قد تختلف الآراء حول أبعاد تزكية عاهل المغرب لحكومة الوزير الأول عباس الفاسي، و قد تتضارب القراءات في ثنايا أعماقها إلا أن هناك إجماع من كون هذه التزكية تحمل ما تحمل من خطاب دفين بين سطورها. و هذه طبيعة كل الخطابات السياسية والديبلوماسية. لذلك قد تختلف الآراء، وقد تتضارب فيما بينها، حول ما يريد إبلاغه الخطيب للمخاطب. "" وهذا أيضا بدوره شيء طبيعي لأن كل محلل ينطلق من موقعه الاجتماعي و السياسي و لكل رأيه و هو حر فيه و مسئول عنه في الدنيا أمام جماهير المستضعفين و أمام الله يوم الدين. عودة إلى التزكية المذكورة أعلاه و ما تحمله من خطاب دفين فإننا نرى عكس ما ذهب إليه بعض المحللين من كونها موجهة إلى الوزير الأول و حكومته. حسب رأينا فإنها موجهة إلى التنظيمات السياسية والمدنية الممثلة للجماهير الشعبية و لعامة المواطنين خاصة غير الراضين على الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية..الراهنة. و ذلك للأسباب التالية: * عزوف المواطنين عن الانتخابات السابقة * تشكيل حكومة لا تمثل أغلبية الشعب * فشل الحكومة في كسب تعاطف المواطنين معها و تأييدها * تفاقم الأزمة السياسية و الإقتصادية في ظل تسيير الحكومة الجديدة لشئون البلاد * تراجع واضح عن بعض المكتسبات الديمقراطية للعهد الجديد كل هذه المعطيات تؤكد أن التزكية تحمل خطابا مشفّرا للتنظيمات السياسية و المدنية المعارضة فحواه أن عاهل المغرب مصمم على ممارسة سلطاته الكاملة المخولة له من خلال دستور البلاد. وهذا يعني بدوره أنه لا مجال لإصلاحات دستورية ذات أهمية، و أن البنية السياسية المغربية تتميز بالمحافظة و رفض التجديد. الشيء الذي يجعل من الحكومة هيأة تنفيذية بكل ما تحمل الكلمة من معنى و غير مسئولة عن نهجها. كما يعني هذا أيضا أن موقع عامة الشعب خارج القرار السياسي في البلاد، مما يجعل الجدوى من مجلس نواب الشعب تحت علامة استفهام كبيرة. و متناقضا مع القانون الأساسي للدولة الذي ينص على أنّ الشعب، حسب يشارك في تسيير و تنظيم أمور البلاد عبر ممثليه و نوابه. و ما دامت رؤية أغلبية الشعب في القرار السياسي لا تؤخذ بعين الاعتبار فإن السؤال يطرح نفسه و بإلحاح: هل لوجود مجلس النواب من معنى سيما و أنه يكلف خزينة الدولة ميزانية غير مستهان بها؟ ما الفائدة من هؤلاء النواب ما داموا مشلولين دستوريا و سياسيا؟ فإذا تفهمنا موقف الحكومة كمجرد منفذ للتعليمات السامية، لكونها تُعيّن و لا تنتخب، فإننا نبقى في حيرة من أمرنا أمام تواجد مؤسسة دستورية مشلولة الإرادة السياسية لا تعبر عن طموحات ممثليها الذين صوتوا عليها و منحوها ثقتهم. الحقيقة إن الوضع السياسي المغربي اليوم يعرف تناقضات غير مسبوقة في تاريخه. فبالأمس كل شيء كان واضحا فالقصر هو حاكم البلاد و المخزن العين الساهرة على تطبيق كل قراراته. أما اليوم فقد اختلطت الأمور و لم تعد بينة. فمن جهة كلنا رأينا رغبة العاهل الجديد الشاب في دمقرطة و عصرنة جهاز الحكم وجعله مواكبا للركب الحضاري العالمي، كما رأينا ذلك بالعين المجردة على أرض الواقع الملموس. لكن بعد مرور عشر سنوات أخذ يهيمن، تدريجيا، بعض الفتور على هذه الحركة النهضوية التي بدأها عاهل البلاد. وأسبابها غير واضحة رغم من أن البعض يفسرها بصراع داخل القصر و آخر بصراع بين المحافظين وأنصار الحداثة داخل صفوف المخزن. فمع احترامنا لكل هذه الآراء، و التي قد تكون صائبة فيما ذهبت إليه نسبيا، نعتقد أن الأسباب الحقيقية لا تزال غامضة بالنسبة للمجتمع المغربي ككل. مهما يكون من الأمر فإن ثنايا التزكية السامية لحكومة الأقلية تبقى تعبيرا واضحا عن تجاهل طموحات الشعب و إخراج هذا الأخير من موقع القرار السياسي و تسيير أمور البلاد. فهل نحن أمام بداية عودة إلى الماضي؟ خصوصا إذا انتبهنا إلى نتائج الانتخابات يوم الجمعة الماضي و فوز حزب الأصالة و المعاصرة بها.