تعتمد الحياة الإنسانية في تدبير أمورها اليومية على مجموعة المرافق العامة التي أنشأتها الدولة بهدف تقديم الخدمة المتطلبة من قبل المترفقين بها, هذا وتجدر الإشارة إلى أن وحدات المرفق العمومي مرتبطة بصفة مباشرة وغير مباشرة بمجموعة من المتغيرات التي تتحكم في المنظومة البشرية والمتمثلة أساسا في: - النمو الديمغرافي المتزايد ; - المستوى التعلي - المستوى الصحي; - مستوى العدالة والقضاء; - مستوى الخدمات المقدمة بين القرية والمدينة; - التطور الاقتصادي التقني والتكنلوجي; - تحديات العولمة المفرطة الخ... لقد عملت معظم الدول المتقدمة على إدخال مجموعة من الآليات الكفيلة بتحسين جودة الخدمات المقدمة من طرف مرافقها الإدارية , هذه الأخيرة التي نجدها قد وضعت في صلب اهتماماتها خدمة المواطن أولا , الشيء الذي يستشف من خلال اعتمادها لأسلوب جديد في التعاطي مع قضايا المواطنين والذي اصطلح على تسميته بالأنسنة الخدماتية , الذي يعتبر مبدءا أساسيا من مبادئ الحكامة الإدارية المرفقية. يمكن تعريف الأنسنة الخدماتية بأنها : " مجموعة من الوسائل الاجتماعية التي تتقاطع فيها جملة من الأبعاد النفسية الاقتصادية والسوسيولوجية, والتي يتم توظيفها بهدف التخفيف من حدة المشاكل اليومية للمواطنين ومن ثمة تقديم الخدمات المطلوبة من قبلهم في قالب يحترم آدميتهم". لقد أجمع مجموعة من المفكرين والباحثين الأكاديميين في الحقل الاجتماعي , على أن أنسنة الخدمة المرفقية لها وقع ايجابي بنسبة 80 في المائة على نفسية المرتفقين من جهة وجودة الخدمة من جهة أخرى , مما يمكن تفسيره بالجودة العالية للخدمة الأوربية الأمريكية الكندية واليابانية وخاصة في المجالات اللصيقة بالمعيشة اليومية للمواطنين كالصحة التعليم والعدل. لقد عملت ثلة من الدول المتقدمة على الاهتمام بعدة جوانب , جعلت من مستوى الخدمة المرفقية أمرا سهل المنال يعامل فيه الجميع على قدم المساواة , ومن بين هذه الآليات التي تم اعتمادها نذكر على سبيل المثال لا الحصر. خلق وحدات القرب المتعلقة بالمساعدة الاجتماعية الآنية, مما ساعد في القضاء على المشاكل المرتبطة بالاكتضاض الخدماتي و انعكس وبشكل ايجابي على معيار التوجيه الذي يعد النواة الحقيقية للخدمة المرفقية ; - تبسيط المساطر الإدارية , إلى حد يسهل معه الولوج إلى الخدمة المطلوبة مما يمكن إرجاعه إلى الاعتماد على مبادئ التدبير الاستراتيجي الخاص كالسرعة في الاستجابة للخدمة ومراعاة الحالة الاجتماعية الصحية والقانونية للمرتفق مثل تخصيص أماكن للأطفال , العجزة المسنين والحوامل الخ..; - تكوين أطر مختصة في المساعدة الاجتماعية, وذلك من أجل العناية التامة عن قرب بمتطلبات المواطن; - الاعتماد على مفهوم الإدارة المواطنة, باعتباره مبدءا أساسيا من أجل ضمان حسن سير خدمات المرفق, هذا بالإضافة إلى كونه رمزا واضحا على حس الانتماء الوطني الخ... كما أنه وعلى غرار ما تقوم به الدول السائرة في طريق النمو , يعد المغرب من بين الدول التي لازالت تعاني من مشكل أنسنة الخدمات وخاصة في شقها المتعلق بالقطاعات الاجتماعية الحيوية : كالصحة التعليم والعدل , كل هذا يمكن إرجاعه إلى الغياب التام للمقاربة التشاركية في تدبير هذه القطاعات , الأمر الذي نجده قد انعكس سلبا على معدل الخدمات المرفقية , وأبان عن مجموعة من السلبيات نجدها قد شكلت عائقا أمام تطور علاقة المواطن بالمرفق, والتي يمكن حصرها عدة نقاط وهي: - طول مدة انتظار المرتفق داخل المرفق الذي يقصده, مما يسبب لديه حالة من الاكتئاب والغليان الأمر الذي قد يؤدي في بعض الأحيان إلى صدور تصرفات غير مسئولة من طرف طالب الخدمة المرفقية ; - غياب أماكن مريحة تخصص لانتظار المرتفقين; - غياب وسائل التشوير داخل الإدارة ; - غياب وحدات استقبال عصرية, تسند إليها مهمة استقبال المواطنين ومن ثمة توجيههم إلى المكان الصحيح بقصد قضاء أغراضهم; - غياب العمل بالمنهاج الاستراتيجي المبني على النتائج , وان تم إعماله يغيب عنه عنصر التقييم الذي يعتبر حجر الزاوية , لكونه يبين حسن سير سياسة المرفق من عدمها; لقد أصبح المغرب مطالبا ومن أي وقت مضى، بإدخال تعديلات جذرية فيما يخص طرق تدبير الوحدات المرفقية، لا لشيء إلا لأن التجارب السابقة قد أبانت عن الفشل الذريع لمختلف السياسات التي تم نهجها في هذا الباب، الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال إعادة الاعتبار للمواطن في علاقته بإدارة المرفق، علاقة تجعل من بين أولوياتها الأساسية أنسنة الأنظمة المعتمدة في تدبير المرفق, بشكل يضمن الانسجام التام والمعقلن، بين الإمكانات الإدارية المتاحة ومتطلبات المواطنين.