بعد تردد دام أكثر من ثلاثة أشهر قرر الرئيس الأمريكي باراك اوباما الإستجابة لمطالب العسكريين والصقور من المحافظين الجدد خاصة في صفوف الحزب الجمهوري، وإرسال تعزيزات كبيرة من القوات الأمريكية الى أفغانستان في محاولة لتغيير مسار الحرب التي أجمعت غالبية التقارير الصادرة سنة 2009 من مختلف المرجعيات العسكرية والسياسية العالمية على أن الولاياتالمتحدة وحلفائها مقدمون على خسارتها. فيوم الثلاثاء الأول من ديسمبر 2009 قال باراك اوباما في خطاب القاه في معهد وست بوينت العسكري «قررت بصفتي القائد العام، ارسال ثلاثين الف جندي اضافي الى افغانستان لما يمثله ذلك من مصلحة وطنية حيوية». وأعلن اوباما كذلك عن تحديد تاريخ بدء سحب القوات من هذا البلد في منتصف 2011، مؤكدا للامريكيين حرصه على عدم زج البلاد في نزاع بلا نهاية. الا انه لم يعلن مهلة لإنجاز المهمة التي بدأت قبل ثماني سنوات في اعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001. وقال «بعد 18 شهرا ستبدأ قواتنا بالعودة الى الوطن»، معتبرا ان تشبيهها بحرب فيتنام ينم عن «قراءة خاطئة للتاريخ». وقدر اوباما كلفة ارسال التعزيزات بحوالى 30 مليار دولار في سنة 2010 وحدها، وهو ما ينذر بمعركة سياسية حقيقية في الكونغرس لاقرار التمويل. وقد يصل العدد النهائي الى 35 ألفا اذا أضيف المدربون الامريكيون الى الحساب. وشدد اوباما من جهة أخرى الضغوط على الحلفاء الاطلسيين داعيا الى ارسال المزيد من القوات ومحذرا من أنهم مهددون هم أيضا بخطر من سماهم الارهابيين المتمركزين في افغانستان. الأمريكيون منقسمون وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون قالت في نفس اليوم انها ستحض الدول الحليفة على ارسال مزيد من «القوات والمدربين والموارد» الى افغانستان، مؤكدة التزام واشنطن والحلفاء «الدائم» تجاه افغانستانوباكستان. وقالت كلينتون في افادتها أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب «سأتوجه الى بروكسل لبدء عملية تأمين قوات ومدربين وموارد اضافية من الحلفاء». كما أكدت كلينتون على أن واشنطن ستعالج «المخاوف الحقيقية بشان نفوذ المسؤولين الفاسدين». وصرحت امام اللجنة «سنواصل معالجة هذه المسالة». داخل الولاياتالمتحدة إنقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض. زعيم الاقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل أحد أشد منتقدي اوباما في الكونغرس، أشاد بسياسة «التعزيزات العسكرية» الجديدة معتبرا انها ستقلب تصعيد تمرد طالبان. حيث أنه بالتعزيزات الجديدة سيصل عديد القوات الامريكية في افغانستان الى حوالى مائة الف عنصر ما يزيد بثلاثة اضعاف عديدها عند تسلم اوباما مهامه في يناير 2009. غير ان العديد من اعضاء الكونغرس الآخرين لم يوافقوا على هذه الاستراتيجية. وقال السناتور الديموقراطي راسل فاينغولد «لا اؤيد قرار الرئيس ارسال قوات اضافية الى افغانستان لخوض حرب لم تعد تتعلق بمصالحنا الامنية القومية». وقال النائب الديمقراطي ديفيد اوبي رئيس لجنة الاعتمادات بمجلس النواب التي تشرف على جزء كبير من الانفاق الحكومي أن الأموال لها استخدامات أفضل من انفاقها في افغانستان. وذكر اوبي لشبكة «سي ان ان» الاخبارية حول زيادة القوات «يجب أن أرى ما سيكلفنا إنفاق 400 مليار دولار أو 500 مليار دولار او 600 مليار دولار او 700 مليار دولار خلال عقد في هذا الجهد في التعليم وفي جهودنا لبناء الاقتصاد ككل. وعندما تنظر الى المسألة بهذه الطريقة أصل الى نتيجة مختلفة عما يفعل». وقال آخرون ان أوباما بحاجة الى توضيح المطالب للدول الاخرى اذا التزم بمزيد من القوات والاموال الامريكية للحرب. وذكر السناتور المستقل بيرني ساندرز لبرنامج «ذيس ويك» على شبكة «ايه بي سي»، «لدي مشكلة حقيقية حول توسيع نطاق هذه الحرب في ظل «تباطؤ اقتصادي قاسي وضبابية شديدة حول مستقبل الحكومة الأفغانية»، في وقت يجلس فيه باقي العالم ويقول «اليس شيئا لطيفا ان يقوم دافعو الضرائب من الولاياتالمتحدة والجيش الامريكي بالعمل الذي يجب ان يقوم به باقي العالم». ويقدر البيت الابيض أن كل جندي اضافي يرسل الى افغانستان سيتكلف حوالي مليون دولار سنويا مما يعني أن زيادة القوات من 30 الى 40 الف جندي ستضيف حوالي 30 مليار دولار الى 40 مليار دولار من تكاليف الحرب سنويا. أرث بوش وعلى الرغم من تسجيل رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي قرار الرئيس وتأكيدها على أنه «ورث وضعا متدهورا في أفغانستان لأن إدارة بوش لم تكن لديها خطة لإنجاز المهمة هناك»، فإنها وصفت الرئيس الافغاني حميد كرزاي بأنه «شريك غير جدير» يشينه الفساد ولا يستحق المزيد من المساعدة الامريكية. وقالت عضوة مجلس النواب باربرة لي إنها مستعدة للتقدم بمشروع قانون إلى المجلس لمنع تمويل أي زيادة في عدد القوات معتبرة أن الولاياتالمتحدة «لا ينبغي أن تقوم بإرسال المزيد من القوات وتتوقع في الوقت ذاته نتائج مختلفة»، وذلك في إشارة إلى أن زيادة عدد القوات من شأنها أن تزيد من الانغماس الأمريكي في أفغانستان وليس العكس. وأضافت أن أفغانستان بحاجة إلى حل سياسي وليس عسكريا مشددة على أن إرسال المزيد من القوات لن يغير من هذه الحقيقة. زعيم الاغلبية الديموقراطية في مجلس النواب الامريكي ستيني هوير حاول أن يدافع عن سياسة التعزيزات، حيث قال أن الرئيس السابق جورج بوش «فر» من الحرب في افغانستان وغزا العراق تاركا للرئيس الامريكي باراك اوباما حربا تزداد سوءا يتعين عليه الان أن يحاول كسبها. وفي انتقادات لاذعة غير معتادة، قال هوير انه «غاضب» من تصريحات نائب الرئيس الامريكي السابق ديك تشيي التي انتقد فيها طريقة تعامل اوباما مع النزاع الدامي الذي يدخل عامه التاسع في افغانستان. وصرح للصحافيين «بصراحة، لقد فروا من الحرب في افغانستان. ورغم ان هذه كلمات قاسية ولكنني أشعر بالغضب عندما أسمع تشيني يتحدث عن عمل بدأوه ولم يكملوه». وأضاف «لقد بدأوا شيئا ولم يكملوه، وتركوه لهذه الادارة لكي تقوم بعملية التنظيف .. ونحن وبكل وضوح لن نرتكب نفس الخطأ الذي ارتكبته ادارة بوش». وقال هوير أنه يأمل في ان يقوم اوباما وكبار مساعديه، ومن بينهم وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ووزير الدفاع روبرت غيتس، والذين من المقرر ان يقدموا افاداتهم أمام الكونغرس، بالتحدث بالتفصيل عن «امكانية أن يحقق نهجهم الجديد النجاح». وأقر هوير كذلك بوجود «تحفظات كبيرة» في صفوف حلفاء اوباما من الديموقراطيين بشان خطط التصعيد، ورفض الاعلان عن دعمه لاقتراح تقدم به بعض منتقدي النزاع بفرض ضريبة خاصة للحرب. وقال «أنا لا أدعم هذا الاقتراح في الوقت الحاضر»، مؤكدا أنه يؤيد «الاقتراح العام» الذي وراء المبادرة وسيناقشها مع النائب الديموقراطي ديفيد اولي الذي قام بإعدادها. وردا على اسئلة حول المخاوف بشان الحرب بين انصار البيت الابيض الديموقراطيين في الكونغرس الامريكي، اقر هوير بوجود «تحفظات كبيرة داخل صفوفنا حول تصعيد الجهود العسكرية». واضاف «توجد وبكل وضوح مخاوف كبيرة بشان ما اذا كان بامكاننا تحقيق النجاح في افغانستان». الصحف الأمريكية عكست أراء متباينة حول تعزيز التدخل الأمريكي، فقد تساءلت صحيفة نيويورك تايمز عما إذا كان وجود مائة ألف جندي أمريكي في أفغانستان إضافة إلى 40 ألفا من حلف الأطلسي سيكفي لتحويل مسار الحرب هناك. واعتبرت «أن مواصلة إستراتيجية الرئيس السابق جورج بوش بالقتال بأقل التكاليف هي طريقة أكيدة للهزيمة» مشيرة إلى أنه في مطلع السنة الأخيرة لبوش في الرئاسة وبعد ست سنوات من بداية الحرب لم يكن في أفغانستان سوى 27 ألف جندي أمريكي. أما صحيفة وول ستريت جورنال فقد وصفت زيادة عدد القوات بأنها «إستراتيجية سياسية وعسكرية تحمل في طياتها مخاطر كبيرة». مفاوضات سرية من أهم أسباب تأخر أوباما لمدة ثلاثة أشهر في اتخاذ قرار بإرسال تعزيزات كبيرة الى أفغانستان هو أنه كان ينتظر نتائج المفاوضات السرية التي كانت الإدارة الأمريكية تجريها مع قيادات من طالبان أولا عبر وساطة طرف ثالث ثم مباشرة في المرحلة الثانية. الأمريكيون عرضوا على طالبان الدخول في اللعبة السياسية التي يصفونها بالديمقراطية منذ احتلالهم أفغانستان، وتولي السلطة الى جانب العناصر التي تحالفت معهم من الأفغان، ودمج قواتهم في الجيش التابع لسلطات كابل. المفاوضات تعثرت بسبب رفض طالبان القاطع مشاركة العناصر التي ساندت التحالف الغربي وكذلك إصرار طالبان على إنسحاب سريع للقوات المتحالفة من أفغانستان خلال أجل لا يتجاوز تسعة أشهر وتقديم الولاياتالمتحدة تعويضات كبيرة لإصلاح من أفسدته ودمرته بالحرب، وكذلك رفضهم قيام لجان تفتيش أمريكية بزيارة مناطق معينة من أفغانستان للتأكد من عدم وجود تهديد للأمن الأمريكي من طرف تنظيمات مثل القاعدة. موقف الثوار عكس ثقة بالنفس، مقابل عجز أو بحث عن مخرج بأقل التكاليف من جانب التحالف الغربي. عجز الحلفاء الغربيين أمام المقاومة الأفغانية ليس جديدا، وهذا يفسر تعثرهم، وهروبهم الى حلول مثل محاولة شراء الأمن من المقاومة. في 29 نوفمبر 2009 كشف قائد جبهة كابول في حركة طالبان سيف الله جلالي أن القوات الفرنسية العاملة في أفغانستان عرضت على الحركة أموالا طائلة مقابل الحصول على تعهد منها بعدم شن هجمات ضدها، مشددا على أن الحركة رفضت العرض وأصرت على انسحاب كافة القوات الأجنبية من الأراضي الأفغانية. قبل ذلك، وتحديدا في منتصف أكتوبر 2009، كشفت صحيفة «التايمز» البريطانية أن القوات الإيطالية فى أفغانستان حاولت تقديم رشوة لحركة طالبان لحماية قواتها التى حلت مكان القوات الفرنسية في منطقة ساروبي شرق العاصمة كابل في منتصف عام 2008، إلا أن الحركة رفضت هذا الأمر بشدة واستهدفت الايطاليين كالفرنسيين. قوة المقاومة تعزز قوة المقاومة الأفغانية معترف بها تقريبا من طرف الجميع، حتى مايك مولن قائد الاركان المشتركة للقوات الامريكية الذي يعد الأمريكيين بالنصر على جبهتي العراق وأفغانستان، أقر يوم الاربعاء 2 ديسمبر ان نشاط طالبان العسكري حقق لها نفوذا مهيمنا في 11 اقليما في أفغانستان من أصل 34 اقليما تضمها البلاد. وفي 2009 وحتى شهر أكتوبر فقط، بلغ عدد القتلى الأمريكيين في أفغانستان حوالي 300 قتيل، وبمقارنة تلك الحصيلة مع إجمالي القتلى منذ بدء الغزو في 2001 وهو حوالي 850 قتيلا في 8 سنوات يتأكد حجم المأزق الذي بات يواجهه القوات الغربية. ولكن مولن قال للجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الامريكي ان الزيادة التي أعلنها الرئيس أوباما ستسمح للجيش الامريكي «بإستعادة زمام المبادرة» في أفغانستان. رغم فشل الجولة الأخيرة من المفاوضات الأمريكية مع طالبان، سعت الإدارة الأمريكية لإبقاء القنوات مفتوحة معها حتى تشكل مخرجا لها لو فشلت في هزيمة أو وقف انتصارات طالبان، حيث وجهت واشنطن تهديدات مباشرة الى من تعتبرهم حكام أفغانستان. فقد قالت وزيرة الخارجية كلينتون في كلمة القتها أمام لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ الامريكي «لدينا مخاوف حقيقية ازاء النفوذ الذي يحظى به مسؤولون فاسدون في الحكومة الافغانية، وسنواصل ملاحقتهم». وبعد ذلك بقليل، وجه المتحدث بإسم البيت الابيض روبرت غيبس تحذيرا شديد اللهجة قال فيه «ان كان الرئيس كرزاي غير قادر ولا مستعدا لتغيير موقفه ازاء الفساد وطريقة ادارته للبلاد، سنتعاون حينها مع اناس يعملون على مستويات أدنى من الحكومة ومستعدين لتلبية تطلعات الافغان، دون ان يكونوا فاسدين». وأكد غيبس ان الرئيس باراك اوباما «مقتنع بأن الرئيس كرزاي يفهم ما نتوقعه منه». واستعاد ما قاله اوباما ليلة الثلاثاء بان «زمن الشيك على بياض قد ولى». وذكرت كلينتون من جانبها بتعهد كرزاي، بمحاربة الفساد. وقالت «لقد تأخرت كلماته، لكننا نرحب بها. ينبغي أن تتحول اليوم الى افعال». واعلنت الادارة الامريكية منذ اسابيع انها ستعزز علاقاتها مع الوزراء الافغان المتصفين بالنزاهة وتوجيهمساعداتها الاقتصادية الى السلطات المحلية. وفي الأشهر القليلة الماضية من سنة 2009 ضرب المسؤولون الامريكيون على وتر يفيد أنهم يدرسون كيفية تخطي كرزاي اذا تطلب الأمر والتركيز على زعماء الاقاليم والقيادات المحلية المعروفة حسب رأيهم بمكافحتها للفساد وربط المساعدات المدنية بأداء أفضل للحكومة. مساومات السبب الآخر لتأجيل إعلان أوباما كان إتاحة الوقت للإدارة الأمريكية للحصول على التزامات من طرف حلفائها داخل حلف شمال الأطلسي وخارجه بزيادة تعداد قواتهم في أفغانستان وتحويل مهامها الى قتالية وليس تدريبية أو إنشائية فقط. البيت الأبيض مارس خلال ما وصف بأشهر تردد أوباما ضغوطا كبيرة لإقناع موسكو وبكين بتقديم إسناد جدي للقوات الأمريكية في أفغانستان في نطاق ما سمي بالإستراتيجية الجديدة التي وضعها خبراء أوباما. عدة مصادر رصد المانية ذكرت ان البيت الأبيض استفاد من الأسابيع التي سبقت خطاب أوباما في معهد وست بوينت العسكري، لتأجيج مخاوف موسكو مما سمي بالخطر الإرهابي الذي تواجهه روسيا لو اتيح لطالبان الوصول الى السلطة مجددا في كابل، وذلك جريا وراء إسناد روسي قوى للخطة الأمريكية، خاصة عبر السماح للقوات الأمريكية بإستخدام الأراضي والمطارات الروسية لإرسال التعزيزات الأمريكية من جنود وسلاح الى الساحة الأفغانية. نفس المصادر الألمانية تحدثت عن تعهد أمريكي للكرملين بالسماح لروسيا بإقامة خطوط أنابيب لنقل الغاز والنفط الروسي عبر الأراضي الأفغانية مرورا بباكستان حتى المياه الدافئة ومن هناك يتيسر لموسكو الوصول بشكل أسهل وأرخص الى أسواق جنوب أسيا ومناطق أخرى من العالم. فرص نجاح ب 30 في المائة الخبراء يشيرون أن خطة أوباما لا تملك سوى فرص صغيرة للفوز وهي لا تتجاوز حسب المعطيات المتوفرة حاليا على الساحة 30 في المائة. صحيفة «الاندبندنت» البريطانية ذكرت يوم الخميس 3 ديسمبر أن استراتيجية الأمريكية أوباما قد جربت من قبل ولم تنجح. ونقلت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» عن كاتب المقال روبرت فيسك قوله: «تجربة الاتحاد السوفييتي في أفغانستان وما شهده رأي العين من إصابات تعرض له أفراد من الجيش السوفييتي على يد مقاتلين أفغان يطرح تساؤلا كيف يمكن تخيل أن يقذف السيدان بوش وبلير بنا في نفس مقبرة الجيوش بعد ذلك بثلاثة عقود؟ أو أن رئيسا أمريكيا أسود شابا سيفعل بالضبط ما فعله الروس في تلك السنين الفائتة؟». ويسرد الكاتب كيف أنه ذهب إلى موسكو بعد نحو ربع قرن ليقابل الروس ممن كانوا في أفغانستان أثناء الاحتلال الروسي له ليجد أن البعض منهم قد أدمن المخدرات فيما يعاني آخرون مما يطلق عليه اسمه الضغط العصبي. وفي نهاية مقاله يدعو الكاتب «في هذا اليوم التاريخي الذي يغوص فيه أوباما أكثر فأكثر في أعماق الفوضى كي يتذكر العالم التقهقر البريطاني من كابل وتدميرها عام 1842». أعادة لتجربة فاشلة التاريخ يعيد نفسه أحيانا كثيرة، فقد شهد الوجود العسكري السوفيتي في أفغانستان تعزيزات كبيرة في عام 1985 بعد تولي غورباتشوف رئاسة الاتحاد السوفيتي حيث وصل عدد القوات العاملة في أفغانستان قرابة 120 ألف جندي لكن العام نفسه كان أعنف سنوات القتال بين الجنود الروس والمقاتلين الأفغان. وكان الغزو السوفيتي لأفغانستان قد مر بثلاثة مراحل أساسية هي: مرحلة الدعم والمحافظة على المرافق الحيوية من سنة 1980 الى 1983، ومرحلة الهجوم والعمليات العسكرية من سنة 1983 الى 1986، ومرحلة الانسحاب من سنة 1986 الى 1989. وكان غورباتشوف الذي وضع التعامل مع الجرح الأفغاني في صدر أولوياته، قد أراد أن يوفر كل عناصر النجاح الممكنة للحل العسكري، ربما ليس للقضاء على المقاومة المسلحة لكن لكسب المبادرة في الميدان وكسب الوقت لتجهيز الحكومة الشيوعية لتحمل أعباء الدفاع والأمن بنفسها في حالة خروج السوفييت، وهو ما حدث بالفعل حيث وصل عدد عناصر الجيش والشرطة والأمن الأفغاني إلى أكثر من 300 ألف عنصر مع حلول عام 1986، حيث بدأت بوادر الانسحاب الروسي المبكر تلمح في الأفق، وهو ما اكتمل في فبراير 1989 بعد توقيع اتفاقيات جنيف في إبريل 1988. وعلى الرغم من وجود خلافات كبيرة في المشهدين السوفيتي والأمريكي في أفغانستان، إلا أن هناك تشابها في الخطوط العريضة بين الإستراتيجية الجديدة التي أعلن عنها أوباما وبين إستراتيجية غورباتشوف في أفغانستان بعد تسلمه السلطة في الكريملين ورفعه شعار التغيير. وتكمن أوجه الشبه في التوجه نحو تصعيد العمليات العسكرية عبر زيادة الجنود وتدريب وتجهيز الجيش وقوات الأمن الأفغانية «أفغنة الحرب» والقيام بتغييرات وإصلاحات في الوجوه والسياسات في نظام كابل وإطلاق المصالحة الوطنية والدخول في مفاوضات دولية وإقليمية لترتيب أوضاع ما بعد الانسحاب. وقد سجل التاريخ أن الجيش السوفيتي لم يتمكن من القضاء على مقاومة الثوار الأفغان، ورضخ السوفييت لقرار الانسحاب قبل أن يتحملوا خسائر مادية وبشرية أكثر مما تحملوا، غير أنهم رفعوا من مستوى القدرات الدفاعية للحكومة الشيوعية في كابل بحيث صمدت أمام الثوار الأفغان ثلاث سنوات أخرى إلى أن سقطت في عام 1992. خطط واشنطن لزيادة تعداد القوات الموالية لحكومة كابل الى 400 الف جندي خلال خمس سنوات محكوم عليها بالفشل حسب العديد من قادة الأطلسي. ويكفي أنه وفي الوقت الذي يتجاوز عديد القوات الأفغانية النظامية مع نهاية سنة 2009 ال 98 الف جندي، لا يشكل هؤلاء أي حاجز حقيقي ضد الثوار. وبدون ذكر مشاكل الهروب من الجيش، يشير الجنرال الالماني ايغون رامس عضو قيادة قوة الحلف الاطلسي في افغانستان الى اختفاء عشرة الاف جندي في حين يعاني 15 في المائة من الجنود الباقين من مشكلة مع المخدرات، ولا يشارك غالبية الجنود المتبقين بشكل جدي في المعارك مع طالبان. ويقول ضابط فرنسي انه عندما تشتبك قوات الحلف مع طالبان يبقى غالبية الجنود الأفغان الموجودين على ساحة المعركة كمجرد متفرجين. الحروب تستهلك الرئاسات يقول خبراء عسكريون ان خطة أوباما هي مقامرة جريئة اذ أنه يتعامل مع حكومة أفغانية ضعيفة وبالأحرى صورية وشكوك متزايدة من جانب حزبه الديمقراطي والرأي العام الامريكي بشأن ما اذا كانت الحرب المستمرة منذ ثماني سنوات يمكن كسبها بأي حال. وقال بروس ريدل المحلل السابق بوكالة المخابرات المركزية الامريكية «سي.اي.ايه» الذي تابع مراجعة أوباما في مارس 2009 للاستراتيجية الامريكية تجاه افغانستانوباكستان «انه علاج بالصدمة نوعا ما لافغانستان. انه أسلوب جريء ولا ضمان لنجاحه». فارسال المزيد من الجنود أمر يصعب على أوباما اقناع الرأي العام الامريكي به وسط تنامي الضغوط من أجل تحديد جدول زمني لسحب القوات خاصة في الوقت الذي تحاول فيه الولاياتالمتحدة الخروج من أسوأ ركود اقتصادي منذ الكساد العظيم. وذكر ريدل «الحروب تستهلك الرئاسات وهذه الآن حرب أوباما». وقال العديد من المحللين أن الحديث عن أي خطة للانسحاب الان يعتبر لعبة خطرة.. فقد تحدث أثرا عكسيا بتشجيع حركة طالبان واغضاب باكستان التي تخشى من أن تنفض واشنطن يدها من الأمر وتنسحب كما فعل السوفيت في أفغانستان. وقالت ليزا كرتيس من مركز دراسات هريتيج فاونديشن «اذا أمضى اوباما أغلب الوقت في الحديث عن استراتيجية الانسحاب فانه يخاطر بفقد فوائد ارسال هذه القوات الاضافية». وأضافت «انه يوجه اشارة للعدو مفادها انها مسألة وقت وسنغادر». وذكر الكسندر تيري الخبير في شؤون افغانستان ان قرار أوباما الاسراع بارسال قوات كان قرارا جيدا لكن يجب ان يكون هناك انجاز يمكن قياسه خلال 18 شهرا في مجالات أساسية مثل الأمن ومعالجة الفساد واعادة بناء القطاع الزراعي. وأيا كانت المعايير التي سيقاس على أساسها ما يتم انجازه من تقدم يقول المحللون ان أوباما يجب أن يكون قادرا على اظهار بعض الدلائل على النجاح بحول الصيف المقبل قبيل انتخابات التجديد النصفي في الكونغرس اذ ان الجمهوريين سيستفيدون من أي فشل في هذه الحرب. وقال برايان كاتوليس من مركز التقدم الامريكي «الوقت يمر... العامل الزمني الحقيقي هو محاولة تحقيق بعض التقدم بحلول الصيف المقبل والا واجهنا وضعا سياسيا بالغ القبح في الداخل». وتساءلت كريستين فير الاستاذة بمركز دراسات السلام والامن في جامعة جورج تاون لماذا تبقي الولاياتالمتحدة على قوات في أفغانستان وتشعر في الوقت نفسه بالتشاؤم ازاء نجاح خطة اوباما. وقالت «أعتقد أن الكل يدرك أن هذا الأمر لا يتعلق بإختيار الحل الناجح بالمقارنة مع وضع نكون فيه الخاسرين بل بإختيار الأمثل من بين خيارات كلها سيء». تحفظ الحلفاء حلفاء الولاياتالمتحدة وخاصة المانيا وفرنسا يدركون عمق المأزق ولهذا لم يتسرعوا التورط في خطة حرب تحيطها الشكوك من كل جانب. اذا كان زعماء أوروبا قد سارعوا بتقديم دعم شفهي يوم الاربعاء 2 ديسمبر لاستراتيجية أوباما غير أنهم بدوا أقل اقداما على قطع تعهدات بإرسال المزيد من القوات للمشاركة في الحملة العسكرية. بريطانيا الحليف المقرب من الولاياتالمتحدة سارعت بالتعهد بإرسال 500 جندي اضافي حتى قبل أن يدلي أوباما بخطابه. وحث رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون أعضاء اخرين في الحلف على الوقوف وراء أوباما وقال ان بريطانيا «ستقوم بدورها كاملا في اقناع دول أخرى بارسال قوات لحملة افغانستان». ولكن على الرغم من تشجيع لندن جاء رد الفعل الاوروبي حذرا مع سعي الزعماء لتوجيه اشارات ايجابية لاوباما في الوقت الذي يحاولون فيه استرضاء ناخبيهم الذين يزداد تشككهم في حرب أفغانستان. وأشارت المانيا ثالث أكبر مساهم بقوات قوامها 4400 جندي في افغانستان الى استعدادها للقيام بمهام تدريب اضافية للشرطة لكن لا يمكنها التعهد بارسال المزيد من القوات قبل مراجعة الاستراتيجية في أوائل العام المقبل. وكانت واشنطن قد طالبت برلين ب 2000 جندي إضافي. وقال وزير الخارجية الالماني جيدو فسترفيله «ألقى الرئيس أوباما خطابا في غاية الاهمية بعد أن أخذ كفايته من الوقت لصياغة الخطاب وتحديد استراتيجيته. وسنأخذ نحن أيضا وقتنا لتقييم ما قاله ومناقشة الأمر مع حلفائنا». وأضاف «نحن الالمان مستعدون لبذل المزيد فيما يتعلق بتدريب الشرطة لأن هذا هو السبيل الوحيد للاكتفاء الذاتي أمنيا ولنقل المسؤوليات». ووصف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي كلمة اوباما بانها «تتسم بالشجاعة والتصميم والوضوح وتعطي زخما جديدا للالتزام الدولي وتفتح افاقا جديدة». وأضاف «في هذا السياق المتجدد ستنظر فرنسا في مساهمتها في الاستراتيجية الدولية مع اعطاء الاولوية لتدريب قوات الامن الافغانية». وفرنسا هي رابع أكبر مساهم بقوات قوامها 3750 جنديا في المنطقة وقالت قبل أيام انها لن ترسل المزيد من القوات. وفي وارسو قالت وزارة الدفاع ان الحكومة البولندية ترغب في ارسال 600 جندي اضافي لافغانستان لكنها حذرت من أن الخطة تنتظر موافقة الرئيس. ولدى بولندا قوات قوامها 2000 جندي هناك. قبر الإمبراطوريات لعل أخطر المؤشرات حول فرضية انتكاسة خطة أوباما هي الواردة من البلاد التي أقبرت العديد من الإمبراطوريات. وكالة رويترز أوردت ردود الفعل في الشارع الأفغاني على خطة أوباما وجاء فيها: تلقى المواطن الافغاني عصمت الله اعلان أوباما بهزة استخفاف من كتفه. وقال عامل البناء الشاب في أحد شوارع العاصمة الافغانية كابول صباح يوم الاربعاء 2 ديسمبر حتى لو جاءوا بأمريكا كلها لن يكون بوسعهم إعادة الاستقرار الى أفغانستان. نحن الأفغان فقط الذين نفهم تقاليدنا وطبيعتنا الجغرافية وطريقة حياتنا». وأضافت وكالة رويترز: لم يثر قرار أوباما ارسال هذه القوة الاضافية الكبيرة للحرب الافغانية المستمرة منذ ثمانية اعوام اعجاب أحد في العاصمة الافغانية. فقد تابع قليلون خطاب الرئيس الامريكي الذي بث على شاشات التلفزيون قبل الفجر كما يعتقد عدد أقل بأن زيادة القوات ستساعد. وبالنسبة لكثير من الافغان تعني الزيادة في القوات شيئا واحدا..سقوط مزيد من القتلى المدنيين. وقال أحمد شاه أحمد ضاي رئيس الوزراء الافغاني السابق لرويترز «المزيد من الجنود معناه مزيد من الاهداف لطالبان ومن المؤكد ان القوات ستقاتل والقتال سيوقع بالتأكيد قتلى بين المدنيين». «ووقوع قتلى بين المدنيين سيوجه ضربة أخرى لصورة الولاياتالمتحدة وسيزيد من السخط ضدها بين الافغان». ويشعر أفغان اخرون صقلتهم عقود من الحروب بالقلق من القوات الأجنبية التي ظلت طوال سنوات تقاتل حروبا بالوكالة في أفغانستان ويتشككون في نوايا الولاياتالمتحدة. وفي تصريحات تعكس وعيا عميقا بالاعيب الأجهزة الأمريكية، يبدي احسان الله تاجر العملة في كابل تعجبه من ان القوات الامريكية تمكنت من العثور على الرئيس العراقي الراحل صدام حسين لكنها لم تعثر بعد على اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الذي قيل أنه فر من القوات الامريكية في أفغانستان عام 2001. وقال «هذا يجيء في اطار مزيد من الاحتلال الامريكي لافغانستان. أمريكا تستغل مسألة انعدام الأمن هنا لترسل المزيد من القوات». البوابة الشرقية تعثر خطة أوباما وقادته العسكريين في أفغانستان لن تعني فقط إنسحابا مهينا كما وقع في عاصمة جنوب الفيتنام سنة 1975، بل ستعني هزيمة على البوابة الشرقية للأمة العربية في بلاد الرافدين بكل أبعادها لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط الكبير ليس على المقاييس الأمريكوصهيونية بل على أساس ثوابت التاريخ والجغرافيا. جاء في تقرير وارد من قاعدة بلد بالعراق خلال شهر ديسمبر 2009: يواجه الجيش الامريكي في العراق تحديا لوجستيا للحفاظ على فاعليته القتالية بينما يبذل اقصى جهوده لدعم الجنود الذين يخوضون «حرب اوباما» في افغانستان. وينتشر حاليا 115 الف جندي امريكي في العراق إضافة الى 120 الف من قوات المرتزقة، في حين ينتشر في افغانستان 71 الفا الى جانب 18 الف من المرتزقة، والوضع الأمني في العراق ما يزال متقلبا، وقد بينت الأشهر الأخيرة أن المقاومة العراقية تصعد بشكل منتظم عملياتها، ولم ينجح التعتيم الغربي في إخفاء الحقيقة إلا بدرجات متضائلة. ويواجه القادة العسكريون الامريكيون جمودا سياسيا يدفع باتجاه تأجيل الانتخابات التشريعية المزمع اجراؤها منتصف يناير 2010، الأمر الذي قد يؤدي الى مزيد من الفوضى في صفوف حلفاء واشنطن وطهران ويزيد تعقيدات خطط خروج 65 الفا من الجنود الأمريكيين بحلول اغسطس 2010. الولاياتالمتحدة الغارقة في أزمة إقتصادية ونقص في الجنود مضطرة لسحب جزء هام من الأسلحة من العراق لإرسالها الى الساحة الأفغانية. الجنود الذين يغادرون العراق منهكون، وكذلك معداتهم التي مضى على استخدام بعضها أكثر من أربع سنوات، ولكن ما العمل. لقد شقت المعدات الثقيلة الموجودة في العراق طريقها جنبا الى جنب مع القوات باتجاه افغانستان، لكن ضباط الشؤون اللوجستية في العراق يقولون أنه لا يمكن النظر الى استراتيجية اوباما بصورة منفصلة عن تأثيرها عن سلامتهم في العراق. وقال العقيد غوس باغونيس ضابط قيادة الاسناد في مكتبه في القاعدة المشتركة في بلد «هناك شرخ الى حد ما. فالضابط في العراق قد يكون بحاجة الى ثلاث عربات للقيام بمهمة واحدة. لكن هل حقا تريد منه ان يتخلى عن الدبابة؟. ومن ثم يحدث شيئ ما كما حدث في الصومال». باكستان الحليف المجبر في خطابه عن مرحلة الحرب الأمريكيةالجديدة في أفغانستان ربط أوباما امكانيات النصر بحجم التعاون من طرف باكستان ولوح لها بالجزرة والعصا في آن واحد، غير أنه من الواضح أن باكستان تشعر بحجم خطورة المغامرة الأمريكية على أمنها. رفعت حسين رئيس قسم الدراسات الدفاعية والاستراتيجية بجامعة القائد الأعظم باسلام أباد يقول «ربما تكون باكستان أسوأ ضحية للزيادة في القوات... اذا بدأت الأمور تسير على غير ما يرام بالنسبة لاوباما فمن السهل أن تتحول باكستان الى كبش فداء». وأضاف «باكستان ستستعد الان للمرحلة الاخيرة حين تنسحب الولاياتالمتحدة... حينذاك سنعود إلى اللعبة القديمة». أوباما في استراتيجيته التصعيدية والتي يقول بعض الخبراء أنه لم يكن أمامه خيار آخر غيرها، ستكون في حالة تعثرها بمثابة حكم بأنها نهاية مشواره السياسي، فهذه الإستراتيجية قد تعرض للخطر أيضا بنودا على جدول أعمال أوباما المحلي مثل الرعاية الصحية والتغير المناخي وذلك عندما يقيم الساسة في واشنطن والناخبون الذين يضعونهم هناك مدى الحكمة في حرب أمريكية باهظة التكاليف في بلد يعرف منذ القدم بأنه مقبرة الامبراطوريات».