الدريوش: قطاع الصيد سجل استثمارات فاقت 930 مليون درهم وخلق 126 ألف منصب شغل    حضور مغربي قوي في جوائز الكاف للسيدات    الحزب الحاكم في البرازيل: المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    تنسيقية الصحافة الرياضية تدين التجاوزات وتلوّح بالتصعيد        عجلة البطولة الاحترافية تعود للدوران بدابة من غد الجمعة بعد توقف دام لأكثر من 10 أيام    "ديربي الشمال"... مباراة المتناقضات بين طنجة الباحث عن مواصلة النتائج الإيجابية وتطوان الطامح لاستعادة التوازن    الجديدة: توقيف 18 مرشحا للهجرة السرية    السلطات المحلية تداهم أوكار "الشيشا" في أكادير    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق    اسبانيا تسعى للتنازل عن المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    الذهب يواصل مكاسبه للجلسة الرابعة على التوالي    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    استئنافية ورزازات ترفع عقوبة الحبس النافذ في حق رئيس جماعة ورزازات إلى سنة ونصف    "لابيجي" تحقق مع موظفي شرطة بابن جرير يشتبه تورطهما في قضية ارتشاء    مقتل 22 شخصا على الأقل في غارة إسرائيلية على غزة وارتفاع حصيلة الضربات على تدمر السورية إلى 68    ترامب ينوي الاعتماد على "يوتيوبرز وبودكاسترز" داخل البيت الأبيض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    الحكومة الأمريكية تشتكي ممارسات شركة "غوغل" إلى القضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    البابا فرنسيس يتخلى عن عُرف استمر لقرون يخص جنازته ومكان دفنه    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    المركز السينمائي المغربي يدعم إنشاء القاعات السينمائية ب12 مليون درهم    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية        اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية        جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    الحكومة تتدارس إجراءات تفعيل قانون العقوبات البديلة للحد من الاكتظاظ بالسجون        منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية        تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    فعاليات الملتقى الإقليمي للمدن المبدعة بالدول العربية    أمزيان تختتم ورشات إلعب المسرح بالأمازيغية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    روسيا تبدأ الاختبارات السريرية لدواء مضاد لسرطان الدم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلمة الأمين العام إسماعيل العلوي في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الوطني الثامن لحزب التقدم والاشتراكية
نشر في بيان اليوم يوم 30 - 05 - 2010

نحو تعديل دستوري يتم في تناغم بين المؤسسة الملكية والفاعلين السياسين، ويروم المزيد من ضبط اختصاصات كل من المؤسسة الملكية والحكومة والبرلمان
تطوير مفهوم حقوق الإنسان ليشمل الحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحق النساء في المساواة، وضمان حقوق الطفل، والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة إنجاز أوراش شعبية جماعاتية موفرة لأكبر قدر من مناصب الشغل، مع ضرورة التخلي عن ثقافة الريع، وإرساء دعائم دولة القانون في مجال الاقتصاد.
التحالف الطبيعي للحزب يظل متجها، بالأساس، نحو مكونات الكتلة الديموقراطية، ومختلف فصائل اليسار، مع الانفتاح على كل الديمقر
حضرات السيدات والسادة،
ضيوفنا الكرام،
رفيقاتي العزيزات، رفاقي الأعزاء،
بعد ترتيبات تحضيرية مكثفة، في ظل النجاح الكبير الذي عرفته الجموع العامة لجل الفروع المحلية والاقليمية، والصدى الطيب الذي خلفته العديد من المنتديات الوطنية القطاعية والسوسيو مهنية، والنتائج المرضية المحصل عليها في ما نظم من حملة انخراطات جديدة وتجديد لبطاقات العضوية في حزبنا، حزب التقدم والاشتراكية.
وبفضل أجواء الحماس والتعبئة، المطبوعة بالجدية والتلاحم ووحدة الصف، التي خيمت على مختلف أطوار هذه الترتيبات التحضيرية، ها هو ذا الحزب يصل، متمتعا بلياقة تنظيمية وسياسية وفكرية لائقة، إلى محطة نضالية بارزة وحاسمة، محطة عقد مؤتمره الوطني الثامن، تحت شعار يحدد بجلاء مهمة الساعة، ويشير بوضوح إلى الأفق المنشود لمسيرنا: "جيل جديد من الإصلاحات، لمغرب الديموقراطية".
والواقع، بالنسبة للأداة التنظيمية لتوجهنا السياسي والفكري والايديولوجي، أن الأمر يتعلق بالمؤتمر الحادي عشر(11)، إذا ما بدأنا العد منذ التأسيس سنة 1943، مرورا بالمؤتمر الثالث الذي انعقد، في إطار السرية، سنة 1966، والذي تشرفت بالمشاركة في أشغاله، مما أتاح لي أن أعاين عن كثب كيف كان هذا المؤتمر منعطفا تاريخيا في حياة الحزب، من حيث أنه شكل منطلقا جديدا للتكيف أكثر مع واقع البلاد وتطلعات الشعب، وبداية بلورة وتدقيق للمفاهيم التأطيرية والمقاربات المرجعية للتغيير.
ونحن إذ نلتقي، على مدى ثلاثة أيام، في هذا المؤتمر الذي يشكل إطارا لمساءلة أربع سنوات من الممارسة التنظيمية والسياسية، من خلال مقاربة النقد والنقد الذاتي البناءين والموضوعيين؛ وإذ نلتقي للبحث، سوية، عن صيغ وأشكال نضالية جديدة، من أجل ترسيخ تجذر الحزب في المجتمع، والعمل على تحويله إلى فاعل أساس في الحراك الاجتماعي، وتعزيز حضوره النقابي والجمعوي، بما يمكنه من أن يواصل، على نحو أمثل وفي ظل شروط أفضل، سعيه الدؤوب إلى تجسيد مشروعه المجتمعي بوسائل النضال الديموقراطي وعمل القرب، مع التمسك باستقلاليته ونبذ الإنغلاق على الذات.
إذ نلتقي، في هذا العرس النضالي الكبير لحزبنا، المتشبث بهويته الايديلوجية الاشتراكية، وبالقيم السامية الإنسانية للفكر الاشتراكي، والانفتاح على التحولات الجارية وطنيا وعالميا، وتجديد الممارسة وتكييفها مع الواقع المتغير، بما يتيح مواصلة النضال في كل المواقع من أجل التغيير نحو مجتمع أكثر عدلا وإنصافا لمكوناته.
أقول ونحن نلتقي، في مؤتمر حزبنا، الذي يعتبر إشاعة القيم الكونية للتقدم والديموقراطية والحداثة والعقلانية والعدالة الإجتماعية والمساواة من المهام المركزية لنضاله في الواجهة الفكرية والايديولوجية، والذي يرفض الجمود العقائدي، و لا يفرط في فكرة التقدم نحو نمط إنتاج مغاير لما هو سائد حاليا، ونحو تشكيلة إقتصادية وإجتماعية جديدة، أي إشتراكية بألوان مغربية، لا يسعنا إلا أن نستحضر ذكرى رفاقنا وقادتنا التاريخيين، وذكرى سائر الرفيقات والرفاق الذين افتقدناهم، ونخص منهم بالذكر الرفاق علي يعتة وعبد السلام بورقية وعبد الله العياشي والهادي مسواك وعزيز بلال ومحمد شعيب الريفي.
لقد أبلى هؤلاء جميعا، إلى جانب مناضلات ومناضلين كثر، منهم من لا يزالون على قيد الحياة أطال الله في أعمارهم، البلاء الحسن، وكرسوا حياتهم للحزب وقضايا الوطن والشعب، وكان لهم قسط وافر في إغناء رصيد الحزب من التحليل النظري الرفيع، والتجديد الفكري المتواصل، والصياغة الدقيقة والجريئة للمواقف السياسية المناسبة عند كل حدث أو مناسبة.
وفضلا عن كل هذا، علمونا وإياكم، أيتها الرفيقات العزيزات والرفاق الأعزاء، أن قوة حزبنا في وحدته، ووفاء وإخلاص مناضلاته ومناضليه، وأن وحدته فيها أيضا تقوية لصف اليسار وتعزيز لمواقع الديموقراطية والديموقراطيين.
لذا أدعوكم، حضرات السيدات والسادة، رفيقاتي العزيزات، رفاقي الأعزاء، إلى الوقوف للتأمل ولقراءة الفاتحة ترحما على أرواح رفاقنا وقادة حزبنا التاريخيين، وأرواح سائر شهداء وطننا العزيز، الذين يجدر بنا أن نتخذهم قدوة، ونستنير بتجربتهم، ونكون في مستوى تضحياتهم.
أيها الحضور الكريم،
إن المؤتمر الوطني الثامن لحزب التقدم والاشتراكية، الحريص دائما، كما لا يخفى عنكم، على وضع المصالح العليا للوطن والشعب فوق كل اعتبار، وعلى الدفاع دوما عن مصالح الطبقات المنتجة للثروات، وقضايا الكادحين والمعوزين، من أجل تشييد مجتمع تسوده العدالة والرفاهية وتنمية الأفراد ومجموع الأمة، إن هذا المؤتمر يلتئم في فترة تاريخية هامة من المغرب الذي يعيش، منذ المؤتمر الوطني السابع للحزب، مستجدات سياسية كبرى، ويشهد مخاضا كبيرا، حتى لا أقول عسيرا.
ويمكن إجمال أبرز سمات هذه الفترة في المميزات التالية:
*أولا: التحولات الكبرى التي أفضت إليها دينامية التوافق، والمتجلية في ضمان استقرار المؤسسات والمضي في اتجاه إصلاحات تحديثية، وحصول تقدم ملحوظ في مجالات البناء المؤسساتي والديموقراطي وعلى صعيد الحريات العامة، وتحقيق مكتسبات في المجال الاقتصادي، مع إعطاء الانطلاقة لسياسة الأوراش الكبرى، والرفع الهام من الاستثمارات العمومية في إطار الحفاظ على التوازنات الماكرواقتصادية والشروع في عصرنة الاقتصاد، ومكتسبات في المجال الاجتماعي، بالرغم من الثغرات المسجلة، والتقدم الملموس في اتجاه تأمين مساواة فعلية بين الجنسين وحماية حقوق الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة.
وحزب التقدم والاشتراكية، الذي يواصل، منذ انطلاق تجربة التناوب، المشاركة، إلى جانب حلفائه من الكتلة الديموقراطية، في تدبير الشأن العمومي، من موقع الحكومة، منطلقا في ذلك من حرصه على تعزيز النهج الاصلاحي التقدمي والإسهام في تقوية المسار الذي يخدم قضايا الوطن ومصالح الشعب... إن الحزب ينظر إلى هذه التحولات بعيون مفتوحة وموضوعية، أي أنه يتعامل معها بشكل بناء، حيث لا يغفل رصد الصعوبات والنقائص والإخفاقات التي لاقاها ويواجهها المشروع الإصلاحي، من قبيل عدم التمكن من إنضاج شروط مباشرة جيل جديد من الإصلاحات الدستورية والسياسية، واستمرار مظاهر منافية للحكامة الجيدة في تدبير المرفق العمومي، وإخفاق، نتمنى ألا يدوم، لمشاريع تأهيل وإصلاح القضاء والإدارة، واستمرار مظاهر الفساد في الحياة العامة، واقتصاد الريع، والاختلالات في مجال الشفافية ومقومات دولة القانون في مجال الاقتصاد، وعدم التمكن من معالجة مشاكل التربية والتكوين وقضايا الصحة، رغم ما سجل من تقدم في هذه المجالات؛ كما أن نقائص كبيرة ما زالت تطبع المجال الاجتماعي، خاصة على مستوى استمرار فوارق طبقية ومجالية هامة وخطيرة، وعدم التمكن من القضاء الكلي على مظاهر الفقر والتهميش التي تطال فئات عريضة من المجتمع.
والحزب إذ ينبه إلى النقائص، دون تضخيمها، ولا جعلها تحجب المكتسبات العظمى المحصل عليها، فإنما يفعل ذلك من أجل تجاوز هذه النقائص، معتبرا أنه يتعين الاستمرار في إنجاز الأوراش الكبرى، مع تعزيزها بسياسة أشغال كبرى خاصة بالجماعات المحلية، من أجل تمتين النسيج الوطني، من جهة، ولتمكين مواطني الأرياف والبوادي من حق الإستفادة من الثروات التي يسهمون في إنتاجها، مما سيقوي الانسجام الاجتماعي ويدعم الاستقرار العام.
*ثانيا: وتتمثل السمة الثانية المميزة للفترة التاريخية التي نحن بصددها في التطورات الإيجابية، والمهمة جدا، التي عرفتها قضيتنا الوطنية الأولى، قضية وحدة أرض وطننا ووحدة شعبنا. ولعل أبرز هذه التطورات هو تقديم المغرب لمقترح الحكم الذاتي، كحل سياسي نهائي لقضية وحدتنا الترابية، والاتجاه نحو إرساء جهوية موسعة تشمل باقي أقاليم المملكة؛ مع فتح الباب لمصالحة مغاربية تمكن من تحقيق حلم طالما راود شعوبنا المغاربية والرامي إلى تأسيس مغرب كبير موحد من نهر السينغال إلى الحدود المصرية.
فقد تمكنت المملكة المغربية، بفضل هذا المقترح الشجاع والجريء، من استرجاع زمام المبادرة في الساحة الدولية، حيث لقي مقترحها تجاوبا واسعا من قبل المنتظم الدولي، الذي اعتبره مقترحا جادا ومنطقيا وذا مصداقية ويمثل أساسا جيدا للمفاوضات من أجل التسوية النهائية للنزاع المفتعل حول الصحراء الجنوبية الغربية، المغربية، وكفيلا بوضع حد لمعاناة مواطنينا المحتجزين في مخيمات العار بتندوف فوق التراب الجزائري.
لكن عوض الانخراط في دينامية هذه المبادرة، التي من شأن تفعيلها أن يضمن للجميع مخرجا سياسيا مشرفا، لا غالب فيه ولا مغلوب، أبان أعداء الوحدة الترابية للمغرب عن سبق إصرار وترصد في مجابهة طموح شعبنا من أجل استكمال وحدته الترابية، وسارعوا إلى خوض حملة دعائية كاذبة ومحمومة في محاولة لاستغلال ورقة مفبركة عن انتهاك مزعوم لحقوق الإنسان في الأقاليم المغربية الجنوبية؛ والحال أنهم ليسوا فحسب غير مؤهلين، على أكثر من مستوى، للدفاع عن موضوع نبيل مثل موضوع حقوق الإنسان، بل إنهم آخر من يجوز له أن يتحدث في هذا الموضوع، بالنظر لسجلهم سيئ الذكر في هذا المجال، ولا سيما في مخيمات العار بتندوف حيث يحتجز مواطنون مغاربة في وضع أقل ما يمكن أن يوصف به أنه كارثي بكل معايير حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
وقد تلقت مناورات أعداء الوحدة الترابية المغربية، ضربة جديدة من المنتظم الدولي، حيث رفض مجلس الأمن، في قراره الأخير رقم 1920، أي إقحام لقضية حقوق الإنسان عند تمديد مهمة المينورسو لسنة أخرى. كما أن تزايد وتيرة عودة العشرات من المواطنين المغاربة، الذين كانوا محتجزين في مخيمات العار بتيندوف، جاء ليؤكد قرب انتهاء خرافة الانفصاليين.
وبقدر ما تبعث هذه المستجدات الإيجابية على الإرتياح، بقدرما يجب أن تدفعنا إلى مزيد من اليقظة والحذر، ومن مواصلة إدراج قضية الصحراء المغربية في مقدمة أولويات البلاد، وتعبئة كل الإمكانيات اللازمة من أجل التصدي لمناورات أعداء وحدتنا الترابية، الذين تنفلت أعصابهم ويتمادون في غيهم كلما تم إحباط مناوراتهم، ويعمدون إلى تسخير شرذمة من عملائهم في الداخل، من ذوي النفوس الضعيفة والأغراض المشبوهة.
إن قضية الوحدة الترابية لوطننا والوحدة المتماسكة لشعبنا قضية مقدسة لدى المغاربة قاطبة، وبالتالي فإن خيانة هذه القضية لا يمكن إلا أن تكون مرفوضة، جملة وتفصيلا، رفضا باتا وقاطعا.
وخيانة القضية لا صلة لها بالحق في حرية التعبير المكفول دستوريا، والمضمون بالقوانين الجاري بها العمل، والتي هي كل لا يتجزأ، يجب أن تطبق على جميع المواطنات والمواطنين، وتسري في أقاليم المملكة جميعها بدون أي إستثناء.
وما دمنا بصدد الحديث عن الوحدة الترابية لبلادنا، فلابد من التأكيد، مجددا، على موقفنا المبدئي الراسخ إزاء استمرار إسبانيا في احتلال مدينتي سبتة ومليلية المغربيتين والجزرالسليبة المجاورة لهما.
نحن نؤيد، وقد عبرنا عن ذلك منذ سنوات عديدة، دعوة المغرب للجارة إسبانيا إلى الحوار من أجل إنهاء هذا الاحتلال، وذلك وفق روح العصر، ومنطق علاقات حسن الجوار، أي في إطار يأخذ بعين الاعتبار العلاقات المتميزة التي يجب أن تظل قائمة بين بلدنا وإسبانيا.
*ثالثا: أما السمة الثالثة التي تطبع الفترة الحالية فتتلخص في انتهاء المسلسل الانتخابي الطويل الذي هم كل المؤسسات المنتخبة، وما أفرزه هذا المسلسل من مشهد سياسي وحزبي جديد، تمخضت عنه معارضة غريبة الأطوار وأغلبية غير حريصة على الالتزام.
والواقع أن هذه الانتخابات كانت أشبه بماراطون للقفز على الحواجز وتخطي المطبات، دونما فرصة لالتقاط الأنفاس.. ماراطون أريد له أن يكون من مراحل متعددة ومتقاربة زمنيا، مما أنهك معظم الأحزاب، وشغلها عن التفرغ لمهامها التأطيرية، والانكباب على القضايا التنظيمية، التي تشكل لب العمل السياسي.
هذا المعطى لوحده، الذي أصبح له أثر سلبي على العمل السياسي المعقلن، يستوجب إعادة النظر في مدونة الانتخابات ودورية تنظيمها وترشيد هذا التنظيم ماديا وأدبيا، فما بالكم وأن هناك ما هو أدهى وأمر وأخطر.
فقد أظهر المناخ العام، الذي مر فيه المسلسل الانتخابي، سنة 2009، وقبله مسألة تدبير تشكيل الحكومة بشكل يبخس من دور ومكانة الأحزاب السياسية، أن بلادنا تعيش حياة سياسية غير سليمة، حيث لم تكن الإنتخابات معركة سياسية يسودها التنافس الشريف والمتكافئ وتباري الأفكار والبرامج، بل صارت، على العموم، سوقا لشراء الأصوات والمضاربة من أجل النفوذ المصلحي، مما رسخ لدى المواطنين والملاحظين ارتساما سمته الأساسية عودة الفساد والمفسدين بقوة، وهيمنتهم على العمليات الانتخابية.
وفضلا عن ذلك، تميز هذا المسلسل باستمرار ظاهرة الترحال، وبروز تحالفات غير طبيعية، وإفراز مشهد حزبي مشوه يهيمن عليه فاعل سياسي جديد استفاد، بشكل مبهم، من صورة قربه من الدوائر العليا للدولة، وأبدى نوعا من القدرة غير العادية على تكييف بعض القرارات الرسمية بل وحتى قرارات بعض الأحزاب.
وقد تم تكريس الأساليب القديمة، القائمة على الاعتماد على نوعية متخلفة من أشباه "الأعيان" الذين لا قيم لهم ولا مبادئ، وتوجيه ضربات للدور التأطيري للأحزاب السياسية، مما أفرز، على الصعيدين الوطني والمحلي، هيئات منتخبة ذات أداء ضعيف، وتعطي، بالتالي، صورة مشوهة للعمل السياسي.
إن ما سبق، إضافة إلى اتساع ظاهرة العزوف عن العمل السياسي وتقلص نسبة المشاركة في العمليات الانتخابية، وعدم تجذر الثقافة الديمقراطية في المجتمع، وضعف درجة الوعي السياسي لدى العديد من المواطنين وتدني مستوى الالتزام السياسي، ودخول الأحزاب الديموقراطية واليسارية هذا المعترك في حالة تشرذم وانشغال بالجزئيات...كل هذا يؤشر على وجود أزمة في العمل السياسي، و يؤكد أن هناك مخاطر حقيقية تهدد المسار الديمقراطي ببلادنا.
وهذا أمر يفرض، بالضرورة، مراجعة قانون الانتخابات في اتجاه تطوير نمط الاقتراع الحالي حتى يسمح بتمثيلية متوازنة بين النخب السياسية الوطنية، من جهة، والنخب المحلية، من جهة أخرى، متيحا بهذا للمؤسسات الديموقراطية التمثيلية نجاعة أكثر، وللنظام السياسي نفسه مصداقية أكبر.
وهو أمر يملي كذلك مراجعة قانون الأحزاب بما يتيح وضع حد، بشكل واضح لا مجال معه لأي تأويل أو لف ودوران، لظاهرة الترحال التي استفاد منها محترفو وتجار الانتخابات، حيث شكلت أحد مداخل الفساد والإفساد التي استغلها البعض للتلاعب باستحقاقات يفترض فيها، من الناحية المبدئية، أن تكون لحظة ديموقراطية لتنشيط الحياة السياسية وترشيدها ولرد الاعتبار للعمل الحزبي وعقلنة مشهده
ثم إنه أمر يسائل كل القوى الديمقراطية، التي عليها أن تبحث عن السبل الكفيلة بتمكينها من استرداد زمام المبادرة، مما يتطلب فتح نقاش جدي وواسع بين مختلف مكوناتها، وذلك في اتجاه صياغة موحدة للأهداف المتوخاة وتحديد منسق لآفاق وآليات العمل المشترك.
*رابعا: ومن مميزات هذه الفترة التاريخية، وهي المميزة الرابعة: التداعيات السلبية للأزمة الاقتصادية والمالية العالمية، التي لم يكن المغرب في منأى عنها، بسبب ارتكاز سيرورة نموه أساسا على الاقتصاد الرأسمالي، من جهة، ونظرا لهشاشة بنياته الاقتصادية، وارتباطها بالأسواق الخارجية، من جهة أخرى.
وبالرغم من تمكن اقتصادنا الوطني، إجمالا، من مجابهة الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية، بفضل حسن تدبير التوازنات الماكرو اقتصادية، وبفضل كذلك سنة فلاحية استثنائية لموسم 2009، فإن آثار هذه الأزمة انعكست على المغرب، من خلال أربع قنوات، وهي: انخفاض الطلب الخارجي للمنتوجات المغربية، الخام والمصنعة، وتقلص عائدات القطاع السياحي، والمداخيل المتأتية من تحويلات المغاربة المقيمين بالمهجر، ثم انخفاض حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وعلى حد قول المثل المعروف، فإن نقمة هذه الأزمة تحمل في طياتها نعمة تتمثل في كون الأزمة حطمت بعض أساطير الليبيرالية الجديدة التي سادت لفترة، مثل أسطورة السوق الضابطة لذاتها وأسطورة ضرورة عدم تدخل الدولة.
كما كشفت الأزمة عن هشاشة نماذج التنمية المبنية فقط على الطلب الخارجي وعلى الصادرات، بينما أبانت عن نجاعة النماذج التنموية القائمة على الطلب الداخلي، من دون أن يتعارض ذلك مع الانفتاح الاقتصادي وتطوير التجارة الدولية، على أسس متوازنة، عادلة ومتنوعة.
وإلى ذلك، شكل اضطرار الدول الرأسمالية الكبرى إلى اللجوء لإعمال مفاهيم ومقاربات غير ليبيرالية لمعالجة اختلالات النظام التجاري والمالي العالميين، من قبيل تقوية دور الدولة وتوسيع مجال تدخلها وتقنينها للاقتصاد، والاعتماد على الاستثمار العمومي للنهوض به... شكل برهانا ساطعا على حيوية المرجعية غير الليبيرالية وبالتالي محدودية النظام الرأسمالي.
*خامسا: وتتمثل إحدى أهم المكتسبات المحققة خلال السنوات القليلة الماضية، وهذه هي المميزة الخامسة للفترة التاريخية التي تعنينا، في تمكن الدولة والمجتمع من التغلب على خطر الإرهاب، الذي سبق وضرب بعنف وشدة في الدار البيضاء، والذي خفت حدته، وإن كانت تهديداته لا تزال قائمة، وتفرض التصدي لها، بجميع أشكالها ومستوياتها ومصادرها، بحزم وصرامة.
لكن هناك نوعا من الإرهاب آخذا في التنامي، من خلال سعي أوساط متطرفة في نشر مقاربات فكرية وإيديولوجية وسياسية نكوصية ومغرقة في الرجعية، وتتخذ أشكال متعددة، من بينها ظاهرة تكاثر فتاوى غريبة عن المقاصد النبيلة للشريعة الإسلامية، بقدر ما هي معاكسة للتطور العلمي، وخارجة عن القانون، ومنافية للعقل السوي والمنطق السليم
وهي ظاهرة يتعاطى لها من هم غير أهل إطلاقا لإصدار الفتاوى، ويتم الترويج لها من قبل جهات لا تقيم بذلك وزنا للمؤسسة المخول لها أمر الإفتاء، وتتطاول على اختصاصات علماء الدين الأجلاء.
وأمام هذا التسيب، الذي ينبغي أن يوضع له حد، فإن حزب التقدم والاشتراكية، الذي ينبه إلى أن المعركة ضد الإرهاب هي أيضا معركة فكرية يجب خوضها في إطار مقاربة شمولية تدمج الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية، يندد بالمواقف المزدوجة والظلامية لبعض الفرقاء السياسيين، ويعلن رفضه المطلق للإفتاء العشوائي الرجعي، مؤكدا تشبثه بمؤسسة إمارة المؤمنين، التي تمتلك وحدها الحق الدستوري لضمان وحدة الأمة وتماسكها وحماية عقيدتها.
إن حزبنا، الذي يعتبر أن الدين الإسلامي الحنيف، دين العدل والحق والتسامح والتيسير واحترام الديانات السماوية الأخرى وأتباعها، هو ملك مشاع لكل المغاربة، يشدد على أنه لا يحق لأي كان أن يحتكره، ولا يجوز لأي طرف أن يتخذه مطية لتحقيق أغراض سياسوية.
فمن يرغب في ممارسة السياسة، له أن يفعل ذلك وفقا للضوابط القانونية والقواعد الأخلاقية.
وموقفنا بهذا الصدد لا ينطلق من رغبة في إقصاء أحد، فنحن، كما عبرنا عن ذلك في مناسبات متعددة، نقر بحق كل العائلات السياسية والفكرية في حرية المرجعية وحرية التعبير والتنظيم، متى احترمت دستور البلاد، وتقيدت بمقتضيات القانون، وتحاشت إقحام الدين في العمل السياسي، الذي يظل فضاء مفتوحا للتنافس والتصارع.
حضرات السيدات والسادة، رفيقاتي العزيزات، رفاقي الأعزاء،
إن كل هذه المعطيات والمميزات، التي تجدون تفاصيل عنها في الوثائق المعروضة على المؤتمر، تسائل كل من يحمل هم حاضر البلاد ومستقبلها، وكل من يرغب حقا في تعميق المكتسبات، والعمل بجد للحصول على مكتسبات جديدة أخرى، ومن أجل مزيد من تطوير المجتمع وهياكله نحو الأنجع والأفضل؛ على درب الدمقرطة والتقدم والعدالة الاجتماعية.
وهي معطيات ومميزات تؤشر على أن المغرب يمر من منعرج محفوف بالمخاطر، وتملي علينا بالتالي أن نجتهد ونتعبأ ونتحلى بروح الإقدام والابتكار لنحسن تدبير اجتيازه، كما تطرح علينا جميعا جملة من التحديات اللازم رفعها والرهانات الواجب ربحها.
فكيف يمكن أن يتأتى هذا، ومن سيتولى القيام به؟
إن حزب التقدم والاشتراكية، الذي يثمن المكاسب التي ناضل في سبيلها، من موقع المعارضة البناءة، ثم من موقع المشاركة الفعالة في تدبير الشأن العمومي، معتبرا أن الحصيلة إيجابية في مجملها، سبق له أن اقترح أن تتوافق أهم الأطراف السياسية الفاعلة في البلاد ضمن "تعاقد سياسي جديد" يشكل "جيل جديد من الإصلاحات" مضامينه الأساسية، وذلك على اعتبار أن المقاربة المبنية على ضرورة تطوير مرحلة الانتقال الديمقراطي، بولوج مرحلة الممارسة السياسية الديمقراطية العادية والسوية، كمرحلة متقدمة من المسلسل الديموقراطي، تستلزم تأكيد النهج الديمقراطي الحداثي، بأهداف وطنية واضحة، ومرام سياسية واجتماعية دقيقة، متوافق حولها.
وهنا لابد من بعض التوضيحات، رفعا لكل التباس ودفعا لأي تأويل خاطئ أو مغرض.
نحن، في حزب التقدم والاشتراكية، عندما نتحدث عن التوافق، كتعاقد سميناه في حينه "الحل الوسط التاريخي"، فإننا نضع المفهوم في سياقه التاريخي ومنحاه المتطور. فقد كان "الحل الوسط التاريخي"، الذي بفضله تمكن المغرب من الاندراج في انتقال ديمقراطي ملموس، ثمرة تلاق موضوعي لإرادات المؤسسة الملكية وأحزاب الحركة الوطنية والديمقراطية. مع العلم بأن هذه المقاربة التوافقية، التي شكلت إطارا لتطوير عملية الدمقرطة، لم تكن تعني أبدا إلغاء التنافس الانتخابي والديمقراطية التمثيلية، أو انتفاء الخلاف والصراع السياسي بين الأحزاب السياسية على اختلاف أرحامها وتباين مشاربها.
وعندما نتحدث اليوم عن التعاقد السياسي الجديد، يجب ألا يتم التعامل معه تعاملا ميكانيكيا وسطحيا كما لو أن الأمر يتعلق باجتماع أطراف ومؤسسات للتوقيع على اتفاق ما بعد التفاوض بشأنه، وإنما مقاربته بدلالاته السوسيولوجية والفلسفية والسياسية، التي تعني، في المحصلة، توافق أهم مكونات الأمة على الاختيارات الكبرى، والثوابت الأساسية، وآليات التصريف الديمقراطي الحداثي للعملية السياسية، والسير بهذه العملية إلى ما هو أرقى وأكثر تقدما.
وفي كل هذا تظل المؤسسة الملكية في مكانتها المتميزة، حيث لا مجال لوضعها في ميزان أو حشرها في معادلة.
وفي هذا الصدد بالذات، يؤكد مشروع الوثيقة السياسية، المعروض على أنظار هذا المؤتمر بعد أن صادقت عليه اللجنة المركزية للحزب، أن هذا التعاقد "يعني، باعتباره التزاما معنويا لأهم القوى الحية في البلاد، بلورة توافقات متينة على الاختيارات الديمقراطية الاستراتيجية للوطن، وعلى الإصلاحات السياسية والدستورية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وذلك على أساس أن المؤسسة الملكية تجسد نظاما سياسيا ديمقراطيا، يكرس السيادة الوطنية التي يمارسها الشعب عبر مؤسساته الدستورية، ويحظى، في منحاه المتطور، بإجماع وطني، ويتخذ شكل ملكية دستورية ديمقراطية واجتماعية، يمارس فيها الملك سلطاته كرئيس للدولة، وحكم فاعل وضامن للتنافس السياسي الشريف، السليم والمتكافئ، بين كل القوى السياسية، ومؤتمن على سير المؤسسات الدستورية في اتجاه أكثر حداثة وديمقراطية ونجاعة".
وتتمثل المضامين الأساسية لهذا التعاقد في جيل جديد من الإصلاحات الكفيلة بأن تضمن مضي المغرب قدما نحو مجتمع الديمقراطية والتقدم والعدالة الاجتماعية، وأهمها:
1* تعديل دستوري يتم في تناغم بين المؤسسة الملكية والفاعلين السياسين، ويروم المزيد من ضبط إختصاصات كل من المؤسسة الملكية والحكومة والبرلمان، وضمان استقلالية المجلس الأعلى للقضاء، والهيئة القضائية، ودسترة الأمازيغية، والتنصيص على سمو القانون الدولي على القوانين الوطنية، وتعزيز الحماية الدستورية لحقوق الإنسان وللمساواة. كما يدرج مسألة الحكم الذاتي الذي تقترحه بلادنا كحل وطني وديمقراطي لما يصطلح عليه بقضية الصحراء، والجهوية الموسعة كأسلوب حكامة جديد يتعين أن تستفيد منه كل جهات المملكة وسكانها، وأن تمكن من تعميق سير دمقرطة مؤسسات البلاد وممارسات المواطنين والمواطنات.
2* إصلاح سياسي يوسع ويحصن فضاء الحريات العامة الجماعية والفردية، مع صيانة حرمة الأشخاص وكرامتهم، والإقرار بحقهم في اختيار قناعاتهم الفكرية والسياسية دون إكراه، وتطوير مفهوم حقوق الإنسان ليشمل الحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحق النساء في المساواة، وضمان حقوق الطفل، والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، كما يرسي قواعد نظام تمثيلي أكثر مصداقية ونجاعة. ولن يتم ذلك إلا بتوفير جو سياسي سليم، والرفع من وعي الناخبات والناخبين واحترام إرادتهم، والابتعاد عن محاولات رسم خريطة سياسية بأساليب منافية للتطور الديمقراطي السليم.
3* تقوية الاقتصاد الوطني وضمان نموه وتوفير شروط تطوره، مع ترسيخ ما تم إنجازه، خاصة على مستوى الأوراش الكبرى، وتعميق هذه السياسة بالاستمرار في إنجاز أوراش أخرى أكبر، من جهة، ومجابهة الآثار المحتملة للأزمة العالمية، بتقوية السوق الداخلية، وذلك بالانتقال، من جهة ثانية، إلى إنجاز أوراش شعبية جماعاتية موفرة لأكبر قدر من مناصب الشغل، مع ضرورة تحقيق التكامل بين القطاعين العمومي والخصوصي، والتخلي عن ثقافة الريع، و إرساء دعائم دولة القانون في مجال الاقتصاد.
4* الانتقال إلى إرساء توازنات اجتماعية حقيقية، وتقليص الفوارق الطبقية والمجالية، وتلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين والمواطنات، من شغل وتعليم وصحة وثقافة، وتطوير القدرة الشرائية، وتعميم الحماية الاجتماعية والصحية.
ويقترح حزب التقدم والاشتراكية بلورة ميثاق إجتماعي وإقتصادي يحظى بتوافق كل الأطراف المعنية، ومأسسة الحوار الاجتماعي، بتحويله إلى مفاوضات اقتصادية اجتماعية جادة وشفافة، وإعمال المعايير الدولية قصد إفراز تمثيلية نقابية ذات مصداقية.
5* الإقرار بالتنوع الثقافي والتعدد اللغوي للأمة المغربية، مع تعميق تشبع المواطنات والمواطنين بثقافتهم وهويتهم وذلك مع الانفتاح الشامل على ثقافات العصر، وبناء مجتمع العلم والمعرفة، وإشاعة قيم العقل والتنوير، من أجل الاندراج الواعي في الثقافة العالمية المتقدمة.
6* إيجاد توافق حول ضوابط الممارسة الإعلامية، وتأطيرها تأطيرا ذاتيا على أساس أن حرية الفكر والتعبير والصحافة لا تقدر بثمن وتستحق كل التضحيات، لكنها مسؤولية تقتضي الالتزام بالأخلاقيات واحترام الآخر وحياته الخاصة.
ويعتبر حزب التقدم والاشتراكية أن المضامين الأساسية المذكورة للتعاقد السياسي الذي يقترحه على مكونات وفعاليات الأمة عامة، وكل قوى الديمقراطية والحداثية خاصة، يمكن أن تشكل عناصر لاختيارات كبرى وأهدافا متوافق حولها.
حضرات السيدات والسادة، أيها الحضور الكريم،
إن شعار مؤتمرنا الداعي إلى إطلاق "جيل جديد من الإصلاحات، لمغرب الديموقراطية"، تمت صياغته انطلاقا من اقتناع راسخ بأن إنجاز هذا الجيل الجديد من الإصلاحات تمليه ضرورة تكريس المكتسبات الإيجابية وتجاوز إخفاقات المرحلة السابقة. كما تفرضه ضرورة تهيئة متطلبات الانتقال إلى سرعة أعلى في عملية بناء مجتمع ديمقراطي حداثي، ورفع التحديات الكبرى الماثلة أمام البلاد، ومنها على وجه الخصوص استكمال وتوطيد الوحدة الترابية، وتعميق مسار التنمية الاقتصادية المقرونة بالعدالة الاجتماعية، وتوفير الشروط اللازمة من أجل اكتساب قدرة أكبر على مجابهة رهانات العولمة وتدبير إكراهاتها، وتعزيز مواقع المغرب في محيطه الجهوي والقاري والدولي.
ولأن التفاف القوى الحية للأمة حول هذا الجيل الجديد من الإصلاحات، الهادفة إلى تشييد مغرب الديموقراطية الحقة، لا يستتبع بالضرورة عدم دخول القوى السياسية الوطنية في تنافس شريف ومتكافئ في ما بينها، فإن حزب التقدم والاشتراكية يقارب هذه المسألة من زاوية الحاجة الماسة إلى عقلنة الحياة السياسية، وتحديدا المشهد الحزبي، من خلال الدفع في اتجاه خلق أقطاب تضم العائلات السياسية التي تجمعها صلة القرابة السياسية والفكرية والايديولوجية أو تتقاسم نفس البرامج والمشاريع، وذلك على أساس أن يبقى للشعب أن يحسم، عبر انتخابات حرة نزيهة وشفافة، في اختيار التوجهات التي يرى أنها الأكثر تجاوبا مع تطلعاته وطموحاته، وبالتالي انتخاب من يتوسم فيهم القدرة والكفاءة على تدبير الشأن العمومي، محليا وجهويا ووطنيا، والتنفيذ الفعلي والخلاق للجيل الجديد من الإصلاحات التي يجب أن يضمن، على نحو مؤسساتي، أمر مواصلة إنجازها، بصرف النظر عما قد يقع من تغيير في تشكيلة القوى المشرفة على هذا الإنجاز.
بتعبير آخر، فإن حزب التقدم والإشتراكية، يعتبر أن المضامين الأساسية للجيل الجديد من الإصلاحات، التي يقترح الالتزام بشأنها على مكونات وفعاليات الأمة عامة، وسائر القوى الديموقراطية والحداثية خاصة، مضامين تتقاطع مع أفكار وطروحات عدد من القوى الحية بالبلاد. وتبعا لذلك، يرى حزبنا أنه حان الوقت لتلتقي كل القوى المعنية من أجل مناقشة هذه المقترحات، وغيرها، مناقشة مستفيضة وصريحة، في أفق التوصل إلى توافق يؤسس لمرحلة جديدة، مرحلة إنجاز "جيل جديد من الإصلاحات لمغرب الديموقراطية".
ولأجل ذلك، فإن الحزب مدعو إلى العمل مع حلفائه الذين يتقاسم معهم أهداف وطموح بناء مجتمع حداثي، عادل ومتضامن.
إن مسألة التحالفات كانت، ولا تزال وستظل نهجا استراتيجيا بالنسبة لحزب التقدم والاشتراكية، الذي حرص دوما على التعامل مع هذه المسألة وفق مقاربة ديناميكية، تقوم على تحليل موضوعي للواقع ومستجدات الساحة السياسية، وتنطلق من اقتناع راسخ بضرورة العمل الوحدوي المشترك، على مستويات متعددة، مع سائر القوى الحية في المجتمع التي تشاطره المضامين العامة للمشروع المجتمعي الذي يناضل من أجله.
وذلك، مع الأخذ بعين الاعتبار للظروف المميزة لكل مرحلة تاريخية، وللتطورات التي قد يشهدها الحقل السياسي، وحجم وطبيعة المهام المطروحة على البلاد والتحديات التي تواجهها.
ومن هذا المنظور، فإن التحالف الطبيعي للحزب يظل متجها، بالأساس، نحو مكونات الكتلة الديموقراطية، ومختلف فصائل اليسار، مع الانفتاح على كل الديمقراطيين، وفقا لما تقتضيه مستلزمات توطيد المسار الإصلاحي بالمغرب في أفق بناء المجتمع الديمقراطي الحداثي المنشود.
وانطلاقا من هويته اليسارية الواضحة، وتشبعه بالقيم الإنسانية للفكر الاشتراكي المنفتح والمتجدد، ورفضه القاطع لكل أشكال التطرف الديني ومحاولات استغلال ديننا الإسلامي الحنيف لأغراض سياسية، أو سياسوية..أقول إنه انطلاقا من كل هذا، يرى حزب التقدم والاشتراكية أن المرحلة الراهنة، التي تجتاز فيها البلاد منعطفا حاسما ومحفوفا بالمخاطر، والتي تتسم بمحاولات محمومة للحيلولة دون قيام تحالف وطني ديمقراطي واسع ومتين، هي مرحلة تقتضي ليس فحسب إنعاش الكتلة الديموقراطية، التي لا يزال في جعبتها ما تقدمه من خدمات جليلة للوطن والشعب، وإنما أيضا السعي إلى انفتاحها على قوى ديموقراطية وتقدمية أخرى، كانت من مؤسسيها.
وموازاة لذلك، ودون أن يكون في الأمر أي تناقض أو حالة تنافي، يدعو حزب التقدم والاشتراكية، الذي أقدم على مبادرات في هذا الشأن، إلى تشكيل تكتل يساري قوي وموحد، تكتل يضم كل الفصائل اليسارية، الراغبة فعلا في العمل المشترك، من أجل بناء مغرب الديموقراطية والحداثة والعدالة الاجتماعية.
وفي هذا الاتجاه، يتعين العمل على تطوير تحالف "القطب الحداثي التقدمي"، القائم بين التقدم والاشتراكية وجبهة القوى الديموقراطية والحزب العمالي، باعتباره خطوة أولى لا تدعي الكمال ولا الفردانية على طريق توحيد كل فصائل اليسار المدركة لخطر التشرذم والمتحلية بالروح الوحدوية الصادقة، في إطار قطب جامع ومتعدد، مع السعي من أجل توفير الظروف الذاتية وإنضاج الظروف الموضوعية لتحويل هذا القطب إلى حزب يساري كبير وقوي، ناجع وفعال، وقادر على أداء دوره في عقلنة المشهد السياسي وإعادة الاعتبار للعمل الحزبي الجاد والمجدي.
حضرات السيدات والسادة،
رفيقاتي العزيزات ، رفاقي الاعزاء
إن انتماء حزب التقدم والاشتراكية لليسار العالمي يتأسس على قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والسلم والمساواة والتضامن بين الشعوب ورفض استغلال الإنسان للإنسان.
وهذا الانتماء بالذات هو الذي جعله ينخرط، منذ البداية، في الحركات الاحتجاجية المناهضة للعولمة الرأسمالية الليبيرالية، ومن أجل عولمة بديلة، كما جعله يعارض الحروب التي شنها التحالف الليبرالي الدولي الإمبريالي، بقيادة الإدارة الأمريكية، تحت يافطة "القضاء على الإرهاب"، وتداعيات هذه الحروب وكل أشكال الاعتداء على سيادة الشعوب.
إن حزب التقدم والاشتراكية، يقف بشكل غير مشروط مع نضال الشعب الفلسطيني من أجل استقلاله وسيادته على أراضيه وبناء دولة فلسطينية مستقلة وموحدة عاصمتها القدس الشريف، داعيا إلى تعميق نهج الحوار والمصالحة بين الأطراف الفلسطينية بما يضمن مشاركة كل مكونات الشعب الفلسطيني، في إطار من الوحدة، تحت قيادة السلطة الوطنية الفلسطينية والمؤسسات الشرعية، في التصدي لسياسة الاستيطان والأعمال العدوانية للاحتلال الإسرائيلي الصهيوني.
كما يجدد الحزب مساندته لحق كل من سورية ولبنان في استرجاع أراضيهما المحتلة من قبل إسرائيل، مشددا على ضرورة احترام سيادة لبنان. ويؤكد الحزب تضامنه مع الشعب العراقي من أجل استرجاع سيادته ووحدة أراضيه، وكذا مع الشعبين اليمني والسوداني من أجل الحفاظ على سيادتهما الوطنية ووحدتهما الترابية.
وبخصوص الالتزامات الدولية الطبيعية للمغرب، ومواكبته الدائمة للقضايا المغاربية والعربية، واحتضانه تاريخيا للقضايا العادلة والتطلعات المشروعة لشعوب ودول إفريقيا، يعلن الحزب عن تأييده لحرص المغرب الأكيد على تمتين العلاقات مع شركائه في مختلف أرجاء المعمور، ويدعو إلى تفعيل أكثر لسياستنا الخارجية وتحسين أدائها، وحضور أقوى على المستوى الدولي، وكذا تنشيط آليات الدبلوماسية الموازية والحزبية والمدنية.
حضرات السيدات والسادة،
ضيوفنا الكرام،
أود، الآن، أن أستسمحكم في أن أخاطب، على وجه التحديد، الرفيقات المندوبات والرفاق المندوبين للمؤتمر الوطني الثامن لحزب التقدم والاشتراكية.
أيتها الرفيقات العزيزات، معشر الرفاق الأعزاء،
بعد أن قطعنا أشواطا كبيرة في التحضير لمؤتمرنا هذا، الذي يعد بحق محطة نضالية حاسمة ومتميزة، سيكون علينا أن نعمل على مدى ثلاثة أيام، بما عهد في حزبنا من إعمال للذكاء الجماعي الخلاق، من أجل استكمال عملية إنجاح المؤتمر، باعتبار ذلك مهمتنا الآنية.
ولا أخالكم إلا تشاطرونني الرأي بأنه مع انتهاء المؤتمر، بعد إقرار مشاريع الوثائق المعروضة على أنظاره، وانتخاب القيادة الجديدة، سيبدأ مشوار جديد يتطلب تضافر جهود كل مناضلة ومناضل، ويحتاج فيه الحزب لجميع أعضائه وكل طاقاته، حتى يتأتى له رفع ما ينتظرنا جميعا من رهانات ضخمة ومهام جسام.
فلنكن في مستوى المسؤوليات الملقاة على عاتقنا، كحزب ديموقراطي في تدبيره الداخلي، حزب يمثل، كما برز ذلك خلال الجموع العامة لهيئاته المحلية والإقليمية ومن خلال اعتماده بتوافق واسع لكل من مشروع الوثيقة السياسية ومشروع البرنامج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ومشروع القانون الأساسي،..قلت: حزب يمثل فضاء للحوار والتكامل والانسجام بين عطاءات ومبادرات المناضلات والمناضلين فرادى وجماعات، حزب يسعى إلى تقوية الديمقراطية الداخلية، ويجتهد لابتكار الآليات الكفيلة بإعمال مبدإ المشاركة الجماعية في اتخاذ القرارات، وبإفراز قيادات وطنية ومحلية قادرة على بلورة تنفيذ المهام المناطة بها.
ولنكن، أيتها الرفيقات العزيزات، أيها الرفاق الأعزاء، في مستوى الأمانة التي طوقنا بها الرفيقات والرفاق الذين انتدبونا، والرفيقات والرفاق الذين أسسوا الحزب ورعوه وحافظوا عليه وضحوا بالغالي والنفيس من أجله...لنحرص على وحدة الصف، وتفادي كل تشنج أو انفعال، لأن قرة أعيننا هو تنظيمنا وتماسكنا.. ومن أجل تعزيز هذا التنظيم، وتقوية هذا التماسك، فليتنافس المتنافسون.
وشكرا على حسن الانتباه والإصغاء .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.