شن أكثر من 15 ألف جندي امريكي من قوات النخبة ومن دول الحلف الاطلسي تساندهم وحدات من القوات المجندة من طرف حكومة كابل، أبتداء من يوم السبت 13 فبراير 2010 هجوما ضخما ساندته عشرات الطائرات الحربية المزودة بأفضل المعلومات التي وفرتها أقمار التجسس وطائرات الاستطلاع على قطاع صغير في ولاية هلمند جنوبأفغانستان. الهجوم كان أوسع عملية تشن منذ بدء الحرب في 2001 مع هدف معلن هو السيطرة على أراض كانت لا تزال إلى الأمس في ايدي طالبان، وإبعادهم. العملية التي حملت اسم «معا» أو «مشترك» بلغة الداري، تركزت على منطقة مرجه التي تسيطر عليها طالبان منذ سنوات، في قلب ولاية هلمند والتي تضم مدينة تحمل نفس الام ويبلغ مجموع سكانها حوالي 100 أف نسمة موزعون بين عشرات القرى والمناطق الزراعية مرجة مثلها مثل 67 في المائة من أراضي أفغانستان تخضع في غالبية الأوقات لسيطرة طالبان رغم غزو سنة 2001، مع حالات توقف قصيرة كلما شنت القوات الأطلسية عملية كبرى في المناطق الخارجة عن سلطتها على أمل جر طالبان إلى معركة نظامية. ولاية أو إقليم هلمند هو واحد من 34 إقليما في أفغانستان، تبلغ مساحته زهاء 58 ألف كيلو متر مربع، أي 9 في المائة من مساحة أفغانستان، ومرجة لا تشكل سوى 8 في المائة من الإقليم أي أنها تماثل مساحة مزرعة أمريكية كبيرة نسبيا. مد وجزر خلال العملية العسكرية «معا» التي استغرقت حوالي أسبوعين تضاربت تصريحات المسئولين العسكريين الأمريكيين بين مواجهة قواتهم مقاومة شرسة إلى مقاومة ضعيفة. ففي اليوم الأول أعلن عن هبوط مظليين قرب بلدة مرجه بواسطة 65 طائرة عمودية واقتحامها والسيطرة عليها، وفي اليوم الثاني أعلن عن تقدم القوات في المنطقة سريعا دون مقاومة تذكر، أما في اليوم الثالث فنقلت وكالات الأنباء عن معارك في الجنوب، استغرق بعضها أربع ساعات، كما أعلن على لسان قادة ميدانيين أن الحملة يمكن أن تستغرق أسابيع وأن القوات الأمريكية والأطلسية تتقدم ببطء شديد. ومع نهاية العمليات العسكرية الرئيسية لم يستطع الحلفاء تقديم حصيلة عن إنجازاتهم تتناسب مع حجم القوات المتدخلة، حيث تحدثوا عن أقل من 110 قتيل في صفوف طالبان وتبين فيما بعد وحسب وكالات أنباء فرانس برس ورويترز والبي بي سي البريطانية أن من بين هؤلاء عشرات المدنيين. واشنطن ولندن وأطراف أخرى في التحالف الأطلسي ذكرت أن العملية أسفرت عن نتائج جيدة. غير أن المحللين والخبراء حذروا من انه لن يتضح ما اذا الهجوم قد حقق اهدافه ام فشل قبل انقضاء اشهر بل سنوات. ولفت المعلقون السياسيون في بريطانيا -البلد الذي ينشر ثاني أكبر قوة اجنبية في أفغانستان قوامها نحو عشرة الاف جندي- إلى الدور الحاسم للجيش والشرطة الافغانيين. ذلك هو في نظرهم العنصر الرئيسي المجهول في هذا النزاع. وقال فيليبس اوبريان مدير المركز الاسكتلندي للدراسات الحربية في جامعة غلاسكو «لا نعلم ما سيكونون قادرين على فعله بدون الأمريكيين والبريطانيين. انه سؤال بمائة مليون دولار». ورأى «ان المعارك لاستعادة السيطرة على المنطقة هي مهمة القوات الأمريكية والبريطانية، لكن الدور المهم بعد ذلك سيكون للأفغان». وأكد نايجل انكستر من معهد العلاقات الإستراتيجية الدولية في لندن من جهته ان «عدم خوض معارك طويلة وكثيفة لا ينبغي ان يكون مؤشرا مطمئنا». وأشار الى ان «بعض الثوار اخفوا بكل بساطة أسلحتهم واستأنفوا حياتهم العادية، في حين انسحب آخرون». واضاف «ان قوات ايساف تغلبت دوما على الطالبان أثناء العمليات العسكرية الكبرى لكن لم يكن بوسعهم الحفاظ على المناطق التي دخلوها والتي عاد الطالبان وسيطروا عليها». ويرى اوبريان انه «لا بد للقوات الافغانية ان تعمل على إقناع السكان المحليين بالوثوق بها بدلا من طالبان، وطمأنتهم بأنها ستوفر الأمن لهم بشكل أفضل، وذلك يحتاج إلى عملية طويلة». وقال «بصراحة نتحدث هنا عن أربع إلى خمس سنوات». ويلفت انكستر واوبريان الى ان «عودة الأمور إلى طبيعتها في الأسواق والمدارس والحياة اليومية ستشكل مؤشرا على نجاح أو فشل عملية مشترك، وبالمثل قدرة الأفغان على تولي شؤونهم بأنفسهم». وحذر مايكل وليامز من جامعة لندن من جهته من انه «سيكون الأنسب التريث لرؤية ما إذا كان سيتم وضع أسس لحكم رشيد حقيقي أم أن الفساد المزمن في أفغانستان سيدمر العملية من الداخل». حظر على الإعلام ومن مؤشرات تعثر الحملات العسكرية الغربية القرار الذي صدر يوم الثلاثاء 3 مارس على لسان مسئول حكومي أفغاني وبلغ لوكالة فرانس برس عن أن أجهزة الاستخبارات الأفغانية حظرت وسائل الإعلام من تغطية هجمات طالبان مباشرة باعتبار ان مقاتلي الحركة قد يستخدمون المعلومات التي ينقلها الصحافيون على الأرض. وقال حكيم عشير المسئول عن المركز الإعلامي الحكومي ان «مثل هذه التغطية تهدد اولا حياة الصحافيين ويستفيد منها العدو». وخلال الهجمات المنسقة التي شنها مقاتلو طالبان بكابل يوم الجمعة قامت شبكات التلفزيون الأفغانية والدولية ووكالات الأنباء العالمية بتغطية الأحداث مباشرة، وهو ما أحرج القيادة الأمريكية وكشف فراغ دعايتها عن القدرة في سحق طالبان. وأفادت مصادر إعلامية غربية أن تعليمات صدرت من البنتاغون والبيت الأبيض بفرض هذا الحظر باسم حكومة كابل على أن تحتج واشنطن على ذلك لاحقا. مباشرة بعد ذلك أدانت حركة طالبان قرار منع تغطية الصحافة المحلية والأجنبية للهجمات والمعارك مباشرة. وصرح يوسف احمدي المتحدث باسم طالبان في اتصال هاتفي مع وكالة فرانس برس «هذا يضرب تماما حرية الصحافة وحرية التعبير. لا يمكن تبرير هذه القيود باي طريقة». ودعت الحركة طالبان جميع وسائل الاعلام المستقلة في العالم إلى إرسال مراسلين إلى مرجة، كي «يروا بأم العين» من هي الجهة التي تسيطر على المنطقة. وأوضحت الحركة انه سيكون بوسع المراسلين «أن يروا بأم العين الوضع وان ينقلوا الحقيقة إلى الناس ويظهروا من الذي يسيطر على المنطقة». عناد الحكام خبراء آخرون سخروا من العملية وقالوا أن الحلفاء لا يرون أبعد من فوهات بنادقهم وهم غارقون في أحلام، وقد نسوا كما قال الكابتن ابراهام سيبي الناطق بإسم مشاة البحرية الأمريكية المنتشرين في ولاية هلمند «تحدثنا عن عملية مرجه منذ أشهر»، ومعنى ذلك أن طالبان كانت تدرك مسبقا بالهجوم وفي حرب العصابات لا يسقط المقاومون في فخ المواجهة المباشرة مع خصم متفوق عسكريا. كل ما كان على طالبان هو الإستعداد لإستنزاف قوات حلف الأطلسي المتخفية وراء تسمية «إيساف» في محاولة لتغطية الإحتلال بشرعية دولية. بينما أعرب خنجري، وهو زعيم احدى قبائل مرجه، عن استغرابه لضخامة العملية العسكرية الجارية. وقال «كما لو انهم يريدون غزو بلد باسره وليس اقليما بمساحة ناد». واضاف «أعتقد اأن لديهم أهدافا أخرى أبعد من مجرد السيطرة على مرجة». وبالفعل نجحت حركة طالبان في تحويل عملية «مشترك» الى ما يشبه ضرب الماء بالسيف، لقد تراجعوا لمسافة ولم يخسروا سوى القليل من قواهم، وهم يشنون الهجمات بإستمرار وسيعودون بسرعة إلى مرجة بعد إنسحاب القوات الحليفة التي عليها أن تتجمع وتعزز صفوفها بآلاف إضافية من الجنود لتشن هجوما أكبر في جنوب ولاية هلمند. ويقول عسكريون ألمان أنه لو أرادت قوات إيساف شن عمليات متزامنة في كل مناطق أفغانستان في آن واحد لدحر طالبان وتحقيق البقاء في المناطق التي يتم اجتياحها، فإنهم سيكونون بحاجة إلى ما بين مليون ونصف مليون جندي و مليوني جندي. ويشير هؤلاء الخبراء أن الحلفاء يكررون نفس أخطاء حرب الولاياتالمتحدة في الفيتنام. في كتاب بعنوان «عناد الحكام منذ طروادة إلى فييتنام» الصادر عام 1984، تنقل المؤرخة الأمريكية بربارا توخمان التي توفيت 1989 عن بعض المعاصرين لصناعة قرارات الحرب في فييتنام قبل الهزيمة الأخيرة قولهم: «لقد كان رؤساء الأركان ومستشارو الرئاسة الأمريكية آنذاك يحلمون إلى درجة حالت دون أي تقدير واقعي لنتائج تصرفاتهم». وكانوا «يرفضون الإحاطة علما بمعلومات لا تنسجم مع توقعاتهم الذاتية، إبتداء من الظن باستحالة هزيمة دولتهم من جانب دولة من المرتبة الرابعة كما يصفونها، مرورا بتقدير قواتهم العسكرية وكذلك قوات فييتنام الجنوبية بما يفوق حقيقتها، انتهاء بالسقوط في التشبث المطلق بأوهامهم كلما ازداد وضوح المعالم المرئية للكارثة». تعثر «الاستراتيجية الجديدة» في عام 2009 كان يتردد أن الرئيس الأمريكي الجديد سيركز على أفغانستان قبل أية قضية خارجية أخرى وسيضع لها استراتيجية جديدة، وذلك لأنه وطاقمه يريد محو الوهن الذي ظهر على بلاده وهي تتعثر في حربها في العراق وأفغانستان. وقيل أن خليفة بوش يرى وعلى ضوء ما يجري على هذه الساحة الأفغانية منذ سنة 2001، أنه من الممكن ربح الحرب وتحقيق مكاسب استراتيجية تحتاجها بلاده بشدة لإستعادة توازن القدرة الأمريكية في جزء هام من القارة الآسيوية التي تفيض بقوى جديدة تهدد إستمرار هيمنة الولاياتالمتحدة على الصعيد الدولي. وهكذا أعلن أن «الاستراتيجية الجديدة» التي وضعها وأعلن عنها في مارس 2009، ستؤتي أكلها على يد قادته العسكريين الجدد وفي مقدمتهم الجنرال ماكريستال. غير أن الأخير كان أول من أعلن عن إخفاقها في مايو من العام نفسه، واستمرت محاولات تبديل طريقة التفكير سبعة شهور إلى أن أعلن عن نسخة ثانية «استراتيجية جديدة» في نهاية العام، وهي التي بدأ تطبيقها مع بداية سنة 2010. العديد من الخبراء والعسكريين المرموقين سواء في الولاياتالمتحدة أو وفي دول حليفة وخاصة ألمانيا حذروا خليفة بوش من السقوط في أوهام الإنتصار وأشاروا إلى أن طبيعة شعب أفغانستان وتجاربه التاريخية الطويلة تجعله عصيا على الأجنبي وأنه من الأفضل التوصل إلى حل سياسي مع طالبان. قلة في البيت الأبيض أصغت إلى هؤلاء وواصلت السير على طريق ذكر العالم بمسار الحرب الفيتنامية. المشكلة الحقيقية هي أن جميع ذلك لم يخرج ببواشنطن وأنصارها من الغربيين وغيرهم عن أسلوب تفكير عتيق متجذر، وتسري عليهم المقولة المنسوبة إلى وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسينغر أن «السياسيين لا يضيفون من خلال ممارساتهم جديدا يتعلمونه بما يتجاوز اقتناعاتهم القديمة، فهذه تمثل رأسمالهم المعرفي الذي حازوا عليه قبل استلام المنصب، وهم يستهلكونه أثناء مرحلة أداء مهام ذلك المنصب. علامات تفكك بينما كانت قوات الحلفاء تتقدم في منطقة مرجة شنت طالبان هجوما في قلب العاصمة كابل على مدى أربع ساعات صباح الجمعة 26 فبراير لتؤكد قدرتها على توجيه ضربات إلى خصومها في أهم معاقلهم، وقتل جراء الهجوم 16 شخصا بينهم على الأقل ستة هنود ضمنهم دبلوماسيون. وأعلن المتحدث بإسم حركة طالبان ذبيح الله مجاهد في اتصال هاتفي مسؤولية الحركة عن الهجوم، وقال في إشارة إلى القتلى الهنود إن المستهدفين هم أعداء الأفغان. وتزامن ذلك مع تطورات سياسية في هولندا التي سقطت فيها الحكومة بعد فشل أحزاب الائتلاف الحاكم في التوصل إلى اتفاق حول تمديد مهمة القوات الهولندية العاملة بإقليم أورزغان الأفغاني، الأمر الذي يهدد بقاء ما يقرب من ألفي جندي من ذلك البلد ضمن الوحدات الغربية. دول غربية متورطة في المستنقع الأفغاني رأت في الأزمة السياسية بهولندا جرس إنذار لها خاصة وأن غالبية كبيرة نت الرأي العام لديها يطالب بالخروج من الحرب. بريطانيا حليف واشنطن الرئيسي بدأت بدوره تعطي مؤشرات عن اليأس من كسب الحرب. فقد ذكرت صحيفة ال»غارديان» في بداية شهر مارس، أن بريطانيا ستحث الحكومة الأفغانية على بذل مزيد من الجهود في السعي إلى فتح محادثات سلام مع «طالبان» وسط مخاوف من استمرار الحرب فترة طويلة وسقوط المزيد من الجنود البريطانيين، نتيجة ما اعتبرته انعدام الكفاءة وغياب الإرادة السياسية في كابول. وأشارت الصحيفة إلى أن وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند عكس في مناسبات عدة قلق بلاده المتزايد من أن رغبة الرئيس الأفغاني في إيجاد حل سياسي لا يدعمها أي تخطيط جدي أو مقترحات ملموسة. ونسبت إلى ميليباند قوله: «يتعين على الافغان أن يطلقوا ويقودوا هذا الانخراط السياسي مع أنه سيكون عملية بطيئة وتدريجية، لأن المسلحين يريدون أن يروا دعما دوليا لمثل هذا التوجه». وأضاف «أن الانخراط الدولي تحت رعاية الأممالمتحدة سيكون في نهاية المطاف مطلوبا، والوقت الآن مناسب بالنسبة للأفغان للسعي إلى تسوية سياسية بالتزامن مع تفعيل الجهود العسكرية والمدنية». لكنها لفتت إلى أن هناك قلقا أيضا من أن الفرصة المتاحة لفتح حوار تمهيدي مع الحركة قد تبددت، وأن الصراع الذي أودى بحياة 272 جنديا بريطانيا حتى الآن تفاقم. طالبان يوم الأربعاء 10 مارس ورغم تحفظات البيت الأبيض حث وزير الخارجية البريطاني الافغان على اعطاء دفعة لتسوية سلمية مع مقاتلي طالبان وقال ان على جيران أفغانستان ان يدعموا هذا الاتفاق. وعكست تصريحات ميليباند التصالحية التي وردت في كلمة القاها في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالولاياتالمتحدة في رأي المراقبين، قبولا أو بالأحرى رضوخا متزايدا في الغرب لأن يلعب مقاتلو طالبان الذين يقطعون علاقاتهم بتنظيم القاعدة دورا في مستقبل البلاد. وقال ميليباند «حان الوقت كي يسعى الافغان الى تسوية سياسية بنفس القدر من الهمة والطاقة التي نمارس بها الجهود العسكرية والمدنية». وفي ظهور منفصل في بوسطن ليلة الثلاثاء 9 مارس قال ميليباند انه لم يعد هناك حل عسكري لافغانستان. وقال أمام منتدى للشؤون الخارجية بمكتبة كنيدي «الحقيقة بشأن التمرد ومكافحة التمرد هي أنه لم ينته عسكريا قط. لن ينتهي سوى سياسيا». وأضاف «أفغانستان لن تحقق سلاما مستديما ابدا ما لم ينضم المزيد من الافغان للنظام السياسي ويكون الجيران في جانب التسوية السياسية». وكانت حركة طالبان قد رفضت اقتراحات كرزاي بالتسوية مرارا قائلة أن على القوات الأجنبية أن تنسحب من أفغانستان أولا وأنها لن تجري محادثات مع حكومة أقامها الإحتلال. غير أن مصادر غربية وعربية خليجية تحدثت في عدة مناسبات «عن اجراء محادثات» ملمحة أنها كانت مترددة وتمت مع أشخاص ليسوا من الصفوف الأولى لطالبان. مهام المرتزقة واشنطن في سعيها المتخبط لتجنب الإنكسار في أفغانستان تستنسخ نفس الأساليب التي جربتها من قبل في العراق والصومال والفيتنام وكمبوديا واللاوس مع تعديلات متفاوتة الأهمية تعتقد أنها كفيلة بمنع تكرار النتائج السلبية. استغلت الولاياتالمتحدة خلال كل الحروب السابقة دول الجوار لتساندها ووعدتها بمعونات وتقاسم النفوذ كما استغلت العوامل العرقية والدينية والقبلية لتطبق سياسة فرق تسد ولتكون فرقا من المرتزقة، كما استخدمت أجهزة دعايتها الضخمة والمهيمنة في العديد من مناطق العالم لتشويه خصومها وتقديمهم كمجرمين بحق شعوبهم. اذا كانت شركات تجنيد المرتزقة أو «شركات الأمن الخاصة» كما يحلوا للغربيين تسميتها قد دخلت إلى أفغانستان مع بداية الغزو فإن وجودها ظل محدودا حتى نهاية سنة 2008 بالمقارنة مع ما كان قائما في نفس الفترة في بلاد الرافدين، حيث قارب عدد مجندي هذه الشركات 160 الف شخص. في 12 نوفمبر 2007 أعلن في جنيف أن دراسة سويسرية مستقلة من قبل مؤسسة سويسرا من أجل السلام «سويس بيس»، المتخصصة في الدراسات السلمية ومقرها برن، توصلت الى أن الشركات الأمنية العاملة في أفغانستان تزيد في شعور السكان بانعدام الأمن في البلاد وتفاقم الخلط القائم بينها وبين القوات الوطنية والأجنبية. وتكمن المشكلة الرئيسية في أن «لا أحد يراقب هذه الشركات الأمنية»، مثلما تقول سوزان شمايدل المساهمة في تحرير الدراسة التي تحمل عنوان «شركات الأمن الخاصة والسكان المحليين: تحقيق في أفغانستان وأنغولا». وذكر التقرير أن عدد شركات الأمن الخاصة تضاعف بشكل كبير منذ إطاحة القوات الغربية بزعامة الولاياتالمتحدة بنظام طالبان في خريف عام 2001. بعض من هذه الشركات الأمنية ملك لأفغانيين، ولكن الغالبية منها أجنبية، تحتل فيها الولاياتالمتحدة المرتبة الأولى متبوعة ببريطانيا. وكان تقرير أممي صدر في نفس الوقت رغم معارضة لندن وواشنطن قد أشار الى أن «الشركات الأمنية الخاصة تمثل نوعا جديدا من نشاط المرتزقة. وقالت شمايدل أن الشركات الأمنية كثيرا ما تلتجئ الى توظيف ميليشيات أفغانية سابقة تعمل لحساب دول أجنبية إما على شكل عناصر منفردة أو في بعض الأحيان كمجموعات بقيادة زعماء الحرب المحليين. وقد ثبت تورط شركات الأمن الخاصة في عمليات القتل والتصفية والتعذيب وكذلك السطو على العديد من البنوك في كابل. في 11 ديسمبر 2009 ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن حراسا من شركة الامن الخاصة بلاكووتر وورلدوايد شاركوا في بعض من أكثر العمليات الحساسة لوكالة المخابرات المركزية الامريكية (سي.آي.إيه) في العراق وأفغانستان بما في ذلك غارات على معارضين مشتبه بهم في بغداد وكابل، ولفتت الصحيفة في موقعها على الانترنت إلى أن دور بلاكووتر في افغانستان بدأ اوائل العام الفين وإثنين عندما استأجرت وكالة المخابرات المركزية شركة الأمن الخاصة لحراسة محيط محطتها في فندق اريانا في كابل، كما استأجرت المخابرات المركزية ايضا بلاكووتر، التي تعرف الان باسم إكس سيرفسيز، لتقديم الأمن لمحطتها في بغداد ومصالح أمريكية في كابل. يوم 9 مارس 2010 كشفت صحيفة «الغارديان» البريطانية أن الجيش الأمريكي أطلق مليشيات قبلية سرية في أفغانستان بهدف تعزيز المعارضة المحلية لحركة طالبان دون علم حلفاء أمريكا. وقالت صحيفة «الغارديان» إن تلك الوحدات السرية التي أطلق عليها اسم قوات «مبادرة الدفاع المحلية» تعمل على تخريب مواقع طالبان من الداخل وتأليب السكان ضدها بمختلف الأساليب، ولكن القادة الأمريكيين يرفضون الحديث عنها. الدور الإيراني تقارير مراكز رصد أوروبية تشير الى أن شركات المرتزقة وما يسمى بقوات «مبادرة الدفاع المحلية» جندت مرتزقة من الدول المجاورة وأنه في غرب أفغانستان تقوم وحدات عسكرية إيرانية بعضها ينتمي الى الحرس الثوري والبسيج بعمليات دعم لحكومة كابل ضد طالبان زيادة على أن طهران تسلح مليشيات الهزارة الشيعية وتبلغ نسبة الشيعة في أفغانستان 20 في المائة. كما تقدم طهران مساعدات ضخمة إلى الشيعة الجعفرية الذين غدوا في ظل الاحتلال الأمريكي أهم عناصر السياسة الأفغانية، ولهم دور بارز في الحكومة الحالية، حيث وصلوا إلى أرقى المناصب في الوزارات المختلفة والدوائر السياسية العديدة، واسندت إليهم سبع وزارات، كما أنهم حصلوا على 20 مقعدا في البرلمان القومي الأفغاني. وتتم حماية هؤلاء وتمويلهم ودعمهم من طرف حكومة إيران، حتى إن الحكومة الإيرانية قامت بالدعاية لهم أثناء الحملة الانتخابية بطبع لوحاتهم الدعائية على كراسات الأطفال وحقائبهم وكتبهم في طهران ومن ثم إرسالها عبر الولايات الشمالية إلى أفغانستان وتوزيعها هناك. وتساعد إيران هؤلاء في شراء المناطق الاستراتيجية في طول أفغانستان وعرضها، حتى إنهم يبنون لأنفسهم مركزا تعليميا في كل ولاية. التحالف ومشكلة تقاسم الغنائم رغم اللغط الكثير عن الخلافات بين إيرانوالولاياتالمتحدة ورغم مواصلة عزف الأسطوانة المشروخة عن حرب محتملة ضد طهران وفرض عقوبات ضدها، لم ينكر ساسة واشنطن ولا طهران لا في سنة 2001 ولا في سنة 2003 بعد سقوط أفغانستان ثم البوابة الشرقية للأمة العربية، أنه بدون تعاون الطرفين لما نفذت قوات الغزو إلي أراضي هذين البلدين بالصورة التي وقعت. يوم 7 مارس 2010 كشفت صحيفة «نيويورك تايمز»، أن الحكومة الأمريكية منحت أموالا وعقودا بمليارات الدولارات لشركات تتعامل مع إيران على الرغم مما يعلن عن سعي واشنطن الى تشديد العقوبات المفروضة على طهران بسبب ملفها النووي. وذكرت الصحيفة أن الحكومة الأمريكية دفعت 15 مليار دولار لشركات أمريكية وأجنبية تحدت قانون العقوبات الأمريكية من خلال إجراء استثمارات ضخمة في إيران ساعدتها في تطوير احتياطها من النفط والغاز. وأشارت الصحيفة إلى أن إدارتي الرئيس جورج بوش وباراك أوباما منحتا مكافآت لشركات تتعارض نشاطاتها -حسب المواقف المعلنة- مع المصالح الأمنية الأمريكية. وقد استحوذت الشركات التي تتعامل مع إيران على حوالي ثلثي الأموال الحكومية في الولاياتالمتحدة المخصصة لتشجيع توظيف الأموال، وتستثمر معظم تلك الشركات في مجال الطاقة، وهو أحد أكبر مصادر الواردات للحكومة الإيرانية ومركز قوة شركات الحرس الثوري الإيراني التي تتدعي إدارة البيت الأبيض أنها تفرض عليها العقوبات بسبب إشرافها على البرامج النووية والصاروخية في البلاد. كما استفادت شركات أخرى من أموال الحكومة الأمريكية وهي تعمل بمجالات صناعة السيارات والتوزيع وهي أحد القطاعات المهمة في الاقتصاد الإيراني والتي تربطها علاقة وثيقة بالحرس الثوري. وقد استفادت الشركات مباشرة أو من خلال شركات تابعة لها من عقود تجاوزت قيمتها 102 مليار دولار منذ عام 2000 مع الحكومة الأمريكية. كما استفادت شركات النفط والغاز التي تعاملت مع إيران خلال السنوات الماضية من عقود مربحة للتنقيب عن النفط شملت مساحة 14 مليون هكتار من الأراضي في الولاياتالمتحدة وفي الخارج. مجلة دير شبيغل الألمانية ذكرت من جانبها أن المساهمات المادية الأمريكية غير المباشرة في الإقتصاد الإيراني عرفت تكثيفا غير مسبوق خلال الأشهر الأخيرة من حكم الرئيس بوش ثم الأشهر الأولى لخلفه أوباما. نجاد وغيتس في شهر مارس 2009 قام الرئيس الأيراني أحمدي نجاد بزيارة إلي بغداد تحت ظل الحماية العسكرية الأمريكية وحتى على الصعيد العلني الذي يستخدم في كثير من الأحيان للتمويه لم تصادف الزيارة امتعاضا أو معارضة أمريكية، وكأن لسان الحال يقول بأن الأمور تسير على ما يرام، أمريكيا وإيرانيا، فيما يتعلق بمستقبل العراق. زيارة نجاد أكدت في طياتها نظرية المؤامرة، وقد حملت كل سمات الاحتفاليات الانتصارية على بلد عربي مسلم، جار، تعرض لغزو أجنبي هائل وأكبر جرائم الإبادة والتصفية والتشريد في العصر الحديث وما يزال يخضع للاحتلال الأجنبي. بعد سنة من زيارة بغداد وفي شهر مارس كذلك، عاد نجاد ليرسخ نظرية المؤامرة فحل بكابل بعد ساعات من زيارة وزير الدفاع الأمريكي غيتس لها والذي تصف طهران بلاده بالشيطان الأكبر. ويقول محللون أنه رغم الخصومة العلنية بين واشنطنوطهران الا أنهما تشتركان في عداوتهما لحركة طالبان السنية التي تقاوم محاولات التوسع الإيراني نحو الشرق كما للغرب، والتي حكمت كابل من 1996 وحتى 2001، خاضت خلالها معارك لم تنقطع مع أمراء الحرب والمليشيات الشيعية المساندة من طرف طهران. يوم الاثنين 8 مارس قام وزير الدفاع الأمريكي غيتس بزيارة لم يتم الإعلان عنها مسبقا للعاصمة الأفغانية دامت يومين، وقد اعتبرها بعد الملاحظين محاولة من واشنطن لإبراز تحسن موقفها في الحرب ووسيلة لإقناع دول أخرى بمشاركتها في الحرب، وبعد 48 ساعة من هذه الزيارة حل الرئيس الإيراني نجاد يوم الأربعاء بكابل. لم يعد من الممكن بعد ذلك لأي محلل رفض نظرية المؤامرة واعتبار الصراع بين طهرانوواشنطن خلافا بين حليفين على تقاسم الغنائم أكثر من أي أمر آخر. في محاولة للتمويه، تراشق نجاد وروبرت غيتس بالكلمات خلال فترة وجيزة أمضياها معا في أفغانستان حيث تنشر واشنطن قوات ستصل إلى 100 ألف جندي أمريكي بحلول نهاية العام. وغادر غيتس كابول بعد فترة وجيزة جدا من هبوط طائرة أحمدي نجاد، لكنه وقبل مغادرته وصف توقيت زيارة الرئيس الإيراني بأنه «يغذي أفكار أصحاب نظريات المؤامرة» دون أن يدلي بتفاصيل. وأضاف وزير الدفاع الأمريكي: «أبلغت الرئيس كرزاي أننا نريد لأفغانستان أن تكون لها علاقات طيبة مع جميع جيرانها. لكننا كذلك نريد من كل جيران أفغانستان البدء في التعامل بشكل صريح مع حكومة أفغانستان»، فيما انتقد الرئيس الإيراني في كابول انتشار قوات الحلف الأطلسي، وسخر من وزير الدفاع الأمريكي. وتساءل الرئيس الإيراني: «ماذا كان يفعل على مسافة 12 ألف كلم» من بلاده؟. وانتقد الولاياتالمتحدة بدون ان يسميها. واضاف نجاد: «لا نرى أن وجود القوات العسكرية الأجنبية هو لجلب السلام إلى أفغانستان»، «الحل يمر عبر سيطرة الحكومة الشرعية لأفغانستان على الوضع». في واشنطن رد المتحدث باسم الخارجية الأمريكية فيليب كراولي فقال «أن مستقبل افغانستان له بعده الاقليمي ونأمل بان تقوم إيران في المستقبل بدور بناء أكثر في افغانستان». وذكر كراولي ان الولاياتالمتحدة وايران «تعاونتا في السابق بشكل بناء» لتشكيل حكومة مدنية في افغانستان، واعتبر أن لإيران «مصالح مشروعة في افغانستان» مشيرا الى أنه «يتفهم أن يكون قادة بلدين متجاورين بحاجة للحوار». مقبرة الامبراطوريات في شهر يوليو 2009 تعثرت عملية «الخنجر» العسكرية التي قادتها القوات الأمريكية في ولاية هلمند جنوبيأفغانستان، ورغم ذلك تابع الجيش الأمريكي هجومه وأطلق عملية مشابهة في ولاية قندهار بالجنوب. وقد أخفق حتى هذا الهجوم في تحقيق أهدافه في هلمند لأن القوات الأمريكية بقيت خارج القرى التي يسيطر عليها مقاتلو طالبان وأصبحت معزولة في المناطق الخاضعة لسيطرتها. السياسيون الذين يوجهون الحروب الأمريكية لا يأبهون للتاريخ كثيرا، لكن الذي يقرأ التاريخ ينبغي أن يعلم أن أفغانستان كانت مقبرة لكثير من الإمبراطوريات التي غزت العالم من قبل لكن لم يستقر لها مقام في أفغانستان، فهل يعتبر أوباما بمن سبقه، أم سيضيف اسم بلاده لقائمة الإمبراطوريات المهزومة في أفغانستان.