بتوقيعه اليوم الأربعاء القانون الذي يجيز رسميا تنازله عن العرش لابنه الأمير فيليبي، أنهى الملك خوان كارلوس الأول 39 سنة من الحكم تميزت بإرساء الديمقراطية وترسيخ الحريات والحقوق الأساسية. الملك خوان كارلوس، مهندس الانتقال الديمقراطي بإسبانيا بعد أربعة عقود من الديكتاتورية العسكرية، والذي سيحتفظ بلقب ملك إسبانيا بعد الإعلان الرسمي، غدا الخميس، لابنه الأمير فيليبي أمير أستورياس عاهلا جديدا للبلاد، واحد من المدافعين البارزين على الإجماع والتوافق ومجسدا لقيم الحرية والحوار. والملك خوان كارلوس، الشخصية المحترمة على قراراته الشجاعة ومواقفه الجريئة، يظل أيضا من أكبر مروجي الديمقراطية الإسبانية وذلك من خلال دستور سنة 1978، الذي لا يزال معمولا به إلى اليوم، كما أنه يعتبر أفضل رمز للتعايش في بلد سيمته متنوع. وما أن اعتلى عرش إسبانيا في 20 من نوفمبر 1975، حتى عجل الملك خوان كارلوس بسن الإصلاحات الديمقراطية التي أرست قواعد دولة القانون، وقضت، بشكل تدريجي وسلس، على ديكتاتورية الجنرال فرانسيسكو فرانكو. وبمجرد أن تولى مهامه صرح خوان كارلوس "اليوم تبدأ مرحلة جديدة في تاريخ إسبانيا"، وعين أدولفو سواريث، الزعيم السابق للحركة الوطنية في منصب رئيس الحكومة، ليسير بالإصلاحات السياسية إلى مبتغاها المأمول. وكان محور هذه الإصلاحات الديمقراطية قانون الإصلاح السياسي، الذي اعتمده البرلمان الإسباني يوم 18 نونبر 1976، وصادق عليه الشعب الإسباني في استفتاء نظم في 15 دجنبر 1976. ووضع هذا القانون، الدستوري، الأسس القانونية الضرورية لإصلاح المؤسسات الفرانكوية من الداخل، ومكن من أجراء أول انتخابات ديمقراطية في 15 يونيو 1977، منذ نهاية الديكتاتورية. وتم تكليف مجلس النواب ومجلس الشيوخ، اللذان تمخضا عن هذه الانتخابات، بصياغة الدستور الديمقراطي الجديد، الذي لا يزال معتمدا إلى اليوم، والذي صادق عليه الملك خلال جلسة مشتركة لمجلسي البرلمان في 27 دجنبر 1978. واعتبر هذا القانون الأساسي، الذي صادقت عليه كل القوى السياسية الإسبانية بالإجماع، دعامة الانتقال الديمقراطي في هذا البلد الإيبيري، الذي بصمته السنوات ال39 لحكم الملك خوان كارلوس بشكل عميق. ففي عهده قطعت إسبانيا مع عزلتها وانضمت إلى ركب الدول الديمقراطية. وبفضل سياسته المنفتحة على العالم، ودفاعه عن حوار الحضارات، وضع الملك خوان كارلوس إسبانيا في مصاف البلدان الأكثر تطورا واحتراما في العالم. وسيظل الملك خوان كارلوس، رجل الدولة المصلح والمرجعية في الحوار، وحتى بعد تنازله عن العرش، رمزا أساسيا لوحدة البلاد، كما ستبقى تدخلاته ووجهات نظره مسموعة بكل احترام من قبل السياسيين من جميع المشارب. وبعد تنازله عن العرش، تطوي إسبانيا صفحة رائعة من تاريخها الحديث لتفتح صفحة جديدة سيخط تفاصيلها ابنه الملك فيليبي السادس.