لو طفت جميع بلدان العالم، فلا بد أن تجد منتجات كتب عليها "صُنِعَ في الصين". هذه الأخيرة، وبلا منازع، أصبحت اليوم تصنع كل ما نحتاج إليه من منتجات، لكن أول ما يأتي في أذهان الكثيرين عند رؤية تلك العبارة هو أن المنتج "مُقلد أو ذو جودة رديئة". وفي الحقيقة هذا خطأ في تقدير المنتجات الصينية وسياسة الصين في التصدير. في هذه المقالة المُفصلَّة نسلط الضوء على المنتجات الصينية ومدى جودتها، خاصة تلك التي تغزو أسواقنا ولا نصادف منها إلا الرديء. مازالت آثار الثورة الصناعية التي قررها قادة الصين منذ سنوات خلت ليلحقوا بركب الدول الصناعية الكبرى يسري مفعولها على جميع أنحاء المعمور؛ فبلد المليار و300 مليون نسمة يؤرق الكثير من هذه الدول، كالولايات المتحدة وألمانيا وغيرهما... حيث إن جميع إحصائيات الصناعة والتجارة الدولية تضع الصين في المرتبة الأولى بين الدول الصناعية الكبري في العالم، وهي المنافس الأول كذلك من حيث حجم الصادرات؛ فهي الدولة الأولى عالميا. فبالرغم من أن الصين يمكنها تحقيق إكتفاء ذاتي إقتصاديا نظرا لعدد الساكنة الهائل، إلا أنها لا تكتفي بذلك، لتقوم بالتصدير إلى باقي دول العالم؛ فالصين تصنع اليوم كل ما يخطر ببالنا من منتجات، وما يميز الصين هي أنها تصنع لك منتجا على "قدر ما في جيبك من مال"، وهنا هو مربط الفرس في مسألة جودة المنتج الصيني. من هنا يأتي السؤال الجوهري، ما هو المُحدد الرئيسي لجودة المنتج الصيني وكيف تولدت لدينا ثقافة أن المنتج الصيني مُزور ورديء؟ إذا أردنا التفصيل قليلا في عملية البيع والشراء، فإن هذه العملية عامة تتداخل فيها ثلاثة عناصر؛ الصانع الذي هو الصين، والمشتري أو البائع بالجملة، والمُستهلك الذي هم أُناس عاديون. وإذا نظرنا إلى الأمر من زاوية أخرى، نجد أن السبب المحدد لجودة المُنتج يعود إلى سلوك المُستهلك بالدرجة الأولى ولا يعود إلى من يصنع المنتجات؛ فالصين تصنع جميع المنتجات بالجودة التي يطلبها المُشتري أو المُستورد، والمُصدِّر الصيني لم يكتسح الأسواق إلا حينما علم بمختلف طبائع المستهلك ولبَّى له متطلباته بغض النظر عن إقتصاد الدولة المستوردة. وبما أن إقتصادات غالبية الدول العربية والإفريقية، والمغرب معها، مُنْهكَة قليلا، نجد أنفسنا أمام مستهلك يبحث عن أرخص المنتجات بغض النظر عن جودتها، فيقوم التاجر المستورد على إثر ذلك باستيراد المنتجات التي تناسب تلك الأسواق، وإن لم يعمل المستورد بهذا الشكل لعادت عليه تجارته بالخسارة. الخلاصة أن سبب وجود المنتجات الرديئة راجع بالأساس إلى سلوك المستهلك وما يبحث عنه في المقام الأول، وإلا فالصين تقوم كذلك بصناعة أرقى المنتجات وتصدرها إلى الدول الغربية والأوروبية، التي تختلف فيها عقلية المستهلك الأوروبي عن نظيره المغربي. الصين تصنع المنتج الردئ وتصنع على الجانب الآخر المنتج عالي الجودة، بل والأغرب من ذلك هو أن كثيرا من الشركات العالمية في مجالات متعددة من تكنولوجيا وأزياء ووسائل نقل وغيرها تصنع منتجاتها في الصين؛ فشركات في مجال الإلكترونيات، مثل "أبل" و"سامسونج" و"جيغابايت"... تقوم بصناعة منتجاتها في الصين، وقلما نجد شركة عالمية معروفة لا تصنع منتجاتها هناك. فإذا كان المستهلك يبحث عن منتج صيني الصنع بجودة عالية فذلك متاح، وإذا كنا يبحث عن منتج صيني رخيص وبالطبع سيكون متدني الجودة فذلك أيضا متاح. وفي السياق ذاته، المُنتج الصيني غالبا ما يُصنف إلى ثلاثة أصناف؛ منتج أصلي، ومنتج مقلد يكون غالبا لعلامات عالمية، ومنتج ذو جودات متعددة (من جيد إلى رديء)، يضاف إليها نوع رابع يستهلكه المواطن الصيني أكثر، وهو منتج صيني بعلامة صينية أصلية، مثل "هواوي" و"شياومي" و"أووبو"، وغيرها من المنتجات صينية الأصل ذات جودة عالية أصبحت تنافس شركات عالمية نظرا لأثمنتها المناسبة. فإذا أردنا أن نعرف جودة المُنتج الصيني، يتم النظر ببساطة إلى ثمن المنتج؛ فكلما إنخفض السعر انخفضت الجودة. وإن كان السعر متدنيا بشكل ملحوظ، فالتاجر في تلك الحالة إما مُحتال أو يبيع منتجات غير أصيلة. أما بشكل عام، فالمنتجات الصينية مقارنة بغيرها من المنتجات تُعتبر أقل سعرا، وذلك لرخص اليد العاملة في بلاد التنين إلى جانب عوامل أخرى أثرت في سعر المنتجات الصينية وجعلتها تغزو أسواق العالم، وهذا الذي مازال يؤرق الدول الصناعية الكبرى إلى اليوم. كل ما على المشتري فعله لتجنب الجودة الرديئة هو البحث والمقارنة بين التجار والمُصدرين في الصين مثلا أو غيرها من الدول التي يرغب في استيراد منتجاتها، ثم اختيار أفضلهم، ثم التأكيد على أن المطلوب هو أفضل سعر (وليس أقل سعر) مع أفضل جودة ممكنة. كما أن للدولة المُستوردة دور مهم أيضا في وضع معايير صارمة لتجنب المُنتجات الرديئة، خاصة منها المواد التي تشكل خطرا على السلامة البدنية للأفراد، وكذا فتح المجال أمام المُنتج المحلي للمنافسة بأسعار معقولة وفي متناول المستهلك. *طالب دكتوراة في الإعلاميات بالصين