يجتهد قياديو حزب العدالة والتنمية خلال هذه الأيام، في التأكيد على محورية دور المؤسسة الملكية وشخص الملك، على نحو يُثير السخرية المشوبة ببعض الأسى، فبعدما رفع عبد الإله بنكيران الأمين العام لنفس الحزب، صوته في تجمع حاشد، قائلا أنه لا أحد من الشخصيات السياسية في البلاد، بات يحظى بثقة الناس، باستثناء الملك.. انبرى قيادي آخر من نفس الحزب هو عبد العزيز رباح، ليقول أيضا من العاصمة القطرية "الدوحة": لا بد أن يظل الملك في المغرب يسود ويحكم. لنسخر قليلا، مستعينين ببعض البديهات، ولنقل لعبد الإله بنكيران: إذا لم يعد الناس في هذا البلد، يثقون في أي كان، من قبيلة السياسيين المغاربة، فما الذي تفعله أنت وزملاؤك من حزبك، وباقي الأحزاب، في المشهد السياسي المغربي؟ قُل لنا بربك ما الذي تنتظرونه؟ لماذا لا " تجمعون قلوعكم" التنظيمية، وتهشون على مُنخرطي حِزبكم، فتدعونهم إلى ترك العمل معكم، وتقولون ما قال أحد قادة قريش، لامبراطور الحبشة، حينما جاء ليهدم الكعبة: "إن للبيتِ ربا يحميه"؟.. ثم تستقيلون من العمل السياسي، فتُريحون وتستريحون.. إن بقاءكم ضمن المشهد السياسي، تستفيدون من الدعم المالي، المُستخلص من عرق ودماء دافعي الضرائب معناه، أنكم ترزحون فوق قلوب أناس، لا يثقون فيكم، وتستنزفون أموالهم، بغير وجه حق، أي دون أن يكون هناك مُبرر لاستخلاصها.. وما دام أنكم مُجْمِعُون، كقيادة حزبية، على أنه ليس من أحد مُؤهل في هذا البلد ليحكم نفسه بنفسه، بل أن يظل كل شيء في يد ملك يسود ويحكم، فلماذا تُشاركون إذن في الانتخابات، وتعدون الناس بما لن تفوا به؟ إن وجود ملك يسود ويحكم في هذه البلاد، ليس بالخبر الجديد، بل حقيقة فعلية، تسري في البلد عبر كل مقاليد الأمور، وإذا كان من مُبرر لوجود أحزاب في هذا البلد، فلكي تعمل على تأطير الناس، وتأهيلهم لأشكال ومضامين الحكم الديوقراطي، وليس الفردي، والإتيان بجديد سياسي، ينعكس على الإتجاه الأحادي للسلطة، وليس القُعود عند الواقع الموجود، والتغني به في كل آن وحين، بمناسبة وبدونها. اتفقتُ تماما، مع الأكاديمي المعروف إدريس بنعلي، حينما قال لي ضمن حوار أجريته معه، أن الإسلاميين المغاربة ديماغوجيون جيدون، لكنهم لا يملكون حبة خردل من حس التاكتيك والإستراتيجية السياسين، ومُؤدى ذلك، كما شرح الدكتور إدريس بنعلي، أن الإسلاميين المغاربة، المُنتظمين في العمل السياسي، يرفعون السقف عاليا، حينما يتعلق الأمر بحشد الأتباع والمُنخرطين، لكنهم في المُقابل، ينكصون القهقرى، كلما حان ظرف التفاوض على المكاسب.. حدث هذا مثلا، حينما تدخلت وزارة الداخلية، لتحجيم نسبة تغطية حزب العدالة والتنمية، لخريطة الترشيح للانتخابات التشريعية سنة 2002، حينها كانت الخشية مُتعاظمة في دار المخزن، من أن يتحول الإنتصار النسبي لحزب الدكتور الخطيب والعثماني وبنكيران، في انتخابات 1997، إلى اكتساح شامل، لا يُبقي ولا يذر، لذا قاد كاتب الدولة في الداخلية فؤاد علي الهمة، حينها، مُفاوضات "ناجحة" مع قياديي العدالة والتنمية، وأجبرهم على تقليص حجم تغطيتهم للدوائر الإنتخابية، ليحصل القصر على خريطة انتخابية، مكّنت من صُنع أغلبية حكومية وبرلمانية "مُناسبة".. وحينما اكتشف قياديو العدالة والتنمية "المقلب" حاولوا أن يضعوا العصا في عجلة المشروع المالي لحكومة إدريس جطو، من خلال حدة مُناقشات واعتراضات الفريق البرلماني لنفس الحزب، بقيادة مصطفى الرميد، وعندما لاحت جدية الموقف، وخُشي أن لا يمر مشروع الميزانية، طلب أحد مُستشاري الملك قياديا في حزب العدالة والتنمية (المعلومة مصدرها قيادي من حزب العدالة والتنمية أسر بها لكاتب هذه السطور) عبر الهاتف، وأمره أن يتم ترك مشروع الميزانية يمر، أخذت العزة بالحق، القيادي المومأ له، فرد على مُخاطبه: نحن لم نأتِ بسابقة في هذا المجال، لقد كان هناك ملتمس الرقابة على الحكومة، في بداية تسعينيات القرن الماضي.. فعاجله مُخاطبه: دعك من هذا الوهم لقد كان ذلك المُلتمس بطلب من الملك الحسن الثاني. وبطبيعة الحال ابتلع نواب فريق العدالة والتنمية ألسنتهم، ومر مشروع ميزانية حكومة إدريس جطو في سلام.. إنها واحدة من علامات "الأمية" التاكتيكية والإستراتيجية، لدى الاسلاميين المُتحزبين المغاربة، كما قصدها الدكتور بنعلي، وإذا ما توسعنا في إيراد غيرها، فلن يسعها هذا الحيز، سيما تلك التي اكتنفت طريقة تعاطي حزب العدالة والتنمية، مع خطة إدماج المرأة في التنمية، في أواخر عمر حكومة "التناوب التوافقي" حيث ركب قياديو الحزب الاسلامي الرسمي، حينها، جواد الرفض للخطة المذكورة، ثم أذعنوا للأمر الواقع، حينما تم تبنيها بعد إحتالتها على تحكيم الملك، كما أنهم اضطروا لترك مشروع قانون الإرهاب، المُقيد للحريات، و الشافط للعديد من المُكتسبات الذي جاء بها ظهير الحريات العامة لسنة 1958.. يَمُرُّ، كان بنكيران وصُحبه حينها مُنهكين معنويا، بأجواء تفجيرات 16 ماي 2003، وقد عمل الأمنيون في دار المخزن، بلا هوادة لاعتصار ليمونة الإسلاميين "المُعتدلين" حتى آخر قطرة. آخر "أرنب" أخرجه المخزن من قُبعته، تمثل في حزب "الأصالة والمُعاصرة".. ليكون ضربة موجعة لطموحات حزب العدالة والتنمية، في اكتساح انتخابات شتنبر 2007، ومن سخرية وضع الهزيمة الإنتخابية، التي تكبدها حزب الاسلاميين "المُعتدلين" أن قادته لم يجرؤوا حتى على الطعن في مصداقية الإنتخابات المذكورة، حين حملت حزب صديق الملك، إلى سدة العمل التشريعي بالبلاد، و"أهلته" ليقضم الجزء الأوفر من نتائج انتخابات يونيو 2009 الجماعية، وبموازاة ذلك كانت الضربات "الجُزئية" تُكال تِباعا لأطر العدالة والتنمية: عُمدة مكناس السابق "بلكورة" وزميله الرجدالي في تمارة، على خلفية ملفات "فساد" في التسيير. هكذا "لعب" حزب العدالة والتنمية في حلبة مخزنية بامتياز، وخرج منها منتوف الريش، لينتبه قادته إلى أزمة "ثقة" مع أولي الحل والعقد، عنوانها رفض مُطلق لأن يتسلم الإسلاميون المُتحزبون، ولو كانوا "مُعتدلين" زمام المُبادرة في مشهد سياسي مُنهك إلى حد الإهتراء، وإذا كان حزب العدالة والتنمية، يتوفر على البنية التنظيمية الأكثر دِقة وضبطا، و"ديموقراطية" داخلية، من خلال انتظام مؤتمراته، وتداول قيادييه على أمانته العامة، فإن تلك عناصر "قوة" تُترجم إلى هباء في أرضية سياسية يُهيمن عليها المخزن. والحالة هذه، فإنه لم يبق أمام حزب العدالة والتنمية، سوى أن يرفع قياديوه عقيراتهم، بتحصيل الحاصل، أي بالتغني بالثقة في شخص الملك، كما يفعل أمينه العام "عبد الإله بنكيران".. أو التوكيد على ضرورة بقاء ملكية تسود وتحكم في هذه البلاد، كما يفعل زميله "عبد العزيز الرباح".. لعله يظفر بجزء من كعكة الحُكم يفضل عن مائدة السباع.