لقد كان لافتا أن خصص الرئيس الأمريكي جورج بوش المغرب بفقرة هامة في خطابه يوم 6نونبر الجاري بمؤسسة الصندوق القومي للديمقراطية بواشنطن، في الوقت الذي وجه فيه نقدا مبطنا لعدد من الدول المعتبرة في عداد الدول الحليفة للولايات المتحدة كالسعودية ومصر، وقبل ذلك بحوالي السنة، في 12 دجنبر 2002 عندما أعلنت المبادرة الأمريكية للشراكة مع العالم العربي من طرف وزير الخارجية كولن باول تم تخصيص إشارات دالة للمغرب في نص إعلان المباردة، وبين الحدثين أقدمت بعثة أمريكية رسمية على وضع المغرب ضمن الدول التي تمت زيارتها ودراسة صورة الولاياتالمتحدةالأمريكية عند الشعوب الإسلامية واختبار جدوائية وفعالية برامج الديبلوماسية العامة فيها، ونشر التقرير في بداية شهر أكتوبر الماضي ووردت أيضا في ثنايا التقرير إشارات محدودة لكن ذات دلالة في تحليل إشكالية العلاقة بين أمريكا والعالم الإسلامي. وبالاقتصار فقط على المحطات الثلاث لا يجد المرء عناء كبيرا في استخلاص وجود تركيز ملفت على المغرب في خطاب الإدارة الأمريكية حول قضايا العالم الإسلامي وتوجهات السياسة الأمريكية إزاءه، فهو يقدم كنموذج يقتدى في الديموقراطية والانفتاح الاقتصادي والإصلاحات السياسية، وفي الوقت نفسه أرضية لاختبار البرامج المعلنة أو في وضع البرامج المستقبلية الخاصة، دون أن تكون لذلك آثار مباشرة لصالح مراعاة المصالح الحيوية للمغرب، حيث تدخل معطيات أخرى مرتبطة بالمصالح الاقتصادية والتوجهات العسكرية الاستراتيجية لتؤثر على أولويات السياسة الأمريكية في المنطقة المغاربية، وتدفعها نحو مسارات مفاجأة لصانع القرار في المغرب كما جرى هذه السنة في قضية الصحراء المغربية. نعرض في هذا المقال للمواقف المثارة آنفا كمدخل لتحليل دلالتها والخلفيات الكامنة وراءها. نموذج للاقتداء وأرضية للاختبار أن يحصل بلد في العالم الإسلامي اليوم على الإطراء من طرف الإدارة الأمريكية الحالية فهذا مدعاة لاطمئنان نظام الحكم فيها من أن يكون ضمن أجندة التدخل الأمريكي المفروض لإحداث التغييرات المطلوبة، إلا أنه في الوقت نفسه مؤشر على الأدوار المنتظرة من هذا البلد في خدمة السياسات الخاصة بالدول الأخرى والضغط عليها من خلال نموذجه. تم الاقتصار على ثلاث نماذج من التعرض للمغرب في الخطاب السياسي للإدارة الأمريكية حول العالم الإسلامي ونعرض تباعا لأهم ما ورد حول المغرب في هذه النماذج الثلاث: - في خطاب بوش يوم 6نونبر الجاري حول الديموقراطية في العالم الإسلامي والانسجام بين بالإسلام والديموقراطية ، ركزت الإشارة للمغرب على مسألتين، الأولى مدى استيعاب النظام السياسي لمختلف الأطراف الموجودة في المجتمع، والثانية حول قضية المرأة حيث ورد في الخطاب ما نصه لقد أصبحت الحكومات في شتى أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تدرك الحاجة إلى التغيير، حيث بات في المغرب برلمان جديد يمثل جميع أطياف المجتمع. وقد حثه الملك محمد الخامس على توسيع الحقوق لتشمل النساء. وهكذا شرح صاحب الجلالة الإصلاحات البرلمانية التي أدخلها: كيف يستطيع المجتمع تحقيق التقدم في الوقت الذي تنتهك فيه حقوق النساء اللاتي يمثّلن نصف عدد السكان في البلاد وهن أيضا يعانين من الظلم، والعنف والتهميش، متجاهلين بذلك ما منحهن الدين الحنيف من الكرامة والوقار والعدل؟، وإن العاهل المغربي محق حين قال إن مستقبل الدول الإسلامية سيكون أفضل للجميع بالمشاركة الكاملة من قبل النساء وقد تلا ذلك تصفيق من الحضور. ولفهم السياق العام المؤطر لهذه الفقرة، نتوقف عند الخطاب وردود الفعل التي خلفها، فقد أعلن بوش في ختام خطابه أن الولاياتالمتحدة تبنت سياسة جديدة، واستراتيجية أمامية حيال الحرية في الشرق الأوسط وحدد فيها لعدد كبير من الدول العربية والإسلامية الإصلاحات المطلوب القيام بها في المرحلة المقبلة، ركز فيها على تقوية منطق التدخل لصالح ما يسميه بنشر الديموقراطية في المنطقة العربية والإسلامية. - أما في خطاب الإعلان عن مبادرة الشراكة في 12 دجنبر 2002 في خطاب وزير الخارجية الأمريكي كولن باول في مؤسسة التراث بواشنطن الذي ركز هو الآخر على الأهداف العامة لخطاب بوش وخاصة ما يرتبط بالإصلاحات السياسية والتعليمية والاقتصادية في إطار من تقوية التفاهم والشراكة بين الولاياتالمتحدة والعالم العربي والإسلامي، حيث تم التطرق للمغرب في ثلاث فقرات همت الأولى والثانية موضع الانفتاح السياسي وهناك بصيص أمل في الشرق الأوسط أيضا. فدول أمثال البحرين، وقطر، والمغرب قامت باصلاحات سياسية جريئة، وكما قال الملك محمد عاهل المغرب لبرلمان بلده قبل سنتين، إنه لتحقيق التنمية، والديمقراطية، والتحديث، من الضروري تحسين وتقوية الأحزاب السياسية، والنقابات العمالية، والجمعيات، ووسائل الإعلام وتوسيع مدى المشاركة، أما الثالثة فقد أشارت إلى الجانب الاقتصادي حيث أكد أنذاك على مسألة اتفاق التجارة الحرة عبر البناء على اتفاقنا الناجح للتجارة الحرة مع الأردن بالبدء بمفاوضات اتفاق تجارة حرة مع المغرب، وقد أعلن لاحقا أن المفاوضات الجارية مع المغرب ستكون مقدمة لتعميمها على باقي الدول العربية. - وبين الخطابين صدر التقرير الأميركي الذي أعدته لجنة مختصة معينة من وزارة الخارجية الأمريكية بطلب من لجنة الاعتمادات بمجلس النواب الأمريكي والذي نشر في بداية أكتوبر الماضي وأعلن الفشل الأمريكي في الإنصات والإقناع برغم الأموال المخصصة لصالح برامج الديبلوماسية العامة، حيث كان المغرب من الدول الست التي عرفت زيارة اللجنة من أجل الاستكشاف الميداني وذلك إلى جانب كل من مصر والسنغال وتركيا وسوريا وفرنسا، وقد نقل التقرير بخصوص المغرب فقرة ذات دلالة حيث قيل للمجموعة في المغرب انه إذا لم تعرّف عن نفسك في هذا الجزء من العالم، فإن المتطرفين سيعرّفون عنك ليحدد مباشرة كيف يقع هذا التعريف فهم محتلون قساة القلب في العراق ومتعصبون غير متسامحين مع المسلمين في نفس بلدنا(ص 16)، كما عرض لما شاهده في المغرب من نشاط مؤسسات تنموية محلية تشتغل في مجال مساعدة الفقراء والفرص التعليمية وأنه تم التعبير عن الرغبة في تعلم الإنجليزية والانفتاح على المؤسسات التعليمية والجامعية الأمريكية(ص 54)، وفي معرض آخر تمت الإشارة إلى لقاء اللجنة بأئمة قدموا تصورا إيجابيا لإسلام التسامح والانفتاح والتعددية، وأنهم يرغبون في تقديم إسلام سني غير وهابي(ص 54)، أما من ناحية إجمالية فإن الدراسات الميدانية واستطلاعات الرأي التي تمت لمصلحة اللجنة تقدم خلاصة عن عمق التردي الذي بلغته صورة الولاياتالمتحدة في المنطقة العربية وارتفاع معدلات العداء والرفض لسياساتها في المنطقة، ونذكر هنا أن استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة استطلاع أمريكية ونشر في يونيو 2003 ، حول أهم التوجهات والمواقف الموجهة للأي العام في 49 دولة من بينها المغرب وذلك في الفترة ما بين 28ابريل 2003 و 15ماي ,2003 حيث وجد أن 49 في المائة من المغاربة يتعاطفون إيجابا مع بن لادن. أية مصداقية للخطاب الأمريكي تعرض الخطاب الأمريكي حول قضايا العالم الإسلامي لسلسلة انتقادات واسعة ركزت على الازدواجية التي حكمت نظرته لأوضاع الديموقراطية وحقوق الإنسان في العام الإسلامي بسبب من التركيز على كل من سورية وإيران ومصر واستثناء دول عربية أخرى لا تختلف عنهم من أوضاع الحريات بها بل قد تكون أفضل كما هو الشأن عند المقارنة بين إيران وبعض الدول الخليجية من جهة، ومن جهة أخرى مدى صدق التبشير بالديموقراطية في زمن الاحتلال الأمريكي للعراق وفشل جهود إثبات أدلة وجود أسلحة الدمار الشامل به رغم مرور أزيد من ستة اشهر على إسقاط النظام العراقي، وأيضا مع التأييد الأمريكي المقدم لحكومة الكيان الصهيوني في عدوانها ضد الشعب الفلسطيني واستعمال حق النقض ضد القرارات الأممية المدينة للكيان الغصب على جرائمه، بل إن عددا من القراءات التي وجهت للخطاب لاحظت تركيزه على الدول ذات العلاقة المتوترة مع الكيان الصهيوني، وفي ظل انتشار الخلط بين الإرهاب والإسلام في مواقف بعض الساسة والمسؤولين الأمريكان مثلما جرى مع تصريحات الجنرال ويليام بوكين المسؤول بوزارة الدفاع الأمريكي في شؤون الاستخبارات والمكلف بإلقاء القبض على كل من أسامة بن لادن وصدام حسين، والذي استهدف الإسلام كدين عند تطرقه لحرب أمريكا ضد الإرهاب أو في حربها في الصومال في بداية التسعينيات، ورغم الاعتذارات الديبلوماسية التي صدرت فيما بعد، لم تقدم الإدارة الأمريكية على إعفائه من منصبه رغم المطالبات الشديدة بذلك، أي أن الرأي العام الإسلامي يبقى محكوما بحالة عدم الثقة في الخطاب الأميركي والنظر إليه باعتباره خادما لبرامج الهيمنة الأمريكية على المنطقة، مع الإشارة لوجود نقد تنبه إلى حالة الوهم القائمة عند المحافظين بالبيت الأبيض والتي تقوم على التطابق بين المصالح الأمريكية والنشر الديموقراطية، في حين أن الواقع المعاش يكشف عن خلاف ذلك عندما تتعارض المصالح مع الديموقراطية فيقع دعم الديكتاتوريات كما جرى عند التحضير للعدوان على العراق بالنسبة للدول التي ساندته، القراءات الآنفة الذكر تجعل المرء ينظر بعين التحفظ لما ورد في الخطابين حول المغرب وعدم المغالاة في النظر الإيجابي له، بل والحذر من التحول إلى قناة لمصلحة تسويقه وترويجه. ولا يعني هذا عدم الوعي بالحاجة للتحول الديموقراطي والانفتاح السياسي لكن دون أن يكون ذلك عن طريق الوصفة الأمريكية كما خلص إلى ذلك معدو تقرير التنمية البشرية العربية في الندوة التقديمية للتقرير بالأردن. مصطفى الخلفي