القاهرة: حكيمة الوردي «التنين الصيني» يلتهم الصناعة المصرية، هذه حقيقة ماثلة في معظم الأسواق، فالأجهزة الكهربائية والموبيليا والتحف والتليفونات المحمولة، والملابس وحتى الأطعمة المعلبة وغير المعلبة، كله« صنع في الصين»، وكأن الصناعة المصرية أصبحت موضة قديمة، عفى عليها الزمن. ووفقا لتقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن مصر تحتل المرتبة الرابعة على مستوى العالم في حجم التعامل مع الصين، فقد بلغ حجم الواردات المصرية من الصين، خلال النصف الأول من العام الماضي 425 مليون دولار، في حين لم تتجاوز الصادرات المصرية للصين سوى 62 مليون دولار فقط، الأمر الذي أصبح يشكل خطورة على الصناعة المصرية ويهدد بإنهيارها. وعلى الرغم من أن جودة المنتجات الصينية قد تكون أقل مقارنة بالكثير من المنتجات المصرية، إلا أنها إستطاعت جذب المستهلك، نظراً لإنخفاض أسعارها، ودقة تصنيعها. والسؤال: هل رجال الصناعة في مصر، عجزوا عن إنتاج سلع تتوافق مع ذوق وجيوب الموطن.. وإلى متى سيظل السوق المصرية مستهلكا وليس منتجا وهل سقط - بلا رجعة - شعار «صنع في مصر»؟! «العلم» قامت بجولة على الأسواق، إكتشفنا خلالها أن غزو السلع الصينية، لم يقتصر على منتج واحد، أو قطاع واحد، بل إنه إمتد ليشمل جميع السلع والمنتجات، بداية من المنتجات الغذائية المعلبة وغير المعلبة، مثل: الخضراوات والفواكه وكذلك الملابس بجميع أنواعها مثل الإيشاربات والبلوزات والبنطلونات والبدل والأحذية، أما الأجهزة الكهربائية، فحدث ولاحرج، فعلى الرغم من أن معظم الأجهزة الموجودة في السوق مكتوب عليها «صنع في مصر»، فهذا الشعار غير حقيقي لدرجة كبيرة، حيث إن معظم هذه السلع، ومنها: الثلاجات والبوتاجازات والمراوح، عبارة عن قطع صينية تم إستيرادها من الصين، ثم تم التجميع في مصر فقط. أما النجف فلا نبالغ إذا قلنا أنه لم يعد له وجود في السوق، سوى لدى محلات قليلة، فجميع أشكال النجف المعروضة في المحلات تم إستيرادها من الصين وسعرها يتراوح مابين 25 حتى 350 جنيها، أما المصري فيبدأ سعره من 500 جنيه ويصل إلى آلاف الجنيهات. وطبعا لم تنس العقول الصينية التليفونات المحمولة، فخلال الأربعة أعوام الماضية، تم ابتكار العديد من أجهزة التليفون المحمول ذات الأسعار الرخيصة، والوظائف المتعددة ومنها D300 وD600 وسعر الجهاز يصل إلى 500 جنيه، وهو يضم شريحتين وتليفزيوناً، فضلا عن باقي المزايا، وبالنسبة لعيوب الصناعة فمازالت تحت الإختبار من قبل المستهلكين وأصحاب المتاجر. والشيء الذي لايمكن إغفاله، هو إختراق المنتجات الصينية لأسواق الخشب المصري سواء في مدينة دمياط أو المناصرة بالقاهرة، وغيرها بعد أن ظلت دمياط لسنوات طويلة تحتل الصدارة في إنتاج الأثاث، إلا أن الموبيليا الصينية تنافسها حالياً، بداية من حجرات النوم والسفرة والصالونات وترابيزات الكمبيوتر، الأمر الذي تسبب في إغلاق العديد من الورش وتشريد العاملين فيها، خاصة مع إقبال المواطنين على شراء الأثاث الصيني، نظراً لرخص ثمنه من جهة وجمال تصميمه من جهة أخرى. وطبعاً لاننسى السيارات الصينية التي إجتاحت السوق المصرية خلال السنوات القليلة الماضية، والتي كانت التجربة خير دليل لإثبات تدني خاماتها. «حسين أبو الذهب»، صاحب محل أجهزة كهربائية بشارع عبد العزيز، أكد أن المستهلك المصري أصبح يفضل الأجهزة الصينية على المصرية، نظراً لرخص سعرها، فمثلا التليفزيون الصيني 21 بوصة سعره لا يزيد على 500 جنيه مع ضمان لمدة عام، أما التليفزيون المصري 21 بوصة على سبيل المثال فيصل سعره الى 1200 جنيه تقريبا، أي أكثر من ضعف ثمن الصيني، كذلك الحال بالنسبة للغسالات والثلاجات والسخانات والشفاطات، فسعر الصيني فيها يقل عن سعر المصري بكثير، مع العلم أن أغلب المنتجات الموجودة في السوق صينية بما في ذلك المنتجات المدون عليها «صنع في مصر»، فهي عبارة عن قطع غيار مستوردة من الصين، تم تجميعها في مصر وبصراحة العمل في المنتجات الصينية أفضل لأنها تدر أرباحا أكبر على البائع. «محمد حسن كمال»، صاحب محل نجف، أكد أن النجف الصيني أصبح مسيطرا على السوق بشكل كبير، فجميع المحلات تعمل في السلع الصينية، كما أن الزبون يبحث عن الصيني وليس المصري، فهو يتمع بأذواق عالية وأسعار مناسبة للجميع، تبدأ من 25 جنيها لأطباق الحمام والمطابخ حتى 350 جنيها للنجف الكبير، نظرا لأن المستهلك يفضل المنتج الصيني، فالبائع أيضا يفضل الإتجار فيه، نظرا لأن سوق النجف المصري يسيطر عليه الركود منذ سنوات طويلة. «خالد محمد»، تاجر تليفونات محمولة «صنع في الصين» بشارع عبدالعزيز، قال: بدأ العمل منذ عدة سنوات في مجال بيع المحمول ومنذ حوالي 3 سنوات تخصصت في بيع التليفونات الصينية، لأن سوقها أصبح رائجا، أكثر من أي نوع آخر.. فعلى الرغم من أن تليفونات NOKIA و samsong أفضل من التليفونات الصينية، مثل anycool و D300، إلا أن الإقبال على الصيني أكثر، مع العلم بأنه ليس له ضمان، إلا أن الزبون يفضله، نظرا لرخص ثمنه، وإمكانياته العالية، أما جودته، فلم نستطع الحكم عليها حتى الآن. «خالد بدران»، صاحب محل أثاث صيني في المناصرة بالقاهرة، قال: ورثت مهنة بيع الأثاث عن والدي، ولم يبق الحال على ما هو عليه، فقد اتجه العالم كله للصناعة الصينية، خاصة في مصر، لأنها تتميز بالسعر الرخيص والشكل الجذاب، لهذا قررت ترك العمل في الخشب المصري، والتخصص في الخشب الصيني، فسعر حجرة السفرة 1700 جنيه تقريبا، وهي أقل من سعر الحجرات المصرية كثيرا. وأضاف: على الرغم من أن سوق الصيني رائجة في مصر، إلا أنه جاء نكبة على الصناعة المصرية، فقد أغلقت الكثير من الورش المصرية، نظرا لسيطرة الركود على البضاعة المصرية، والشيء المؤكد أن المستقبل للصناعة الصينية، فهي تتمتع بذوق عال، كما أن «التشطيب» على الجودة، لا يستطيع العامل المصري إتقانه بهذه الدرجة، وإن استطاع يستغرق أضعاف الوقت الذي يستغرقه العامل الصيني لإنجاز نفس المنتج. سألت «العلم» الأستاذ «عادل العزبي» ، نائب رئيس شعبة المستثمرين، بالإتحاد العام للغرف التجارية، فقال: إنتشار السلع الصينية في السوق المصرية، يحتاج الى دراسة من جميع الجوانب، أولا: المستهلك، فهو الذي يحدد نوع الإنتاج المحلي، وكذا نوعية الاستيراد ففي ظل الظروف المالية المعقدة، نجد أن المستهلك يريد سلعة رخيصة، وفي سبيل ذلك، يمكن أن يستغني عن الجودة، خاصة إذا كان السعر المنخفض يساعده على تغطية احتياجات جميع أفراد الأسرة، إذن فالعامل الحاسم الأول في قبول السلعة الصينية هو السعر، وثانيا ملاءمة السلع للإحتياجات من حيث النوع والكمية، وثالثا: عمر السلعة، بحيث تكون غير قابلة للتلف. وإذا نظرنا الى السلع الصينية، نجد أنها تتوافر فيها هذه العناصر الثلاثة، بينما السلع المصرية، تفتقد لهذه العناصر، خاصة المنتجات الاستهلاكية اليومية، فالملابس مثلا، نجد أن أسعارها مرتفعة، لاتتناسب مع الكثير من طبقات الشعب، وإذا نظرنا الى المنتجات الغذائية مثل: الألبان والخبز، نجد أنها متوافرة للجميع وبأسعار رخيصة، بغض النظر عن جودتها، أما بالنسبة للخضراوات والفاكهة، فقد لجأنا لإستيرادها من الصين، حيث إن الإنتاج المحلي لايكفي سوى 70% من الإحتياجات فقط، أما ال 30% الباقية فيتم إستيرادها، مع العلم أننا بلد زراعي، وهذا يعد فشلا كبيرا، لن يتم علاجه إلا بالقضاء على الفجوة الزراعية، بدءا من القمح حتى الخضروات والفاكهة. وبالنسبة للصناعة، فيجب تأهيل الثقافة الصناعية المصرية على قواعد الصناعة الحديثة، والتي تتطلب معرفة آليات إستمرار الإنتاج، فمن أهم الأسباب التي جعلت الملابس الصينية تنتشر في مصر أننا لسنا بلد موضة، ونفتقد لجميع عناصر الإبتكار، وكل شيء يأتي إلينا سواء من الصين أو غيرها، أو نقلده، أو للأسف نسرقه، لهذا نجد جميع أنواع السيارات وأدوات التجميل وأغلب الأجهزة الكهربائية، يتم إستيرادها من الخارج قطعا، ثم تجمع في مصر، لذلك يجب على المنتجين عمل دراسة تشريحية تسويقية جيدة للسوق المصري. وأضاف: السعر الرخيص يغطي على عيب الجودة، فمثلا سعر القميص الصيني يعادل ربع سعر القميص المصري، وفي هذه الحالة يمكن للمستهلك شراء 4 قمصان، وهذا ينطبق على المستهلك العمومي ذي الدخل المنخفض أم المستهلك الخاص ذو الدخل المرتفع، فالسعر المرتفع لا يعد عائقا أمامه. ولن يتم القضاء على هذه الأزمة، إلا بإصلاح ثقافة الإنتاج والإستهلاك في مصر، وأقترح أن يتولى برنامج تحديث الصناعة، عمل برنامج ثقافي للمصنعين المصريين.