استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا            تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    هجوم ماغديبورغ.. الشرطة الألمانية تُعلن توجيه تهم ثقيلة للمشتبه به    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    رشاوى الكفاءة المهنية تدفع التنسيق النقابي الخماسي بجماعة الرباط إلى المطالبة بفتح تحقيق    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    نادي المغرب التطواني يقيل المدرب عزيز العامري من مهامه    الشيلي ترغب في تعزيز علاقاتها مع المغرب في ميدان البحث العلمي    العرائش: الأمين العام لحزب الاستقلال في زيارة عزاء لبيت "العتابي" عضو المجلس الوطني للحزب    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الجيش الباكستاني يعلن مقتل 16 جنديا و8 مسلحين في اشتباكات شمال غرب البلاد    بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود جلالة الملك من أجل الاستقرار الإقليمي    سويسرا تعتمد استراتيجية جديدة لإفريقيا على قاعدة تعزيز الأمن والديمقراطية    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    مدان ب 15 عاما.. فرنسا تبحث عن سجين هرب خلال موعد مع القنصلية المغربية    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات وهبات رياح قوية    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع    دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة        اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من البحر الأبيض المتوسط إلى شبه القارة الهندية:تجمعت كل عناصر كارثة استراتيجية أمريكية

بكل إصرار وعناد، عزز الرئيس بوش تدخله العسكري في العراق وينوي مواجهة إيران، لاشيء حوله عن مساره، لا خسائر جيشه ولا رفض الناخبين الأمريكيين ولا معارضة عدد كبير من العواصم الأجنبية. وباسم التهديد الشيعي يحاول البيت الأبيض أن يجمع حوله قادة عربا متعاونين ولكنهم مترددون بخصوص مصداقية الادارة الأمريكية.
بعد الثورة الإيرانية سنة 1979، أغرت بعض المسؤولين السياسيين الأمريكيين فكرة أنه بالإمكان استعمال القوات الإسلامية لمواجهة الاتحاد السوفياتي. ووفق هذه النظرية التي بلورها زبيغنيو بريزينسكي، مستشار الأمن القومي للرئيس جيمي كارتر، هناك «قوس أزمة» يمتد من المغرب الى باكستان، وفي هذه المنطقة بالإمكان تعبئة «قوس الإسلام» لتطويق الهيمنة السوفياتية. ألم يسبق أن استُعملت هذه القوات الإسلامية المحافظة خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي لتهميش وإفشال الأحزاب الوطنية العلمانية واليسارية في المنطقة بداية من إيران سنة 1953؟ ألا يمكن أن تكون إيران الأصولية المحفز لتمرد إسلامي في قلب الاتحاد السوفياتي؟
بعد ذلك، تأرجحت الولايات المتحدة بين عدة سياسات في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. لم يكن لها سوى هدف مزدوج، النصر في الحرب الباردة ودعم اسرائيل، لكن الوسائل المستعملة والدول المدعومة اختلفت بشكل متناقض في بعض الأحيان. فالولايات المتحدة دعمت رسميا العراق في الحرب ضد إيران (1988/ 1980) في الوقت الذي وافقت فيه على تسليم أسلحة إسرائيلية لإيران، في ذلك الوقت، كان المحافظون القريبون من تل أبيب يعملون بنشاط من أجل تحول لصالح طهران، لأن اسرائيل كانت لاتزال تعتبر القومية العربية العلمانية كعدو أساسي لها وتدعم الإخوان المسلمين في الأراضي الفلسطينية المحتلة لمواجهة منظمة التحرير الفلسطينية. هذه الاستراتيجية بلغت أوجها من خلال تحالف واشنطن مع العربية السعودية، وباكستان سمحت على الخصوص في الثمانينيات، بخلق جيش جهادي دولي لمحاربة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان.
في 1990 وبينما كان الاتحاد السوفياتي ينمحي، بنت الولايات المتحدة تحالفا دوليا لطرد الجيش العراقي من الكويت، وردت دول عربية من سوريا الى المغرب، إيجابيا على دعوة تستند إلى القانون الدولي ومقررات منظمة الأمم المتحدة، وحصلت على ضمان أن الأمر لا يتعلق فقط بإنقاذ دولة بترولية صديقة، ولكن بإقامة نظام جديد يرتكز على العدالة الدولية. وبمجرد استعادة الكويت لسيادته، يجب أن تطبق جميع قرارات الأمم المتحدة بما فيها تلك التي تنص على الانسحاب الاسرائيلي من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ورغم الضغوط، قررت الادارة الأمريكية عدم الإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين «لإسقاط صدام.. كان علينا أن نرسل قوات عسكرية، وبعد التخلص من صدام حسين وحكومته، كان علينا أن نضع حكومة جديدة. ولكن حكومة من أي نوع؟ حكومة سنية أم حكومة شيعية، حكومة كردية أم نظام بعثي؟ أو ربما كنا نريد إشراك بعض الأصوليين الإسلاميين؟ كم من الوقت كان علينا أن نبقى في بغداد لإبقاء وتثبيت هذه الحكومة؟ ماذا كان سيحصل بعد انسحاب القوات الأمريكية؟ كم من الخسائر كانت ستقبلها الولايات المتحدة في محاولة لتثبيت الاستقرار؟ رأيي هو أنه... كنا سنرتكب خطأ لو وجدنا أنفسنا غارقين في المستنقع العراقي، والسؤال الذي يحضرني هو: كم يستحق صدام حسين من الخسائر الأمريكية الإضافية؟ الجواب هو: بالتأكيد القليل». هذا الرأي كان هو رأي كاتب الدولة الأمريكي في الدفاع آنذاك، ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي جورج بوش...
وأولئك الذين كانوا يوصون بإلحاح ب «تغيير النظام» في بغداد يمكن طمأنتهم بالعقوبات المفروضة على العراق طيلة أكثر من عشر سنوات. ونظموا أنفسهم في جماعات ضغط منها جماعة الضغط المسماة «مشروع من أجل القرن الأمريكي الجديد» (project for the new American Century)، وبنوا بشكل ممنهج دعما سياسيا لهجوم قادم على العراق متى سمحت بذلك الظروف.
في غضون ذلك، كان الاسرائليون مرتاحين لرؤية أنه تم التخلي تدريجيا عن محاولة كاتب الدولة الأمريكي في الخارجية جيمس بيكر تطبيق السياسة الأمريكية الرسمية في فلسطين التي تبلورت انطلاقا من مؤتمر مدريد لحل الصراع العربي الاسرائيلي المنعقد في أكتوبر 1991. و«مسلسل السلام» لم يعد بعد 1996، سوى غطاء لمضاعفة عدد المستوطنين في الضفة الغربية.
وإلى الشرق من «قوس الأزمة» هذا، كانت نهاية الحرب في أفغانستان تحسم بين قادة الحرب في تحالف الشمال وحركة طالبان. ومع نهاية الحرب الباردة، اتجهت الولايات المتحدة كليا نحو باكستان التي انخرطت بدورها في نظام عسكري إسلامي توفر له أفغانستان الإسلامية عمقا استراتيجيا ضد الهند.
وسمح فوز طالبان الذي هيأت له بشكل واسع مصالح المخابرات العسكرية الباكستانية، سمح لإسلام آباد بتعزيز روابطها مع النظام الجديد.
هكذا، وطيلة هذه السنوات، لم تأخذ الولايات المتحدة في الاعتبار تطلعات الشعوب العربية والإسلامية، سياسات تم تنفيذها وجيوش تمت تعبئتها وتحالفات بنيت وتفككت وحروب جرت فوق أراض وأجساد العرب والمسلمين، ولكن لأسباب كانت دائماً.
مرتبطة بمصالح أخرى. والسياسات غير المنسجمة والمتحولة سواء تجاه العراق او ايران او الاصوليين الشيعة والسنة او ايديولوجية الجهاد او الديكتاتورية والديمقراطية او الملكية المطلقة او ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية او المستوطنات الاسرائيلية ومسلسل السلام الخ. تجسد ذلك بوضوح، فالولايات المتحدة تعبأت من أجل اهدافها الخاصة - سواء لضمان تموينها بالبترول او ربح الحرب الباردة ولتأكيد هيمنها او لدعم اسرائيل - وبمجرد ما يتم بلوغ احد هذه الاهداف، تنسى جميع انشغالات العرب و المسلمين التي يثيرونها لكسب دعمهم.
وليس اكثر اهانة للعالم العربي والاسلامي من ذلك الجواب الشهير للسيد بريزنسكي ثلاث سنوات قبل 11 شتنبر 2001، عندما رد على سؤال حول الاشياء المحتملة التي يمكن ان تكون قد اثارت اسفه لكونه سمح ، بفضل الدعم الامريكي، بقيام حركة جهادية لاثارة الغزو السوفياتي لافغانستان، رد بقوله: «آسف على ماذا؟ ماهو الاهم بالنظر الى تاريخ العالم؟ طالبان او انهيار الامبراطورية السوفياتية بعض المتهيجين الاسلاميين او تحرير اوربا الوسطى ونهاية الحرب الباردة؟».
فعلى مثل هذا المسرح جرت الاحداث التي غيرت العالم خلال خمسين سنة الأخيرة، ومنذ هجمات 11 شتنبر الى اجتياح واحتلال العراق سنة 2003 النصر الامريكي الوحيد الممكن، كان يمكن ان يكون هو انتقال سريع نحو دولة مستقرة، موحدة ديمقراطية وغير دينية وبالاخص غير محتلة. انه رهان صعب و لكنها خسرته بل يذهب جنرال امريكي متقاعد الى حد القول انها اكبر كارثة استراتيجية في تاريخ الولايات المتحدة وهذه الهزيمة حتمية.
والرابح بكل تأكيد، هي ايران. فاستراتيجية تفكيك الجيش والبنيات البعثية للدولة العراقية سمح بالقضاء على العدو التقليدي لطهران بينما ساعدت الثقة الامريكية في رجال الدين الشيعة. حلفاء ايران داخل العراق. وهكذا قوت واشنطن الدولة التي كانت تدعي انها تحاريها.
الانعكاسات هائلة بالنسبة للولايات المتحدة وللعالم العربي الاسلامي برمته، والقومية العربية العلمانية واليسارية، التي حددت الاطار الايديولوجي لمواجهة الهيمنة الغربية، تراجعت امام تيارات اسلامية تغلف هذه المقاومة في ايديولوجيات محافظة جدا. فالصراعات السياسية حول الاستقلال الوطني وطرق التنمية تتداخل مع الصراعات الدينية والثقافية والطائفية. هذا التحول في النموذج شجعه في بعض الاحيان الغرب . واليوم، فإن الهزيمة الامريكية في العراق، تعطي لطهران مناسبات اخرى لاستعادة مشعل القومية العربية تحت راية الاسلام.
الجمهورية الاسلامية تبدو كزعيمة لجبهة مقاومة جديدة تمزج بين القومية العربية وموجة المقاومة الاسلامية المتصاعدة. وهي تتوفر على مكاسب اساسية لذلك: بامكانها ان تسهل او تعقد وضعية القوات الامريكية. وباستطاعتها ان تهزم الاسرائيليين في لبنان بفضل حلفائها في حزب الله، بل بامكانها ان تمد يد المساعدة للفلسطينيين من خلال دعمها لحماس. ونفوذها يمتد حتى المناطق البترولية للخليج والعربية السعودية ذات الاغلبية الشيعية. اكثر من ذلك فانها في موقع يسمح لها بملء فراغ السلطة اقليميا بعد تدمير دولة العراق والتأثير على الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، وتغيير طبيعة العلاقات التاريخية بين الشيعة والسنة.
فالتهديدات، ولاسيما العسكرية الامريكية والاسرائيلية لا تؤدي سوى الى تقوية الاهمية الاستراتيجية لايران وابراز دورها كرائد لمقاومة العالم العربي الاسلامي، خاصة وان واشنطن وتل ابيب تتخبطان في تناقض، فهما مقتنعتان بضرورة التدخل العسكري، ولكنهما يعرفان انه لا يمكن ان يكون الا محدودا في تنفيذ ضربات جوية وفي عمليات للقوات الخاصة. الا ان مثل هذا الهجوم لا يمكن ان يدمر النظام بل على العكس. فهل لهذا السبب يطرح الرئيس الامريكي ونائبه امكانية اللجوء الى السلاح النووي؟ صحيح ان عواقب مغامرة كهذه على المستوى الاقليمي والدولي لن تكون محسوبة ولكن لابد للولايات المتحدة ان تستعيد مصداقيتها و تثير من جديد الخوف الذي يبنى امبراطوريتها.
هناك استراتيجية اخرى تناقش في واشنطن تتمثل في استغلال الانقسام المذهبي بمساعدة العربية السعودية. وهناك اتجاهان متناقضان يعملان في هذا السياق: الاتجاه الاول هو التقريب بين السنة والشيعة خاصة منذ حرب لبنان في صيف 2006 التي كشفت بوضوح الروابط القوية بين طهران وحزب الله، والتي حولت الشيخ حسن نصر الله الى بطل في العالم العربي، وبدرجة اقل حماس. وفي سابقة من نوعها، يؤكد رجال دين سنيون محترمون ان الخلافات مع السنة تتعلق بجوانب دينية بسيطة (الفروع وليس الاصول). والاتجاه الثاني هي التوترات التي ابرزها الاحتلال بين الشيعة والسنة لاسيما في العراق، خاصة وان السكان الشيعة المتمركزين في مناطق استراتيجية منذ قرون، تعرضوا فيها لمعاملة سيئة ودونية من طرف السلطات السنية. وهذاما يجعلهاارضا خصبة لغضبهم وعدائهم. وعلى العكس، فإن تجاوزات الملشيات الشيعية والإعدام المذل لصدام حسين يدفعان السنة الى الكراهية.
ويعتقد بعض المسؤولين الامريكيين ان الرياض يمكن ان تصبح ممول حركة سنية لمقاومة الشيعة المارقين، والنظام السعودي يعارض بقوة تنامي هيمنة المذهب الشيعي والجمهورية الإسلامية في المنطقة.
، ووعدت بحماية السنة العراقيين إذا اقتضى الأمر. فهل تستطيع العربية السعودية وامارات الخليج ومصر والأردن والأكراد والسنة العراقيون واللبنانيون وحركة فتح مواجهة هيمنة إيران الشيعية وسوريا العلوية وحلفاءهم حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية؟. وحتى يحظوا بالمصداقية، على «المعتدلين» العرب أن يتمكنوا من تقديم حل عادل وسريع للمشكل الفلسطيني. ولكن إذا ما انخرطت الولايات المتحدة واسرائيل في هذه المغامرة، فذلك من أجل التملص من أي حل توافقي جدي.
مثل هذه الاستراتيجية المبنية على التوتر العقائدي ستقود إلى حرب أهلية بين المسلمين، ومن سيشاركون فيها سينظر إليهم كعملاء يمزقون المنطقة لحساب اسرائيل والولايات المتحدة. وأي قوة مسلمة سنية أو معادية للشيعة ستساعد؟. الرأي العام الأوربي وحتى الأمريكي قد يكتشف برعب أن حكومات بلدانهم بصدد تشكيل «جيوش سلفية للجهاد» من جديد. القاعدة تحت اسم جديد ومثل هذا السيناريو لن يقود إلى «النصر» بل إلى سلسلة جديدة من الأزمات.
هذه الاستراتيجية يصفها المحافظون الجدد بعدم الاستقرار البناء (أو الهدم البناء) ولكن المراقب الذكي يسميها بشكل ملائم تدمير الدول. والولايات المتحدة قبلت في النهاية مثل هذا التوجه في لبنان وفي فلسطين. وإذا ما حللنا النتائج وليس النوايا يمكن أن نفهم لماذا يستنتج العرب والمسلمون أن سياسة واشنطن في الشرق الأوسط ليست لإنقاذ الدول المفلسة ولكن لانتاجها.
فالهجوم ضد لبنان الذي خلف دمارا كبيرا أدى إلى هزيمة عزلت اسرائيل أكثر في المنطقة وفي العالم، عسكريا لم يفقد حزب الله قدرته على التواصل مع مقاتليه وبث رسائله إلى السكان عبر الاذاعة والتلفزة وتكبيد المهاجمين خسائر أو إطلاق قذائف ضد اسرائيل، والاسرائيليون لم يبلغوا أيا من أهدافهم المعلنة ولا نزعوا سلاح حزب الله ولا أعادوا جنودهم الأسرى.
والسؤال المطروح بالنسبة لاسرائيل في لبنان كما هو مطروح بالنسبة للولايات المتحدة في العراق هو معرفة ما إن كانوا قادرين على قبول هذه الهزائم أو سيحاولون مضاعفة الرهان. هل هذه الهزائم هي مؤشرات لحروب من جيل جديد؟ أم أنها مؤقتة فقط؟ هناك شيء أكيد: نموذج النصر «صفر قتيل» التي روج له خلال حرب الخليج (1990 - 1991) أو في البلقان، عبر قصف جوي مكثف واستعمال أسلحة متقدمة قد انتهى، الرهان أصبح هو التحكم على المدى المتوسط وولاء السكان الذي لا يمكن أن تضمنه القوات الجوية والذي يتطلب ثمنا سياسيا وبشريا مهما.
وواشنطن أدت ثمنا باهظا لدورها في هذه الحرب الصغيرة ، وصورة الوزير الأول اللبناني فؤاد السنيورة والدموع في عينيه وهو يناشد الولايات المتحدة منع تدمير بلده يمكن اعتبارهما كتحول. وحركة 14 مارس أخذت السلطة بفضل «ثورة الارز» التي يدعمها البيت الابيض، بل ويقدمها كنموذج للإصلاح الديمقراطي الذي يريد الرئيس جورج بوش تشجيعه في العالم العربي . ولكن أمام رغبة اسرائيل في تلقين لبنان درسا، تم التخلي عن السنيورة. فواشنطن لم تمنع فقط أي وقف لإطلاق النار طيلة شهر، بل زودت اسرائيل بأسلحة مدمرة.
ونتج عن ذلك، ما وصفه السيد السنيورة بالتدمير الذي لايصدق للبنية المدنية اللبنانية، وايضا إضعاف الحكومة نفسها، وحزب الله يشترط اليوم لعب دوراكثر أهمية، وفي «ثورة أرز» معكوسة، نظم مظاهرات شعبية حاشدة سلمية ومنظمة خاصة به تسخر من التكتيكات التي تشجعها الولايات المتحدة والغرب. والولايات المتحدة التي «لاتخشى المشاركة» في هذا الصراع الداخلي، تضاعف حاليا مساعداتها للجيش اللبناني وقوات الامن الداخلي التي تكثف من تجنيد القوات في صفوف السنة والدروز، هذه السياسات، التي لاتحظى بما يكفي من التعليق في الولايات المتحدة، مدانة في الصحافة العربية، الاسرائيلية والعالمية. وبعد هذه الحرب سيكون من الصعب إقناع العالم العربي والاسلامي بأن الولايات المتحدة غير مستعدة لخيانة أي حليف او أي مبدأ للعدالة في سبيل وحيد هو دعم اسرائيل.
تدمير البنية التحتية المدنية، إضعاف الانسجام الاجتماعي والسياسي، خلق منطق يؤدي نحو صراع طائفي وحرب اهلية: عندما تسارعت هذه الدينامية في العراق، كان الامر يبدو وكأنه يتعلق بنتيجة رهيبة لم تخطط لها واشنطن، وعندما نجد نفس هذه العناصر في لبنان، يمكن ان نتحدث عن مصادفة سيئة، ولكن عندما ترتسم دينامية مشابهة في فلسطين، لم يعد عدد من المراقبين يترددون في الحديث عن «نموذج» للاستراتيجية الامريكية.
فالاراضي الفلسطينية تعيش ازمة انسانية كبيرة، ومنذ فوز حماس في انتخابات يناير 2006 ،انضمت الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي لاسرائيل في محاولة لتجويع الفلسطينيين ودفعهم الى رفض حكومتهم المنتخبة ديمقراطيا. والنتائج المتوقعة لهذه الهجمات هي انهيار النظام الاجتماعي والانزلاق نحو حرب أهلية.
ويصف مراقب امريكي متبصر الوضع المقلق كالتالي: «الفلسطينيون في غزة يعيشون محاصرين في غيتو بغيض وآهل بالسكان محاصرين من الجيش الاسرائيلي وحاجز كهربائي ضخم، لايمكنهم مغادرة او دخول قطاع غزة ويتعرضون لهجمات يومية.... ومحاولات اسرائيل فبركة انهيار للنظام والقوانين، وزرع الفوضى وخلق حالة شح شاملة ظاهرة في شوارع مدنية غزة نفسها حيث يمر الفلسطينيون امام انقاض مبنى وزارة الداخلية الفلسطينية ووزارة الخارجية ووزارة الاقتصاد الوطني ومكتب الوزير الاول الفلسطيني وبعض المؤسسات التربوية التي قصفها الطيران الاسرائيلي... والضفة الغربية تغرق بسرعة في ازمة مماثلة لأزمة غزة... ماذا تتصور الولايات المتحدة واسرائيل أن تربح بجعل غزة والضفة الغربية صيغة مصغرة للعراق؟.... هل يعتقدون أنهم بذلك سيصلون إلى إضعاف الإرهاب ووقف العمليات الانتخابية وإقرار السلام؟».
تم بلوغ مرحلة جديدة بتسليم الولايات المتحدة لأسلحة، بمساعدة من اسرائيل، إلى «عناصر القوة 17 المرتبطة بالرجل القوي في فتح محمد دحلان». وحسب ممثلين رسميين لمصالح الأمن الإسرائيليين والفلسطينيين، فإن هذه الشحنات من الأسلحة الأمريكية اشعلت سباقا للتسلح مع حماس».
ومهما كانت النوايا فإن منطق التفكيك الاجتماعي والحرب الأهلية يتبلور عبر السياسة الأمريكية، في ثلاث دول تحددها اسرائيل كبؤر مقاومة لطموحاتها الجهوية. وهناك نواة صلبة من الصهاينة اليمنيين يتمنون إخضاع الفلسطينيين أو ترحيلهم من جميع الأراضي التي تتطلع إليها اسرائيل، ولبلوغ ذلك، يريدون إضعاف جميع الجيران الممانعين، ومن المخيف ولكنه غير المفاجئ، أن نرى مثل هؤلاء المتطرفين يحتلون مواقع السلطة في الحكومة الإسرائلية، ومن الصادم أن نرى واشنطن تتبع وربما تكون مهندس مثل هذه الاسراتيجية الهدامة والهدامة للذات باسم فكرة خاطئة عن من هو صديق لاسرائيل.
فلو كانت الولايات المتحدة فعلا صديقا لاسرائيل، يجب عليها أن تكون ليس فقط متحفظة على السير في هذا الطريق، ولكن تقاسم هذه الملاحظة لمراقبة اسرائيلية: «سياسة اسرائيل لا تهدد فقط الفلسطينيين ولكن أيضا الإسرائليين انفسهم.. فدولة يهودية صغيرة من سبعة ملايين نسمة (منها 5,5 مليون يهودي) محاطة بمئتي مليون من العرب، تجعل نفسها عدوا للعالم الإسلامي كله. ليست هناك أية ضمانة بأن تستمر مثل هذه الدولة. وانقاذ الفلسطينيين يعني أيضا إنقاذ اسرائيل».
فهزيمة الولايات المتحدة لا تبدو ممكنة في الشرق الأوسط فقط، بل إلى الشرق أيضا في افغانستان، فهي تواجه مقاومة قوية ، وبعد 11 شتنبر، لا أحد يشكك بحق واشنطن في ملاحقة أسامة بن لادن والقاعدة بالقوة. وقرار شن عملية عسكرية واسعة تشارك فيها قوات الحلف الأطلسي من أجل إعادة بناء البنية السياسية للبلاد كان ينطوي على مخاطر. ولضمان النجاح، كان لابد من نصر عسكري حاسم يليه التزام مالي وسياسي قوي بنفس طويل يرمي الى إصلاح المجتمع بالاعتماد على شركاء محليين محترمين وموثوق بهم منخرطين أيضا في طريق الإصلاح. ونضيف أن تحويل قوات وموارد حاسمة في مطاردة القاعدة نحو العراق، يشير الى الطابع الثانوي الذي يمثله افغانستان في أعين إدارة بوش رغم العلاقة المباشرة لهذا البلد بهجمات 11 شتنبر، وهو ما يدفع الى القول بأن «الحرب ضد الإرهاب» تخفي أهدافا غير معلنة.
في الميدان، استندت الولايات المتحدة على زعماء الحرب في تحالف الشمال للحصول على نتائج سريعة، واستعانوا برئيس مستورد لفبركة ما يشبه حكومة مركزية في كابول، وكانوا غير قادرين على القضاء على قادة القاعدة وطالبان، تاركين بسرعة الساحة الأفغانية لفائدة العراق ومازال بن لادن والظواهري يبثان الأشرطة، وطالبان الذين حافظوا على روابط قوية مع قبائل الباشتون على جانبي الحدود الأفغانية الباكستانية، يواصلون تجميع قواتهم ويشكلون تهديدا حقيقيا لقوات الحلف الاطلسي المحاصرة في قواعد ولا تظهر إلا لتنفيذ غارات وعمليات قصف جوي. وذهب وزير الخارجية الباكستاني الى حد التصريح بأن على الحلف الاطلسي أن «يقبل الهزيمة» وأن على قواته أن تنسحب.
ومحاولة واشنطن الخاطئة لقيادة حرب واضحة ونبيلة ضد القاعدة انزلقت ليس فقط بسبب تعقيدات القبائل وقادة الحرب الافغان، بل أيضا بسبب اللعب الخطير والمعقد لباكستان. فهذه الاخيرة في حربها الحيوية من أجل كشمير عليها أن تراهن على جماعاتها الاسلامية الخاصة. وهكذا تدعو إسلام أباد الحلف الاطلسي والحكومة الافغانية الى قبول تواجد «طالبان معتدلين» في أفغانستان. هؤلاء الذين تخلت لهم إسلام أباد عن مراقبة إحدى مناطقها، منطقة شمال وزيرستان وبذلك تكون قاعدة يهاجم منها «طالبان غير المعتدلين تماما» جنود الحلف الاطلسي، بل ويلجأون حاليا الى تقنيات العمليات الانتحارية وهو أمر غير مسبوق في هذا البلد. فهل أصبح الترابط مع العراق حقيقة ومن ثم انتهت «الحرب ضد الارهاب» الى جعل الولايات المتحدة تابعة لباكستان التي وجدت نفسها كذلك في تحالف بنيوي مع التطرف الاسلامي. إضافة الى أن النخب والنظام الباكستاني يعتقدون ان بلدهم محمي من التيارات الاسلامية الزاحفة بتراتبياته التقليدية التي تميز هذا المجتمع. وماذا لو تحولت «بكستنة» القاعدة الى «قوعدة» باكستان؟ ووسائل الاعلام الامريكية تجهل هذه الظاهرة المقلقة.
وهكذا، يمتد قوس أزمة من دول الشرق الأوسط حتى شبه القارة الهندية. وخلال الأشهر القادمة سيتم اتخاذ قرارات في واشنطن ستزيد من تعميق هذه الازمات أو ستدخلها في طرق جديدة أكثر إيجابية. وللقيام بهذا التحول على القادة الغربيين أن يفهموا ان القاعدة والبعث وحزب الله وحماس وسوريا وكذا إيران لا يمكن تصنيفها كلها تحت نفس التصنيف الإيديولوجي الغامض «محور الشر». هناك روابط بين الأزمات ولكن يجب كذلك البحث على تفكيك وتحييد مختلف مكوناتها.
وهكذا فسوريا بلد لا يهدد الولايات المتحدة، والذي ساعدها من قبل في عدة مناسبات، والذي له أيضا مصالحه الوطنية المشروعة في الصراع: لابد من الوصول معها الى اتفاق حول الانسحاب من هضبة الجولان، والتي لا يمثل احتلالها من طرف إسرائيل أية مصلحة لأمريكا. نفس الشيء بالنسبة لحزب الله في لبنان وحماس في فلسطين اللذين يتحركان أساسا وفق مصالحهما الوطنية. وبإمكان الولايات المتحدة ان تتخلص من عدد من المشاكل ومن تم خدمة مصالحها الخاصة بما فيها هزيمة «الإرهاب» المتطرف الحقيقي . ومن أجل ذلك، عليها ان تعترف ان جميع هذه المجموعات ليست ملحقات أو مستنسخات للقاعدة، وأنها لن تصبح كذلك أكثر مما أصبحت فيتنام أداة «لإمبراطورية الشر». وبإمكان المفاوضات أن تجعل من كل واحد من هذه الدول أو هذه الحركات خصوما يمكن التعامل معهم.
بعض الاصوات النافذة في قلب النظام السياسي الامريكي تطالب بتغيير المسار: وتقرير بيكر / هاميلتون أكبر تعبير عن ذلك. من جانبه دعا الرئيس الامريكي الاسبق كارتر الى فتح نقاش نزيه حول السياسة الامريكية في فلسطين. ولإصلاح الخسائر التي وقعت لابد من الاعتراف بأن قرارات خاطئة قد اتخذت والسير نحو تحولات سياسية جدية. وهذا يشترط التخلي عن فكرة ان الاستعمال الأحادي للقوة العسكرية وحدها بإمكانه حل المشاكل السياسية والاجتماعية المعقدة.
وهذا يشترط أيضا التخلي عن الدعم اللامشروط لإسرائيل. وفوق هذا وذاك يتطلب ذلك التخلي عن فكرة أن مختلف شعوب وأمم العالم العربي الاسلامي هي عناصر متداخلة تندرج في نفس النسق الإيديولوجي، بالإمكان التلاعب بها كما يحلو من أجل مصالح القوى الكبرى، من أجل مطامح ترابية لمستوطنين إسرائيليين أو من أجل أحلام «أمة» خيالية للقاعدة. حان الوقت للقطع مع المقاربة الايديولوجية والعودة الى الواقعية.
ترجمة محمد خيرات
{ هذا المقال نشرته «لوموند دبلوماتيك» عدد فبراير 2009 وهو مستوحى من محاضرة ألقاها الأمير هشام يوم 29 يناير 2009 بجامعة كاليفورنيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.