المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء    المغرب التطواني يهزم اتحاد طنجة    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    دينامية السياسة الخارجية الأمريكية: في نقض الإسقاط والتماثل    أنشيلوتي يدافع عن مبابي.. "التكهن بشأن صحته الذهنية أمر بشع"    الجزائر تعتقل كاتبا إثر تصريحاته التي اتهم فيها الاستعمار الفرنسي باقتطاع أراض مغربية لصالح الجزائر    مكتب "بنخضرة" يتوقع إنشاء السلطة العليا لمشروع أنبوب الغاز نيجيريا- المغرب في سنة 2025    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    الشراكة الاستراتيجية بين الصين والمغرب: تعزيز التعاون من أجل مستقبل مشترك    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    وسط حضور بارز..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تخلد الذكرى الستين لتشييد المسجد الكبير بالعاصمة السنغالية داكار    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي        اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور    استغلال النفوذ يجر شرطيا إلى التحقيق    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    "مرتفع جوي بكتل هواء جافة نحو المغرب" يرفع درجات الحرارة الموسمية    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري    انخفاض مفرغات الصيد البحري بميناء الناظور    موتسيبي "فخور للغاية" بدور المغرب في تطور كرة القدم بإفريقيا    معهد التكنولوجيا التطبيقية المسيرة بالجديدة يحتفل ذكرى المسيرة الخضراء وعيد الاستقلال    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بوعشرين: أصحاب "كلنا إسرائيليون" مطالبون بالتبرؤ من نتنياهو والاعتذار للمغاربة    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    اختفاء غامض لشاب بلجيكي في المغرب    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    الوزير برّادة يراجع منهجية ومعايير اختيار مؤسسات الريادة ال2500 في الابتدائي والإعدادي لسنة 2025    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    عندما تتطاول الظلال على الأهرام: عبث تنظيم الصحافة الرياضية    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط        كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مواجهة فلسفية: من أجل أفكار قوية لتجنب مآزق العولمة
نشر في هسبريس يوم 15 - 07 - 2011

هذا حوار راقي مطول نشرته جريدة لوموند الفرنسية يومه 25/06/2011 ، وهو عبارة عن مواجهه بين الفيلسوفين المرموقين بيتر سلوتيرديجك وسلافوج زيزك، وذلك لمقاربة أزمة الحضارة الغربية محاولين طرح الأسباب الكامنة وراء ذلك والحلول المقترحة في نظرهم. وقد اجرى هاته المقابلة/ المواجهة نيكولا اتريونك
* للمرة الأولى مند سنة 1945 ،أصبحت فكرة المستقبل في أزمة. فالغرب يشق عليه تصديق التقدم، في ظل الصورة التي تحملها الأجيال الجديدة التي تعتقد أنها لن تعيش أفضل من الأوائل. إنه السخط السياسي، أو الأزمة الاقتصادية أو التوتر الهوياتي: كيف يتم توصيف اللحظة التي نمر بها ؟ وهل يمكن، حسب ٍرأيكم، الحديث عن أزمة حضارة؟
بيتر سلوتيرديجك (يمين الصورة) :
ما الذي تعنيه عندما تستعمل مصطلح " الحضارة الغربية" التي عشناها منذ القرن 17 ؟. في اعتقادي نتحدث عن شكل العالم الذي تم بناؤه (خلقه) على فكرة التخلي عن المرحلة التقليدية، الأولوية للماضي حطمت، فالإنسانية الغربية اخترعت نمطا غريبا للحياة أٌسس على الحدس للمستقبل.وهذا يعني أننا نعيش في عالم مهووس بالمستقبل أكثر فأكثر.من هنا أعتقد أن المعنى العميق ل " وجودنا في هذا العالم " يكمن في المستقبلية( الاستقبالية) التي تعتبر السمة الأساسية لنوعية وجودنا.
إن سيادة المستقبل تؤرخ مند المرحلة التي أخذ الغرب يخترع فنون جديدة لإعطاء الوعود، وذلك انطلاقا من عصر النهضة، عندما تم إدخال الائتمان في حياة الأوربيين فالائتمان لم يلعب أي دور تقريبا خلال العصور القديمة و الوسطى، لأنه كان في يد المرابين، ومدان كذلك من قبل الكنيسة.في حين نجد الائتمان الحديث يفتح آفاقا مستقبلية. ولأول مرة، فالوعود بالتسديد لم تعد ممكنة. هنا مكمن أزمة الحضارة : لقد دخلنا حقبة حيث قدرة الائتمان على فتح مستقبل آمن لم تعد ممكنة، لأن القرض الذي نحصل عليه الآن مهمته تسديد القروض الأخرى.
بعبارة أخرى دخل مفهوم " القروضية" أزمة نهائية. لقد روكمت ما يكفي من الديون التي تعهدوا بتسديدها ، ذلك أن بناء عالم خال من الخطورة مرتبط بها التعهد ( الوعد). اسأل الأمريكي كيف ينظر إلى عملية تسديد الديون المتراكمة من قبل الحكومة الفيدرالية.
بكل تأكيد " لا أحد يعرف " ، وأعتقد أن عدم المعرفة هي الجوهر الأساس لأزمتنا.
سلوفوج زيزيك (يسار الصورة) :
أوافق تماما على فكرة وجود أزمة " المستقبلية " على منطق الائتمان .ولكن لنعد إلى أزمة الرهن العقاري لسنة 2008 : فالجميع يدرك انه من المستحيل تسديد قروض الرهن العقاري، غير أن كلٌ يتصرف وفق قدراته. أسمي هذا ، في لغتي التحليل نفسي، إنكار القدسية : " اعرف جيدا أن ذلك من المستحيل ، ولكن، رغم ذلك سأحاول......"تعلم جيدا أننا لا نستطيع فعل ذلك ، ولكن، نتحرك كما لو أننا نقدر. ومع ذلك، سأستخدم مصطلح "المستقبل" للإشارة إلى ما يدعوه بيتر سلوتيرديجك ب" القروضية " . فمصطلح " مصير "، علاوة على ذلك ، يبدو لي أكثر انفتاحا . إن عبارة " لا مستقبل " لا تبعث على التفاؤل في حين أن كلمة "مصير "( مستقبل) أكثر تفاؤلا . وانأ لا أسعى لإحياء شيوعية ماركس التي تتشابه، فعلا، مع الائتمان غير المتناسب.
قبل توصيف وضعنا ، الاقتصادي،السياسي ، الإيديولوجي والروحي ، لابد من التذكير بقصة ربما مزيفة. يتعلق الأمر بتبادل البرقيات بين القيادة العسكرية الألمانية والنمساوية إبان الحرب العالمية الثانية . أرسل الألمان برقية إلى النمساويين قائلين : " بالنسبة لنا ، فإن الوضع على الجبهة رصين (جاد) ، ولكن غير كارثي "، فأجاب النمساويون : بالنسبة لنا ، فالوضع كارثي ولكن غير جاد" هاته هي الكارثة : لا يمكن تسديد الديون، ولكن ، بطريقة ما ، لا نأخذ الأمور بمحمل الجد ،إضافة إلى حاجز الديون ، فالمرحلة المعاصرة تقترب من " درجة الصفر " .
أولا ، فالأزمة البيئية الهائلة ، تتطلب منا عدم مواصلة هذا النهج السياسي اقتصادي .ثانيا ، فالرأسمالية ، على الشكل الصيني ، من الآن فصاعدا ، لم تعد مرتبطة بالديمقراطية البرلمانية . ثالثا ، فثورة علم الوراثة البيولوجية تفرض علينا أن نبتكر علما سياسيا آخر.أما فيما يتعلق بالانقسامات الاجتماعية العالمية ، فإن ذلك سيخلق شروطا ( ظروفا) للانفجار والعصيان الشعبي لم يسبق له مثيل....
* ففكرة الجماعة ُأصيبت أيضا بالأزمة ، عندما أٌطلق العنان للفر دانية ، هل يمكن إعطاء مرة أخرى معنى ل " المشترك " ؟
سلوفوج زيزيك :
حتى لو رفضنا الطائفة الساذجة، وتجانس الثقافات ، حتى التعدد الثقافي الذي أضحى إيديولوجية جديدة لروح الرأسمالية، فنحن بحاجة إلى حوار الحضارات والأفراد االفردانيين . على المستوى الفردي ، نحن في حاجة لمنطق الإدراك\ التقدير، إلى المسافة، وحتى الجهل . في حين أصبح التشويش عاما ، بل ضرورة حيوية، ونقطة أساسية.
على المستوى الجماعي ، من الضروري، ابتكار وسيلة جديدة لترابط مشترك. فالتعددية الثقافية هي ، إذن ، إجابة خاطئة لهاته المشكلة، فمن جهة ، لأنها تمثل نوعا من العنصرية العمياء التي تحترم هوية الآخر ، لكن منغلق في مصلحته الخاصة. إنها نوع من الاستعمار الجديد الذي ، على عكس الاستعمار القديم ، يحترم الطوائف ، ولكن من وجهة نظر مركزه العالمي. ومن ناحية أخرى ، فإن تسامح التعدد الثقافي هو " طعم " / خديعة يسيس النقاش العام ، وذلك بتحويل القضايا الاجتماعية إلى قضايا عنصرية، والأسئلة الاقتصادية إلى اعتبارات عرقية.
وهناك أيضا الكثير من المثالية في موقف يسار ما بعد الحداثة. فالبوذية ، مثلا ، يمكن أن تستعمل لإضفاء الشرعية على النزعة العسكرية المتطرفة : في سنوات 1930-1940، لم تؤيد البوذية "زين " فقط سيطرة الامبريالية اليابانية ، بل عملت حتى على شرعنتها .أستخدم طواعية كلمة "شيوعية " لأن مشاكلي ، في الحقيقة ، هي تلك الثروات " المشتركة " مثل علم الوراثة وعلم البيئة.
بيتر سلوتيرديجك :
يتطلب البحث عن الإشكالية الحقيقية في عصرنا . إن استذكار الشيوعية وتلك التجربة السياسية المأساوية الكبرى للقرن العشرين يذكرنا بأنه لا يوجد الحل الأيديولوجي الوثوقي/ اليقيني و التلقائي . فمشكلة القرن الواحد والعشرين(21) هي التعايش في إطار " إنساني " أضحت حقيقة واقعية ومادية . فالأمر لا يتعلق ب" عالمية مثالية" للتنوير" ولكن العالمية الحقيقية لمشترك ضخم يبدأ من كونه حركة حقيقية للمجتمع مع فرص اللقاء الدائم وتوسيع الاصطدام .
لقد أصبحنا مثل الجزيئات الدقيقة في الغاز تحت الضغط ، فالسؤال الآن ، هو تلك العلاقات الاجتماعية وسط مجتمع كبير جدا ، أعتقد أن إرث الأديان المفترض مهم ، لأنه هو المحاولات الأولى لحصيلة الفوق وطنية والفوقعرقية .
فالسانغا البوذية كانت وعاءا فضائيا حيث يمكن لكل الهاربين من جميع الأعراق اللجوء إليها. نفس الأمر ينطبق على المسيحية، فهي نوع من الحصيلة الاجتماعية تتجاوز (تفوق) الدينامية الإثنية المغلقة والانقسامات الطبقية. فحوار الأديان في عصرنا الحالي ليس سوى إعادة ترتيب معطيات مشكلة " الشيوعية ".
فالتجمع الذي عقد بشيكاغو سنة1900 ،هو بمثابة مؤتمر للأديان العالمية، كان وسيلة لطرح السؤال حول أحداثنا الحالية من خلال تلك المقاطع/ الشظايا التي تناولها هؤلاء المندوبين القادمين من كل بلد ،وأعضاء الأسرة الإنسانية الذين تاهوا بعد الهجرة من أفريقيا ....في ظل التجمع من المفروض طرح وإعادة ترتيب المعطيات التي تم التفكير فيها منذ ذلك الحين حتى وقتنا الحاضر والمتعلقة بالتعايش الإنساني الظاهر . لهذا السبب أستعمل مصطلح " الشريك في المناعية " .
كانت جميع الجمعيات عبر التاريخ بنيات حقيقية للمناعة المشتركة. فاختيار هذا المفهوم يذكر بالإرث الشيوعي ، فالشيوعية ، في تحليلي، تعود إلى روسو وفكرته عن " دين الإنسان " إنه مفهوم متأصل ، فهو طائفي على نطاق شمولي (عالمي).نحن لا نستطيع الفرار من الوضع العالمي الجديد. في كتابي رائعة الجمال (إلاهة) أو كيان إلهي، أن ما يتراءى في الصفحات الأخيرة، هي الأزمة : إنها الهيئة الوحيدة التي تمتلك ما يكفي من السلطة ، فتحثنا على تغيير حياتنا . نقطة انطلاقنا هي أدلة واضحة : لا يمكن الاستمرار هكذا.
سلوفوج زيزيك :
فكرتي لا تعتمد كثيرا على البحث عن " الشريك المناعية" لإيقاظ فكرة الشيوعية ، لكن اطمئنوا ، فالأمر يتعلق، بالأحرى ، بكافكا بدل من ستالين ، وأكثر بإيريك ساتي بدل لينين . في الواقع ، في الحكي الأخير ، جوزفين المغنية أو شعب الفئران،ترسم يوتوبيا(مثالية) المساواة في المجتمع، عالم حيث الفنانون مثل المغنية جوزفين ، إذ تكتشف ان الغناء يجمع ،يذهل ، ويسيطر على حشود من الجماهير، حيث يشتهر دون الحصول على منافع مادية.
فالمجتمع المعترف الذي يحافظ على الطقوس ، يحيي مهرجانات للطائفة، لكن دون تدرج طبقي ولا تجمعي. كما حدث لإريك ساتي .بعد كل هذا ، يبدو الابتعاد من سياسة الكاتب المشهور الخاوي الوفاض الذي يعلن تأليف "موسيقى الأثاث" باعتبارها موسيقى حميمية أو عميقة. رغم ذلك كان عضوا في الحزب الشيوعي.لكن بعيدا عن الكتابة للدعاية للأغاني، لقد خلق نوعا من الحس السماعي لنوع من الألفة الجماعية، على العكس تماما للموسيقى التصاعدية. فهاته هي فكرتي حول الشيوعية.
* للخروج من هاته الأزمة، ارتأيتم، أنتم بيتر سلوتيرديجك، إعادة تنشيط التدريبات الروحية الفردية ، في حين ، أنتم سلافوي زيزك، تلحون على التعبئة السياسية الجماعية وايضا على إعادة تحريك(تنشيط) القوة التحررية للمسيحية. لماذا هذه الاختلافات الواضحة؟
بيتر سلوتيرديجك :
أقترح أن أفتتح بالبراغماتية في دراسة الأديان المفترضة، هذا البعد النفعي (البراغماتي) يفرض عليك أن تنظر عن قرب ما تقوم به الأديان،أن تعرف الممارسات الداخلية والخارجية، حتى تتمكن من وصفها'دراستها) باعتبارها التمارين التي تشكل بنية الشخصية. هذا ما أسميته بالموضوع الرئيس في الفلسفة وعلم النفس ، فهو الحامل لسلسلة من التدريبات ( التمارين ) التي تُكوِنُ الشخصية. ويمكن نعت بعض السلسلة من التمارين التي تشكل الشخصية بأنها دينية.
لكن ماذا يعني ذلك ؟ ، نقوم بحركات عقلية من أجل التواصل مع شريك غير مرئي، فهي، على الإطلاق ، الأشياء المحسوسة التي يمكن وصفها ، ليس هناك شيء غامض في كل هذا . أعتقد أنه إلى حد وجود ترتيب جديد ، فأن مصطلح " نظام التداريب " هو جراحي، ألف مرة ، أكثر من كلمة "الدين " الذي أعاد التزمت (التعصب) للدولة الرومانية. لا ننسى أن استعمال المصطلحات التالية " الدين "، " التقوى "، " الوفاء "تمت من قبل الرومان المرتبطين بالصفات التي كانت تحملها الفيالق الرومانية المتمركزة في وادي الرين وغيره .
لقد كان أكبر امتياز لفيلق ما أن يحمل نعوت " بيافيديليس " لأن ذلك يعبر عن الولاء الخاص لإمبراطور روما . أعتقد أن الأوربيين نسوا بكل بساطة ، ماذا تعني كلمة " دين ". فالكلمة تعني أدبيا " العناية ". لقد أعطى شيشرون الأصل الصحيح للكلمة : القراءة ، الدين، الدائمة ، يعني ذلك الدراسة المتأنية للبروتوك من أجل معالجة الاتصال مع الكائنات العليا. إنه نوع من الرعاية (العناية) ، أو في مصطلحي الخاص ، فهو قانون للتداريب. لهذا السبب أعتقد أن " العودة للدين "لن يكون ذا فعالية إلا إذا تمكن أن يقود إلى تكثيف التداريب العملية.
بالمقابل ، ف " ديننا الجديد "ليس سوى مجرد حالمين كسالى في أعظم الأوقات. لكن ، في القرن العشرين ، حظيت الرياضة بالمكانة الأولى في الحضارة الغربية.لم يعد الدين ، بل الرياضة هي التي عاودت الظهور، بعدما نسيت ما يقارب 1500 سنة. ليست الإيمانية، بل ألعاب القوى هي التي احتلت مركز الصدارة. لقد أراد بيار دي كوبرتان خلق دين للعضلات خلال مطلع القرن العشرين. غير أنه فشل كمؤسس لدين ، لكن انتصر كمبدع لنظام جديد للتداريب.
سلوفوج زيزيك :
لنعتبر الدين مجموعة من المماريات الجسدية ، وهدا موجود سابقا عند الطلائعيين الروس. فالمخرج السوفيتي سيرغي آيزنشتاين (1898-1948) كتب نصا جميلا حول إغناسيو لويولا اليسوعي(1491-1556) يتعلق بنسيان الإله، أو كشخص أقام بعض التمارين الروحية. ففرضيتي بالعودة إلى المسيحية متناقضة إلى حد ما : أعتقد أنه من خلال المسيحية يمكن حقا أن نشعر بالإلحاد.
إذا اعتبرتم كبار ملحدي القرن العشرين ، فإن الأمر يتعلق في الواقع ، بمنطق آخر ، إنه " الائتمانية " اللاهوتية . لقد زيارة الفيزيائي الدنمركي نيلز بوهر (1885-1962)، وهو أحد مؤسسي ميكانيكا الكم ، من قبل صديق له في بيته الريفي. غير أن هذا الصديق تردد في اجتياز باب المنزل بسبب وجود حذوة فري معلقة، فهي خرافة لمنع الأرواح الشريرة من الدخول . فقال لبوهر : " أنت من كبار العلماء ، فكيف إذن تعتقد بالخرافات الشعبية ؟ " ، فأجاب نيلز بوهر : " لا أومن بذلك " . فأصر صديقه " لكن لماذا تركت حذوة فرس ؟ " فكان لنيلز بوهر جوابا رائعا : " قال لي شخص بأنها تشتغل، حنى ولو كنت لا أومن "وهذا سيكون صورة جيدة لايديوجيتنا الحالية .
أعتقد أن موت المسيح على الصليب يعني موت الإله ، ولا وجود لآخر أكبر يسحب السلاسل . فالوسيلة الوحيدة لتكون مؤمنا ، بعد وفاة المسيح هي المساهمة في العلاقات الجماعية المساواتية . فالمسيحية يمكن فهمها على أنها ديانة لمصاحبة النظام القائم أو الدين الذي يقول " لا " ويساعد على المقاومة . أعتقد أن على المسيحية والماركسية أن يحاربا معا التدفق للروحانيات الجديدة ، وأيضا التجمع الرأسمالي . إني أدافع عن دين من دون إله ، وشيوعية من دون سيد.
بيتر سلوتيرديجك :
لنفترض أننا في الجلسة الختامية للمجمع الديني ، وان أحد المطارنة طرح سؤالا في الاجتماع : هل يجب أن نضع سلافوي زيزك مؤشرا ؟ أعتقد ان الغالبية العظمى ستصوت للعنة الكنيسة له ، لانه ارتكب ما يسميه القدماء " بدعة " . فسلافوي زيزك يضطلع بوضع انتقائي بالنسبة للحقيقة كاملة : بدعة يعني انتقاء. والانتقاء في هذه الحالة بالضبط ، هو تجاهل لبقية قصة الكتاب المقدس الذي تحدث عن البعث، إننا ننسى المهم ، لان الرسالة المسيحية هي ان الموت لا تخيفنا أبدا . فنجاح العالم المسيحي لا يعتمد فقط على رسالة الحب العالمية ، ولكن على تحييد ، خصوصا ، التهديدات التي تحدثها الموت لكل ضمير، دون نسيان الديمقراطيفوبيا الوثنية : تقوم كل الإمبراطوريات على سلطة الخوف. ويمكن أن نسرد التاريخ كما فعل سلافوي زيزك ، ولكن يجب إضافة بعدا ثانيا تحررا : دون القطع مع الديمقراطيفوبيا ، فلا وجود للحرية ، ولا للمسيحية ، ولا للإلحاد . وإلا فنحن لا نغير إلا السيد الآمر او المسيح، وهذا لا يقيم أي فارق ما دام أن الإلهين يقيمان قوة الديمقراطيفوبيا.
أضحت المسيحية ،لسوء الحظ ن أسوء ديمقراطيفوبيا في تاريخ الأديان ، خصوصا من قبل أوغسطين الذي خلق ، انطلاقا من نظريته القدرية ، ردا فعليا حقيقيا للخوف، حيث أن فلسفة الانوار ،لحسن الحظ، قطعت معها. بل حتى في المغامرة الشيوعية واصلت الديمقراطيفوبيا المسيحية في شكل إرهاب دولة . والامر لم ينته بعد .فديمقراطيفوبيا الإسلامية غير مستعدة للتوقف. فيجب على أولئك الذين يبحثون للخروج من العالم المتمركز على الديمقراطيفوبيا الكلاسيكية إعادة بناء البعد التحرري في المسيحية المستنيرة. وياتبنى طواعية إعادة بناء الغلحاد ، شريطة التركيز على حذف الديمقراطيفوبيا للوثنية القديمة.
* في اللحظة التاريخية التي نمر بها ، يبدو ان الغضب يسيطر. فالسخط وصل ذروته برفع شعار " ارحل " من قبل الثورات العربية والاحتجاجات الاسبانية. أعتقد الآن أنكم ، سلافوي زيزك ن، صارم جدا ، أما بيتر سلوتيرديجك ، فتقديره للحركات الاجتماعية ، تولد لديه ،وفقا لكم ، استياء .
بيتر سلوتيرديجك :
من الضروري التمييز بين الغضب والاستياء. في اعتقادي ، هناك مجموعة من أنواع العواطف التي تنتمي لنظام الغدة ، يعني نظام الفخر. يوجد نوع من الفخر أصلي ،غير قابل للاختزال الذي يكمن في عمقنا . في قمة هاته العواطف تتوضح البشاشة، والتأمل المتسامح لكل أنواع الوجود. فلِنتدرج في سلم القيم قليلا ، نحس بالفخر الذاتي .
لنتدرج قليلا مرة أخرى، نلاحظ أن مضايقات هذا الفخر هو الذي يتسبب في الغضب. فإذا لم يتم التعبير عن الغضب ، يحكم عليه بالانتظار للتعبير عنه في وقت لاحقن فهذا يؤدي إلى الاستياء، وأيضا إلى الحقد المدمر الذي يريد تدمير الكائن الذي يصدر عنه الإذلال .
دعونا لا ننسى الغضب الجيد ، فحسب أرسطو ، هو الإحساس الذي يصاحب الرغبة في العدالة. فالعدالة التي لا تعرف الغضب، تبقى ذات إرادة ضعيفة . لقد خلقت التيارات الاشتراكية للقرن 19 و القرن 20نقط التقاء للغضب الجماعي ، وهي ،بدون شك ، هامة وأساسية . غير أن العديد من الأفراد ومنظمات اليسار التقليدي انزاحت نحو الاستياء . من هنا ، فالضرورة تدعو إلى التفكير في يسار جديد بعيدا عن الاستياء.
سلوفوج زيزيك :
أن ما يرضي الضمير أثناء الاستياء هو إلحاق الأذى بالآخر وتحطيم الحاجز النفسي بدل الاستمتاع بالذات .نحن ، السلوفانيين ن هكذا بالفطرة .تعرفون الأسطورة أو الملاك الذي تراءى للفلاح وسأله : " تريد أن أمنحك بقرة ؟ ولكن ، انتبه ، سأعطي أيضا بقرتين لجارك؟ " فأجاب الفلاح السلوفيني : "بالطبع لا "ولكن بالنسبة لي ، فالاستياء ليس أبدا موقف الفقراء. أو بالأحرى سيد موفق الفقراء ، كما حلله نيتشه جيدا .فهو من أخلاق العبيد. "
لقد أسيء الفهم ، فقط ، من وجهة النظر الاجتماعية : ليس ذلك العبد الحقيقي ، إنه العبد الذي كما جاء في لوفيكارو دي بومارشيه الذي يريد أن يعوض السيد . أعتقد أن في الرأسمالية تنسيق نوعي بين المظهر العاطفي والمظهر الشهواني.
وهذا يعني أن الإثارة (الإغراء) الرأسمالية انتشرت بواسطة العواطف السيئة التي أوجدت الاستياء . فأنا متفق مع بيتر سلوتيرديجك : فالأساس في الصعوبة هو معرفة كيفية التفكير في المعطى ، أبعد من المقايضة ومن الاستياء.
لست مقتنعا حقا بفعالية التمارين الروحية التي عرضها (طرحها) بيتر سلوتيرديجك . لذلك فأنا متشائم جدا، لهاته الممارسات التأديب ذاتي ، كما في الرياضة. فأنا أريد أن أضيف لذلك المنبوذ اجتماعيا . لهذا السبب كتبت الفصل الأخير من نهاية الحياة في الزمن حيث استشفت اليوتوبيا الشيوعية ، معتمدا على هاته الأعمال التي تعطي رؤية ومفهوما لما يمكن ان نسميه الألفة الجماعية . كنت أستوعب من هاته الأفلام الخيالية اليوتوبوية، حيث الأبطال الضالة، والنماذج العصبية المرفوضة التي تشكل الجماعات الحقيقية . فالمسارات الفردية أيضا يمكن أن توجهنا .
وهكذا ، فإننا غالبا ما ننسى أن فيكتور كرافيشينكو (1905-1966) ، باعتباره كبير موظفي السوفيات ، +فضح مبكرا الرعب الستالينية في " اخترت الحرية " فهوجم بشدة من قبل المثقفين الموالين للاتحاد السوفيتي ، رغم ذلك واصل الكتابة تحت عنوان اخترت العدالة، فحاربت إذن ببوليفيا ووضعت نظام إنتاج زراعي أكثر عدالة .يجب مواصلة وتشجيع جديد كرافيشينكوي الذي بدأ يطفو اليوم في جميع أنحاء العالم ، من أمريكا الجنوبية إلى شواطىء البحر الأبيض المتوسط.
بيتر سلوتيرديجك :
في اعتقادي انك ضحية التطور السيكوسياسي بأوربا الشرقية . في روسيا، على سبيل المثال ، كل واحد يحمل سنوات عديدة وطويلة من الكوارث السياسية والشخصية على كتفه . شعوب الشرق الأوربي عبرت عن مأساة الشيوعية ولم تغادر . كل هذا يشكل حلقة من اليأس الذاتي . أنا متشائم بالفطرة ، لكن فندت الحياة تشاؤمي الأصلي . فانا الآن متعلم متفائل، ومن ثم أعتقد أننا متقاربان من بعضنا البعض ، لان لدينا مسار حياة متوازي مع وجود بعض الاختلاف العميق في المنطلق. لكننا نقرأ نفس الكتب .
* فقط كلمة في حق قضية دومنيك ستراوس كان . هل هي مجرد مسالة أخلاقية عادية أم أعراض انحرافية ذات أهمية ؟
بيتر سلوتيرديجك :
أكيد ، إنها قضية عالمية تتجاوز مسألة الفعل العرضي. يمكن أن يكون ستراوس كان بريء . لكن هاته القصة تكشف أن السلطة المفرطة المملوكة للفرد قد تخلق نوعا من التطرف الديني الذي أصفه بوحدة الوجود الجنسي. نعتقد بنهاية ملوك الشمس . لكن ، بكل فضول ، في القرن 21 ، تضاعف رجال السلطة إلى عشرة آلاف الذين يظنون أن كل الأشياء المتعلقة برغباتهم قد تكون في مملوكيتهم .
سلوفوج زيزيك :
الجانب المهم في قضية ستراوس كان هي الشائعة حيث يحاول أصدقاؤه التقرب من عائلة الضحية الكائنة بغينيا ، ليمنحوها مبلغا ماليا مهما،إذا ما سحبت نفيساتو ديالو شكايتها . إذا كان ذلك صحيحا . أنه مأزق. هل يجب عليها الاختيار مابين الكرامة والمال الذي يمكن أن ينقذ حياة الأسرة وهذا يتيح لها العيش في رخاء ؟ هل كل هذا يلخص الانحراف الأخلاقي في عصرنا ؟
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.