رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مجلس الأمن.. بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    جرسيف .. نجاح كبير للنسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    زاكورة تحتضن الدورة الثامنة لملتقى درعة للمسرح    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك        بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    نادي المغرب التطواني يقيل المدرب عزيز العامري من مهامه    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    "التقدم والاشتراكية": الحكومة تسعى لترسيخ التطبيع مع تضارب المصالح والفضاء الانتخابي خاضع لسلطة المال    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تثمينا لروح اتفاق الصخيرات الذي رعته المملكة قبل تسع سنوات    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    دورية جزائرية تدخل الأراضي الموريتانية دون إشعار السلطات ومنقبون ينددون    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025        مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رهانات الانتقال الديموقراطي بالمغرب

أصبح النقاش حول الحكم الذاتي للجهات والإصلاحات السياسية والدستورية يأخذ موقعا مهما داخل المشهد السياسي المغربي، فمنذ إطلاق مبادرة الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية ومطالبة الفعاليات الريفية بالحكم الذاتي للريف والسوسية بالحكم الذاتي لسوس ، ظهرت أصوات أخرى تنتقد الحكم الذاتي وتطالب بترسيخ الديموقراطية الفعلية والانتقال نحو دولة المؤسسات الفعلية وليس الشكلية فقط كما هو الحال علية اليوم، كما ظهرت أصوات أخرى من داخل الأحزاب السياسية تتحدث عما أسمته "أكثر من الجهوية وأقل من الحكم الذاتي" لكن كل الأفكار وكل النقاشات لا زالت متلبسة ، فيما يشكل الفاعل الأمازيغي المتمثل في الحركة الأمازيغية أحد أقوى الأصوات المطالبة بالحكم الذاتي للمناطق الأمازيغية كالريف وسوس وغيرها، في حين يطالب طرف آخر من داخل الحركة الأمازيغية بإعادة "تمزيغ" المغرب ككل ويرفض الحكم الذاتي للمناطق الأمازيغية ، كما يلعب ملف الصحراء دورا في طرح القضية الجهوية ومسألة الحكم الذاتي للمناطق على مختلف الفاعلين السياسيين والمدنيين وكذا على المؤسسة الملكية ...
ومن جانب آخر يشكل ملف الإصلاحات السياسية والدستورية أحد الجوانب المهمة في عملية الانتقال الديموقراطي التي يراهن عليها المغرب للخروج من عنق الزجاجة، إلى جانب ملفات أخرى كحقوق الإنسان والحركة النسائية ومطالب الطبقة العاملة وغيرها،وعموما يمكن القول بأن هناك رهانات كثيرة على التغيير والسير في الاتجاه الذي ذهبت فيه دول ديموقراطية عديدة، لكن يبقى السؤال الأهم هو مدى قدرة الملفات المذكورة على الإجابة عن مختلف القضايا الشائكة التي يعرفها مغرب اليوم في ظل الفساد السياسي والإداري والانتخابي الذي تعرفه بلادنا، وبين هذا وذاك تبقى العديد من التساؤلات تفرض نفسها بقوة في الساحة السياسية الوطنية من قبيل : إلى أين يسير المغرب؟ وكيف يمكن أن نتصور سيناريوهات المستقبل في ظل حالة الترقب والتردد التي تسود حاليا موازاة مع هذه التحولات ؟ وهل يمكن أن نعتبر أن المغرب يسير في طريق الانتقال الديموقراطي أو في اتجاه الأفق المسدود والاحتمالات المتعددة التي ليست بالضرورة تلك المرسومة؟
التحولات المفرزة لمطلب الانتقال الديموقراطي
ليست التحولات التي عرفتها عملية صناعة القرار إلا جزءا من التحولات الشاملة العميقة والسريعة التي عرفتها مختلف المجتمعات العالمية وفي مقدمتها المجتمعات المتقدمة، فبروز التغييرات السياسية الجديدة والمطالب الاجتماعية المختلفة والتحولات الاقتصادية في مختلف بلدان العالم بالإضافة إلى الحاجة الملحة لتغيير الأنماط السياسية والسلطوية التقليدية جعل من إعادة صياغة الأنماط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية أحد الأولويات الكبرى في مختلف بقاع العالم لاسيما البلدان المتقدمة فإذا كان الفعل العمومي قد ارتكز منذ الحرب العالمية الثانية على فكرة التدخل الضروري للدولة المركزية فإن الأزمة الاقتصادية قد أعادت النظر بشكل شامل في هذه المعتقدات الكبرى التي اقتسمها العالم بأجمعه والتي قامت عليها مرحلة ما من تاريخ الدولة فما كان بالأمس عاملا للتقدم أصبح اليوم سببا للتراجع وهذا ما جعل الأنظمة الحاكمة في العالم بأسره تتجه نحو بيع وخوصصة المنشآت العمومية التي أممتها الدولة في مرحلة سابقة ،وتنحوا نحو تبني مشروعية سياسية جديدة قائمة على تعدد واختلاف الفاعلين واعتبار البعد المحلي محطة إستراتيجية في إعادة هيكلة الفعل والسياسات العمومية ، فالدولة المركزية التي تم اعتبارها وبشكل واسع أداة لحل المشاكل أصبحت الآن وبالنسبة للعديد من المفكرين وصناع القرار هي ذاتها مشكلة، وبالتالي لا بد من إبداع أشكال سياسية جديدة للإجابة عن مختلف القضايا المجتمعية بعدما أصبحت السلطة المركزية لم تعد تمتلك الوسائل الفعالة لمواجهة التراجع الاقتصادي وانعكاساته الاجتماعية الخطيرة، غير أن انسحاب السلطة المركزية من الشأن المحلي في العديد من البلدان المتقدمة لا يعني الغياب التام للسلطة المركزية بل يوحي إلى نموذج مرغوب فيه يساير هذه التحولات وبالتالي تكون السلطة المركزية هي تلك التي تساعد الفاعلين المحليين على مساعدة أنفسهم لتكون بذلك –أي السلطة المركزية- بمثابة الممول الرئيسي للخدمات ويصبح دورها يقتصر على المساعدة لضمان الالتقاء والاتصال والمساعدة على حل النزاعات، ووضع الشركاء على نفس الطاولة ، ورفع الحواجز المالية والقانونية ،والسهر على المفاوضات أكثر من أخذ القرارات..
غير أنه وكيفما كانت التبريرات التي تعطي لانسحاب الدولة ، فإن الثابت هو الإجماع على كون مرحلة السبعينات من القرن الماضي شكلت مرحلة حاسمة لفهم التحولات والتبدلات السياسية والاقتصادية التي عرفها المجتمع الدولي ، فبعد أن حاول عالم الاقتصاد "كينز" التصدي بتحليلاته وتنظيراته لأزمة 1929 العالمية، حيث أدت تحليلاته إلى إعادة النظر في العلاقات الاجتماعية عبر التقليص من الفوارق الاجتماعية وتوطيد علاقة الدولة، والعناية بالديموقراطية الاجتماعية بما يتطلبه ذلك من توافق اجتماعي بين الدولة التي تمثل الرأسمال والنقابات التي تمثل الطبقة العاملة، ولم يعد بإمكان الدولة العناية في نهاية السبعينات بتجاوز المسألة الاجتماعية من جديد وأصبحت غير قادرة على إرساء توازنات اقتصادية واجتماعية جديدة بالنظر إلى تفاقم وتضخيم حجم الأزمة، فكان سؤال ما العمل؟ السؤال الرئيسي والعنوان العريض الذي أطر المرحلة. لتتمحور بعد ذلك مختلف الرؤى والإجابات عن السؤال في إطار تجاوز ثنائية المركز/الهامش وإعادة النظر في نسق القرار بإيلاء الأهمية للجماعات الترابية وللمجتمع المحلي بمختلف فاعليه في صناعة القرار . فبعدما انحصر دور الجماعات المحلية في وظيفة إدارية محضة لفترة طويلة دون أية دلالة اقتصادية تنموية بالنسبة لعلم الاقتصاد الذي من المفروض أن يكون له السبق في إدراك حجم وتجليات الأزمة التي يحتل فيها الجانب الاقتصادي موقعا أساسيا حيث النتيجة الأولى المباشرة والاستعجالية لهذه الأزمة هي ارتفاع معدل البطالة، فشهدت العديد من المجتمعات خصوصا المتقدمة انطلاق سياسات اللامركزية الترابية في أية سياسة أو تخطيط لما أصبحت تشكله المجالات الحضرية خصوصا من تهديد مباشر للنظام الاجتماعي والاقتصادي، وبالتالي انتقلت جل البلدان المتقدمة من السلطة المركزية المطلقة الشديدة التمركز في العاصمة إلى سلطات جهوية تمنح صلاحيات التسيير والتدبير لمختلف الجهات داخل الدولة الواحدة.... فماذا عن المغرب؟
المشهد السياسي المغربي وتطلعات المواطن
للإجابة على السؤال أعلاه (ماذا عن المغرب؟) لا بد من قراءة المشهد السياسي المغربي قراءة تحليلية للوقوف على مختلف الإشكاليات المعيقة للتطور والانتقال الديمقراطي، فبلادنا تعرف تعددية حزبية غير سليمة حيث يوجد 34 حزبا ولا يوجد 34 مشروعا مجتمعيا وبالتالي فإن معظم الأحزاب السياسية لا تعكس التمثيلية السياسية للشعب المغربي وقد أبانت الاستحقاقات الانتخابية الماضية هذا المعطى بكل وضوح وبشكل غير قادر للتشكيك، وبلغت نسبة العزوف ذروتها، وذلك راجع إلى وجود ثقافة شعبية لدى الشعب المغربي عامة مفادها أن الأحزاب السياسية المغربية على اختلاف مرجعياتها ليست لها أدوار فعلية في النهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المزرية التي تلقي بضلالها على حياة المواطنين العادية وذلك راجع إلى كون الأحزاب السياسية المغربية وخاصة اليسارية منها قد تخلت عن مطالب السواد الأعظم من المغاربة مقابل ضمان البقاء في مختلف مواقع القرار النافذ، فالملاحظ في السنوات الأخيرة أن اليسار والقوى الديموقراطية لا تبدي نوعا من القتالية إزاء ما كانت تعتبره في الماضي مطالب جوهرية وإستراتيجية، بل قدمت قراءة للمشهد الاجتماعي الشعبي تحمل على الاعتقاد أنه يجعل من هذا المشهد بمثابة قبول بكل النظام الاجتماعي الذي أنتج كل هذه الفوارق الطبقية، في كافة تمظهراته، كما أنه ليس هناك في العمق ظلم اجتماعي صارخ وعميق حيث أن الطبقة الوسطى شبه منعدمة في هذه البلاد مقابل التوسع المستمر للطبقة الكادحة وعلى النقيض نجد حفنة من المحظوظين تزداد امتيازاتهم يوم بعد يوم ويستفيدون أكثر من نظام الريع...
ولهذا فإن كل الخطابات السياسية اللمساء لا تجد مكانا لها لدى الرأي العام الوطني حيث أصبح الكل يعلم بأن الأحزاب السياسية لا تعكس التمثيلية السياسية لمختلف مكونات المجتمع المغربي، لكن في مقابل ذلك هناك أحزاب لا تشارك في الانتخابات ولكنها تمثل جزءا من رأي المواطنين ولها الحق في أن تكون مخاطبا وهناك أيضا تنظيمات سياسية غير معترف بها من طرف الدولة لكنها تمثل جزءا كبيرا وهاما من رأي المواطنين مثل التنظيمات الأمازيغية التي سحبت البساط من الأحزاب السياسوية في التأطير الشعبي وأصبحت هذه التنظيمات أي الأمازيغية تعتبر الممثل الشرعي الوحيد للشعب المغربي الأمازيغي الذي يعيش غريبا في وطنه ، فليس النظام السياسي وقفا على الأحزاب التي تقبل باللعبة الانتخابية خاصة وأن هذه الأحزاب لا تظهر إلا عند بزوغ هلال الانتخابات، وبالتالي لا بد من إصلاح دستوري يجب أن يدخل حيز التطبيق في بلادنا ليعترف بهذه التنظيمات التي تمثل رأي السواد الأعظم من المغاربة ولتمكين مختلف مؤسسات الدولة من لعب أدوارها الحقيقية فالبرلمان والحكومة وباقي المؤسسات الحالية ليست سوى ظلالا شاحبة غارقة في بحر التياهان لا زالت تبحث لنفسها عن وظيفة مفتقدة وفي المقابل تلعب المؤسسة الملكية أدوار كل الهيئات السياسية ، وهي المتحكمة في قواعد اللعبة السياسية وهي المحددة لطبيعة الأدوار التي يجب أن يلعبها كل فاعل سياسي على حدة من خلال وزارة الداخلية، فرغم الديكور الخارجي للدولة المخزنية الذي يوحي بالممارسة الديموقراطية الحقيقية إلا أن الحقيقة تعكس وجها آخر، فجميع السلط الحقيقية توجد بين يدي الملك وبعض مقربيه الذين يملكون زمام الأمور دون توفرهم على أية مهام أو مناصب وزارية رسمية، بل يستندون في سلطتهم كما في عهود ما قبل الحماية على القرابة العائلية والزبونية ويشتغلون وفق ممارسة سياسية تقليدية قائمة على أساس إدارة النزعات القبلية والتحكيم وتحقيق التوازنات بين مختلف الفاعلين السياسيين والاجتماعيين للبلد مكونين بذلك ما يصطلح عليه بدولة المخزن. هذا المخزن عمل على دسترة تقاليده التحكيمية ليكون حاضرا دستوريا في الحياة السياسية وذلك من خلال عدة عناصر حددها محمد معتصم في كتابه "الحياة السياسية المغربية" ( 1962 – 1991 ، مؤسسة ايزيس للنشر، الطبعة الأولى ، ماي 1992، الدار البيضاء، ص 40 و 41 )في خمسة مظاهر وهي :
جعل الفصل 19 الملك أمير المؤمنين فوق الأحزاب السياسية، وتخويله سلطة السهر على احترام الدستور، وقيامه بتأويله الفعلي استراتيجيا وظرفيا ضمن سلطة تحكيمية في سير المؤسسات.
إقرار الفصل الثالث من الدستور للتعددية الحزبية ومنعه الحزب الوحيد لتمكين الملك من لعب دور تحكيمي بينهما كما كان سلفه السلطان حاكما بين القبائل
تخويل الملك حق الدعوة للاستفتاء لطلب قراءة جديدة أو مراجعة الدستور.
تخويل الملك سلطة حل البرلمان أو اللجوء للسلطات الاستثنائية للتحكيم في أزمة سياسية ، برلمانية، أو حكومية.
توفر الملك على سلطة إصدار الأمر بتنفيذ القوانين.
غير أن الطابع التقليداني لنظام الحكم في المغرب لا يتجلى فقط من خلال الدور التحكيمي للملك الذي يشكل استمرارا لنفس الدور الذي كان يقوم به السلطان عبر تاريخ المغرب، ولكن أيضا من خلال استمراريته وبعث مؤسسات وممارسات تقليدية ، فظهور ملك دستوري محدد الصلاحيات في دستور مكتوب وإحداث حكومة عصرية وبرلمان وجهاز إداري حديث لم يحدث قطيعة مع الأنظمة التقليدية التي ما زالت تشتغل في النظام السياسي الحديث....
وهذا ما يضعف العمل الحزبي والسياسي المغربيين ، وعوض أن تدخل بلادنا في دينامية سياسية جديدة من شأنها أن تعيد الروح المفقودة إلى التنظيمات السياسية وتفتح أبواب التقدم والتنمية عبر إرادة حقيقية في القيام بإصلاحات سياسية ودستورية وإعطاء الحق لكل جهات المغرب في تسيير شؤونها بنفسها في إطار نظام للحكم الذاتي الموسع لمختلف الجهات داخل الدولة الفدرالية للسير في الاتجاه الذي ذهبت فيه دول ديموقراطية عديدة كما هو الحال بالنسبة لجارتننا (اسبانيا)... وعوض العمل على هذا الإصلاح يتجه المخزن إلى تكرار نفس التجارب السياسية الفاشلة وذلك عبر خلق تنظيمات حزبية إدارية على غرار التجارب السابقة وبالتالي يتم تضييع فرصة فتح آفاق جديدة أمام التنظيمات التي تمثل الرأي العام المغربي كالتنظيمات الأمازيغية مثلا ... وهنا يتبين بوضوح وبشكل جلي أن الإرادة السياسية القائمة الآن هي عدم السير قدما في القيام بالإصلاحات السياسية الضرورية وبالتالي إنتاج نفس ثوابت الحكم، فحزب الأصالة والمعاصرة الذي ولد بعملية قيصرية في البلاط الملكي يعتبر من الآليات السياسية لإبقاء الأمر على ما هو عليه ، ولا يمكن لأي كان أن ينكر ذلك أمام كثرة المؤشرات التي تشير إلى أن "الأصالة والمعاصرة" هو بمثابة الذراع الحزبي للقصر، فالمخزن حاليا يعمل على إضعاف الأحزاب المغربية لتعبيد الطريق أمام الوافد الجديد من خلال عدة آليات من بينها التضييق الإعلامي حيث أن هناك أحزاب لا تصل بتاتا إلى التلفزة وفي نفس الوقت تمنح التلفزة بكاملها للحزب الجديد ، وكان استقبال محمد السادس للأمين العام لحزب "الأصالة والمعاصرة" (بيد الله) بمثابة دليل قاطع على أن الحزب هو حزب القصر، وهو حزب يتوفر على "أصحاب الشكاير" أو بارونات المال الذين يشترون أصوات الناخبين وهم بالأساس أعيان المخزن التقليديون الذين يتربعون منذ عدة عقود على الدوائر الانتخابية بفضل علاقاتهم الزبونية وشراء الذمم، ويرى العديد من المتتبعين أن الحزب حاليا دوره لا يتعدى تأثيث الديكور الخارجي للممارسة الديموقراطية في البلاد .
المطالبة بالتغيير والانتقال إلى الديموقراطية
تؤكد العديد من المؤشرات والتقارير والدراسات على أن المغرب يعيش أزمة سياسية حادة انعكست سلبا على المجتمع، فما يطبع الدولة والمجتمع من دينامية وتحولات وتطورات تظل محكومة باختلالات جوهرية فقد بات من المؤكد واستحضارا للعديد من التجارب والخلاصات المرتطبة بحالات مشابهة للوضع الذي يعيشه المغرب، أن بلدنا يعيش حالات تيه سياسي ويفتقد لبوصلة بعقارب مضبوطة، إنها حالات تردد بطعم التناقض والازدواجية أو بتعبير أهل السوسيولوجيا حالة "الداء المغربي" أو "العطب المغربي".
ورغم ما طبع السنوات الأخيرة من مسلسل الإجراءات والتدابير التي كان من المفروض أن تستجيب لتطلعات المغاربة وتقود المغرب للسير نحو المستقبل والتخلص من ثقل الماضي الذي يجره فإن الآمال التي كانت معقودة على شعارات هذه المرحلة سرعان ما اصطدمت أمام حقيقة الواقع وظلت الإشكاليات الكبرى والجوهرية مطروحة ولم يستطع المغرب مواجهة "الموعد العصيب" كما سماه عبد الرحمان اليوسفي في إحدى محاضراته الشهيرة ببروكسيل والتي احتج فيها على إجهاض التناوب الديموقراطي وعدم احترام المنهجية الديموقراطية.
إلا أن السؤال الأهم في كل هذا هو كيف يتسنى لنا الخروج من هذه الحالة؟ وكيف يمكن للمغرب أن يحسم في عدة خيارات ؟ وأين يكمن الخلل بالضبط حتى نستطيع أن نعرف مكمن الداء الذي قيل في السابق إنه "سكتة قلبية" والآن يتضح أن الحالة أقرب إلى "هزة عقلية".
ومن هنا أصبحت المطالبة بالتغيير والانتقال نحو الديموقراطية إحدى أهم المطالب الجوهرية والإستراتيجية لمختلف الفاعلين السياسيين والمدنيين بالمغرب على حد سواء، وكانت السنوات الماضية قد عرفت انخفاض تأثير المركزيات النقابية والأحزاب السياسية بمختلف تلاوينها وانتماءاتها على مركز صناعة القرار مما أدى إلى بروز فاعل جديد في حقل الصراع الطبقي بجعل هذا الأخير ينتقل من المعمل إلى المجال وخصوصا المجال المهمش باعتباره أحد ضحايا التنمية غير المتكافئة وبالتالي احتل النضال المجالي موقع النضال النقابي وشكل الفاعل الأمازيغي المتمثل في الحركة الأمازيغية أحد أهم الفاعلين في هذا الحقل وتحول –أي الفاعل الأمازيغي- من مجموعة جمعيات حاملة للهم الثقافي إلى قوة اقتراحيه صعبة التجاوز، وذلك بالانتقال إلى طرح أسئلة وإشكالات تتجاوز ما هو ثقافي إلى السياسي والاقتصادي والاجتماعي ....كل ذلك من أجل صياغة عقد اجتماعي بين الدولة والمجتمع يستلهم أسسه من الهوية التاريخية للمغرب، ويجد قوته في جعل المجتمع قيادة حقيقية لأي انتقال ديمقراطي. وبدأت المطالبة بتمكين بعض الجهات الأمازيغية المهمشة من طرف السلطة المركزية كالريف وسوس من تسيير شؤونها الذاتية في إطار الحكم الذاتي الموسع للجهات لتجاوز التبعية السياسية والاقتصادية للمركز الذي لا زال يقوم بصياغة برامجه السياسية والاجتماعية وفق تصورات "المغرب النافع" و "المغرب غير النافع".
الحركة الأمازيغية وسؤال الفدرالية
انبنى خطاب الحركة الأمازيغية على أساس عدة مقولات كالتعدد، الاختلاف، الحرية، الديموقراطية، ...وهو بذلك ينتقد مفاهيم الوحدة والمركزية التي انبنى عليها خطاب الدولة المركزية/ المخزن الذي ربط كل شيء بالمركز بدءا بالسياسة وانتهاءا بالاقتصاد، حيث تعرف المناطق الهامشية نزيفا ماليا حادا ، ففي حالة الريف مثلا تصنف المنطقة في المرتبة الأولى وطنيا من حيث الودائع البنكية بنسبة 65% بالإضافة إلى مواردها الطبيعية والبشرية والسياحية الهائلة ورغم ذلك تعرف معدلات الفقر بنسب كبيرة وتفوق المعدل الوطني حيث تصل إلى% 16.5 في المجال القروي مقابل %13.11 في مجموع البلاد ، ومعدلات الفقر في الوسط الحضري تصل إلى %10.1 مقابل %7.6 في كل المناطق المغربية حسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط..
وقد عرفت الأمازيغية تهميشا ممنهجا من طرف السلطة المركزية على جميع المستويات الثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية تحكمت فيه أبعاد سياسية بالإضافة إلى الطبيعة المركزية للدولة التي تقوم على عدة محددات ك : المخزن، اليعقوبية الفرنسية، وحدة الأمة العرقية، مرجعية السلطان كما جسدتها التقاليد الإسلامية، وفي هذا السياق سيربط الأمازيغيون مبكرا بين الثقافة والتنمية حيث أن الحركة الأمازيغية أخذت تتجه صوب العمل التنموي بشكل مهم وهذا ما يفسر ظهور تيمات جديدة من قبيل الماء، الأرض، إدانة نزع الملكية، ...وغيرها كما كان الشأن في حلقات ياكورن بالقبايل/ الجزائر في الثمانينات التي تناولت في إحدى محاورها دور الثقافة في التنمية وكذا علاقاتها الجدلية والعراقيل التي تضعها ثقافة نخبوية ترتكز على اللغتين الفرنسية والعربية الكلاسيكية وهما لغتين نخبويتين تشكلا أدوات السياسات الاقتصادية والاجتماعية في المغرب.
وفي سياق الربط بين الثقافة والتنمية ستبرز عدة لقاءات وطنية وعدة مشاريع سياسية تهدف إلى إبراز ما للأمازيغية من دور في التنمية وربط هذه الأخيرة بضرورة تقوية الجهة إن من أهم التدابير الواقعية لتجاوز وضعية الاختلالات الناجمة عن نظام المركزية المفرطة الموروثة عن العهد الاستعماري الفرنسي، ومن أجل تمكين مختلف الجهات من التنمية المتوازنة وتكافؤ الفرص على مستوى البناء الاقتصادي والاجتماعي هو منح هذه المناطق والجهات المهمشة صلاحية واسعة وفعلية للتحكم في ثرواتها وإمكانياتها الطبيعية وتسيير المنشآت الخاصة بها، وتعتبر الثقافة الأمازيغية مرجعا في هذا الشأن بحكم ما يطبعها من تراكمات الأمازيغ على مستوى أنظمة التسيير المحلي والذاتي (محمد زاهد: الأمازيغية وأسئلة التنمية، أعمال الجامعة الصيفية بأكادير –الدورة السابعة- يوليوز 2003 غير منشور).
كما ستبرز عدة مشاريع في اتجاه نقد التمييز الجهوي القائم ، وكان ميثاق فاتح مارس بشأن الاعتراف بأمازيغية المغرب قد دعا في أحد مطالبه إلى رفع التهميش عن المناطق الأمازيغية ، مقابل الدعوة إلى العمل من أجل سد هذه الفوارق، وقد كان من بينها "المشروع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والبيئي لمغرب القرن الواحد والعشرون"سنة 2000 (وثيقة غير منشورة جاءت في إطار البحث عن بديل تنظيمي للحركة الأمازيغية في بداية 2000 في ظل النقاش الذي كان مطروحا آنذاك والذي أفرزه ميثاق فاتح مارس 2000 بشأن الاعتراف بأمازيغية المغرب).
اقترنت الفدرالية لدى الفاعل الأمازيغي بتجاوز الطبيعة المركزية للدولة وكسر الفوارق الاقتصادية إلا أنه رغم طرح الفدرالية من هذا الجانب وكونها آلية تضمن الحكم الذاتي للجهات، لا يمتلك الفاعل الأمازيغي أية إجابات عملية أو تصورات ملموسة يمكن الاستناد إليها لدراسة أية فدرالية يتطلع إليها الأمازيغيون إلا أن هذا لا ينفي وجود إحالة عن تجارب انتقلت بشكل تدريجي نحو دولة الجهات ومرشحة للتحول نحو الفدرالية مثل اسبانيا.
وإذا كان النظام الفدرالي في حد ذاته ليس ضمانه نحو التقدم الاقتصادي للمناطق خاصة مع بروز رأي آخر يرى أن هناك إمكانية أمام فشل الدولة المركزية على المستويين الاجتماعي والاقتصادي أن يكون منح الحكم الذاتي للجهات هو بمثابة نقل الأزمة الاجتماعية من المركز إلى الجهات وبالتالي تبرئة النظام المركزي، فإن وجود آليات وأساليب تضمنها الفدرالية تقوم بالأساس على التكامل والتعاون ومنح البنود الشرطية لبعض المناطق الأكثر تهميشا، وكذا إنشاء صناديق الموازنة لخصم فوائد المناطق من أجل مناطق أخرى والتوزيع العادل للثروات... وما يمكن ملاحظته بالنسبة للدول التي يمكن لها أن تنتقل من نظام مركزي إلى نظام فدرالي كما هو الشأن بالنسبة للمغرب، تتعاهد داخلها كل الأطراف على نص دستوري ومن تم يمكن الاعتقاد بأن ما قد تخوله الفدرالية في العلاقة مع سد الفوارق الاجتماعية هو تضمين كل الآليات الممكنة داخل الدستور ومن ثم الإرتقاء من القضية الاجتماعية والتنموية إلى مستوى القانون الأسمى إلا أنه كما هو معلوم أن النصوص القانونية لا تكفي وحدها لمعالجة كل القضايا الاقتصادية والاجتماعية مما يجعل أي نموذج فدرالي يقتضي نخب جهوية تعي دورها، وكذا محاربة الفساد الإداري والمالي وتحصين القضاء، وعصرنة الإدارة العمومية، والتمهيد لديموقراطية وطنية ، ووضع إستراتيجية واضحة لتعميم التعليم باللغات الأم لمحاربة الأمية ، ومنها اللغة الأمازيغية باعتبارها لغة أمومة الشعب المغربي الأمازيغي.
وتجدر الإشارة في هذا المضمار إلى أنه رغم اختلاف وجهات نظر النشطاء الأمازيغيين حول مفهوم الدولة المطلوبة فإن مطلب الحكم الذاتي للمناطق الأمازيغية في إطار الدولة الفدرالية هو مطلب الأغلبية الساحقة من الأمازيغيين.
كاطالونيا : التنمية والتقدم والاستفادة من الانتقال الديموقراطي
يعتبر إقليم كاطالونيا من الأقاليم الناجحة في الحكم الذاتي في اسبانيا لهذا يعتبره نشطاء الحركة الأمازيغية بالريف نموذجا للتسيير الذاتي الناجح في إطار الدولة الموحدة، ويحاولون الاستفادة من التجربة الكطلانية في التسيير الذاتي، لاسيما وأن الوضعية السياسية والاجتماعية والثقافية لكطالونيا متطابقة مع الوضعية السياسية والاجتماعية والثقافية لمنطقة الريف، فإقليم كاطالونيا الذي يقع في الشمال لدولة اسبانية قشتالية عرف خلال حقبته التاريخية الحديثة من بداية العشرينات من القرن الماضي صراعا مريرا مع النظام المركزي في مدريد، يشبه لحد كبير الحقبة الزمنية لمنطقة الريف منذ بداية القرن الماضي مع الاستعمار الاسباني كمرحلة أولى ومع النظام المغربي كمرحلة ثانية خاصة في تلك الفترات التي دخل فيها الريفييون مع الدولة المركزية في صراع غير متكافئ في نهاية الخمسينات (1958/1959 و 1984) ومع الحصار والتهميش ومحو الإنسان الريفي من الدولة المغربية كمرحلة ثالثة، كما أن المقاربات اللغوية والثقافية والاقتصادية والسياسية بين الإقليمين تتساوى في تجليات عديدة باستثناء أن إقليم كاطالونيا استفاد من الانتقال الديموقراطي حيث قد شكلت مرحلة ما بعد وفاة الجنزال فرانسيسكوا فرانكوا سنة 1975 مرحلة مهمة وحاسمة في تاريخ اسبانيا التي انتقلت من النظام الديكتاتوري إلى النظام الديموقراطي بملكية برلمانية ودولة مؤسسات فعلية ببرلمان يسود ويشرع ويراقب، وبحكومات جهوية وصلت 16 منطقة حكم ذاتي داخل التراب الاسباني، وأصبح عالم المال والأعمال مرتبط بالنظام الديموقراطي خاصة بعد سقوط حكومة "فارجاس"، وفشله في مجال إصلاحاته الدنيا، وبتعيين رئيس حكومة جديد بمصادقة "الكورطيس" على قانون الإصلاح السياسي، فاستفاد إقليم كاطالونيا من الامتيازات التي خولها له هذا القانون ليحقق قفزة كبيرة في النمو الاقتصادي والازدهار الاجتماعي وأصبح اليوم الإقليم يعتبر من بين أقوى الأقاليم اقتصاديا في اسبانيا كما تعتبر مدينة "برشلونة" عاصمة الإقليم بمثابة العاصمة الاقتصادية لاسبانيا.
وقد استفاد الشعب الكطلاني وغيره من المادة 2 من دستور 1978 المتعلق بعدم الانفصال عن وحدة الأمة الاسبانية، وكون البلد وطن جميع الاسبانيين وغيرها من القوانين كقانون النسيان وتطبيق اسبانيا لنظام نظام سياسي برلماني.
ولكون أن البرلمان والحكومة الاسبانية قد اعترفتا باللغة والثقافة الأمازيغية سنة 2001 وأن اللغة الأمازيغية الريفية هي اللغة الثالثة من حيث التدوال بكطالونيا بعد الكطلانية والقشتالية حسب إحصائيات رسمية ثابتة، هذا دون نسيان أن نسبة كبيرة تفوق النصف من المهاجرين بكطالونيا هم من أصول أمازيغية ريفية ، وقد شكلت سنة 2007 مرحلة مهمة في تاريخ العمل الأمازيغي بإقليم كاطالونيا من خلال إقرار عملية تدريس الأمازيغية لأبناء المهاجرين بهذا الإقليم ، ويشكل العمل الأمازيغي دينامية وحركة مهمة حيث يعتبر إقليم كاطالونيا الأكثر حيوية من حيث النضال الأمازيغي بأوروبا عامة، نظرا للكم الهائل للجمعيات الأمازيغية التي تأسست في هذا الإقليم ، وهو رقم قياسي مقارنة مع اسبانيا أو أوروبا ككل، وترجع هذه الدينامية إلى عامل الهجرة، حيث أن الهجرة الريفية إلى كاطالونيا هجرة حديثة بالمقارنة مع الهجرة إلى باقي البلدان الأوروبية، ومن بين المهاجرين بهذا الإقليم نشطاء الحركة الأمازيغية الذين يدعمون مطلب الحكم الذاتي للريف، نظرا لاطلاعهم على التجربة الكطلانية الناجحة، وبالتالي تحول الحكم الذاتي الكطلاني إلى نموذج للنمو والازدهار يحتدى به من طرف النشطاء الأمازيغيين المطالبين بالحكم الذاتي للريف، ويريدون الحصول على نفس الامتيازات التي حصل عليها إقليم كاطالونيا في الجارة الشمالية.
الانتقال الديموقراطي على ضوء الإصلاحات الدستورية وحقوق الإنسان
للحديث عن الانتقال الديموقراطي والرهانات المرتبطة بالإصلاحات السياسية والدستورية لا بد من تقييم مختلف التحولات والإصلاحات التي حاولت الدولة إرسائها رغم أنه لم تكن وراءها إرادة فعلية للتعزيز دور الجهة، فتذكير كرونولوجي سريع يفيدنا بأن المغرب بدأ في سن السياسة الجهوية منذ سنة 1971 عندما سعى إلى خلق 7 جهات اقتصادية كبرى، وستتعزز هذه السياسة سنة 1975 مع بلورة "مخطط تنمية الجهوية" لننتظر بعدها عشر سنوات أي سنة 1984 حتى يقرر الملك الراحل الحسن الثاني إرساء قواعد اللامركزية التي تبناها كل من دستور 1992 ودستور 1996. و رغم هذه الدسترة، فشبابيك الاستثمار الجهوي لم يكتب لها الوجود حتى سنة 2002 . غير أن كل هذه المحاولات المتحشمة لسن سياسة اللاتمركز لم تعطي ثمارها وظل بذلك كل شيء شديد التمركز في العاصمة. ومن هناك يمكن القول أن الانتقال الديموقراطي في المغرب كما في مختلف البلدان التي تتوق للتغيير والتطور يتطلب مقاربة شاملة تتجاوز البناء المؤسساتي والتشريعي، إلى ملامسة عناصر أساسية منها الجوانب الإدارية والفكرية والاقتصادية واستيعاب تحديات المحيط الدولي وما يفرضه من مخاطر وإكراهات، فهو –أي الانتقال الديموقراطي- هو بمثابة تحول تاريخي تتحكم فيه مجموعة من العناصر والديناميات المتباينة، وضمن هذا الإطار، تفرض الإصلاحات الاقتصادية نفسها بحدة. وإذا كان الاقتصاد لا يمكن تأهيله ودراسته بعيدا عن السياسة، فالعكس صحيح أيضا، وبخاصة إذا علمنا أن الشأن الاقتصادي في المغرب لازال متخلفا بشكل كبير. ولعل التأمل في مفهوم الديموقراطية والتفكير في مختلف النظريات السياسية الكبرى عند الحديث عن الانتقال الديموقراطي الذي تعتبر الحرية والمساواة والاقتراع أهم مقوماته، هو أمر يفرض نفسه أيضا ويخدم هذا الانتقال، وذلك بالنظر للإشكالات المختلفة المرتبطة بتحديد مفهوم الديموقراطية فتأمين انتقال ديموقراطي فعال يتوقف أيضا على تبني حكامة سياسية واقتصادية ومقاولاتية جيدة، مع انخراط الدولة والمجتمع بكل مكوناتهما من جماعات محلية وقطاعات خاصة في التنمية وذلك من خلال التقرب من المواطن ومشاكله والنهوض بأوضاعه على مختلف الأصعدة وخاصة فيما يتعلق بالحقوق، أي حقوق الإنسان حيث لا يمكن الحديث عن الديموقراطية في بلد ما دونما استحضار لوضعية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وبما أن بلادنا لا زالت تعرف خروقات عديدة في هذا الملف فإن التحول والانتقال نحو الديموقراطية قد يتعثر هنا، فرغم أن الدولة بمختلف أجهزتها تحاول الإيهام بوجود هذه الحقوق فإن الحقيقة تعكس وضعا آخر، فبخصوص المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي هو مؤسسة أحدثت في بداية التسعينيات بموجب الظهير رقم 1.90.12، بتشكيلة متنوعة تتكون أساسا من مكونات المجتمع السياسي والمدني، وذلك في إطار سياسة الانفتاح التي دشنها المغرب آنذاك، من أجل البث في حالات الخروقات والاختفاءات والاعتقالات المرتبطة بحقوق الإنسان وتقديم مجموعة من الآراء الاستشارية لصناع القرار باتجاه النهوض بحقوق الإنسان والدفاع عن الحريات والحقوق بالمغرب... نجده لم يحقق الهدف الذي أنِشأ لأجله فحالات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان لا زالت تحدث أمام أعين الجميع، وما حدث بسيدي ايفني، ولطلبة مراكش وطلبة فاس، ولنشطاء الحركة الأمازيغية بجامعة مكناس الذين حوكموا ب32 سجنا نافذا، وما يحدث دائما للجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين..... وغيرها خير دليل على أن المغرب لا زال لم يبلور بعد سياسة القطع مع سلوكات الماضي لملاءمة التشريعات الوطنية للمعاهدات والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.
أما عمل هيئة الإنصاف والمصالحة المتمثل في الكشف عن ماضي الانتهاكات فلم يستطع أيضا الكشف عن كل ما حدث، حيث ظلت العديد من ملفات الاختفاء القسري منسية في رفوف مكاتب الهيئة المذكورة لعل أبرزها ملفات قادة جيش التحرير بالشمال (عباس المسعدي، حدوا أقشيش، عبد السلام الطود) وملف المهدي بنبركة وملف أحداث 1984 بالناظور حيث لا زالت الجثث الستة عشر التي تم انتشالها يوم 28 أبريل 2008 من ثكنة الوقاية المدنية بالناظور لم تسلمهم الدولة لعائلاتهم، كما أنه لم يتم تحديد هوياتهم إلى حد الآن، وهو ما يعتبر مؤشرا على أن هيئة الإنصاف والمصالحة لم تتمكن من كشف كل الحقائق، ومن غريب المفارقات أن الدولة هي ارتكبت هذه الانتهاكات وهي التي أنشأت الهيئة المذكورة ومع ذلك لم تتمكن من كشف كل الحقائق مما يعني أن الأمر فيه إقرار مع وقف التنفيذ، وهو ما يمكن أن يعيق من جديد عملية السير الديموقراطي. وبالتالي فلا بد من وضع مقاربات جديدة لتكون كمدخل لبناء مجتمع حداثي وتوفير شروط مناسبة وملائمة لانتقال ديموقراطي، كما تتطلب المرحلة أيضا ضرورة تصديق المغرب على قانون روما المرتبط بالمحكمة الجنائية الدولية الدائمة، ولعل الحاجة إلى هذا التصديق تجد مبررها في كون المغرب شهد خلال فترات من تطوره التاريخي بعد الاستقلال أحداثا مؤلمة تدخل ضمن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وتندرج ضمن اختصاص المحكمة، في الوقت الذي كانت فيه الهيئة القضائية عاجزة عن مقاربة ملفات من هذا النوع بشكل فعال وعادل. علما أن هذا التصديق يتطلب بداية إعمال إصلاحات مؤسساتية وقانونية(تعديل المادة 34 من الدستور المرتبطة بحق العفو المتاح للملك، وجعله لا يطال المتورطين في جرائم تدخل ضمن خانة الخروقات والانتهاكات المرتبطة بحقوق الإنسان، مثلا...)، ويظل هذا المطلب الملح مشروعا، مادامت ديباجة الدستور المغربي تنص على تعهد المغرب باحترام حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا.كما أن هناك مجموعة من الوقائع في الحقل الاقتصادي والاجتماعي التي تؤكد وجود نوع من الانحراف في تدبير الشؤون المرتبطة بهذه المجالات، حيث تبين أن هناك تهميش ملحوظا طال مناطق مختلفة من البلاد وذلك لأسباب سياسية وغيرها، مع استمرار بعض الممارسات المسيئة لحقوق الإنسان بشكل عام كاستمرار الملاحقة القضائية لبعض الصحفيين واستعمال القوة لتفريق المتظاهرين وبخاصة المعطلين عن العمل منهم، ثم اعتقال عدد كبير من الإسلاميين في أعقاب أحداث 16 مايو وتعريضهم لمعاملات سيئة أثناء استجوابهم... وهنا تطرح أهمية بلورة إصلاح دستوري باتجاه تعزيز دور الوزير الأول والمؤسسة التشريعية، بالشكل الذي سينعكس حتما على فعالية باقي المؤسسات، ويضمن تكريس دولة الحق والقانون.
إن الانتقال الديموقراطي يرتبط في جانب مهم منه أيضا بالحداثة في علاقتها بأمور فنية وأخلاقية ودينية.. وإذا كان المغرب قد اتخذ منذ بداية التسعينيات من القرن المنصرم هذه الحداثة كخيار استراتيجي، فينبغي عليه تطوير مختلف أبعاد مشروعه الحداثي هذا، حتى يكون متكاملا، وهو ما يتطلب الحسم بجرأة في مسألة حرية المعتقدات، وبخاصة وأن الجانب الديني ظل مهملا ومستبعدا مقارنة مع الجوانب القانونية والسياسية والاقتصادية والتقنية.. بل أصبح المغرب يحارب هذه الحرية في الآونة الآخيرة –أي حرية المعتقدات الدينية- وتمثل ذلك في الحملة الأخيرة التي يقودها ضد التشييع والتنصير، فالمرجعية المغربية لا زالت تتناقض مع المرجعيات الدولية المعروفة في هذا الشأن، كما أن النظام القانوني المغربي لا زال يرفض حرية الاعتقاد كما هي متعارف عليها دوليا، ولا زال هناك نوع من التمييز بين المغاربة على أساس ديني، ناهيك عن التمييز بين الرجل والمرأة....
أما الإصلاحات الدستورية والتشريعية في سياق الانتقال الديموقراطي فمن المعلوم أن إصلاح الدستور باتجاه تفعيل الحياة السياسية، يعد أمرا ضروريا بالنسبة لأي حراك ديموقراطي، لما لذلك من انعكاس إيجابي على مختلف القوانين والمؤسسات الأخرى. وفي هذا السياق تذهب بعض القراءات السياسية إلي القول بأن الدستور المغربي ليس مؤسسة كما هو متعارف عليه في علم السياسة، فالملكية سابقة للدستور، بل وتشتغل فوق نصوصه أحيانا، كما تسمح لها مقتضيات دستورية بممارسة مجموعة من السلطات والصلاحيات التقديرية والواسعة كما ذكرنا أعلاه. ولذلك يلاحظ عودة مطلب التعديل الدستوري المغربي إلى الواجهة، بعد فترة كمون دامت زهاء تسع سنوات، وقد تباينت الآراء بصدد فعالية إصلاح الدستور في تأمين انتقال ديموقراطي ناجح، فهناك من يعتبر بأن هذا الإصلاح هو أمر لازم وملح في هذا الانتقال، وفي المقابل، هناك من يعتقد بأنه ينبغي أن يكون تتويجا ونتاجا لهذا الانتقال. وقد نستحضر التجربة الإسبانية في هذا الشأن باعتبارها نموذجا إيجابيا مكن فيها تغيير الوثيقة الدستورية من إنجاح وضمان مسلسل الانتقال الديموقراطي.
وكان المغرب منذ بداية التسعينيات قد تبنى من جديد مجموعة من القوانين التي تعتبر تقدما ملحوظا في مسار دولة الحق والقانون، ومن ضمنها قانون المسطرة الجنائية الذي غير من القانون السابق وحمل شروطا ومرجعيات جديدة، وحاول التوفيق بين واقع الجريمة المتطور واحترام حقوق الإنسان وكرامته.غير أن سن هذه التشريعات يظل أمرا غير كافي لبناء مدخل ملائم جدير بالانتقال الديموقراطي المأمول، فالقانون وحده لن يؤثث المشهد السياسي، وتظل الحاجة ملحة إلى جعل مؤسسة القضاء في مستوى إعمال هذه السياسة الجنائية، وبخاصة وأن القضاء المغربي لا زال يعاني من مجموعة ؤخ.كض
من المشاكل من قبيل الإكراهات المادية والبطء واستفحال الرشوة.
الانتقال الديموقراطي ورهانات حرية التعبير والصحافة
من بين الآليات المحددة لعملية الانتقال الديموقراطي نجد حرية الصحافة، فبدون هذه الحرية لا يمكن الحديث عن الديموقراطية، وهي تشكل إلى جانب القضايا الأخرى التي تحدثنا عنها أعلاه إحدى أهم الثوابت والمحددات لعملية الانتقال الديموقراطي، فهي تعتبر عصارة أو لب الديموقراطية، وقد ناضل الجسم الصحفي المغربي منذ مدة ليست بالقصيرة لأجل تحقيق هذا المكسب الجوهري والاستراتيجي، وقدم تضحيات جسام لنفس الغرض، ومع ذلك لم يصل إلى الهدف المنشود بعد ، أي توسيع هامش حرية الرأي والتعبير، بل تعرف هذه الحرية تراجعا خطيرا في السنوات الأخيرة، وهذا ما تؤكده المحاكمات الصورية الغير عادلة مؤخرا التي تعرضت لها العديد من المنابر الإعلامية الوطنية، والتي وصلت فيها الغرامات المالية إلى أرقام خيالية (حالة المساء 600 مليون، ولوجورنال 300 مليون)، ولا زال الصحفي والمجرم يقفان في صف واحد أمام القاضي، والأكثر من هذا أصبح الصحفي يمكن أن يسجن بتهم ملفقة، فقانون الصحافة يزخر كما هو معلوم بعتاد وافر من وسائل التقييد مثل أحكام السجن على الإساءات من خلال التعبير والتي حددها القانون بشكل فضفاص في "المسّ" بالنظام الملكي أو بالإسلام أو "بوحدة البلاد"، أو "إهانة" الملك أو زعماء أو دبلوماسيي الدول الأخرى، فوفق المادة 42 فان القانون يجرم" نشر أو إذاعة أو نقل نبإ زائف أو ادعاءات أو وقائع غير صحيحة أو مستندات مختلفة أو مدلس فيها منسوبة للغير إذا أخلت بالنظام العام أو أثارت الفزع بين الناس"، كما أن المعروف أن جريمة المعلومات الكاذبة عقوبتها السجن لمدة تتراوح بين شهر و12 شهرا وغرامة تتراوح بين 1200 درهم و100 ألف درهم، غير أن قانون الصحافة ينص على ضرورة توفر شرطين للإدانة بتهمة نشر معلومات كاذبة بموجب المادة 42: أولا، يجب أن يكون الخبر الكاذب قد نشر "بسوء نية"؛ ثانيا، أن يكون النشر قد "أخل بالنظام العام"، كما و قد يذهب القضاة بمقتضى نفس المادة إلى حد الحكم بسجن الصحفيين بسبب تشويه سمعة الآخرين أو نشر أنباء كاذبة "تخل بالنظام العام" ومن هذه البنود يتضح أن المشرع المغربي يحاول تقييد الصحفي لخضوعه للسلطة وبالتالي تركه بين سندان المصداقية والجرأة التي تعاهد عليها مع القارئ ومطرقة السجون والغرامات الخيالية، لأن كل البنود يمكن للقضاة تطبيقها في حالة نشر أي خبر كيفما كان نوعه مع تأويلات ومغالطات، فما دام المشرع المغربي لم يحدد معنى المقدس ولا كيفية المعرفة بأن الخبر نشر بسوء نية أو بحسنها يظل الصحفي دائما مقيد، وبالتالي فإصلاح هذا القانون في اتجاه توسيع رقعة حرية التعبير يعتبر لب الانتقال الديموقراطي، حيث سيتمكن بواسطته الصحفي من لعب دوره الحقيقي والمتمثل في مراقبة عمل كل الهيئات والسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وفضح كل الخروقات التي تقع في مختلف مواقع القرار النافذ، وبالتالي فإن إصلاح قانون الصحافة هو بمثابة الرهان المحدد لعملية الانتقال الديموقراطي.
على سبيل الختام : محددات الانتقال الديموقراطي
يمكن تحديد آليات الانتقال الديموقراطي في خمسة آليات : القضية الأمازيغية، الحركة النسائية، الحركة الحقوقية، حرية الصحافة، ومطالب الطبقة العاملة، فبدون تحقيق مطالب هذه الفئات لا يمكن بتاتا الحديث عن الديموقراطية وهذه الفئات لا زالت مضطهدة في بلاد يسعى إلى القطيعة مع كل أشكال التعنيف والظلم الذي لحق بفآت واسعة من الشعب المغربي، وبالتالي فتحقيق مطالب هذه الفآت مع التنصيص عليها في دستور ديموقراطي شكلا ومضومنا هو ما يتطلع إليه الشعب المغربي من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه، فبدون هذا المكسب سيظل الحال قاتما والوضع الاجتماعي سيزداد احتقانا مما قد يجعلنا نعود إلى سنوات الجمر والرصاص لا قدر الله.


فكري الأزراق
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.