أحيانا يكره الإنسان شيئا لأنه لا يعلم أن ذلك الشيء فيه خير كثير . لقد بدأت بعض الأصوات كما كان عبر مراحل تاريخية تندد وتستنكر وجود الأجنبي على التراب الوطني ، من غربيين أو مشرقيين أو آسيويين. تحت حجة أن هؤلاء يساهمون بشيء أو آخر في غلاء المعيشة أو إدخال بعض العادات الغير مرغوب فيها والتي تتعارض مع العادات والتقاليد والأصالة العربية والاسلامية . ماحدث في الجزائر من عراك بين جزائريين وصينيين (باب الزوار)استقدموا للجزائر من أجل بناء مشاريع أو من أجل التجارة ، حيث يبلغ عددهم لحد اليوم ما يربو عن 35 ألف صيني يهدفون اليوم لإنشاء (اتشاينا طاون) مدينة صينية في الجزائر ويذكر أن 567 شركة تعمل بالجزائر منها 220 شركات استيراد وتصدير منها 164 شركة إنتاج. كان الجزائريون يشتكون من سوء تصرف الصينيين الذي يتعارض سلوكهم والقيم الاسلامية ( معهم الحق فرنسا علقت سابقا على الحجاب) .لا يستطيع أي كان طمس حقيقة انتشار متاجر الصينيين في كل البقاع والكل أصبح مقتنعا بأن (الشينوا عمروا البلاد ). لكن هناك من وجد ضالته عند الصينيين وهناك من يستنكرون لحاجة في نفس يعقوب ، فإما أنهم يحسون أن تجارتهم ستبور بعد قدوم (الشينوا ) أو لأنهم ربما وطنيون أكثر من الوطني نفسه (؟). لكنهم ينسون أو بالأحرى يتناسون أن ( الشينوا) أحسن بكثير من الذين ملأوا الشوارع بألوانهم الزاهية من كل بقاع إفريقيا وهم إما يتسولون وإما يساهمون في بيع المحذورات أو أنهم تحولوا إلى وسطاء في توزيع اللحوم البيضاء . "" لو رجعنا شيئا ما إلى الوراء ، وبحثنا في تاريخنا لوجدنا أن المغرب خصوصا كان وجهة للتجار. وماآثار الفينيقيين ( لوكسوس وموغادور) إلا شاهدا على العلاقة التي كانت تربط المغاربة بغيرهم من الشعوب . الشعب المغربي شعب له أصالته وعاداته وطرقه الخاصة في التعامل مع زواره أو المتعاملين معه . (الشينوا) يظهر هم كذلك منسجمون مع كافة الشرائح المغربية في عمليات بيع وشراء ( ومول النية يربح). الصينيون بالمغرب يلعبون دور المستورد للسلع الصينية وهم من يبيعونها في المتاجر أو الأسواق بالتقسيط أو الجملة . إذن هم يشكلون صلة وصل بين المغرب والصين وحبذا لو استغل المغرب وجودهم " كوسطاء ، لتصير سلعنا ومنتجاتنا للصين وغير الصين . أليست التجارة مصالح ؟ وكما تفعل الصين نفسها مع العرب وغير العرب حيث تسهل لهم كل شيء وتمنحهم التأشيرة بسهولة . فالصينيون أمة بهرت بعملها كل الأمم الأخرى، وكم حاك لها الغرب كم من مكيدة خرجت منها الصين منتصرة. لو عدنا إلى الوراء سنوات قليلة سنتذكر عندما هبت رياح التغيير على أوروبا الشرقية وتفكك الاتحاد السوفيتي، ونلاحظ أن الصين كانت بؤرة اهتمام العديد من الخبراء والسياسيين في الغرب، وقد تصورا أن الحكومة الصينية قاب قوسين أو أدنى من الانهيار. ومن أجل التعجيل بهذا الانهيار شرعوا يتخذون إجراءات مساعدة، ومنها مثلا قرار "حظر بيع الأسلحة للصين" الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي ولم يرفعه حتى الآن. في ذلك الوقت، ظنوا أن تلك الإجراءات والتدابير يمكنها أن تسقط الصين بسهولة. ولكن الرياح أتت بما لا تشتهي سفنهم، إذ سارت الصين على درب التنمية بخطى سريعة، وكان نجاح التنمية الصينية إعلانا بفشل وسقوط نظرية "انهيار الصين". أمثلة فقط عن هذا النجاح على أرض الواقع : فالسلعة الصينية التي كسا بها الصينيون والتجار المحليون البلد تستورد من مدينة " إيوو" مركز بيع السلع الصغيرة بالجملة في شرق الصين والتي لاتكل في وضع كل ثقلها لاستقطاب مزيد من التجار خصوصا العرب للاستقرار بها ولفتح قنوات تصدير إلى منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط . عادة لا تمنح الصين تأشيرة الدخول أو الاستقرار بها ولكنها تتساهل إذا تعلق الأمر بتاجر أو مصدر. ففي "إيوو " والقرية المحيطة بها تدور عجلة اقتصاد ضخمة تتكون من ملايين المصانع والورش والمقاولات الصغرى تنتج يوميا آلاف السلع الجديدة . وتحتل ثلاثة أسواق ضخمة بالمدينة دائمة العرض على مدار السنة 205 مليون متر مربع ، يشتعل فيها أزيد من 200 ألف ، بها 62 ألف كشك لبيع نحو 10 مليون سلعة . فإذا زار الزبون هذه السوق لمدة 8 ساعات في اليوم وتوقف أمام كل كشك 3 دقائق فسيحتاج لسنة كاملة للانتهاء من زيارة كل أكشاك السوق . ففي كل سنة تخرج من المدينة 500 حاوية متجهة إلى 215 دولة ومنطقة عبر العالم .وبها 900 مكتب تجاري منها 330مكتب للتجار العرب . وتحيط بمدينة " إيوو " أكثر من مدن مصانع يقصدها العرب والأفارقة خاصة نظرا لنوعية السلع التي تباع فيها والتي تتميز بالجودة العادية مع الرخص. يقول فو شونغ مينغ نائب عمدة " إيوو " : << بلغت صادرات إيوو لبلدان الشرق الأوسط وبلدان شمال افريقيا 201 مليار دولار بينما الواردات بلغت 400 مليون دولار، أما الصادرات لإفريقيا فبلغت مليارا و330 مليون دولار أمريكي>> . وهو ما يبين بوضوح ميل الميزان التجاري لصالح المدينة . اما مدينة " ونتشو" فهي مدينة التجار والأرقام حيث تنتج حوالي 10% من إجمالي إنتاج الصين من الملابس الجاهزة و20% من الأحذية و50% من شفرات الحلاقة و65% من الأقفال و80% من النظارات و90% من القداحات المعدنية و90% من أقلام الرسم المائي . ونتشو مدينة ساحلية في جنوب شرقي الصين تتمركز فيها الشركات الصغيرة والمتوسطة . من بين أربعة أفراد من سكانها فرد واحد فقط يشتعل بالتجارة. وهناك نصف مليون من أباء المدينة يمارسون التجارة خارج الصين وهم حاذقون ويعرفون كيف يعثرون على الفرص التجارية في كل مكان . والتاجر من أبناء ونتشو لا يقلقه كثيرا كم يربح وإنما الخشية من فوات الفرصة. وهم يعلمون جيدا أن السلع الصغيرة هي في الحقيقة مدخل للأسواق الكبيرة. فبعد تدبير رأس المال الكافي، يتحول التاجر من أبناء ونتشو تدريجيا من السلع الصغيرة إلى سلع أكبر قليلا؛ من الأزرار مثلا إلى الملابس الجاهزة والأحذية، ومن القطع الإلكترونية إلى الأجهزة الإلكترونية الكاملة، ومن الحاجيات اليومية إلى صناعة التكنولوجيا العالية، وهكذا حتى دخول قطاع العقارات وقطاع المال. أما بخصوص الجودة فهي تتوقف على سياسة المستورد، فمادام هناك مستوردون يسعون لتحقيق الربح السريع ولا يعيرون أي اهتمام للمستهلك ستظل الأمر على حالها إلى أن يقاطع المستهلك البضائع الرديئة . فكل مبلغ يدفعه المستورد يحصل مقابله على نوعية السلعة المرغوب فيها . والمبدأ هو أن الشركة أو المصنع ينتج السلعة حسب المقابل المادي المدفوع . فالسلع التي توجه لأوروبا وأمريكا ليست هي السلع التي توجه لأفريقيا أو العالم العربي . هناك مستويات في الجودة إذن . يقول إبراهيم الحاج وهو يمني له مكتب ووساطة تجارية : << قواعد تعامل جزء كبير من التجار العرب غير سليمة وغير وطنية كذلك . فالبعض يأتي للبحث عن السلع المقلدة ، وآخرون يأتون ليبرمون صفقات منتجات معينة بمواصفات يحددونها هم ، ويوجهونها لأسواقهم المحلية ، وهو تزوير يكتوي به المستهلك ، مثل الأحذية المزورة والألبسة والمساحيق والعطور والسجائر>>. نحن لم نتحدث عن هونكونج ولا شانغهاي واللتان هما جوهرتان تزينان صدر الصين ولا عن الريف الصيني الذي مازال يعتبر خزانا للتنمية وسوقا واعدة للصينيين مستقبلا حيث يبلغ سكانه 900 مليون فردا بينما يبلغ عدد سكان الصين مليار و33 مليون نسمة. ومع كل ماذكر مازالت الصين محسوبة على الدول النامية فهي الأكثر سكانا في العالم ورغم جهودها الجبارة فهي لم تحل لعشرات الملايين من سكانها مشكلة الغذاء الكافي واللباس الدافئ، ومستوى معيشة أكثر من نصف سكانها منخفض للغاية مقارنة مع المستوى في أوروبا والولاياتالمتحدة. إن الصين تستقبل سنويا نحو عشرة ملايين فم جديد، وحكومة الصين تولي دائما معيشة الشعب اهتماما كبيرا. في عام 2007، بلغ إجمالي الناتج المحلي للصين 28ر3 تريليون دولار أمريكي، وكان ترتيبه الرابع عالميا. وإذا كان الرقم يبدو ضخما فإنه في الحقيقة لا يزيد عن 7ر23% من إجمالي الناتج المحلي للولايات المتحدة، و9ر74% لليابان، بل و5ر99% لألمانيا التي لا يزيد عدد سكانها عن واحد على ستة عشر من عدد سكان الصين. لكل هذا نعتقد أن القائلين بأن "الصين قادرة على إنقاذ الاقتصاد العالمي" يبالغون كثيرا في قدرات الصين التي لا تزيد نسبة إجمالي الناتج المحلي لها عن 6% من إجمالي الناتج المحلي العالمي. والذين يتحدثون كثيرا عن احتياطي الصين الضخم من النقد الأجنبي عليهم أن يعرفوا أن الصين جمعته قرشا بعد قرشا، فمعظم أرباح الصادرات الصينية، التي هي المصدر الرئيسي للاحتياطي النقدي، يذهب إلى جيوب الأجانب. ويكفي أن نشير هنا إلى أن دمية باربيBarby، التي يبلغ ربح الشركة صاحبة العلامة التجارية لها في الولاياتالمتحدة وأوروبا عشرة دولارات أمريكية، يبلغ ربح المصنع الصيني الذي ينتجها لصالح الشركة المالكة للعلامة التجارية نصف دولار أمريكي فقط. والصين كغيرها من الدول تأثرت بالأزمة المالية العالمية ،بحيث في شهر يناير 2009 بلغت قيمة صادرات الصين 45ر90 مليار دولار أمريكي، بانخفاض قدره 5ر17% مقارنة مع نفس الفترة من السنة السابقة، وبلغت قيمة وراداتها 34ر51 مليار دولار أمريكي، بانخفاض قدره 1ر43% مقارنة مع نفس الفترة من السنة السابق. الصينيون يتحركون بخطى حثيثة ويعرفون ما يريدون ونحن ؟ الذين نمثل على وجه التقريب 2.53% فقط من عدد سكان الصين ونحن ( واحلون) في وحل الفقر ومشاكل البطالة . يتحرك اقتصادنا وتنشأ شركاتنا الصغرى والمتوسطة على إقاع السلحفاة . وإذا كانت الصين تهتم بأفراد مجتمعها ، وتصنع السلع الرخيصة وتغزو بها الأسواق العالمية فلكي تحمي اليد العاملة من العطالة القاتلة . بإمكان الصينيين وكما سلف أن يصنعوا سلعا ذات جودة عالية لكن لمن ؟ هي لا تستهدف عينة متمكنة من القدرة الشرائية ولكن تريد إتاحة فرصة التسوق للفقير إلى جانب الغني ، كل منهما قد وجد السلعة التي في متناوله . كان بإمكان وطننا هو الآخر أن يفكر في دمج مغاربة أو غير مغاربة في منظومته الاقتصادية على أساس أن يكونوا شركاء يساهمون في تحريك عجلة التجارة والاقتصاد بالداخل والخارج .نحن لنا كذلك سلع، والعديد من الجمعيات محتاجة لمن يسوق لها سلعتها ، كما أن العديد من الشباب محتاج لمن يأخذ بيده . بالنسبة للتأشيرة رأينا أن الصين ترفض إعطاء التأشيرة لأي كان ، بل تتساهل كثيرا مع التجار الذين يريدون تصدير سلعها للخارج . فلماذا المغرب هو الآخر لا يبحث عن (غربال) بموجبه لا يقبل فوق ترابه من الأجانب إلا الذين لهم مؤهلات علمية وصناعية وفكرية . أن لا يقبل إلا ( الشينوا) الذين في إمكانهم صناعة سلع صينية فوق التراب المغربي ، بيد مغربية مدربة ، ليكون المغرب منصة تصير – على أساس الشراكة - لتلك السلع عبر العالم لا منصة استقبال ونهب للعملة الصعبة لا من طرف ( الشينوا) وأمثالهم ولا من طرف فناني الشرق والغرب بينما فنانوا المغرب (ينشون الذباب وينتظرون الوجيبة ) التي تأتي أولا تأتي . كما رأينا أن ابن مدينة " ونتشو " يتحرك بحثا عن الرزق ( الواحد يدير السبب والكمال على الله) ولو ببيع الأزرار ثم من الأزرار إلى المذياع ومن المذياع إلى الموديم وآلات التصوير فالشركة صغيرة ، بهذا نجح ( الشينوا ) الصينيون ولابأس من تتبع خطاهم وأخذ التجربة منهم لقد تغنى ناس الغيوان منذ مدة بالصينية كرسالة لم نفهم دلالتها إلا بعدما انجلى الواقع وتبين بأن الصينية فعلا جديرة بالمكانة التي تحتلها بيننا.