يتداول المهتمون، على نطاق واسع، نقاشا حول إعادة إحياء «الإسلام السياسي» لمواجهة التوسع الإيراني الذي يعبث بجهات في العراق بمستوى يصل إلى درجة الاجتياح السلطوي, وبمستويات متفاوتة في سوريا ولبنان واليمن ودول شرق إفريقيا. لكن هل هذا التوسع الإيراني هو السبب؟ ألم يكن «الإسلام السياسي» هو المنقذأايضا في محاصرة الاتحاد السوفياتي إبان الحرب الباردة، ولاحقا ضد تنظيم "القاعدة"، ثم كواحد من خيارات الاعتدال المقبولة عند الغرب؟ في الجهة الأخرى تعزز المجموعات المتطرفة وجودها من خلال امتداد سير زعمائها اتجاه "الجماعة الأم" وانتمائهم لها وانشقاقهم عنها بعد ذلك، كما نلاحظه في سِيَر ابن لادن والظواهري وأبو مصعب السوري وغيرهم ممن تتسع بهم القائمة التي تنتهي عند "الخليفة" أبو بكر البغدادي، وبالتالي التنسيق في المواقف فيما بعد بين الإسلام السياسي من خلال أسلوب إعادة تعريف العنف وفق تصورات المعارضة السياسية بمعنى أن عدم الانخراط ثم عدم المحاصصة ثم السيطرة على نظام الحكم عبر الربيع العربي.. جميع هذه المتواليات كانت تعلن عن مشروع انقلابي بديل للأنظمة نفسها وليس باعتبارها طرفا في الحل، وحصل ما حصل من عواقب الجشع السياسي الذي أضر بالجماعة سياسيا رغم كل محاولات الإحياء الفاشلة الآن والتي توظف حملات على مواقع التواصل الاجتماعي وتروج لمواد إعلامية مضادة من السهل جدا اكتشاف قدر المبالغة والتهويل بل والافتراء أحيانا عبر ترديد أسطوانة مشروخة لم تعد تفيد حاليا في زمن فوضى المعلومات. مستقبل الإسلام السياسي يملكه بيده، فالانسلاخ عن جسد الجماعة الأم (التنظيم العالمي للإخوان أساسا) والانخراط في النسيج الوطني ليس خيارا واردا، وبالتالي يظل الإسلاميون الذين يصدرون عن إطار «الإسلام السياسي» مصرّين على بقاء نفس الإشكالية المتمثلة في تكريس «هوية مزدوجة» يتشابك فيها الديني والسياسي مما يشير الى استمرار ذات الملفات المضطربة المتصلة بالهوية والأفكار وأساليب العمل والأولويات. أما بالنسبة لإخوان المغرب فالإشكالية أعمق (هم ملتزمون بالبراديغم الإخواني رغم أنهم ليسوا جزءا من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين)، حيث لا تنتسب الجماعة/الحركة إلى المجال السياسي، بما يتصل من شروط الأحزاب السياسية التي تشتغل في إطار الدولة ومفهومها، حتى وإن أخذت موقع المعارضة، لكنها في النهاية داخل نسق الدولة القُطرية والوطنية. غني عن التذكير أن «الإسلام السياسي» تأسس على نقض أسس ومفاهيم الدولة القُطرية لفائدة الدولة الأممية الشمولية (دولة الخلافة). من الناحية الدينية حقيقة «الإسلام السياسي» مركّبة باعتبار اختزال مقولة "الإسلام هو الحل" في منظور الجماعة رغم أنها لا تعد تجربة متجذرة وعريقة في تاريخ الإسلام السني الذي تنتسب اليه، إضافة الى أنها انتقائية في اختيار إطارها الديني، لذلك فمفهوم الجماعة/الأمة يستوعب كل التوجهات الدينية سُنيها وشيعيها باعتبار أن التنوع والاختلاف الديني لا يمثل عبئا على الجماعة، بل عنصر جذب لتوظيف الديني لفائدة السياسي. ولا تظهر السيناريوهات المتوقعة أي عودة للإسلام السياسي بالشكل السابق، بل كل المعطيات تؤكد على استمرار الأنظمة التي اجتازت مخاض الربيع العربي أو تلك التي انقلبت بالقوة على اكتساح الإسلام السياسي للمشهد، ستظل ملتزمة في منعها لأنشطة الجماعة رغم سيطرة الأخيرة على مفاصل شرائح اجتماعية وازنة ومتماسكة وبالتالي فإن أمد الصراع سيمتد طويلا إلى الحد الذي يخضع فيه أحد الفريقين لسلطة الآخر إما عبر انتفاضات شعبية يعيد أنصار الإسلام السياسي إذكائها وإما عبر زعزعة المناطق الأمنية الهشة والتفاوض مع السلطة للبحت عن الحلول كما جرى في سيناء ويجري بشكل سري مع تنظيمات عنفية في بعض مناطق العراق والشام، والسيناريو الأبعد أن تلجأ الجماعة إلى حل نفسها أو - بدرجة أقل - أن ينشق المعتدلون ويعيدوا تنظيم أنفسهم كإطار دعوي دون أي أدوار أو تطلعات سياسية. إذن ماذا تبغي هذه الحملات التي تعتمد أساليب التماسية في التعبيرعن تلك العودة والإحياء؟ أحد أهم الأسباب هو التضييق على الأنظمة العربية التي تعاني من المشاكل الأمنية في موضوع تغول إيران وتمددها وتمكنها من الوصول حتى إلى خاصرة الجزيرة العربية (اليمن)، ومن ناحية أخرى إعادة التموقع كتيار سياسيي وازن بإمكانه المشاركة، في حين أن أحداث التاريخ القريب تشير إلى صلات وعلاقات بين الإخوان المسلمين وبين نظام الملالي بصفة عامة خاصة في المرحلة السابقة لاندلاع الربيع العربي. المؤكد أن أي حديث عن إحياء جديد للإسلام السياسي بنفس الحضور وقوة التأثير والعلاقات المضطربة والمتغيرّة مع الأنظمة وباقي دول العالم أصبح من الماضي الدفين، ومتابعة سريعة لموجات القلق المتزايدة في أوروبا تجاه الجماعة التي تتخذ أوضاع قانونية صحيحة تثبث أنها تكاد تكون رجعة شبه مستحيلة !