العلمانية والإسلام.. هل ضرب وزير الأوقاف التوازن الذي لطالما كان ميزة استثنائية للمغرب    الرجاء الرياضي ينهزم أمام ضيفه الجيش الملكي (0-2)    إسرائيل توافق على وقف إطلاق النار في لبنان بدءا من يوم غدٍ الأربعاء    الملك محمد السادس يوجه رسالة إلى رئيس اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف    الأمن يحجز حيوانات معروضة للبيع    لجنة الحماية الاجتماعية تجتمع بالرباط    المغرب يستعد لإطلاق عملة رقمية وطنية لتعزيز الابتكار المالي وضمان الاستقرار الاقتصادي        تنفيذا للتعليمات الملكية السامية.. وفد من القوات المسلحة الملكية يزور حاملة الطائرات الأمريكية بساحل الحسيمة    طلب إحضار إسكوبار الصحراء ولطيفة رأفت.. هذا ما قررته المحكمة    بنسعيد: "تيك توك" توافق على فتح حوار بخصوص المحتوى مع المغرب        هيئة حقوقية تنادي بحماية النساء البائعات في الفضاءات العامة    دراسة: سوق العمل في ألمانيا يحتاج إلى المزيد من المهاجرين    وفاة أكبر رجل معمر في العالم عن 112 عاما    "نعطيو الكلمة للطفل" شعار احتفالية بوزان باليوم العالمي للطفل    لحظة ملكية دافئة في شوارع باريس    النظام العسكري الجزائري أصبح يشكل خطرا على منطقة شمال إفريقيا    الجنائية الدولية :نعم ثم نعم … ولكن! 1 القرار تتويج تاريخي ل15 سنة من الترافع القانوني الفلسطيني    سعد لمجرد يصدر أغنيته الهندية الجديدة «هوما دول»        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    المغرب جزء منها.. زعيم المعارضة بإسرائيل يعرض خطته لإنهاء الحرب في غزة ولبنان    دين الخزينة يبلغ 1.071,5 مليار درهم بارتفاع 7,2 في المائة    معاملات "الفوسفاط" 69 مليار درهم    النقابة الوطنية للإعلام والصحافة … يستنكر بشدة مخطط الإجهاز والترامي على قطاع الصحافة الرياضية    الجزائر و "الريف المغربي" خطوة استفزازية أم تكتيك دفاعي؟    في حلقة اليوم من برنامج "مدارات" : عبد المجيد بن جلون : رائد الأدب القصصي والسيرة الروائية في الثقافة المغربية الحديثة    التوفيق: قلت لوزير الداخلية الفرنسي إننا "علمانيون" والمغرب دائما مع الاعتدال والحرية    نزاع بالمحطة الطرقية بابن جرير ينتهي باعتقال 6 أشخاص بينهم قاصر    الجديدة مهرجان دكالة في دورته 16 يحتفي بالثقافة الفرنسية    توهج مغربي في منافسة كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي بأكادير    اللحوم المستوردة تُحدث تراجعا طفيفا على الأسعار    مسرح البدوي يواصل جولته بمسرحية "في انتظار القطار"    شيرين اللجمي تطلق أولى أغانيها باللهجة المغربية        الأمم المتحدة.. انتخاب هلال رئيسا للمؤتمر السادس لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط    برقية شكر من الملك محمد السادس إلى رئيس بنما على إثر قرار بلاده بخصوص القضية الوطنية الأولى للمملكة    القنيطرة.. تعزيز الخدمات الشرطية بإحداث قاعة للقيادة والتنسيق من الجيل الجديد (صور)    توقيف فرنسي من أصول جزائرية بمراكش لهذا السبب    اتحاد طنجة يكشف عن مداخيل مباراة "ديربي الشمال"    غوارديولا قبل مواجهة فينورد: "أنا لا أستسلم ولدي شعور أننا سنحقق نتيجة إيجابية"    مواجهة مغربية بين الرجاء والجيش الملكي في دور مجموعات دوري أبطال أفريقيا    حوار مع جني : لقاء !    المناظرة الوطنية الثانية للفنون التشكيلية والبصرية تبلور أهدافها    الدولار يرتفع بعد تعهد ترامب بفرض رسوم جمركية على المكسيك وكندا والصين    تزايد معدلات اكتئاب ما بعد الولادة بالولايات المتحدة خلال العقد الماضي    ملتقى النقل السياحي بمراكش نحو رؤية جديدة لتعزيز التنمية المستدامة والابتكار    إطلاق شراكة استراتيجية بين البريد بنك وGuichet.com    الرباط.. انطلاق الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة        لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلاموية ليست برنامجا للحكم
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 17 - 07 - 2013

هل أصيب الإسلام السياسي بضربة قاضية في مصر؟ هل تعرض المشروع المتمثل في بناء مجتمع مطابق »ل"تعاليم"« الإسلام، كما تعرضت في القرن السابع الميلادي لهزيمة قاسية في شوارع القاهرة الأسبوع الماضي؟ الجواب جدلي: نعم ولا.
نعم لأن الإسلام السياسي خسر معركة حاسمة وأساسية مع فشل تجربة حكومة الإخوان المسلمين في مصر. فهؤلاء أكثر من أية جماعة أخرى يجسدون المشروع الإسلامي وهو نواته الأساسية بمؤسس الجماعة الأستاذ حسن البنا (1949 - 1906) هومن قعد لمبدأ إعادة الاحياء الاجتماعي والسياسي من خلال العودة إلى أصول النص القرآني.
والإخوان المسلمون هم من سيحمل هذا المشروع المعترك السياسي وقاموا بتصديره من حماس الفلسطينية إلى مختلف الحركات والتيارات التي تنتمي للإسلام السياسي في مجموع العالم العربي الإسلامي. وأخيرا، فشلت التجربة في بلد، ليس أي بلد في العالم العربي: فمصر ظلت دائما هي الرئة السياسية للمنطقة.
مرشح الإخوان المسلمين الفائز في أول انتخابات حرة نظمت في مصر قبل سنة. السيد محمد مرسي تم عزله من طرف الجيش يوم 3 يوليوز بعد سنة من ولايته، خرج ملايين المصريين ضد سياسة مرسي والمؤاخذات عديدة: عدم كفاءة في تدبير الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، التسلط وخطاب الإقصاء وإثارة التوترات العرقية والفساد والزبونية الحزبية...
ومثل هذا الرفض لا يمكن ألا تكون له تداعيات خارج الحدود المصرية في أي مكان يشارك فيه أبناء عمومتهم في الحياة السياسية، وشعار "»الإسلام هو الحل"« فقد مصداقيته. وقناة الجزيرة أهم وسيلة إعلام للإسلاموية في بداية هذا القرن تعرضت لنفس المصير وممول الإخوان وفروعهم العربية في سوريا وغزة وفي أماكن أخرى غيرها إمارة قطر تتعرض لخسارة كبيرة في استثماراتها.
ومع ذلك لابد من الأخذ في الاعتبار تميز التجربة المصرية. فما يؤاخذ على مرسي ليس هو أنه أراد تطبيق الشريعة وهو مالم يقم به تماما، بل ما يؤاخذ عليه كونه أراد تنصيب الإخوان في كل دواليب الدولة، أي باختصار أنه أعطى الإحساس بانحراف دكتاتوري وهو الذي رفضه شخصيا. أما عن الوضعية الاقتصادية، فالحقيقة أن لا أحد كان بإمكانه أن يقدم أفضل خلال سنة.
وهذا ما يفسر أن الإسلاميين وخاصة النساء، كانوا متواجدين بشكل كبير ضمن المظاهرات المناهضة لمرسي وهو ما يفسر كذلك أن التيار الإسلامي المصري الآخر، حزب النور السلفي، كان ضمن الجبهة الرافضة لمرسي.
في تطلعه لحكومة نزيهة غير فاسدة تحترم تقاليد المجتمع لم
يمت الإسلام السياسي، لكن في امتحان الحكم فإن تجربة واقع احتجاجي وليس برنامجا جديا للحكم،لأن الإسلام السياسي هو أولا برنامج احتجاجي وليس برنامجا جديا للحكم، لأن رفض الفصل بين المسجد والدولة لا يتلاءم تماما مع الحرية السياسية.
في طهران، عهد اليوطوبيا السلفية والثورية انتهى
أعطى انتصار الثورة الإيرانية سنة 1979 أملا للإسلاميين في العالم أجمع بأنه بالإمكان ارساء نظام سياسي مبني حصريا على الدين. وهكذا يصبح الإسلام اديولوجية سلطة ينهي عهد المواجهات الاديولوجية التي تخللت القرن 20، ويفرز ميلاد نظام سياسي شامل ودائم ومستقر.
عند فجر الثورة لاحظ ميشيل فوكو وهو يرى ما يجري في إيران أن »التأثير الهائل للدين على الناس والمكانة التي كان يحتلها دائما بالمقارنة مع السلطة السياسية ومحتواه ايجعل منه دين معركة وتضحية«. ولكن حول سؤال »ماهو دوره؟« كان جوابه حاسما "»ليس دور الايديولوجيا التي تسمح بتغطية تناقضات أو ضمان نوع من الوحدة المقدمة بين مجموعة من المصالح المختلفة«".
تطورات الثورة وأزمة رهائن السفارة الأمريكية والحرب بين إيران والعراق سمحت لآية الله الخميني (1902 - 1989) بتحديد ملامح جمهوريته الاسلامية ووضعها تحت وصاية مرشد باسم مفهوم »ولاية الفقيه« يستمد شرعيته من الدين.
هذا النظام هو عبارة عن تشكيلة وهمية يزعم أنه يجمع وصاية السيادة المنبثقة عن الدين، بمختلف أجهزته المتشعبة للمراقبة والضبط مع السيادة الديمقراطية عن طريق اللجوء إلى الاقتراع العام لتسيير البلاد عن طريق دستور، وبجعل الدين ايديولوجية للحكم، هذا الأخير قد أسقط الدين من عليائه ليلقي به في معترك التطاحن السياسي والتناقضات الاقتصادية والاجتماعية.
وقد أظهرت 34 سنة من ممارسة السلطة في إيران من طرف المتدينين حدود هذه الايديولوجيا، فالدمج الكامل بين الدين والسياسة خلق ديناميكيات لتدبير السلطة ومعارضتها تنقلت تماما من هيمنة المنطق الديني، وهكذا قايض المنطق الديني هيمنته التاريخية مقابل ممارسة السلطة بشكل مباشر وبالتالي اضطرت أكثر فأكثر إلى الالتزام بالمتطلبات السياسية للسلطة وأيضا للضرورات الدينية أو الأخلاقية المفيدة لبقائها، ومنذ 1985 اضطر آية الله الخميني إلى مراجعهة بناءة وبإقراره أولوية حماية مصالح الحكم الإسلامي على تطبيق الشريعة. فقد قلب الاتجاه وأعطى للدولة الإسلامية حق التشريع والتحرك حتى ضد القواعد الدينية من خلال تغيير أو تعليق الشريعة وخليفته المعين والمنظر الفعلي لنظرية ولاية الفقيه، آية الله منتظري (1922 - 2009) لم يتردد فيما بعد في إعلان توبته هذا المبدأ أدى إلى تأميم الدين من طرف الدولة وتأميم شبكاته وتمثيلياته وتراتبية زعاماته ووظائفه من خلال تحويل التشيع إلى دين دنيوي في خدمة سلطة ريعية.
ومن أول رئيس للجمهورية منتخب بالاقتراع العام أبو الحسن بني الصدر الذي عزلته الوصاية الدينية سنة 1981 إلى محمود أحمدي نجاد الجندي الصغير المفروض أنه ينظف السلطةأمام المرشد الأعلى، كلهم يشتركون في كونهم واجهوا المآزق التي خلقتها ولايتهم من بينهم محمد خاتمي الذي لم يتردد في القول أن »السلطة الدينية غير قابلة للإصلاح في اتجاه الديمقراطية بدون قراءة ديمقراطية جديدة للدين ولعلاقاته مع الاقتراع العام«.
فهو يعترف أنه أي نظام سياسي مبني على شرعية إلهية يستطيع جزء من الماسكين بالسلطة بالضرورة عرقلة أي يتغيير ديمقراطي بدعوى الدفاع عن الطابع المقدس الذي يضفونه على سلسلة من التقاليد والامتيازات« وسنوات الحكم الاسلامي في ايران (34 سنة) جعلت المجتمع الايراني يشهد تحولا عميقا. فعدد المؤسسات الجامعية تضاعف عشر مرات كما تضاعفت أعداد الطلبة اضعافا مقارنة بنسبة السكان الذين تضاعف عددهم.
والتناقض بين المجتمع والسلطة أصبح واضحا أكثر فأكثر. وهذا التناقض يجبر النظام على المضي إلى أبعد من ديمقراطية لن تكون سوى واجهة: فالمسلسلات الانتخابية التي تراقبها الدولة لم تعد كافية، فإما أن يلعب النظام فعلا اللعبة الديمقراطية وإما أن يصبح رهينة الجمود والقوالب الأمنية والعسكرية والاختيار اليوم في ايران بعيدا عن التمييز بين النظام الديني الأبوي والنظام الديمقراطي، يكمن ما بين حكامة جيدة مع مشاركة فعلية للمجتمع المدني، وبين الانبهار المتزايد للسلطة، وهذا الاتجاه يغذي بؤر التوتر في البلاد ويزيد من كلفة الاصلاحات التي يطالب بها المجتمع.
ومستقبل ايران هو إما الطغمة العسكرية والحرب الداخلية والخارجية أو إعادة بناء سياسي ستقود إلى نظام أو طبقة دينية وطبقة سياسية ،فهما منفصلتان عن بعضهما البعض. فعهد يوطوبيا الإسلام السياسي الذي بدأ مع الثورة الإيرانية انتهى، فالإسلام السياسي يمكن أن يشكل قوة احتجاجية ولكنه لم يعد ايديولوجية الدولة. وتحت لافتة الدين أضعف السلطة الاسلامية أسس تلك الوحدة المقدمة حول الدين أكثر كل المعارك العلمانية أو المعادية للدين التي يخوضها خصومها.
إن حلم الإسلام السياسي الذي غدى طلبه أزيد من قرن الجزء الأهم من النضال في العالم الإسلامي يحول إلى كابوس السلطة الذي يحرق الأخلاق والقيم الدينية كوقود أول لآلته الاستبدادية ،وإيران اليوم لا تحلم سوى بوضع حد لهذا الكابوس لإنقاذ روحانيتها الدينية وأيضا لبقائها السياسي.
أحمد سلامتيان
في مصر، الحقل الديني أصبح فردياً
التجربة كانت مثالية تقريبا: في مصر، بعد سنة من الحكم، أظهر الإسلاميون أنهم غير قادرين على تسيير الدولة. وكانوا كذلك مترددين في الوصول إلى السلطة عن طريق القوة أو بواسطة الشارع، ولم تكن لهم الكثير من الأفكار حول كيفية أسلمة مجتمع، استطاع أسلمة نفسه بنفسه منذ 20 سنة. باختصار، الثورة الاسلامية أسطورة! الناس انقلبوا ضدهم ليس احتجاجاً على إرساء وتطبيق الشريعة، بل احتجاجاً على عدم الكفاءة والمحسوبية في صفوف الإخوان المسلمين في انتظار فساد لم يتح لهم الوقت الكافي لإرسائه. والشارع الذي خرج ضدهم في القاهرة لا علاقة له باليسار العلماني أو الليبرالي: كان ضمن المحتجين والغاضبين متدينون وسلفيون وأعيان وأعضاء سابقون في »الربيع العربي«.
أخطر من ذلك، خسر الإخوان المسلمون ما كان يشكل شرعيتهم منذ 60 سنة: احتكار التعبير الاسلامي في السياسة، والسلفيون لم يلعبوا دور قوة الدعم، بل خرجوا في حزب سياسي، والتحقوا في مرحلة أولى بالمعارضة ضد الإخوان. وأعلنت المؤسسات الدينية مثل مسجد الأزهر استقلاليتها عن الإخوان المسلمين وعن الحكومة، وظهر الصوفيون من جديد في الشوارع.
وبالأخص إعادة الأسلمة الواضحة التي طالت المجتمع منذ 30 سنة، لم تتم في صالح الإخوان، الذين لهم تصور سلطوي، ممركز وأبوي عن السلطة الدينية، لكنها شجعت أشكالا جديدة من التدين، أشكالا فردانية ومتنوعة جداً. واتساع وانتشار السلفية يعبر بشكل متناقض عن بروز إسلام أكثر فردانية، وأقل تسييساً ولو أنه أكثر تشدداً وصرامة.
فالحقل الديني أصبح ديمقراطياً دون أن يمر بالضرورة عبر خانة الإصلاح الديني أو العلمنة. وإذا كان الجيل القديم من الإخوان المسلمين الذي كان يعتقد أنه هو من يمتلك المرجعية الدينية في السياسة لم يكن يفهم ما يجري، فإن جزءاً مهماً من المتعاطفين والأطر الشابة داخل الجماعة فهموا أنه حان الوقت لإصلاح الحزب الإسلامي.
وباختصار، أصبح فشل الإسلام السياسي ظاهراً. ويمكن أن نأمل الخروج من هذا النموذج الذي عطل الحياة السياسية المصرية والعربية منذ 35 سنة: دكتاتوريات تزعم العلمانية مقابل إسلاميين يزعمون الثورية. ثم حصل أن أطلق الجيش النار على الجماهير. لماذا؟ ربما أراد لعب ورقة الفوضى من أجل فرض زعامته إما بشكل مباشر، كما في باكستان، انطلاقاً من طبقة سياسية فاقدة للمصداقية، مسيَّرة وفاسدة، مع ما يمكن توقعه من نتائج: الفوضى والتطرف.
والجيش أعاد إعطاء الإخوان هالتهم ورمزيتهم كشهداء ومعارضين، والتي هي في العمق، الصورة الوحيدة التي تلائمهم. لكن الجيش أيضاً تفه أيضاً المعارضين للإخوان. فكيف لمن يزعمون أنهم ليبراليون، أن يقبلوا الوصول إلى الحكم على فوهات بنادق ملطخة بالدم؟ كيف لسلفيين ورعين، قبلوا بشجاعة الدخول في اللعبة السياسية، أن يقبلوا أن يتم إطلاق النار على أبناء عمومتهم الإسلاميين؟ كيف يمكن لثوار ساحة التحرير أن يفرحوا لانقلاب عسكري؟
صحيح يمكن التذرع بخطأ وسوء تقدير من جانب الجيش، وانتظار قفزة من جانب المعارضة، وأخذ مسافة تجاه الجيش وخلق مجال للنقاش السياسي بين مختلف القوى المصرية. ولكن لتحقيق ذلك، لابد لأولئك الذين صنعوا حركات ميدان التحرير، أن يخرجوا من ثقافة احتجاج الشارع التي لا يمكن أن تؤدي سوى إلى تحكيم من جانب الجيش.
ومن المهم ملاحظة أنه على ضفتي المتوسط، يتم التعبير عن الطلب الديمقراطي عن طريق حركات احتجاجية خالصة مثل "حركة »الغاضبون"« في اسبانيا الذين يحتلون الشارع، كلما شعروا أن ثورتهم مهددة، ولكنهم لم يحاولوا فعلا بناء مجال سياسي مستقر ومؤسساتي يترك المجال حراً واسعاً أمام الأحزاب السياسية التقليدية.
وعلى الإخوان المسلمين، بعدما عبروا عن الغضب وأعادوا بذلك توحيد الصفوف، ألا ينسوا واجب وضرورة القيام بنقد ذاتي وإعادة إصلاح حزبهم، مع ما يعنيه ذلك من مخاطر التهميش. ومن أجل ذلك، لابد من جيل جديد، ولا يبدو أن التراتبية الثقيلة لقيادة هرمة للجماعة مستعدة لمثل هذا التغيير. والشرعية الوحيدة للإخوان المسلمين، كما رددها محمد مرسي في خطابه الأخير، هي بالضبط التصويت وليس الاسلام. ولذلك، يجب إجراء انتخابات في أقرب وقت.
أوليفي روي
السلفيون يصارعون للوصول إلى السلطة
غالبا ما اعتبرت السلفية الحاضنة الأساسية للجهادية. فالسلفية هي تيار في الاسلام يتميز قبل كل شيء بمقاربته النصية للتعاليم الدينية. تيار اكثر ارثوذوكسية وصرامة من التيارات والتنظيمات التي تتبني ايديولوجية الإخوان المسلمين، تيار يقيم علاقة "اندماجية" مع الإسلام السياسي.
واذا كانت السلفية في صيغتها الصوفية قد عارضت دائما تسييس الاسلام لاسباب دينية، فان اغلب السلفيين اخذوا مسافة وابتعدوا عن الحقل السياسي بخلفيات واسباب براغماتية اكثر منها ايديولوجية. فهم يعتبرون انه بالنظر لاستبداد انظمتهم، فان شروط الانخراط في الحقل السياسي لم يتوفر وهكذا وامام عدم قدرتهم على اكتساح ودخول الحياة السياسية. فانهم اختاروا طريق الدعوة الدينية و بعد الثورات العربية، فان انفتاح المجال المؤسساتي شجع جزءا مهما من الطيف السلفي على الانخراط في السياسة، لان السلفيين يرون في المسلسل الانتقالي فرصة تاريخية لارساء دولة ومجتمع اسلامي. لا سيما وان فوز الاخوان المسلمين في مختلف الانتخابات في عدة بلدان مثل مصر وتونس والمغرب يرى فيه السلفيون مرحلة اولى نحو توسيع اسلمة المجتمعات.
ورغم ان التواجد السلفي على الساحة السياسية والمؤسساتية قديم في عدة دول مثل الكويت، فان الاحزاب السلفية بدأت تميل اكثر فاكثر الى التناسل والتكاثر خلال السنوات الأخيرة، الى أن تحولت الى قوى سياسية لها وزنها مثل حزب النور في مصر الذي حصل على حوالي 28بالمئة من الاصوات خلال الانتخابات التشريعية سنة 2012 وفي تونس تم تأسيس ثلاثة احزاب سلفية (جبهة الاصلاح، الاصالة، وحزب الرحمة) وفي الجزائر التي لم تعرف الربيع العربي فان التيار السلفي بدأ يدخل المجال السياسي من خلال جبهة الصحوة الاسلامية التي لم تحصل بعد على الترخيص الرسمي من السلطات.
هذا الاتجاه نحو التسييس نلاحظه حتى في أوساط السلفيين الثوريين. قبل اشهر، قامت منظمة انصار الشريعة التونسية (المعروفة بدورها في الهجوم على السفارة الامريكية في شتنبر 2012 بفتح مكتب وهو ما يترجم رغبتها في وضع مطالبها في اطار سياسي شرعي.
ومن خلال تنظيم نفسها في بنيات حزبية، فان هذه التيارات السلفية ليست لا قوة اقتراحية ولا هي حاملة لمشروع سياسي واضح، وكقوة معارضة،فان الاحزاب السلفية تحظى بصورة ايجابية متناغمة اكثر مع التطلعات الشعبية بسبب العمل الاجتماعي الذي تنجزه في اوساط الفئات الاجتماعية المهمشة. في الواقع، اصبح السلفيون منافسين لاحزاب الاخوان الذين سبقوهم الى العلم السياسي في الساحة، ومنذ تأسيسه اراد حزب النور السلفي المصري ان ينصب نفسه منافسا للاخوان المسلمين من خلال تقديم لوائحه الخاصة في الانتخابات التشريعية ومساندتهم مرشحا منافسا لمحمد مرسي في انتخابات الرئاسة سنة 2012 وهذا التنافس السياسي يندرج في سياق تنافس قديم حول السيطرة وقيادة العمل الدعوي الاسلامي.
والاحزاب السلفية التي حسمت مع تقاليد الحذر التي تميز الاحزاب الاخوانية التي تحولت اليوم الى أحزاب حاكمة والتي تتعرض لانتقادات ومؤاخذات حول اسلوب حكامتها المعتدل تتبنى الاحزاب السلفية خطابا اكثر يمينية ينظر اليه على أنه الخطاب الاسلامي الصحيح وخلافا للاخوان المسلمين فان السلفيين المسيسين ديدعون الى ضرورة تأسيس دولة و مجتمع اسلامي. ومع ذلك فالعلاقات بين السلفيين المسيسين والاخوان المسلمين لا تقوم فقط على التنافس السياسي. وذلك ان حزب العدالة والتنمية في المغرب استفاد من تصويت السلفيين وفي سنة 2011 صرح الزعيم الروحي للسلفيين المغاربة الشيخ المغراوي انه يريد مساعدة حزب العدالة و التنمية على التطور في الحقل السياسي.
سمير امغار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.