تتخبط الادارة الأمريكية مع تكثف النكسات التي تتعرض لها منذ شهر مارس 2010 في كل من العراق وأفغانستان، وفي محاولاتها للتعامل مع هذه الأزمات تتصرف أجهزتها مثل الهواة الذين لا تجارب لهم وهو ما يزيد من فداحة الخسائر التي تتكبدها الولاياتالمتحدة. غزت الولاياتالمتحدةأفغانستان في السابع من أكتوبر من سنة 2001 تساندها قوات المعارضة الأفغانية التي أطلق عليها اسم تحالف الشمال. وقد سقطت المدن الأفغانية تباعاً في أيدي قوات التحالف حيث تراجعت قوات طالبان عن معظم المدن دون قتال للتجنب تكبد خسائر كبيرة في مواجهة قوات متفوقة عددا وعدة. فسقطت مزار الشريف وهرات وكابول في 13 نوفمبر، وقندوز في 22 نوفمبر، وقندهار في 7 ديسمبر، وجزء هام من منطقة تورابورا في 16 ديسمبر. غير أن القوات الغازية أدركت مع بداية سنة 2002 أنها دخلت في مستنقع لا قرار له. وهكذا انطلقت حرب جديدة استنزفت الولاياتالمتحدة التي نقل حكامها من المحافظين الجدد بعد سنة 2003 ثقل جهودهم إلى العراق الأكثر اهمية لإستراتيجيتهم من أجل رسم خريطة الشرق الأوسط الكبير، وبسبب تقديرهم أن العراق يشكل أحد أخطر التهديدات لإسرائيل في المنطقة الشرق العربية، وكذلك لأن احتلاله وتقاسم الغنائم به مع طهران يشكل مفتاحا فعالا لتمزيق الأمة العربية. خلافات الخلافات التي تتسرب أخبارها إلى وسائل الإعلام بين واشنطن وحميد كرازاي الذي نصبته الإدارة الأمريكية رئيسا لأفغانستان بعد غزوها هذا البلد في نهاية سنة 2001 ليست جديدة، وحتى الأن اعتبرها معارضون مجرد سحابات عابرة أو نتيجة سوء تفاهم، وذهب آخرون إلى وصفها بتمثيليات تستهدف كسب التأييد الداخلي لحكومة كرازي واستبعاد الصورة النمطية عن تبعيته المطلقة للبيت الأبيض. الخلافات التي نشبت في مارس 2010 تعتبر الأكثر حدة، وقد تباينت تقديرات المحللين بشأنها، فالبعض وصفها بالعابرة وآخرون قدروا أنها تشكل بداية مرحلة تمهد لإجبار الولاياتالمتحدة على الإنسحاب من أفغانستان بعد أن انقلب عليها حتى هؤلاء الذين كانوا منفذين لأوامرها. نظرة على شخصية كرازي ربما تعطي تصورا لمسار التحليل. ينتمي حامد كرزاي البالغ من العمر 45 عاما تقريبا إلى البشتون كبرى العرقيات الموجودة في أفغانستان، ويتزعم قبيلة بوبلزي أهم بطون قبيلة دراني التي ينحدر منها أحمد شاه أبدالي مؤسس أفغانستان الحديثة عام 1747 ومعظم ملوك أفغانستان. عاد كرزاي من منفاه في بيشاور شمالي غربي باكستان عام 1992 بعد دخول المجاهدين كابل وسقوط النظام الشيوعي السابق برئاسة نجيب الله، وشغل منصب وكيل وزارة الخارجية في حكومة برهان الدين رباني، لكنه لم يستمر في منصبه سوى عامين فقط حيث قدم استقالته اعتراضا على بعض سياسات حكومة المجاهدين وبسبب القتال الضاري الذي نشب بين الفصائل الجهادية صراعا على السلطة. مال كرزاي إلى مساندة حركة طالبان التي بدأ نجمها يصعد مع منتصف عام 1994 في مسقط رأسه قندهار، ولم يكن كرزاي غريبا عن حركة طالبان فقد كان يعرف الكثير من قادتها أثناء فترة القتال ضد الاتحاد السوفياتي. غير أن التوافق مع طالبان لم يدم طويلا بسبب عدم رضائه عن علاقاتها مع باكستان، ثم جاءت حادثة اغتيال والده أمام أحد مساجد مدينة كويتا الباكستانية مشكلة نقطة التحول الخطيرة في علاقته بطالبان، فقد اتهمها كرزاي بالضلوع في تلك الحادثة وأصر على اتهامه رغم نفي طالبان أي صلة لها بالحادث. وقد ذكرت مصادر رصد ألمانية في شهر سبتمبر 2009 أن هناك معطيات جديدة تشير إلى تورط مأجورين يعملون لحساب شركة أمن خاصة غربية أي «شركات المرتزقة» هي التي دبرت إغتيال والد كرزاي. تهديدات واتهامات ابتداء من الأسبوع الأخير من شهر مارس وفي الأيام التالية أدلى كرزاي بتصريحات وإنتقادات غير مسبوقة، فأمام حشد من قادة القبائل وأعضاء اللجنة الانتخابية المستقلة الأفغانية قال أن «عمليات تزوير مكثفة شابت الانتخابات الرئاسية والمحلية». لكنه ذكر أنه «لم يرتكبها أفغان بل أجانب»، مشيرا تحديدا إلى «مكتب مساعد ممثل الأممالمتحدة بيتر غالبرايث، وكذلك فيليب موريون الجنرال الفرنسي الذي كان يقود بعثة مراقبي الأممالمتحدة في الاقتراع». واتهم سفارات غربية بالمشاركة في التزوير ورشوة مسؤولي الانتخابات أو تهديدهم بهدف إضعافه هو وحكومته. وأضاف إن ما تقوم به حركة طالبان قد يتحول إلى مقاومة شرعية، إذا استمر تدخل الولاياتالمتحدة في الشأن الأفغاني الداخلي. وذهب كرزاي إلى حد التهديد بالانضمام الى طالبان. وذكر كرزاي «الأجانب سينتحلون الأعذار. فهم لا يريدون لنا أن نجري انتخابات برلمانية في سبتمبر 2010. يريدون أن يكون البرلمان ضعيفا، وأن أكون رئيسا صوريا، وأن يكون البرلمان غير فعال». وتابع كرزاي أنه أبلغ الرئيس باراك أوباما أثناء زيارته لكابل بأنه لا يستطيع السيطرة على هذه الأمة بالحرب. ومضى يقول «مرت ثماني سنوات وهذا الوضع مستمر، نحن نريد السلام والأمن، وأنا أبذل قصارى جهدي لإحلال السلام في هذا البلد». البيت الأبيض أعلن أن انتقادات كرازي «مقلقة» ودعته الولاياتالمتحدة، إلى الانضباط وتقديم «توضيحات» عبر الناطق باسم الرئيس باراك أوباما روبرت غيبس. حامد كرزاي دافع عن اتهاماته وقال في مقابلة مع «بي بي سي» أنه لا يزال يعتقد أن الولاياتالمتحدة وغيرها لعبوا دورا في الغش الانتخابي. الا ان كرزاي نفى ان تكون اتهاماته قد اضرت علاقاته بحلفائه. وأضاف: «كل ما قلته عن الانتخابات كان صحيحا. انها لا تقل من شراكتنا بل تضيف اليها». وقال ان تحذيره للغرب بأنه قد ينظر اليه على أنه قوة غزو اذا لم يغير من سلوكه انما هي رسالة لحلفاء بأن علاقاتهم يجب ان تكون شراكة بين دول ذات سيادة. وقال كرزاي «لبي بي سي»، خلال زيارته لمدينة قندهار الجنوبية، ان دول حلف شمال الاطلسي غنية وقوية انما افغانستان فقيرة لكن لها هوية قوية وتاريخ مديد. وكان الرئيس الافغاني يزور قندهار بصحبة قائد قوات ناتو الجنرال ستانلي ماكريستال، الذي تجري قواته استعدادات لهجوم عسكري كبير في الجنوب ضد طالبان. ويقدر خبراء البنتاغون انه اذا نجح الهجوم فسيرسل برسالة قوية للافغان في كل البلاد بأنه عليهم عدم التعاطف أو القتال مع طالبان. مخدرات في عملية مشوشة لمواجهة انتقادات كرازي قال الأمريكي بيتر غالبريث المبعوث الأممالمتحدة السابق لافغانستان انه يشك في «الحالة العقلية» لحميد كرزاي مشيراً الى احتمال تعاطيه المخدرات. وصرح غالبريث لشبكة «ام اس ان بي سي» ان كرزاي «يميل احياناً الى القاء الخطب الطويلة القوية، ويكون عاطفياً للغاية في بعض الاحيان ويتصرف بشكل متهور. وفي الحقيقة فان بعض الاشخاص من داخل القصر قالوا ان له عشقاً خاصاً لنوع من اشهر منتجات بلاده المربحة من المخدرات». بعد ساعات من هذا الإتهام الذي شجعت عليه مراكز في الأجهزة الأمريكية والذي قوبل بسخرية لدى الكثير من الأوساط، رفضت وزارة الخارجية الامريكية تصريحات غالبريث، ووصفها فيليب كراولي المتحدث باسم الخارجية بانها «شائنة». إلا أن واشنطن لمحت الى احتمال الغاء زيارة حميد كرزاي إليها اذا ما كرر تصريحاته المعادية. ومن المقرر ان يلتقي كرزاي الرئيس الامريكي باراك اوباما في 12 مايو في زيارة تقررت عقب الزيارة المفاجئة التي قام بها اوباما الى افغانستان شهر مارس 2010. وسط هذا اللغط حاول محللون وضع تحليل فهم. كتب المحلل الأمريكي روبرت هاديك في مجلة «فورين بوليسي» أن البيت الأبيض هو من أصبح في جيب كرزاي، على عكس ما يعتقده كثيرون، وأن الأمور لا تسير حسبما ما يشتهي الأمريكيون. «سبق لي أن حذرت في مقال لي يوم 26 مارس من أن سعي الرئيس حامد كرزاي للتوصل إلى اتفاق سلام مع حركة طالبان من شأنه أن يتسبب في دق إسفين بين المصالح الأمريكية والأفغانية، وأنه من الممكن أن يمتد مثل هذا الصدع ليشمل أولئك الذين يهاجمون العلاقات الأمريكية الأفغانية، مما يستدعي من إدارة الرئيس باراك أوباما أن تقرر ما إذا كان بإمكانها تحقيق أهدافها في أفغانستان في الوقت الذي تنهار فيه علاقاتها مع رئيس البلاد. واعتبر أنه من المفهوم بل والمتوقع أن يسعى كرزاي ليؤكد لمواطنيه أنه ليس دمية بيد قوة أجنبية». وينصح هاديك صناع السياسة في واشنطن بأن يفكروا فيما إن كان بإمكانهم تحقيق أهدافهم في أفغانستان، بينما تتدهور علاقاتهم مع الرئيس كرزاي والحكومة الأفغانية. ويرى الكاتب أن البيت الأبيض بحاجة إلى إقناع المواطن الأمريكي -ناهيك عن الجنود- بضرورة المهمة في أفغانستان، لأن الخصام العلني مع كرزاي والحط من شأنه يمكن أن يبدد ذلك الاعتقاد، كما أن تشكيك كرزاي في الدوافع الأمريكية من شأنه أن يعزز من قوة طالبان ويرفع معدلات انضمام المناصرين إليها. تفسيرات متباينة المحلل العسكري تيم ريبلي، الذي يكتب في شؤون الدفاع لإصدارات «جينز» الخاصة بالشؤون العسكرية في بريطانيا، ذكر إن ضعف الثقة بين كرزاي والغرب قد يضر بشكل مباشر بالقتال على أرض المعركة في الشهور المقبلة عندما تشن القوات الأمريكية أكبر عملية في حرب أفغانستان بإقليم قندهار جنوب البلاد. وأضاف «المشكلة الواضحة هي أن هدف حرب مكافحة التمرد هو كسب تأييد الناس للقضية. وإذا لم تكن تؤمن بالقضية فمن الصعب أن تقنع الناس بها». وقال «يبدو أنهم في الغرب لا يثقون كثيرا في الحكومة الأفغانية، كما أن الحكومة الأفغانية لا تثق فيهم كثيرا». وقال دبلوماسيون إنه وعلى الرغم من أنهم فوجئوا بالنبرة الواضحة والمباشرة لتصريحات كرزاي الأخيرة، فإنه ما من مفاجأة في انتقاده للغرب. وقال دبلوماسي غربي في كابل «دأب كرزاي على عض اليد التي مدت إليه منذ بعض الوقت. فهذا ليس نهجا جديدا. جاءت هذه التصريحات على وجه الخصوص واضحة على أنه ينتقد الغرب والولاياتالمتحدة منذ فترة». ووصف دبلوماسي آخر التصريحات بأنها تكتيك تفاوضي للتأثير على محادثات تهدف لتحديد طريقة إجراء انتخابات برلمانية العام الحالي، مما قد يؤدي إلى نتائج عكسية ويضعف الدعم الذي تحظى به حرب أفغانستان في الدول الغربية. واعتبر دبلوماسي أجنبي طلب من رويترز عدم كشف هويته أن حميد كرزاي «استاء» من طلب الولاياتالمتحدة فتح المجال أمام ترشيحات معارضة في الانتخابات التشريعية القادمة. ويذكر محللون ألمان أن أحد مآخذ البيت الأبيض على كرزاي تحويله مشروع قانون للعفو طرح عام 2007 إلى قانون يمنح الجماعات المسلحة الحصانة ضد ما تصفه واشنطن بجرائم الحرب التي تحاول الصاقها بطالبان. وقد دفع البيت الأبيض الأممالمتحدة إلى ادانة هذا القرار. ويرى فري آخر من الخبراء ان تصرفات كرزاي ليست نزوة موقتة غير مسؤولة بل تحركا ناجما عن حسابات سياسية تبلورت على ضوء تطور الوضع حيث ان حركة التمرد تزداد حدة وتمتد الى كافة انحاء البلاد تقريبا ووعد اوباما بعد ارسال تعزيزات قوامها ثلاثين الف جندي هذه السنة في محاولة لتغيير سير الامور، بالبدء في الانسحاب من افغانستان في صيف 2011. ويقول هؤلاء أن كرزاي يحاول المراهنة على أوراق قريبة منه في طهران وبكين موسكو وأنه باتهاماته لحلفائه يلعب بالنار اذ يهاجم اولئك الذين اوصلوه الى السلطة وابقوه فيها. كما يعتبر محللون سياسيون ودبلوماسيون ان كرزاي الذي ينظر اليه في بلاده منذ نهاية 2001 بانه «دمية بين ايدي الامريكيين» قد يشعر بانه لن يصمد طويلا بعد رحيل القوات الدولية وانه في حاجة الى اكتساب شرعية شعبية جديدة. منتقدون يطرحون سؤالا هو: هل هذه جرأة وسياسة تحد جديدة للعم سام أم أنها لعبة من كرزاي الذي يجلس في احضان امريكا منذ سنوات من أجل كسب ود ابناء قندهار واقحامهم في الحرب الدائرة ضد طالبان، أم أن شهر العسل قد انتهى بين الجانبين وشعر كرازي بذلك وان زيارته الاخيرة الى قندهار تاتي في اطار الاحتماء بابناء عشيرته؟. الحل العسكري المستحيل مهما كانت الدوافع الحقيقية وراء تصريحات كرازي، فإن المحصلة النهائية لا تخدم المشروع الأمريكي ولا تسهل هجوم الصيف المرتقب والذي يقول محللون أنه سيكون أكبر قليلا من عملية مرجة عندما طبلت وسائل الإعلام لعملية احتلال قرية صغيرة وأراضي زراعية تحيط بها وكأنها عملية غزو لبلد شاسع. الجدل الجديد حول حرب أفغانستان يضعف أكثر المطالب الأمريكية الملحة الموجهة لشركاءها في حلف الأطلسي لزيادة عديد قواتهم، خاصة وأن قناعتهم تتعزز بشأن عدم إمكانية كسب هذه الحرب. وزير الدفاع الألماني أكد مرارا أنه لا يمكن حسم الصراع في أفغانستان بالوسائل العسكرية، داعيا إلى تدفق المزيد من مساعدات التنمية. ونقلت محطة «زد دي إف» عن كارل تيودور تسو غوتنبرغ قوله بأن حلف الناتو بحاجة إلى التوصل «لسبيل معقول» للانسحاب من أفغانستان بدلا من إرسال المزيد من القوات. مصادر أمريكية نقلت عن مسؤولين في أجهزة المخابرات أنهم حذروا الرئيس أوباما من أن ضربة قاسية لإستراتيجيته في حرب أفغانستان ستأتي من برلين بسحب قواتها إذا لم ينجح هو بالضغوط في اقناعها بتغيير اختياراتها. ولترجيح هذا التقدير أشارت تلك المصالح إلى أنه خلال شهر أبريل 2010 وصف وزير الدفاع الألماني للمرة الأولى العمليات العسكرية في أفغانستان بالحرب. وقال تسو غوتنبرغ للصحفيين إنه «حتى إذا كان لا أحد يحب هذا، لكن بالنظر إلى ما يجري بأجزاء من أفغانستان، بإمكان المرء أن يشير إليها بأنها حرب». هذا الوصف يسمح للجهاز التشريعي الألماني وخاصة المعارضة فيه التحرك للعمل على سحب القوات الألمانية فورا لأن الدستور الألماني لا يسمح بالمشاركة في حرب خارج أراضيه إلا على أساس حيثيات محددة وحتى الأن كان التدخل الألماني في أفغانستان يتم بدعوى القيام بمهام حفظ السلام والمساعدة في إعادة البناء. وينتشر نحو 4000 جندي ألماني في الشمال الهادئ نسبيا بأفغانستان. وقد قتل 39 جنديا ألمانيا في السنوات التسع الأخيرة في عدة هجمات وتفجيرات في هذه المناطق. قاعدة «ماناس» في قرغيزستان التحولات السلبية لواشنطن لم تتوقف فيوم الأربعاء 7 أبريل انهارت احدى دعائم الحرب الأمريكية في أفغانستان، حيث أسقطت ثورة شعبية الحكومة القرغيرية المحسوبة على الغرب والتي سمحت لواشنطن بإقامة قاعدة عسكرية ضخمة هي قاعدة «ماناس» في شمالي البلاد لدعم عمليات الناتو في أفغانستان. وجاءت الثورة لأسباب داخلية كثيرة وكذلك بعد أن رفضت الحكومة اغلاق القاعدة رغم ان موسكو قدمت بديلا أفضل من ال 60 مليون دولار حجم إيجار البنتاغون للموقع وذلك على شكل دعم مالي كقروض ميسرة بقيمة ملياري دولار، ومساعدة مالية بقيمة 150 مليون دولار. فقد استفاقت قرغيزستان، على عهد جديد، بعدما أنهت انتفاضة الأربعاء الدامي حكم الرئيس كرمان بك باكاييف، بعد خمسة أعوام على انتصار «ثورة السوسن»، مكرسة في الآن ذاته فشلاً جديداً للثورات الموالية للغرب في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، اثر هزيمة «الثورة البرتقالية» في أوكرانيا، والضربة القاسمة التي تعرضت لها «الثورة الوردية» في جورجيا على أيدي القوات الروسية. وفيما تبدو روسيا المستفيد الأكبر من الانقلاب على باكاييف، تجد الولاياتالمتحدة نفسها في مأزق حقيقي، نظراً للأهمية الاستراتيجية التي تمثلها قاعدة «ماناس» بوصفها نقطة الإمداد الرئيسية لقواتها في أفغانستان. وقد بدت إدارة الرئيس باراك أوباما متحفظة عن اتخاذ أي موقف مباشر من الأزمة، حيث اكتفى المتحدث باسم الخارجية الأمريكية فيليب كراولي بالقول إن واشنطن «متحالفة مع هذه الحكومة «باكاييف» في ما يتعلق بدعم العملية الدولية في أفغانستان». العراق فيما تتجمع في الأفق عناصر تؤشر لإنكسار أمريكي في أفغانستان تتراكم معطيات مشابهة على الجبهة الثانية للحرب الأمريكية المزدوجة في منطقة الشرق الأوسط الكبير، في بلاد الرافدين. دخل الشعب العراقي عامه الثامن منذ الاحتلال الأمريكي وسط مؤشرات قوية على أن حدة المواجهة مع الغزاة ستعود إلى التصاعد خاصة بعد أن تعثرت كل مخططات واشنطن ووعودها ب «الحرية» و»الاستقرار» و»الازدهار»، وبعد ان أصبحت الفوضى السمة الغالبة في بلد فقد مليون ونصف شهيد في عمليات تصفية طائفية وعلى الهوية بمشاركة وتدبير من جانب قوى الإحتلال والمتحالفين معه، بلد شرد أكثر من خمسة ملايين من سكانه داخل وخارج القطر. قال المحلل السياسي العراقي نعيم الشمري إن الذكرى السابعة للاحتلال الأمريكي للعراق تبدو هذه المرة مختلفة بعض الشيء بعد الفشل المريع للولايات المتحدة في محاولة السيطرة على محاور الأمن في بلاد أرهقها الوضع الأمني المتردي وخسارة بعض من حلفائها الذين جاءوا معها. وعشية الذكرى السابعة، سقط سبعة جنود أمريكيين بين قتيل وجريح في معركة مسلحة شمالي بغداد، في مواجهة معلنة هي الأولى منذ أشهر. ومساء الخميس 8 أبريل، تعرضت قاعدة للقوات الأمريكية واقعة في منطقة المسيب شمالي بابل جنوب العاصمة بغداد لهجمات بقذائف كاتيوشا. وافاد مصادر بتصاعد اعمدة الدخان وسماع دوي انفجارات داخل قاعدة «كالسو» المؤقتة نتيجة قصف باكثر من اربع صواريخ اطلقت عليها من البساتين المجاورة لها والقريبة من الطريق السريع الذي يربط بغداد بالمدن الجنوبية. يذكر ان قاعدة كالسيو من القواعد الرئيسية للجيش الامريكي في وسط العراق حيث تضم اكثر من عشرين الف جندي أمريكي. وسبق وتعرضت القاعدة لكثير من الهجمات سواء عن طريق القصف الصاروخي او زرع العبوات الناسفة في طريق المركبات الداخلة والخارجة منها. ويوكل للقوات المرابطة بالقاعدة كثير من مهمات مطاردة المسلحين في المنطقة التي يطلق عليها «مثلث الموت» جنوب العاصمة بغداد. خبراء أشاروا إلى أن عودة تسجيل خسائر في صفوف الجيش الأمريكي والاعلان عنها يؤشر إلى أن التكتيك الذي يتبعه الجيش الأمريكي في العراق منذ أشهر والقاضي بإبعاد قواته عن مناطق التماس وتكثيف تحصينها داخل القواعد العسكرية الضخمة قد بدأ يتعثر. المقاومة طرح قبل أشهر في المكتبات الغربية الاوروبية كتاب ليورغن تودن هيغر عن دار النشر س. بيرتلس مان في ميونخ حول حرب العراق وهو في 306 صفحة. قام هيغر بزيارة العراق وسكن في بيت تابع لافراد من المقاومة العراقية وقابل العديد من عناصر المقاومة دون اي رقابة من اي جانب لا من قوات الاحتلال ولا من افراد أمن السلطات في بغداد. وذكر المؤلف ان المقاومة العراقية ليست مقصورة على العراقيين السنة، بل تشمل جميع الطوائف والمذاهب من سنة وشيعة ومسيحيين وغيرهم كما يشارك فيها بعثيون واسلاميون ومن كافة الاتجاهات. وقال هيغر ان هدف المقاومة هو طرد الاحتلال الامريكي واستقلال العراق ووحدة أراضيه. وأكد المؤلف أن الصورة التي يرسمها المحتل الأمريكي عن الوضع في العراق زائفة، وأن المقاومة العراقية لا تتعمد قتل المدنيين كما يدعي الامريكان، وانها تركز قتالها ضد قوات الاحتلال وعملائه، اما الجثث المجهولة فهي جثث مواطنين عراقيين قامت قوات الاحتلال أو مرتزقتها باعتقالهم وسلمتهم الى أجهزة تحركها سلطات الإحتلال وهي التي تقوم بدورها بقتلهم ورمي الجثث في الشوارع مثلما تفعل المليشيات الطائفية. وذكر أن العديد من عمليات التفجير التي تستهدف المدنيين هي من تدبير الاحتلال وعملائه الذين يسعون لاشعال الحروب الطائفية. وقد جاءت هذه المعلومات «الصفعات» بعد وقت قصير من كشف صحيفة نيويورك تايمز ان محللين عسكريين اميركيين كثيرين ممن تستخدمهم شبكات تلفزيونية كمعلقين بشأن العراق قامت بإعدادهم وزارة الدفاع الامريكية مما يثبت ان الادارة الامريكية تتلاعب بالحقائق وتدفع معلقين ليتحدثوا بشكل موات لادارة البيت الأبيض. وقال تقرير للصحيفة يبحث العلاقات بين ادارات البيت الأبيض ومسؤولين كبار سابقين عملوا كمحللين تلفزيونيين بأجور عالية، ان هؤلاء حصلوا على افادات خاصة ورحلات بالاضافة الى السماح لهم بالاطلاع على معلومات سرية بهدف التأثير على تعليقاتهم. واضافت الصحيفة ان «التسجيلات والمقابلات التي جمعتها توضح كيف ان الادارة الأمريكية استغلت سيطرتها على امكانية الحصول على المعلومات في محاولة لتحويل المحللين الى نوع من حصان طروادة الاعلامي.. كأداة تهدف الى تشكيل تغطية الارهاب من داخل شبكات التلفزيون والاذاعة الكبيرة». وقد دافع البنتاغون عن عمله مع المحللين قائلا انهم لم يتم اعطاؤهم سوى المعلومات الدقيقة. وذكرت الصحيفة ان كثيرين من المعلقين لهم صلات ايضا بالمتعاقدين مع الجيش الذين لهم دور راسخ في الجهود الحربية الامريكية ولكن نادرا ما يتم كشف هذه الصلات للمشاهدين بل واحيانا للشبكات التي يظهرون فيها. استنزاف اساليب فرق تسد المحللون الذين يتوقعون تصاعد الهجمات على القوات الأمريكية يشيرون أن كل المخططات الممكنة التي سعت إلى استغلال الطائفية والعشائرية والانتماء العرقي لتمزيق بلاد الرافدين وشغل شعبه عن المقاومة قد استنزفت ولم يعد غالبية العراقيين يسقطون في فخاخها وأدركوا أن المقاومة المسلحة هي السبيل الوحيد للإنعتاق. وهم يعرفون الأن أن هذه المقاومة كادت أن تجبر في سنة 2007 الرئيس بوش وطاقمه على الإعتراف بالإنكسار والبحث مباشرة أو عبر أطراف ثالثة على التفاوض مع المقاومة العراقية التي نهضت بناء على مخططات موضوعة قبل سقوط البوابة الشرقية للأمة العربية كبديل لمواجهة نظامية لا يمكن أن تكسب أمام تفوق عسكري وتقني ساحق كما أثبتت معركة مطار بغداد. لقد استنزفت وأصبحت بدون قيمة تقريبا ممارسات مكاتب العلاقات العامة ووسائل الإعلام الكبرى الأمريكية والغربية، ووسائل الإعلام الناطقة باللغة العربية واللهجة العراقية الملحقة بالمشروع الامريكي، لقد اسدل العراقيون بتجاربهم الستار على خطة خداع وتضليل استراتيجي متقن، سبق الغزو وحتى يومنا هذا، باستخدام وسائل وأساليب الدعاية السياسية والإعلامية عبر قاموس المصطلحات المزدوج وحرب الصور والكلمات، وترسيخ فلسفة الخواء الفكري والاغتيال الحضاري لشعب العراق وشعوب المنطقة، واستبداله بواقع سياسي حربي قسري هجين، فرضته الآلة العسكرية الأمريكية وسوقته وسائل الأعلام على أنه تجربة ديمقراطية، حرية، تحرير، تغيير. جاء في تقرير لمركز صقر للدراسات الإستراتيجية تعرض العراق إلى أبشع هجمة وحشية في التاريخ انتهك فيها القانون الدولي والشرعية الدولية، وقد عصفت به هستريا القوة الأمريكية أو إرهاب القوة وشهوة جنرالات الحرب المعشقة بجشع الشركات القابضة، الممزوجة بالأحقاد الراديكالية الدينية وهوس الأساطير التلمودية، والمساعي لتغير الحدود السياسية للدول بالقوة، وفق فلسفة «القرن الامريكي الجديد» و»مشروع الشرق الأوسط الكبير» لدعاة اليمين المتشدد في امريكا، ومن خلفهم اللوبي الصهيوني. وقد مارست الدوائر الأمريكية المختلفة الدعاية السياسية والإعلامية المضللة، ونفذت خطة خداع وتضليل استراتيجي الأكبر من نوعها في العالم، لشيطنة العالم العربي والإسلامي وتنميطه بالإرهاب، بغية هيكلة عقول الرأي العام وتضليله لتطبيق المخططات النيوامبريالية. وسعت على الدوام لتحقيق الأهداف والغايات الإستراتيجية من غزو العراق وفق آليات ومراحل تقود في النهاية إلى «الاستعمار الناعم للعراق»، كما طبقت في دول مختلفة من أوروبا الشرقية، وبعض من الدول الاخرى التي تعد مطابخ سياسية مخابراتية متقدمة لتطبيق المخططات الامريكية. وقد ركز السفير الامريكي «كريستوفر هيل» في شهادته إمام الكونغرس الامريكي، لوصف أداء قواته في العراق على عبارة «الوجود الامريكي الذكي في العراق»، خصوصا بعد تغييب الكيان العراقي ونزع هويته العراقية العربية، وقمع شعبه بين مطرقة الارهاب السياسي وسندان إرهاب القوة وإستراتيجيته التي تجسد أمن امريكا السياسي في العراق كأسبقية أولى، وبين محاولات بلقنه أو لبننه العراق وتقسيمه إلى دويلات، يتحكم بها عن بعد وفق فلسفة التحكم السياسي الذكي، وبأسلوب «المناوشة الإستراتيجية» وإذكاء الاحتراب الأهلي الموشح بالصراع السياسي على السلطة في ظل الاحتلال، وباستخدام الأدوات والتوابع السياسية، وتقسيم وتبادل الأدوار بين الوكلاء الإقليمين وانصارهم، وإذكاء الحروب بالوكالة، خصوصا بعد تراجع القدرة العسكرية الأمريكية واختلال آحدية القطبية الدولية وظهور مفاعيل قوى أخرى في مسرح المواجهات ستغير من مقومات الصراع الدولي لاحقا وستعيد معادلة التوازن العربي والإقليمي. واستعيد هنا بتصرف كلمات صحفي عراقي قال: من يعتقد ان العراق وافغانستان لقمة سهلة سائغة يمكن ابتلاعها بسهولة فهو واهم. ومن يصر على الحاق الاذى بالشعبين العراقي والافغاني تحت ذريعة «القاعدة» و»طالبان» فهو يخفي بذلك حقيقة اخذت تتوضح يوما بعد اخر تؤشر الى ان هناك «مسرحية من صنع» سي اي ايه» تهول شيئا فشيئا وتنفخ في مجهول اسمه «القاعدة» التي هي اساسا من صنع وابتكار هذه المخابرات وان الحملات العسكرية الامريكية ستتواصل تحت هذه الكذبة واصبحت مشروعة ويتقبلها الكثيرون في أية بقعة تختارها في العالم والحجة «متوفرة انها القاعدة والارهاب» ومن يعترض على ذلك فسوف تلاحقه لعنة الارهاب والارهابيين اينما يولي وجهه.