مسؤولون سهروا ولزمن طويل على تسييرها، مما يضرب عرض الحائط بمبدأ التداول على المسؤولية الادارية الدستوري ويعمل على تكريس مبدأ الشخصنة التقليدية ،ولا أدل على ذلك من أن قرارات بعضهم لا تنم في أغلبها عن نهج المقاربة التشاركية في التعاطي مع الملفات الخدماتية التي أصبحت تتعقد يوما بعد يوم; _ هزالة المخصصات المالية المرصودة من داخل الميزانية العامة للدولة لضمان حسن تدبير الخدمات المرفقية ،الأمر الذي لطالما انعكس على ترتيب المغرب العالمي ولا أدل على ذلك من التقرير الأخير للبنك الدولي الذي رصد لنا مجموعة من الاختلالات التي لازالت تؤثر على أهم شريحة ببلادنا الا وهي شريحة الشباب ،هذا الأخير الذي لطالما تم استغلاله من طرف الدول المتقدمة في بناء ترساناتها الاقتصادية الاجتماعية ولمالا السياسية،هذا اذا ما علمنا بأن مجموعة من المثقفين المغاربة أصبحوا يشغلون مناصب جد مهمة ببلدان المهجر كبرلمانيين في البرلمان في مجموعة من البرلمانات الأوربية الخ …… ان المغرب وأسوة بالدول المتقدمة، سعا الى اعتماد مجموعة من الوسائل المرفقية الخدماتية الحديثة المرتبطة بطبيعة الحال بحدود امكانياته، الا أن استفحال ظاهرتي البطيء والروتين المرفقيين لا زالتا تؤثران على سرعة وجودة الخدمات المرفقية ،الأمر الذي يمكن ايعازه بالأساس الى استمرار العمل بالنظرة الأحادية الضيقة في مسألة التعاطي مع انتاج الخدمات المرجوة من وراء انشاء المرفق، ومن هنا فالمشكل ليسا ماليا بالدرجة الأولى ولكنه مرتبط بمشاكل تدبيرية لا زالت تنخر الجسم المرفقي الى يومنا هذا، ذلك أن وضع استراتيجية تمتاز بالجمود لا يخدم البتة مصالح التنمية، هذا اذا ما علمنابأن مجموعة من القطاعات لطالما اعتمدت على استقدام سياسات قطاعية من الخارج الأمر الذي لم يساهم في الدفع بعجلة التنمية بل على العكس أدى الى تدهورها وتراجع أرقامها ،وبالتالي فلا الاستراتيجية الفرنسية |أو الأمريكية ولا الألمانية هي السبيل لتحقيق أعلى نسب للتقدم الاقتصادي والاجتماعي المغربي. لا لشيء الا لأن هذه التجارب لتعبر عن رغبات مواطنيها لا غير، مما يمكن تفسيره بأن المغرب محتاج الى ابتكار فلسفة استراتيجية مرفقية على الطريقة المغربية،لا لشيء الا لأن بلادنا وكغيرها من الدول محكومة بمجموعة من الخصوصيات و التقاليد المعبر عنها في أنماط عيش لا يمكن للتنمية أن تتحقق في معزل عنها هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد أصبحت النظرة المرفقية الأحادية متجاوزة في مجتمعات تطمح الى التغيير الجذري لمستوى عيشها، وبالتالي فالمقاربة المرفقية التشاركية أصبحت تفرض نفسها وبإلحاح، الأمر الذي لا يمكن أن يمكننا الوصول الى تحقيقه الا بإحداث مجمعات مرفقية متعددة التخصصات توحد بين جميع القطاعات مما سيكرس لميلاد أسلوب الشباك الوحيد المرفقي الخدماتي من جهة وسيساهم في ترشيد نفقات الدولة من جهة أخرى، كما أنه لا بد من ضمان اشراك فعلي وفعال لشريحة الشباب الذي يعد ثروة حقيقية يزخر بها المغرب في صنع القرار المرفقي، وبالتالي وسعيا لتحقيق أهداف التنمية فالدعوة موجهة الى كل الفاعلين في حقل التنمية المغربية الى تكريس مبدأ المساواة الدستوري في تقلد المناصب السامية واعطاء الشباب فرصته لكي يبدع ربيعه، ذلك أن تضمين شروط مجحفة لقرارات الاعلان عن الترشح لمثل هاته المناصب ليضيع على بلادنا الاستفادة من طاقات شابة لها من الامكانات ما يؤهلها لتدبير المرافق الخدماتية يزاوج بين الواقع المغربي ومتطلبات العولمة. انطلاقا من منطوق الدستور الاستراتيجي المواطن لسنة 2011الذي كرس للشباب موقعه معتبرا اياه نواة أساسية لتحقيق مسلسل التنمية ، فان مغرب ما بعد الربيع الديمقراطي مطالب بتسهيل ولوج هاته الشريحة لمناصب المسؤولية لتقول كلمتها في مجالات التنمية المغربية.