رفضت المحكمة الدستورية، في قرار أخير لها، طعناً تقدّم به نواب برلمانيون من حزب الأصالة والمعاصرة بالغرفة الأولى في بعض مواد القانون رقم 79.14 المتعلق بهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز الذي أعدته بسيمة الحقاوي، وزيرة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، بعدما اعتبروا أن مواده مخالفةٌ للدستور. وصرحت المحكمة الدستورية بأن أحكام المواد 1 و2 و3 و4 من القانون رقم 79.14 المطعون فيها ليس فيها ما يخالف الدستور، وأمرت برفع قرارها إلى علم الملك، وبتبليغ نسخة منه إلى كل من رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين، وبنشره في الجريدة الرسمية. واعتبر الطاعنون في هذه المواد أن القانون لم يمنح لهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز الاستقلال الإداري، وأشاروا إلى أن مواده أخلت بمهمة التوازن بين مهمتي النهوض والحماية، حيث تم منح 11 اختصاصاً في المهمة الأولى، واختصاصين فقط للمهمة الثانية. ورأت المحكمة في قرارها أن التنصيص على تمتع الهيئة بشخصيتها الاعتبارية يرتب ضمنيا توفرها على الاستقلال الإداري، واعتبرت أن الاستقلال الإداري يتحدد بوجود نظام خاص بهياكل الهيئة المعنية، وبالسلطة والرقابة الممارسة على العاملين بها. كما جاء في مذكرة الطعن أن المادة الرابعة من القانون منحت لرئيس الحكومة الحق في تعيين 11 عضواً من مجموع 24؛ وهو ما يفقد المؤسسة التوازن بين أطرافها، مقابل هيمنة السلطة التنفيذية ومكوناتها الشيء الذي يخل بمبدأ التوازن وبالتالي لا يضمن استقلاليتها. في حين المحكمة رأت في قرارها أن الدستور لا يتضمن ما يمنع من تخويل رئيس الحكومة صلاحية تعيين أعضاء بعض الهيئات بشكل يرجع تقديره إلى المشرع، طالما أنه جعل مسطرة تعيين الأعضاء في هذه الهيئة اختصاصاً مشتركاً بين الملك والبرلمان والحكومة، وهو أمر يتوخى بالأساس ضمان التعددية والتنوع والحكامة الجيدة في تدبير مثل هذه الهيئات. وأشارت المحكمة الدستورية إلى أن "استقلالية الهيئة يترتب عنها أن يكون أعضاؤها، كيفما كانت مصادر اختيارهم وتعيينهم، يمارسون مهامهم في الهيئة بصفتهم الشخصية لا كممثلين للهيئات التي اختيروا منها، وهو ما ينطبق أيضاً على العضوين ممثلي الإدارات العمومية المختصة في مجال المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز". وجاء في القرار أيضاً أن تعيين قاض بناءً على اقتراح من المجلس الأعلى للسلطة القضائية بهيئة المناصفة لا يمس باستقلال السلطة القضائية ولا باستقلالية الهيئة التي تمارس اختصاصاتها طبقا لمقتضيات القانون المنظم لها، واعتبرت المحكمة الدستورية أن "القاضي العضو في الهيئة يمارس مهامه كباقي الأعضاء في نطاق صلاحياتها". كما أوضحت المحكمة الدستورية أن تعيين عضو من المجلس العلمي في هذه الهيئة لا يتداخل مع اختصاصات المجلس العلمي الأعلى، وأضافت أنه "طالما أن الهيئة ليس من اختصاصها إصدار فتاوى دينية من شأنها أن تفضي إلى تداخل بين المؤسستين". وكان البرلمان قد صادق بأغلبية مطلقة على هذا القانون في 8 غشت المنصرم في إطار قراءة ثانية، بعد أن تمت إحالته على البرلمان في الولاية التشريعية السابقة في 22 يوليوز 2015. وبعدما بتّت المحكمة الدستورية في مطابقته للدستور، سيصدر القانون في الجريدة الرسمية ليدخل حيز التنفيذ. وسبق لهذا القانون أن حصد انتقادات العديد من الجمعيات الحقوقية والنسائية، كما انتقده المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وقدم هذان الأخيران مذكرات وآراء استشارية حول طبيعة الصلاحيات والسلطات التي يجب أن تحوزها الهيئة التي نص عليها دستور 2011 في الفصل ال19 منه.