على عكس الانطباعات التي يحاول الإعلام الحزبي والرسمي ترسيخها لدى المواطن المغربي من كون طرد وفد الشباب المغربي المشارك في أشغال المهرجان العالمي للشباب والطلبة ببريتوريا بقرار من اللجنة التنظيمية محاولة لسرقة المهرجان من طرف جنوب أفريقيا لخدمة أهدافها ومصالحها وعلاقاته، فإن الواقع يفرض علينا مند البداية الاعتراف بأن هدا الطرد مؤشر خطير على الضعف والهوان الذي بات يميز المجتمع المغربي حتى في الشرائح والفئات التي يفترض أنها موسومة بالنشاط والحيوية باعتبارهم عماد الحاضر وأمال المستقبل . إن ما حدث في عاصمة جنوب أفريقيا التي لا يخفى على أحد أنها طرف رئيسي في المحور المعادي لبلادنا ،يستوجب أن نقف وقفة تأمل حقيقية وأن نعيد النظر في الكيفية والطريقة التي يتم بها تشكيل الوفود المغربية المشاركة في مثل هده التظاهرات الهامة التي ينبغي علينا استثمارها كمنبر لتوسيع الإشعاع المغربي ونصرة قضياه العادلة. إن ما يلاحظ في هدا الصدد هو استمرار نفس الأساليب العتيقة والطرق الملتوية التي تستدعي في المقام الأول اعتبارات خارجة عن التاريخ وبعيدة عن منطق العصر من قبيل الزبونية والقرابة الحزبية والعائلية الخ. والنتيجة الطبيعية لهذا المنطق المعتل هي وفد هش ليست لديه المقومات والإمكانيات المعرفية والتواصلية التي تمكنه من تفنيد أطروحات خصوم وحدتنا الترابية بعيدا عن التشنج والتعصب الذي لا يؤدي إلى أية نتيجة وغالبا ما يبطل مفعول أية مبادرة جدية. ولابد في هذا الإطار كذلك أن نستحضر حالة الانقسام التي ظهر بها الوفد عندما رفض القيمون عليه ضم عناصر من أحزاب مغربية أخرى كانت حاضرة في العاصمة بريتوريا مما ولد لدى المراقبين انطباعا سيئا حول وفد لم يفلح حتى في إرساء أسس التفاهم بين مكونته الداخلية فبالأحرى أن يتصدى لمناورات ودسائس عدة خصوم من عيار ثقيل اكتسبوا دربة وخبرة كبيرة في الاستغلال المقيت لمثل هده التظاهرات الدولية. إني أخشى ما يخشاه المواطن المغربي في الظرفية الحالية هو أن يمتد ذات المنطق إلى الوفود الحزبية المرتقب تشكيلها للقيام بزيارات إلى العواصم المؤثرة في القرار الدولي لشرح الحقائق الجغرافية والتاريخية والسياسية لقضية وحدتنا الترابية في إطار التصور التي تعكف عليه هذه الأحزاب حاليا التي غابت عن المشهد في أحرج لحظات القضية الوطنية مما ترك الجهاز الدبلوماسي الرسمي وحيدا في مواجهة الخصوم حتى في مقر البرلمان الأوروبي والاسباني. إننا إذ نواجه اللوم والتقريع المبالغ فيه أحيانا للطبقة السياسية الرسمية ،نعترف في الآن نفسه أن كثيرا من الطاقات والكفاءات المغربية داخل وخارج الوطن هي التي اختارت عن طواعية إدارة ظهرها للعمل في الشأن العام والعزوف عن المشاركة السياسية بكل تمظهراتها ،مع العلم أن هده الطاقات لها من الإمكانيات والمؤهلات ما يسمح لها بالنهوض بادوار طلائعية فاعلة وناجعة في الدفاع عن القضايا الوطنية وفي طليعتها قضية وحدتنا الترابية. لقد آن الآوان ،والمغرب يعيش شبه حصار من جميع حدوده ،أن يبادر الجميع كل من موقعه إلى بناء بوثقة وطنية تتضافر فيها الجهود توظف من اجلها كل الكفاءات، والمدخل الأول في هذا الصدد إعادة الثقة لكل من فقدها في العمل السياسي وإحياء روح الغيرة على الوطن التي باتت باهتة وان كان المغاربة خرجوا بالملايين في مسيرة الدارالبيضاء. إن الوصول إلى النضج المأمول للحياة السياسية الوطنية يقتضي أولا وأخيرا إعادة الاعتبار للعمل السياسي وبناءه على أساس منطلقات سليمة وقيم ايجابية من صدق وإخلاص ونكران الذات وحد أدنى من النبل في الأخلاق . وعليه ينبغي التفكير في القيام بعملية تطهيرية للحياة السياسية وتخليصها من كل الشوائب المشينة والأشخاص الدين يدعون ما لا يفعلون من خلال مراجعة المنظومة القانونية المؤطرة للعمل السياسي الحزبي في اتجاه ترشيده وتخليقه وجعله أكثر جدبا لأناس مخلصين تمنعهم عفتهم وكرمتهم من الانخراط في اثون صراع سياسي ظاهره مشبع بالوطنية المفترى عليها وباطنه تسابق محموم لمراكمة الثروة والمصالح الشخصية والدفاع عنها.