«حزب استئصالي هامشي».. ذلك كان هو الوصف الذي اختاره فؤاد عالي الهمة، مؤسس حزب الأصالة والمعاصرة، لنعت حزب العدالة والتنمية خلال لقاء تلفزي هو الأول من نوعه على شاشة القناة الثانية أياما قليلة بعيد انتخابات 7 شتنبر 2007 التشريعية. ولم يتوقف الهمة عند هذا الحد، بل سرعان ما انتقد بشدة عضو الأمانة العامة للحزب الإسلامي المعارض لحسن الداودي، الذي استنكر استعمال المال في الانتخابات بقوله: «كنت أتمنى أن يخسر حزبي ويفوز المغرب، لكن المغرب هو الذي خسر»، وهو ما رأى فيه الهمة طهرانية فيها مزايدات مكشوفة. أسابيع قليلة بعد ذلك وخلال حوار له مع مجلة «لاغازيت دو ماروك»، سينعت الهمة مجموعة من قيادات الحزب، وفي مقدمتهم مصطفى الرميد، ب«الشعبوية» وب«الشخصيات التي لا تملك خصائص رجال الدولة». ولم يتأخر رد العدالة والتنمية من جهته، فجاء عنيفا من طرف مصطفى الرميد الذي أثار رجة في المياه الراكدة بعدما ألقى فيها حجرا ثقيلا تمثل في كشفه النقاب عن كون الهمة عندما كان كاتبا للداخلية اتصل بالحزب المعارض وطلب منه المشاركة في الوقفة ضد مجلة «لوجورنال» التي أعادت نشر الصور المسيئة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. ولم يكن الأمين العام للحزب عبد الإله بنكيرا يفوت مناسبة إلا وينتقد فيها الهمة ويصمه ب«سخونية الراس». وكانت الحلقة الأخيرة، قبل نحو أسبوعين، من برنامج «حوار» الذي يقدمه مصطفى العلوي على شاشة القناة الأولى فرصة ليتكرر السيناريو نفسه، حيث وجه بنكيران انتقادات شديدة إلى مؤسس حزب الأصالة والمعاصرة بقوله إن «من يقول إن حزبه هو حزب الملك فاعلم أنه كذاب، هذا كلام خطير في السياسة، لأن المُلك هو من أساسيات المغرب، الملك والإسلام، والملك ملك الجميع». قبل أن يستنكر كذلك ما أسماه «محاولة البعض استغلال اسم الملك في نشاطه السياسي». ويرى أحد أعضاء حزب العدالة والتنمية، في اتصال مع «المساء»، أن هذه هي الصورة الحقيقية لأفكار الهمة الذي طالما «حاصر الحزب خلال ممارسة مسؤولياته داخل وزارة الداخلية، وأكد ذلك على مسمع ومرأى من الجميع عبر وسائل الإعلام حينما ذكر أن أحد أهم أهدافه في مجال العمل السياسي هو عدم ترك الساحة فارغة ل«الظلاميين» الذين يستغلون الدين لتحقيق مكاسب سياسية وحسب العضو نفسه، الذي فضل عدم الكشف عن نفسه، فإن «الهمة نجح، من خلال هذه السياسة، في توزيع الأدوار، فبقي حزب الأصالة والمعاصرة دائما في خط الهجوم، بينما رضي العدالة والتنمية بالتموقع ضمن خانة رد الفعل». ويضيف قائلا: «أما حزب العدالة والتنمية فقد كان واضحا منذ البداية رفضه كل المبادرات الهادفة إلى تمييز الهمة وحزبه عن باقي الناشطين السياسيين، داعيا إلى تطبيق القانون على الجميع مثلما حدث مع المادة 5 من قانون الأحزاب التي تمنع المرشحين الرحل». ويبدو أن ذلك ما حدث، عمليا، على مستوى الواقع، إذ كلما خفف الهمة من حدة هجومه على حزب عبد الإله بنكيران، سارع قياديو الحزب المعارض إلى «التقاط الإشارة» ومجازاة الحسنة بمثلها في الحد الأدنى. وهو السيناريو الذي حدث مع كشف حزب الأصالة والمعاصرة، يوم الجمعة الأخير، عن قراره الانسحاب من الأغلبية الحكومية، حيث تحدث عن «العدالة والتنمية» كخصم سياسي وليس كعدو تجب إزالته من الوجود، في الوقت الذي وجه فيه انتقادات لاذعة إلى تيارات إسلامية لها موقف رافض للمشاركة السياسية، وفي مقدمتها جماعة العدل والإحسان. وهي اللفتة التي انتبه إليها قياديو الحزب «الإسلامي» الذين كان آخر هجوم لهم على الهمة يوم الثلاثاء الذي عرضت فيه حلقة بنكيران في برنامج «حوار». فهل كون مجال السياسة مجالا ليست فيه عداوات دائمة أو صداقات دائمة يعني بالضرورة أن الخلافات بين الحزبين ذابت إلى درجة التفكير في إيجاد أرضية للتنسيق بينهما بعد أن جاور الأصالة والمعاصرة غريمه في مقاعد المعارضة؟ هنا، يؤكد الدكتور محمد الغالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن الحزبين معا لديهما من التناقضات في الأفكار والمبادئ وحتى في وسائل الاشتغال الشيء الكثير، مما يمنعهما من تكوين قطب معارض قوي لحكومة عباس الفاسي. ويوضح الغالي أن الخلاف بين التنظيمين جلي وواضح منذ بدايات حزب الهمة، ولا مجال لأن تقرب المصالح السياسية بينهما بشكل كامل. لكن المتحدث يستدرك بقوله: «غير أنه، بطبيعة الحال، لا يمكن استبعاد تنسيق «تكتيكي» بين الطرفين في مواضيع محدودة بما يحقق مصلحتيهما معا في آن واحد». بيد أن مصدر «المساء» في العدالة والتنمية قال إن انخراط الهمة وحزبه في المعارضة وتخفيفه من حدة هجومه على حزب بنكيران «لا يكفي البثة لإيجاد أرضية للتنسيق بين الحزبين، علما بأن الظرفية الانتخابية الحالية تجعلنا نفكر في أن خطة الهمة الجديدة مرتبطة أشد الارتباط باستحقاقات 12 يونيو القادم». وهو ما يشرحه محمد الغالي، في حديثه مع «المساء»، بقوله: «مما لا شك فيه أن خطوة الأصالة والمعاصرة بالخروج إلى المعارضة لها علاقة بالانتخابات المحلية الجارية وكيف غضب الحزب على قرار الحكومة تفعيل المادة 5 من قانون الأحزاب قبل أن يتراجع وزير الداخلية شكيب بنموسى ويعلن أنه سيجمد قانون الأحزاب ويتعامل مع الانتخابات الجماعية عبر مدونة الانتخابات». كما يرى الغالي أن خروج حزب الهمة إلى المعارضة هو تعبير عن أزمة غياب رؤية استراتيجية للعمل السياسي عند حزب الهمة، ودليل على عدم الانسجام بين مكونات الحكومة الواحدة. المثير أنه بعد 48 ساعة عن الإعلان عن الخروج إلى المعارضة، سيتصل ملك البلاد محمد السادس بالوزير الأول عباس الفاسي ويعرب له عن ثقته في حكومته ويجدد له التأكيد على توجيهاته الرامية إلى إجراء العمليات الانتخابية، في نطاق من النزاهة وسيادة القانون».