غزت المنتجات الصينية العالم بأسره بسبب أسعارها المنخفضة، ولم تستطع حتى الدول الأوروبية منافستها. المغرب كباقي دول العالم التي تواجه أسواقها سيلاً هائلاً من السلع الصينية التي يقتنيها الأشخاص من ذوي الدخل المحدود لرخصها. اقتربت نورة من أحد المحلات التجارية الواقعة في درب عمر بمدينة الدارالبيضاء، وهي تبحث عن جهاز منزلي يساعدها في أعمال المطبخ، لكنها لم تتوقع أن تجد هذا الفرق الشاسع في الأسعار. أحد الباعة برر ذلك بوجود منتجات صينية تكون أسعارها في متناول الفئات ذات الدخل المتوسط، لكنها بجودة أقل مقارنة بالسلع الأوروبية التي صار من الصعب التمييز بينها وبين الصينية، خصوصاً وأن الصين تقلد جميع المنتجات. ليست سوق الآلات المنزلية وحدها تشهد هيمنة المنتجات الصينية، فالمد الصيني وصل إلى أجهزة التلفزيون والآلات الصناعية والسيارات والشاي والنسيج وغيرها من المنتجات. ومنذ مطلع السنة الجارية أفادت معطيات “مكتب الصرف” أن المغرب استورد من الصين خلال يناير/ كانون الثاني الماضي نحو 197 مليون دولار مقابل صادرات مغربية للصين خلال الشهر نفسه لم تتجاوز 3 ملايين دولار فقط، وذلك بالرغم من الأزمة المالية العالمية. الأمر الذي يجعل الصين في المرتبة الثالثة، كزبون للمغرب بعد فرنسا وإسبانيا. نورة التي تعتبر من ذوي الدخل المحدود في المغرب، تقبل باستمرار على السلع الصينية التي تلبي حاجياتها المتنوعة. وعن هذا تقول: “إذا كانت حتى الماركات العالمية تستورد سلعها من الصين فلماذا لا أقتنيها أنا أيضا. الصينيون يحسنون التقليد ولو بدرجات متفاوتة”. وهذا ما تراه أسماء أيضاً، التي تعمل منذ أكثر من ست سنوات في أحد المحلات التي تبيع الأحذية والحقائب الصينية بالجملة في مدينة الدارالبيضاء. وتوضح أسماء قائلة إن السلع الصينية غزت جميع الأسواق وإن العديد من التجار يتوافدون على هذا النوع من المتاجر من مدن مختلفة من أجل اقتناء ما يلزمهم من سلع لتسويقها في مدنهم. وتؤكد أسماء أن التجار الصينيين أصحاب هذه المتاجر يكسبون أرباح خيالية قد تتجاوز 5000 يورو في اليوم الواحد، بالرغم من أن مساحة المحل لا تتعدى 20 متراً مربعاً. لكن أسماء تتذمر من الراتب الذي يتقاضه العاملون في هذه المتاجر والذي لا يتجاوز 200 يورو شهرياً، وتضيف موضحة “العاملون الجدد في هذه المحلات يكسبون فقط 30 يورو أسبوعياً مع أننا نعمل بمعدل ثماني ساعات في اليوم”. وفي هذا السياق يرى أستاذ الاقتصاد عبد السلام أديب أن حجم اختراق السلع الصينية يتراوح ما بين 20 و30 في المائة لاسيما في العاصمة الاقتصادية للمغرب الدارالبيضاء. ومرد ذلك حسب أديب إلى أن الصين تصنع سلعاً تفيد المستهلك في الاستعمال اليومي، وبأسعار رخيصة. ولهذا يتجه الأشخاص من ذوي الدخل المحدود إلى اقتناء هذه السلع ويتجاهلون السلع الأوروبية والأمريكية وحتى المحلية المرتفعة الثمن. ويوضح أستاذ الاقتصاد المغربي أن منظمة التجارة العالمية تعطي الصين حق التواجد في الأسواق والمغرب لا يمكنه منعها. قانون قد يحمي المستهلك من السلع المضرة لم يكن المغاربة يتوقعون أن تنتج الصين في يوم من الأيام “غشاء بكارة” صيني وبثمن زهيد جداً، ما أثار حفيظة الفقهاء وعلماء الاجتماع وفئات عريضة من الشارع المغربي قبل أشهر قليلة. وبهذا الصدد يوضح محمد بنقدور، رئيس جمعية حماية المستهلك، أن حماية السوق المغربية من المنتجات المضرة بالمواطن لن يتم إلا بقانون يحمي المستهلك، من المتوقع صدوره قريباً على حد قول بنقدور الذي يبرز أن هذا القانون من شأنه أن يساهم في التوعية بمجموعة من المواد المخالفة للمواصفات الصحية ومن بينها المواد الصينية. وهذه التوعية تكون عبر حملات إعلامية أو مخاطبة المواطنين بشكل مباشر، أو من خلال المؤسسات التعليمية أو مراكز التربية والتعليم، وعن طريق محاضرات وندوات وتوزيع المطويات، على حد تعبير بنقدور. كما يضيف رئيس جمعية حماية المستهلكين أن هذا القانون الذي من المنتظر صدوره قريبا يرتكز بالأساس على ضرورة إعطاء المعلومة الكافية حول المنتج، وسيحمل أيضاً الجهات المختصة مسؤولية مراقبة المنتجات قبل وصولها إلى السوق وبالتالي لن يجد المستهلك منتجات مضرة بصحته للبيع. ويوضح بنقدور أن المغرب سينشئ “المركز المغربي للاستهلاك” بالاشتراك مع منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، والذي سيقوم بتحليل المنتجات والمقارنة بينها مما سيحسن المستهلك من اختياره. وبإمكان المركز كذلك أن يضع منظومة إنذار بالنسبة للمواد التي تشكل خطراً على حياة المواطن. وفي هذا الإطار يقول بنقدور إن جمعية حماية المستهلك قامت باستطلاع للرأي حول مدى وعي المستهلك المغربي بالسلع الصينية، وأظهرت نتائج هذه الدراسة أن العديد من الأشخاص المستطلعة أرائهم لديهم وعي كاف بخطورة بعض المواد، لكنهم على الرغم من ذلك يقتنونها نظراً لقدرتهم الشرائية المحدودة. لكن هناك طبقة غير متعلمة ليس لها دراية بضرر هذه السلع. ويوضح بنقدور أن المنافسة والانفتاح من شأنه أن يحسن من جودة المنتج ويخفض من ثمنه إن احترمت المقاييس العالمية. سيف ذو حدين وإذا كانت بعض السلع الصينية قد تسببت في بعض المشاكل في المغرب كسخانات المياه التي كانت وراء وفاة بعض الأفراد، فهناك سلع أخرى حلت الكثير من المشاكل لدى الأسر المحدودة الدخل، كما تقول خديجة وهي ربة بيت: “بفضل السلع الصينية يستطيع أبنائي اقتناء العديد من الألبسة في السنة وحتى تغيير الأدوات الدراسية، الأمر الذي كان مستحيلاً في السابق”. من جانبه يرى عبد السلام أديب أن تخفيف العبء الضريبي عن المنتجات المغربية والأوربية من الممكن أن يساهم في تسويقها بشكل أفضل، على حد تعبير الخبير الاقتصادي الذي يركز أيضاً على أهمية الرفع من جودة السلع المحلية وتخفيض الكلفة حتى تحافظ على بقائها. ويضيف أديب قائلاً: “يمكن اللجوء إلى طريقة تحديد ثمن مرجعي بالنسبة للسلع التي تكون أرخص بكثير من السلع المغربية حتى لا نلحق أضراراً بتواجدها بالسوق، وفي كل الأحول ليست جميع السلع الصينية مضرة فهناك العديد منها مفيد جدا للمستهلك المغربي”. ومحاولة منها للحد من المد الصيني أعدت الحكومة المغربية قانوناً عرضته على أنظار البرلمان بخصوص الإجراءات التي تعتزم تطبيقها قريباً من أجل التصدي للسلع المستوردة والتي ألحقت ضرراً بالإنتاج المحلي. لكن انخراط المغرب في اتفاقية التبادل الحر وفي منظمة التجارة العالمية قد يحد من فعالية أي قانون حمائي للسلع. سارة زروال/ الرباط مراجعة: عماد مبارك غانم