يتساءل الجميع من أين للعربي المحرشي كل هذه القوة. من أين له كل هذا النجاح. حتى أنه غطى على حكيم بنشماس. وعلى بام اليسار. وعلى بام اليمين. وعلى الأصالة. وعلى المعاصرة. وأصبح الرجل رقم واحد داخل الحزب. والجواب البسيط هو تكوينه. وهو شهادته. فهو الشخص الوحيد في المغرب الذي حصل على شهادة المستوى الثالث ثانوي شعبة الفلسفة. بل إن هذه الشهادة غير موجودة. ولا توجد شعبة في المغرب اسمها شعبة الفلسفة. لكنه يتوفر عليها لوحده. ويقول إنه وجدها مدسوسة في ملف ترشحه للانتخابات. وتواضعا منه يقول إنها ليست له. بل إن جهة ما وضعتها في ملفه. ويتفلسف حولها. ويحكي بعض العارفين بما يحدث داخل الحزب. أن السبب الحقيقي لابتعاد إلياس العمري. كان هو خوفه من هذه اللحظة التي سيبزه فيها العربي المحرشي. وأنه كان متأكدا أنه سيستعمل تكوينه الفلسفي. وسيخرج شعبته. في الوقت المناسب. وأنه سيتوفق عليه في التنظير والتأليف. وأن كتاب إلياس العمري الإخوان المسلمون أنموذجا سيتم هدم أطروحته من طرفه صديقه اللدود. ولذلك انسحب قبل أن يقع هذا. وقبل أن يتعرض للهزيمة. أما إذا نظرنا إلى خصوم العربي المحرشي داخل الحزب اليوم. فكلهم لا يتوفرون على شهادة الثالث ثانوي شعبة الفلسفة. ومهما قاوموه فإنه سينتصر عليهم. ومهما استعمل عبد اللطيف وهبي تكوينه القانوني. فإنه يقف عاجزا أمام شهادة الثالث ثانوي شعبة الفلسفة. ونفس الأمر بالنسبة إلى فاطمة الزهراء المنصوري وأحمد اخشيشن ومن يدور في فلكهما. وتقول أخبار إنهم حاولوا الحصول على شهادة مماثلة. لكنهم فشلوا. وأنهم جربوا أن يتفلسفوا. لكن لم يكن بمقدورهم أن يصلوا إلى مستواه. وبفضلها. وبفضل تلك الشهادة النادرة فقد أصبح البام له. وأصبح يتبعه المتعلمون من كل الشعب الأخرى. ويأتمرون بأوامره. وكل هذا يدل على قيمة الفلسفة. وفي وقت كانت تحاربها الدولة لأنها تخاف منها. استطاع العربي المحرشي أن يخلق لها شعبة. ودرسها بطريقة سرية. وبعيدا عن أعين وزارة التربية الوطنية. وحين احتاج إليها أشهرها في وجه الجميع. وهي التي ساعدته في أن يحمل معه ابنته إلى البرلمان. ويتساءل كثيرون بسذاجة عن إيديولوجية وأفكار العربي المحرشي. وهل جاء هو الآخر لمحاربة الإسلاميين. وهل هو حداثي. وهل أصيل. وهل معاصر. وهل هو يساري. والجواب الصحيح أنه تخصص شعبة فلسفة مستوى ثالث ثانوي. وهذا يكفيه. وهذا يجعله في غنى عن كل الأفكار والإيديولوجيات. والفلسفة هي التي تقوده. وتحدد أفكاره. وهي التي يستنير بها. وهي التي تساعده على كل هذا التألق. وهي التي تمنحه كل هذا الوهج. وهي دليله. وهي التي جعلت منه شخصا ثريا. وهي التي جعلت متعلمي البام يلهثون خلفه. وقد مارس الراحل الجابري السياسة. ومارسها العروي لفترة قصيرة. لكنه لم يحدث في تاريخ المغرب أن وصل خريج فلسفة إلى ما وصل إليه العربي المحرشي. وإذا كان من إنجاز حققه حزب الأصالة والمعاصرة فهو هذا. وبعد سنوات من ضم الأحزاب. وبعد سنوات من جمع ما لا يجتمع في حزب. وبعد سنوات من الشعارات ومن تخويف الناس ومحاربة الإسلاميين انتهى البام بين يدي مفكر عصره وفيلسوف زمانه مخترع شعبة الفلسفة مستوى ثالث ثانوي انتهى حزب يحكمه فيلسوف. وهذه سابقة. وهذا هو الشيء الوحيد الذي سيسجله التاريخ للأصالة والمعاصرة. وسوف ننسى إلياس العمري. وسوف ننسى حكيم بنشماس. والباكوري. وميلودة حازب. وبالفور يا الشيفور. لكن لا يمكننا أبدا أن ننسى مستوى ثالث ثانوي شعبة الفلسفة. لا يمكننا أن ننسى أنها شعبة غير موجودة وخلقها العربي المحرشي من عدم. وصارت وجودا. وصارت تمشي بيننا. وصار الحاصل عليها رجلا يضرب له ألف حساب في المشهد السياسي بالمغرب. وخلفه تجري كل الشعب الأخرى وصدق من قال الفلسفة أم العلوم. ولم يكن مخطئا من حاربها. وحذر منها. وها هي توصل المتخصص فيها إلى القمة.