منذ فترة بدأ بعض المفكرين يوجه أصابع الاتهام للديمقراطية ويحذر من خطورتها، فما هي الجريمة التي ارتكبتها هذه السيدة التي قيل عنها إنها أخف ضرر سياسي يمكن اقترافه، يقولون إنها في مأزق وضحاياها يتزايدون يوما بعد يوم، وأنها عاجزة عن إنصاف الطبقات المتضررة، وهناك من يطالب باستعمال العنف ضدها والثورة عليها باعتبارها حليفة الرأسمالية والأغنياء وتخدم قضاياهم. الانتخابات أيضا متهمة بكونها أداة تستعمل للتمويه ولتحقيق مآرب أخرى هناك مأزق تعيشه الديمقراطية، هذا هو الخيط الناظم والنقطة المركزية للملف الذي أعدته يومية «ليبراسيون» الفرنسية، من خلال حوارات مع مفكرين وفلاسفة يطرحون مشكل الارتباك والقلق الذي أصبح يعيشه نموذج الديمقراطيات الغربية من خلال الرؤية الضبابية التي تفضي إليها نتائج الانتخابات. تتساءل الجريدة إذا ما كان هذا الحديث ناجما عن الأثر الذي خلقه تتالي هزائم اليسار في الانتخابات، أم هو نتيجة نزوة مفاجئة وموضة يلجأ إليها بعض الفلاسفة. المعطى ثابت فعلا والديمقراطية تعاني من أزمة ينبري المثقفون لتحليلها، البعض منهم يتساءل عن معنى هذه الحمى المتفشية، وآخرون أكثر جذرية يؤكدون أنه في عالم صار معقدا أكثر فأكثر ومغرقا في اللامساواة أيضا أكثر فأكثر، لم يعد النظام التمثيلي يسمح للأغلبية بالمشاركة في اتخاذ القرار الجماعي وأنه تجب من الآن فصاعدا مساءلة أسس هذا النظام نفسها. وبالنسبة إلى اليسار المناهض للشمولية فقد دق مؤرخون منه ناقوس الخطر، وقد كتب بيير روزنفالون نهاية 2006 بأن «ديمقراطية الانتخاب استهلكت دون شك»، واصفا مختلف صيغ «الديمقراطية السلبية» من عزوف عن التصويت ومظاهرات وإرادة مراقبة وعقاب المنتخبين. أما زميله مارسيل غوشي فيفضل الحديث عن «فقر دم متصاعد» و«فقدان للفعالية». ومن سخرية الواقع أن هذه التحليلات تنمو في الوقت الذي يعرف فيه نقد»الديمقراطية الشكلية» فترة شباب ثانية، على النقيض عمليا مما يحصل في رقعة المثقفين. يشهد على ذلك النجاح غير المتوقع لكتاب الفيلسوف ألان باديو «ما الذي يمثله اسم ساركوزي؟» الذي يحمل حملة شعواء على قانون الانتخاب، فقد كتب أن «الجميع يرى أن الديمقراطية الانتخابية ليست مجالا للاختيار الحقيقي»، ولمواجهة «فساد» الديمقراطيات من خلال قوى المال فقد حان الوقت لتعريف ممارسة جديدة كانت تسمى ديكتاتورية البروليتاريا، أو تبني استعمال جديد لكلمة الفضيلة». لقد ارتفعت أصوات كثيرة، منها برنار هنري ليفي أو الناقد الأدبي بيير أسولين، لإدانة عودة بلاغة مرتبطة بالشيوعية الستالينية. يقول ميشيل توبمان رئيس تحرير «أفضل العوالم»، والذي لا يمكن اتهامه بالتعاطف مع الفكر اليساروي: «منذ 30 سنة كان 20 في المائة من الفرنسيين يدينون الديمقراطية البرجوازية ويؤمنون بديكتاتورية البرولتاريا، وفي الواقع لا يمثل هؤلاء المثقفون الجذريون أي شيء، لأنه اليوم وحتى بزانسنو(زعيم حزب تروتسكي) يدافع عن الديمقراطية الانتخابية»، ومع ذلك، فليس من قبيل الصدفة أن يأخذ الحوار طابعا حادا، إذ يذكر ستيفان روزي أن «الفرنسيين هم الأكثر تشاؤما على المستوى الأوربي في علاقة بديمقراطيتهم وممثليهم»، مشخصا الأزمة باعتبارها روحية تعاقب خطاب العجز الذي يصدر عن المسؤولين السياسيين تجاه العولمة. ويضيف: «إن الفرنسيين لا يؤاخذون السياسيين على غياب سياسة القرب لديهم وإنما لعدم مسؤوليتهم»، كما أنهم واعون بأن عيشهم المشترك ليس مرتبطا بالدين أو الانتماء الإثني، وإنما يتقاسم المثاليات السياسية. أما مارسيل غوشي فهو يعتبر أن سيطرة تصور سائد لحقوق الإنسان انتهت بحرمان الجماعة من كل إمكانية للفعل، وبالنسبة لباتريك براوزك النائب الشيوعي فإنه يعتقد وعلى العكس من ذلك أنه «إلى جانب الانتخابات والتي يرتبط بها الناس ارتباطا كبيرا... فإن الديمقراطية لا يمكنها إلا أن تضعف إذا لم تستند أيضا على ديمقراطية تشاركية وعلى الحركة المجتمعية»، ذات الإطار الغامض والمتجلي في مظاهرات الشوارع ومساندة الأطفال الذين لا يملكون وثائق إقامة والخرجات الإعلامية ل«أطفال دونكشوت»... المدفوعة إلى مداها الأقصى كما يذكر بذلك عنوان كتاب للفيلسوف جون هولواي «كيف يمكن تغيير العالم دون انتزاع السلطة» والذي يجد صدى كبيرا لدى أنصار العولمة البديلة، والذي يعني القبول بممارسة السياسة لكن خارج مكاتب الاقتراع. أما الفيلسوف السلوفيني سلافوج زيزيك نجم التجمعات الأمريكية والمتعود على المزح المستفزة، فإنه يذهب أبعد من ذلك معتبرا أن «العنف الشعبي» وحده سيسمح للطبقات المهمشة بإسماع صوتها في الديمقراطيات الليبرالية. يعتبر زيزيك أيقونة للفلسفة الشعبية والمعروف أولا بتحليلاته للسينما الهوليودية، ورغم ذلك فهو يمثل النقيض للمفكر الذي يتملكه الحنين للماضي، فقد كافح ضد «الاشتراكية الواقعية» في يوغوسلافيا تيتو وشارك في الخطوات الأولى للديمقراطية السلوفينية، لذلك تبدو راديكاليته دليلا على أن الإحساس بالنفور من الديمقراطية ليس استثناء فرنسيا فحسب. الفيلسوف السلوفيني سلافوج زيزيك يدعو إلى تعبئة شعبية: يجب إخافة الرأسمالية بالضغط والعنف - ما هو النقد الذي توجهونه إلى الديمقراطية؟ < قد يكون هو النقد نفسه الذي يوجهه المحافظون... فهؤلاء يمتلكون شجاعة الاعتراف بأن الديمقراطية تعيش في مأزق. من جهة أخرى، فقد تم التهكم من فرنسيس فوكوياما عندما أعلن نهاية التاريخ، بينما أصبح الجميع اليوم يقبل فكرة أن الإطار الديمقراطي الليبرالي سيبقى إلى الأبد، مع الاكتفاء بالمطالبة برأسمالية ذات وجه إنساني، كما كان الحديث يتم أمس عن شيوعية ذات وجه إنساني. أصبح تخيل نهاية العالم من خلال الخيال العلمي أسهل بكثير من تخيل نهاية الرأسمالية. - هل الرأسمالية هي الغاية الكامنة خلف هذا النقد الموجه إلى الديمقراطية؟ < لنكن واضحين، إن أوربا ما بعد الحرب عرفت مستوى متوسطا من السعادة لم تشهد له مثيلا من قبل، لكن أربعة مشاكل كبرى أتت لتصنع الاختلال في النموذج الديمقراطي الليبرالي. أولا: الذين بلا أوراق قانونية والذين بلا مأوى وبلا عمل، والذين لا يشاركون في الحياة الجماعية ولا تهتم بهم الدولة. ثانيا: الملكية الفكرية التي لم يتمكن السوق من تنظيمها كما يظهر ذلك المصير غير القابل للتصديق الذي انتهى إليه بيل غيتس مؤسس ميكروسوفت. ثالثا: البيئة والتي يمكن لتنظيمها أن يطمئن السوق حينما يكون التلوث متحكما فيه، إلا أن العكس هو ما يحصل عندما يصبح الخطر غير قابل للضبط، وتشرنوبيل والعواصف هي أمثلة على ذلك. رابعا: البيوجينية، حيث يطرح سؤال: هل السوق هو من يجيب عن متى يبدأ الإنساني؟ - لا تحمل الديمقراطية الليبرالية ولا الرأسمالية الشاملة إجابات شافية في هذه المجالات الأربعة، فما هو البديل إذن؟ < لست أبله ولا أحلم بحزب شيوعي جديد، موقفي أكثر مأساوية، ومثل أي ماركسي تعجبني الإنتاجية الخارقة للرأسمالية ولا أقلل من قيمة ضرورة حقوق الإنسان، حيث لعب توقيف بينوشي دورا نفسيا جد مهم في الشيلي. انظروا إلى فنزويلا شافيز، إذ يقولون عنه إنه شعبوي وديماغوجي، ولا يقوم بأي شيء لفائدة الاقتصاد، وإن تجربته ستنتهي إلى الكارثة، وهذه أمور قد تكون صحيحة كلها، إلا أنه يبقى الوحيد الذي قام بإدماج الفقراء في مسلسل سياسي، ولهذا السبب أدعمه، أما عندما يتم انتقاد ميولاته الاستبدادية، فإن هذه الأحكام تصدر كما لو أنه قبل شافيز كانت هناك ديمقراطية متوازنة، والحال أنه وحده من كان محركا للتعبئة الشعبية، وليدافع عن ذلك أعتقد أن له الحق في استعمال جهاز الدولة، ويمكنكم أن تسموه الرعب إن شئتم. - تبقى الرأسمالية والديمقراطية بالنسبة إلى المفكرين الليبراليين عنصرين لا ينفصلان؟ < يقال ذلك كثيرا، إلا أن الصين مقبلة على خلق رأسمالية استبدادية، وأنا لا أريد أن أعيش رهين الاختيار بين النموذج الأمريكي والنموذج الصيني، ولهذا السبب يجب علينا أن نصبح مرة أخرى طوباويين، إذ سيدفعنا الاحتباس الحراري إلى رد الاعتبار للقرارات الجماعية الكبرى، تلك التي قال عنها المفكرون المناهضون للاستبداد إنها تفضي بالضرورة إلى الغولاغ. يبرز والتر ليبمان أنه في الأوقات العادية يرتبط وضع الديمقراطية بالثقة التي تضعها الساكنة في نخبة تمتلك القرار، حيث يكون الشعب بمثابة الملك يوقع بصورة سلبية دون أن يرى ما يوقع عليه، إلا أنه وفي أوقات الأزمة تتبخر هذه الثقة، حيث تقول أطروحتي إن هناك حالات لا تشتغل فيها الديمقراطية وتفقد روحها، ويجب فيها إعادة خلق أساليب تعبئة شعبية جديدة. - ما سبب مدحك لروبسبيير؟ < لا يختزل الرعب في روبسبيير، فقد كان هناك شغب شعبي جسدته شخصيات أكثر جذرية مثل «بابوف» أو«هبير»، ويجب التذكير بأنه تم قطع عدد أكبر من الرؤوس بعد موت روبسبيير وليس قبله، بينما قام هو بقطع رؤوس الأغنياء. إن ما يثير اهتمامي لدى روبسبيير هو ما أطلق عليه والتر بنيامين «العنف الإلهي»، ذلك الذي يرافق الانفجارات الشعبية. أنا لا أحب العنف الجسدي وأخاف منه، لكني غير مستعد للتخلي عن تقليد العنف الشعبي، وهذا لا يعني دائما القول بالعنف ضد الأشخاص. وعلى سبيل المثال، فإن غاندي لم يكتف بتنظيم المظاهرات بل أطلق حملة مقاطعة وأسس لميزان قوة. إن الدفاع عن المهمشين وحماية البيئة يمران عبر صيغ جديدة للضغط والعنف، كما أن إخافة الرأسمالية ليست بهدف القتل، بل لتحقيق تغيير ما، وإلا سيصل بنا الوضع إلى المخاطرة بالتوجه نحو عنف أكبر، عنف أصولي واستبداد جديد. - في أفق هذا «العنف الشعبي»، هل هناك ما يمكن أن يقدمه المثقف؟ < بتوخي الحذر من الصيغ الكارثية، وبالنظر إلى الأمور نظرة مختلفة. لقد قال دولوز إذا كانت هناك أجوبة خاطئة فهناك أيضا أسئلة خاطئة. لا يمكن للفلاسفة وضع مشروع لتعبئة القواعد، إلا أنه يمكن رمي الأفكار مع أمل استرجاع شيء منها. إن أحداث الشغب في الضواحي بفرنسا ولدت نتيجة سخط غير مرتبط بفكر، ولو بصورة طوباوية، وهذه هي المأساة. - هل يفكر أصدقاؤك في اليسار مثلك؟ < ما يسيطر، خاصة في الولاياتالمتحدة، هو يسارية ليبرالية ومتسامحة تعتبر أبسط تلميح لمفهوم الحقيقة نزعة شمولية، حيث يجب احترام تاريخ كل شخص. إن ما يعرف الإنسان بالنسبة إلى الفيلسوف «ريشارد رورتي» هو معاناته وقدرته على حكيها. إني أرى هذا اليسار المرتبط بالحقد والعجز يسارا كئيبا. مارسيل غوشي: الثورة مستحيلة لأن الداعين إليها منفصلون عن المجتمع: أزمة الديمقراطية تتجسد في تقديسها للحريات الفردية - يظهر أنك تتقاسم مع «زيزيك» استنتاجه بوجود أزمة في الديمقراطية عموما وفي أسسها القانونية والمرتبطة بحقوق الإنسان؟ < نعم هناك أزمة في الديموقراطية، بل إنها أزمة عميقة، لكني وعلى خلاف سلافوج زيزيك لا أتحدث عن أزمة أسس الديمقراطية المتمثلة في حقوق الإنسان. وعلى العكس من ذلك، فإن حقوق الإنسان هي في وضع جيد إلى درجة أنها مقبلة على تهديد ما يفترض أنه الدعامة الأساس، لذلك فالاندفاع غير المتوقف والمعمم للحقوق الفردية هو ما يخلخل الصرح. وإذا كان يمكن تعريف الديمقراطية باعتبارها سلطة جماعة ما في أن تحكم نفسها بنفسها، فإن إضفاء طابع القداسة على حريات أعضاء هذه الجماعة يكون له مفعول إفراغ هذه السلطة من ماهيتها. - هل الأمر يتعلق بأزمة غير مسبوقة؟ < يمكن مقارنتها بالأزمة التي عرفتها الديمقراطيات البرلمانية بداية القرن العشرين والتي لم يتم تجاوزها حقيقة إلا نهاية الحرب العالمية الثانية. تلتقي الأزمتان في تأكيدهما القوي على المبادئ الديمقراطية، ولهذا أتحدث عن «أزمة نمو»، إلا أنه وفي عام 1900 كان الخطاب السائد هو دخول الناس إلى السياسة والمسألة الاجتماعية والمطالبة بالاستفادة من كل نتائج الاقتراع العام. وفي سنة 2000، كان المشكل، على العكس من ذلك، هو انتصار الحقوق الفردية وأفول الحقوق الجماعية، سواء تعلق الأمر بالقواعد أو الطبقات أو الأمم.. - عندنا انطباع بأن الديمقراطية بالنسبة إليك هي الأفق الذي لا يمكن للإنسانية أن تتجاوزه؟ < قد لا تكون الديمقراطية هي الأفق الذي لا يمكن للإنسانية أن تتجاوزه، رغم أنه سيكون ادعاء قولُ ذلك، ومع ذلك فهي بالتأكيد أفق الفترة التاريخية التي ننتمي إليها. إن العمل الديمقراطي، الذي مازال مستمرا في مجتمعاتنا، هو آت من بعيد، ويسجل داخل مسلسل قوي بدأ منذ خمسة قرون على الأقل. من جهة أخرى، فإن الخروج من الدين الذي يشكل مركز هذه الثورة الحديثة مازال مستمرا، ولا أرى شيئا يمكنه أن يرسم توجها جديدا، ويمكنني القول إن الأمور أصبحت أكثر وضوحا، فقبل أربعين سنة، وفي ماي 68، كان يمكن للمرء أن يتساءل على نحو معقول إذا ما كان أفق العالم هو الاشتراكية (سواء كانت ديمقراطية أو لم تكن) أم الديمقراطية (سواء كانت اجتماعية أو لم تكن)، إلى أن حمل لنا سير الأحداث الجواب: إنها الديمقراطية. الرهان اليوم هو دمج الاشتراكية (أستعمل كلمة اشتراكية بمعناها الفلسفي) في الديمقراطية، وليس العكس. - البعض يرى أن إعادة الاعتبار إلى العنف الثوري من طرف الفيلسوف زيزيك أو من خلال النجاح الذي حققه ألان باديو والذي يدافع عن «الفرضية الشيوعية» هو تهديد للديمقراطية، هل هذا هو تحليلك للمسألة؟ < أنا لا أعيش رهينة للخوف، لأنه وعلاوة على أن عصر الأنظمة الشمولية يوجد خلفنا، فإن هذه الاقتراحات تظهر لي غير واقعية بشكل مأساوي، وتشهد على تفكك الذكاء السياسي لأقصى اليسار الغارق في التبسيطية والنرجسية الراديكالية التي لا تكلف شيئا لأنها تسبح في الفراغ. أفترض أنها، من الناحية النفسية، تحقق أشياء إيجابية للمنظمين لها، لكنها لا تزن أي شيء من الناحية السياسية ولا تزعج أي شخص وخصوصا السلطة التي من المفترض أنهم يشكلون تحديا بالنسبة إليها. يمكن القول إن جزءا من هذا النجاح يرجع، بالأساس، إلى استراتيجية ساركوزي التواصلية والمتمثلة في الانفتاح على اليسار لقطع الطريق على الحزب الاشتراكي في طريقه إلى وسط اليسار، وفي الرفع من شأن أقصى اليسار، بإدراج التروتسكي بزانسنو كل مساء في التلفزيون، والهدف من ذلك هو القول بأن «بين أقصى اليسار وبيننا لا يوجد أي شيء». - رغم ذلك يبدو أن النقاش حول الديمقراطية قد فتح من الآن فصاعدا؟ < هذا جيد. ويمكن بسهولة التفاهم حول أن أزمة الديمقراطية هي أزمة عجز، ومن هذه الناحية يظهر تحليل زيزيك، الذي يرجع أصل المشكل إلى الرأسمالية، كلاسيكيا، بينما تفسيري مختلف، فليس السبب هو سيطرة النيوليبرالية وإنما هو تحول جد عميق يعتبر تفجر الحقوق الفردية أبرز تمظهراته. إن القوة التي أصبح يتمتع بها نموذج السوق ترجع إلى تفكك العلاقة بين الفاعلين، ولهذا السبب بالضبط قام السوق أيضا باكتساح السياسة، والمشكل في هذه الظروف ليس هو هدم الرأسمالية، بل في العثور على مبادرات من داخل المجتمع كما هو، بعيدا عن الاقتصاد، ولنأخذ مثال التربية الوطنية، إذ ليست العولمة هي المسؤولة عن الصعوبات التي تواجهها، بل إن الحل قريب منا، في الإطار الوطني، ويجب بذل مجهود في تحليل ذلك. - لماذا لا يمكن الحديث عن الثورات اليوم، مادامت الديمقراطيات قد ولدت من رحمها؟ < لقد كانت المواجهة واضحة بين البورجوازية والنبلاء، ونفس الأمر بين البروليتاريين والرأسماليين، أما اليوم فإن فكرة الثورة هي عبارة عن عريضة مبادئ تفتقد أي ارتباط بالمجتمع. لقد قرأت كثيرا ماركس ومازلت أقرؤه وأدرسه، وما علمني إياه هو أن «الفرضية»، لا فائدة ترجى منها إلا في حالة ما إذا كانت تتوفر على شروط تحققها. إن التلويح بكلمة شيوعية كنوع من الأنا الأعلى لا أساس له، هو مثل إصدار صوت صاخب عن طريق الفم للتأثير على المغفلين.