لم يطلق المغاربة مقولة "في المغرب لا تستغرب" عبثا، ولكن عن صدق ووعي وواقع. فكثيرة هي التناقضات العجيبة والغريبة في هذا البلد الذي اعتلى الشيب رأسه النظيف وهو في ريعان شبابه. فالخطاب الرسمي يقول أن المغرب قد قطع أشواطا مهمة في الديموقراطية، لكن المواطن العادي يدرك أن المغرب لم يقف بعد على أبواب الديموقراطية الواسعة ولم يتقدم بعد بطلب رسمي للولوج لرحابها وأن المسافة التي تفصله عنها تتعدى المسافة التي تفصل الأرض بالشمس. الديموقراطية ليست شعارا يرفع في مناسبة وغير مناسبة، وليست أغنية تطرب مسامع الناس ولا وترة يعزف عليها من يهوى العزف متى شاء. الديموقراطية ثقافة وتربية يعيشها ويشعر بها الإنسان في حياته اليومية دون ما حاجة للإشهار. الديموقراطية ليست سلعة أو خدمة تحتاج لتوضيح مزاياها، وهي صنف واحد ولا تختلف من بلد لآخر كما يذهب إليه بعض المضللين، أعداء الديموقراطية. وكما يعرف الجميع فللديموقراطية قياس واحد هو العدل. فالبلد الذي يكون فيه القانون هو السيد والسائد، حيث يسري على جميع مواطنيه دون تمييز هو البلد الذي يحق له أن يقول بأنه بلد ديموقراطي. أما البلدان كالمغرب التي تصنف مواطنيها كالفنادق فعليها أن تستحيي من ذكر إسم الديموقراطية لأنها تسوق لأمور لايقبلها العقل كإدعاؤها أن لون الحليب أسود ولون الغراب أبيض وأن القنفذ أملس. "" المغرب وحتى إن تقدم بطلب الولوج للديموقراطية لن يقبل طلبه ما لم يفتح نقاش وطني يشارك فيه كل المغاربة حول موضوعين أساسيين يختزلهما شعار المملكة الذي هو: "الله – الوطن – الملك ". الوطن: لم نستثني هذا الموضوع، ولكن نظن أن قضية الصحراء المغربية ورغم أن ملفها ظل حكرا على المخزن، جعل المغاربة يعبرون عن رأيهم. لذى فالأغلبية الساحقة من المغاربة يرفضون التجزئة ولا يقبلون التفريط في أي جزء من الوطن وهذا ما تأكده الأصوات التي تتعالى من حين لآخر لحث المسؤولين على المطالبة باسترجاع سبتة ومليلية والجزر الجعفرية وكل شبر بما في ذلك الأجزاء التي لاتزال لدى الجارة الجزائر. الدين: يعرف الجميع أن في المغرب حرب باردة تدور رحاها بين الإسلاميين والعلمانيين، يحاول فيها كل طرف القضاء على الطرف الآخر بكل الوسائل الشريفة والدنيئة، وبعيدا كل البعد عن المعني بالأمر، الذي هو الشعب. كما يحاول كل طرف استغلال فئة أو مجموعة من الشعب لضرب الطرف الآخر. وهاته الحرب الضروس تدور أكبر معاركها في وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية و خصوصا في الجامعات حيث يحاول كل طرف تخويف الشعب المغربي من الطرف الثاني. فيركب العلمانيون على الإرهاب فيما يركب الإسلاميون على سياحة الجنس ومواضيع أخرى ويبقى المعني بالأمر فاغر الفوه يتفرج وينتظر لمن سيؤول الإنتصار. حتى أن بعض المغاربة في فصل الصيف، حيث لايمتلأ ربع المساجد بالمصلين يظنون أن الإنتصار آل للعلمانيين. لكن سرعان ما يندهش هؤلاء خصوصا في شهر رمضان حيث تمتلأ المساجد عن آخرها ويصلي الناس خارجها فيظنون أن الإنتصار حالف الإسلاميين. والحقيقة إذا لم يتحلى الطرفين بالشجاعة وفتحا نقاشا وطنيا يختار فيه المعني بالأمر وبكل حرية النمط الذي يريده فإن الحرب ستطول وربما قد يطبخ ماؤها البارد ويفور ويحترق به الجميع. والحوار والنقاش الوطنيين في هذا الموضوع ضروريين لسببين: السبب الأول: لأن هناك تناقض بين الدستور والواقع. فالدستور ينص على الإسلام والواقع على الأرض علماني وبالتالى وجب تصحيح أحد الأمرين: الدستور أو الواقع. السبب الثاني: كون الموضوع لن يكون فيه إجماع وبالحوار والنقاش وحتى إن اقتضى الحال استفتاء لمعرفة رغبة الأغلبية مع التزام جميع الأطراف باحترامها هو الحل للخروج من نفق هاته الحرب، والتي بدون هذا الحوار الوطني، لن تنتهي قط. كما يجب أيضا أن لا ننسى أو نتناسى حقوق الجالية اليهودية والمسيحية رغم أنهما أقلية ولا يشكلان إلآ واحد في المائة من مجموع سكان المغرب. الملك: يقل الكلام الصريح وتكثر الهمسات حينما يكون الملك موضوع الحديث رغم أننا نعلم علم اليقين أنه لا تغيير في المغرب بدون ليس فقط الحديث عن الملك ولكن حوار صريح وشفاف ومسؤول عنه. ففي قضية الدين هناك فئتين أو نمطين: إسلامي – علماني، لكن في موضوع الملك هناك آراء عديدة مختلفة ومتباينة يجب طرحها ومناقشتها بكل حرية. كما يجب أيضا تجنب الأفكار الغير واقعية التي لا تؤدي إلى شيء بكثر ما تحقن الحوار. فعلى سبيل المثال لا الحصر ما ذهبت إليه نادية ياسين إبنة عبدالسلام ياسين مؤسس جماعة العدل والإحسان حين رفضت الملكية جملة وتفصيلا وقالت أن الملكية لم تعد تصلح للمغرب، وهذه المقولة مفنذة واقعيا حيث أن هناك ملكيات ديموقراطيات وهناك جمهوريات ديكتاتوريات يعرفهم الجميع وبالتالي فالملكية والديموقراطية لايتناقضان وممكن أن يتعايشا معا حتى في المغرب. ورغم أننا نحترم كل الآراء إلآ أن مثل هاته الأفكار تبين أن أصحابها لم يستفيدوا شيئا من التاريخ القريب جدا وليس حتى بالبعيد لنقول ربما نسي أو سقط سهوا، فجراح الصراع على السلطة مع الحسن الثاني لم تندمل بعد. زيادة على ذلك فمثل هاته الأفكار لاتنطلق ولاتأخذ بعين الإعتبار حقائق الواقع لأن الملكية في المغرب متجذرة في التاريخ والملك خصوصا محمد السادس في الوقت الحالي له شعبية كبيرة لا ينكرها إلآ جاهل أو جاحد. هناك أفكار غريبة تقول بخصخصة الحكم بالمغرب حيث يسند لأجانب ما دمنا لم نستطيع تسيير أنفسنا بأنفسنا. وظهور مثل هاته الأفكار هو نتاج التذمر من الحالة التي وصل إليها المغرب في جميع القطاعات. هناك من يرى أن الشعب المغربي لا يستحق الديموقراطية في الوقت الحالي لأنه لم يتربى عليها ولم يصل بعد مستوى الوعي الذي يستحق فيه الديموقراطية. الأفكار الأخرى المطروحة والتي نراها معقولة وقابلة للنقاش هي كالتالي: الأفكار والآراء التي تقول وترى أن المشكلة ليست في الملك بقدر ما هي في المخزن والأحزاب والشعب نفسه الذي لم يصل بعد مستوى من النضج والوعي. أصحاب هاته الأفكار والآراء يرون أن تعديل الدستور في الوقت الحالي وفي الظروف التي يعيشها المغرب اليوم يشكل خطر على استقراره. أفكار أخرى يرى أصحابها أن يكون هناك اقتسام للسلطة، بمعنى أن يحتفظ الملك بجميع سلطاته مع توسيع سلطات الوزير الأول والبرلمان. فيما يرى آخرون حتمية تعديل الدستور تعديلا جذريا، حيث تسحب جميع السلطات من يد الملك الذي سيبقى سائدا دون أن يحكم. أكيد أن هناك أفكار أخرى مختلفة تتداول وراء الحيطان، لأننا لم نستمع لأراء المغاربة جميعا وأيضا لأن الموضوع إلى وقتنا الحالي يعتبر طابوها إضافة إلى ذلك فبعض المغاربة لم يتخلصوا بعد من الخوف. ولهاته الأسباب نرى أن فتح حوار وطني صريح ومسؤول ليدلي فيه كل مغربي برأيه. ونستمع لتبريرات وتفسيرات كل رأي حتى نعرف رأي الأغلبية الذي يجب أيضا أن يحترمه ويقبله الجميع. لأن موضوع الملك هو الآخر لن يكون فيه إجماع. وعلينا أن ندرك جميعا أنه إذا لم يفتح نقاش وطني مسؤول حول الموضوعين ونخرج بموقف نحترم فيه رغبة أغلبية المغاربة فإننا لن نحلم قط بالديموقراطية. وأن الخمس سنوات القادمة فرصتنا ولن أقول الأخيرة ولكن الثمينة. فوزير الأزمة الحالى لاننتظر منه خيرا. لأنه ليس هناك قطاع في المغرب لايعيش أزمة وعباس الفاسي وأفراد عائلته إن استطاعوا الحفاظ على نفس مستوى أزمة كل قطاع دون أن يأزموه أكثر فإنهم سيسحقون منا كل التصفيق. تعيينه كوزير أول والذي أغضب كثير من المغاربة لم يغضبني لأنني لا أنتظر في الخمس سنوات القادمة أي تغيير مهما كان إسم وحزب هذا الوزير اللهم ما سبق ذكره وهو أمر ليس بيد أي وزير. تعيين عباس أفرحني لأنه أحرق جميع أوراق حزبه وأن نهاية هذا الحزب أصبحت معروفة وهي 2012 على أبعد تقدير إن لم تكن قبل هذا الموعد إن شاء الله. لأن خمس سنوات في مغرب الأزمات كبيرة جدا على شخص كعباس. فأكثر ما يمكن أن نتمناه في الخمس سنوات القادمة هو هذا الحوار الوطني. بعض المغاربة يرون أن الخمس سنوات القادمة رغم حلكتها، سواء حصل فيها الحوار أو لم يحصل ستبين وتوضح عدة أمور، أولها وأهمها المكان الذي يتموقع فيه الملك. مع الشعب أم مع المخزن، وهو أمر ذو أهمية كبرى. فحيثما تموقع الملك سيتضح مستقبل المغرب. فإذا كان مع الشعب وذلك ما يراه ويتمناه كثير من المغاربة، فإن أوراق الأحزاب البائدة ستسقط واحدة تلو الأخرى وستطهر أرض المغرب من المدنسين وينال الشعب استقلاله. أما اذا كان الملك مع المخزن فسيوقع المغاربة عقد الحماية، ويتضح أن حزب العدالة فاز على ولايتين متتابعتين (2012-2017)(2017-2022) سيقوم فيهما بتقطير كل ما لديه وسيلعب على الوقت سيما في الولاية الأولى. أما ولاية (2022-2027) فستكون من نصيب من لم يدخل اللعبة السياسية اليوم (يرى البعض أنها جماعة العدل والإحسان فيما يرى البعض الآخر أنه حزب النهج الديموقراطي ويرى الآخرون أنه حزب جديد لم يولد بعد)، لأن فترة ومهمة هذا الحزب (العدمي اليوم أو الجنين) هي تمرير السلطة للحسن الثالث. وأخيرا أتمنى أن يقرأ هذا المقال كاجتهاد فردي، وهو تجميع لوجهات نظر مختلفة لبعض المغاربة قد تكون صائبة وقد تكون خاطئة، وهو محاولة ورغبة من الخروج من النفق و قطعا ليس تطاولا على أحد أو استفزازا لأحد أو خوفا من أحد أو تملقا لأحد بقدر ماهو نابع من حب الوطن وخوفا على مستقبل هذا البلد من انزلاقات لن يدفع ثمنها الغالي إلآ الأبرياء. والله نسأل التوفيق. والسلام. www.amazighamerican.com